فصل: باب مَا يُصِيبُ مِنْ الطَّعَامِ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ مَا سَأَلَ هَوَازِنُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَضَاعِهِ فِيهِمْ فَتَحَلَّلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ

وَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعِدُ النَّاسَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْ الْفَيْءِ وَالْأَنْفَالِ مِنْ الْخُمُسِ وَمَا أَعْطَى الْأَنْصَارَ وَمَا أَعْطَى جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ تَمْرَ خَيْبَرَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ بالتنوين ‏(‏ومن الدليل‏)‏ هو عطف على الترجمة التي قبل ثمانية أبواب حيث قال ‏"‏ الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقال هنا ‏"‏ لنوائب المسلمين‏"‏‏.‏

وقال بعد باب ‏"‏ ومن الدليل على أن الخمس للإمام ‏"‏ والجمع بين هذه التراجم أن الخمس لنوائب المسلمين وإلى النبي صلى الله عليه وسلم مع تولي قسمته أن يأخذ منه ما يحتاج إليه بقدر كفايته، والحكم بعده كذلك يتولى الإمام ما كان يتولاه، هذا محصل ما ترجم به المصنف، وقد تقدم توجيهه وتبيين الاختلاف فيه، وجوز الكرماني أن تكون كل ترجمة على وفق مذهب من المذاهب، وفيه بعد، لأن أحدا لم يقل أن الخمس للمسلمين دون النبي صلى الله عليه وسلم ودون الإمام ولا للنبي صلى الله عليه وسلم دون المسلمين وكذا للإمام، فالتوجيه الأول هو اللائق، وقد أشار الكرماني أيضا إلى طريق الجمع بينها فقال‏:‏ لا تفاوت من حيث المعنى إذ نوائب رسول الله صلى الله عليه وسلم نوائب المسلمين والتصرف فيه له وللإمام بعده‏.‏

قلت‏:‏ والأولى أن يقال‏:‏ ظاهر لفظ التراجم التخالف، ويرتفع بالنظر في المعنى إلى التوافق، وحاصل مذاهب العلماء أكثر من ثلاثة‏:‏ أحدها قول أئمة المخالفة الخمس يؤخذ من سهم الله ثم يقسم الباقي خمسة كما في الآية‏.‏

الثاني‏:‏ عن ابن عباس خمس الخمس لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم وأربعة للمذكورين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرد سهم الله ورسوله لذوي القربى ولا يأخذ لنفسه شيئا‏.‏

الثالث قول زين العابدين‏:‏ الخمس كله لذوي القربى، والمراد باليتامى يتامى ذوي القربى وكذلك المساكين وابن السبيل، أخرجه ابن جرير عنه، لكن السند إليه واه‏.‏

الرابع هو للنبي صلى الله عليه وسلم فخمسه لخاصته وباقيه لتصرفه‏.‏

الخامس هو للإمام ويتصرف فيه بالمصلحة كما يتصرف في الفيء‏.‏

السادس يرصد لمصالح المسلمين‏.‏

السابع يكون بعد النبي صلى الله عليه وسلم لذوي القربى ومن ذكر بعدهم في الآية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما سأل هوازن النبي صلى الله عليه وسلم برضاعه فيهم فتحلل من المسلمين‏)‏ هوازن فاعل والمراد القبيلة وأطلقها على بعضهم مجازا، والنبي بالنصب على المفعولية، وقوله ‏"‏برضاعه ‏"‏ أي بسبب رضاعه، لأن حليمة السعدية مرضعته كانت منهم، وقد ذكر قصة سؤال هوازن من طريق المسور بن مخرمة ومروان موصولة، ولكن ليس فيها تعرض لذكر الرضاع، وإنما وقع ذلك فيما أخرجه ابن إسحاق في المغازي من طريق عمرو في شعيب عن أبيه عن جده فذكر القصة مطولة وفيها شعر زهير بن صرد حيث قال فيه‏:‏ امنن على نسوة قد كنت ترضعها إذ فوك يملؤه من محضها الدرر وسيأتي بيان ما في سياقه من فائدة زائدة عند الكلام على حديث المسور في المغازي إن شاء الله تعالى‏.‏

وتقدم شرح بعض ألفاظه في أواخر العتق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعد الناس أن يعطيهم من الفيء والأنفال من الخمس وما أعطى الأنصار وما أعطى جابر بن عبد الله من تمر خيبر‏)‏ أما حديث الوعد من الفيء فيظهر من سياق حديث جابر، وأما حديث الأنفال من الخمس فمذكور في الباب من حديث ابن عمر، وأما حديث إعطاء الأنصار فتقدم من حديث أنس قريبا، وأما حديث إعطاء جابر من تمر خيبر فهو في حديث أخرجه أبو داود، وظهر من سياقه أن حديث جابر الذي ترجم به المصنف للباب طرف منه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ وَزَعَمَ عُرْوَةُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا السَّبْيَ وَإِمَّا الْمَالَ وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَظَرَ آخِرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنْ الطَّائِفِ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلَّا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قَالُوا فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُسْلِمِينَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ هَؤُلَاءِ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُطَيِّبَ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ فَقَالَ النَّاسُ قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا لَا نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنَا عَنْ سَبْيِ هَوَازِنَ

الشرح‏:‏

حديث المسور وقد نبهت عليه وتقدم بعضه بهذا الإسناد بعينه في الوكالة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَاصِمٍ الْكُلَيْبِيُّ وَأَنَا لِحَدِيثِ الْقَاسِمِ أَحْفَظُ عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى فَأُتِيَ ذَكَرَ دَجَاجَةً وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ أَحْمَرُ كَأَنَّهُ مِنْ الْمَوَالِي فَدَعَاهُ لِلطَّعَامِ فَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ فَحَلَفْتُ لَا آكُلُ فَقَالَ هَلُمَّ فَلْأُحَدِّثْكُمْ عَنْ ذَاكَ إِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ الْأَشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ فَقَالَ وَاللَّهِ لَا أَحْمِلُكُمْ وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ وَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَهْبِ إِبِلٍ فَسَأَلَ عَنَّا فَقَالَ أَيْنَ النَّفَرُ الْأَشْعَرِيُّونَ فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قُلْنَا مَا صَنَعْنَا لَا يُبَارَكُ لَنَا فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا إِنَّا سَأَلْنَاكَ أَنْ تَحْمِلَنَا فَحَلَفْتَ أَنْ لَا تَحْمِلَنَا أَفَنَسِيتَ قَالَ لَسْتُ أَنَا حَمَلْتُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ وَإِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا

الشرح‏:‏

حديث أبي موسى الأشعري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال وحدثني القاسم في عاصم الكليبي‏)‏ بموحدة مصغر، والقائل ذلك هو أيوب، بين ذلك عبد الوهاب الثقفي عن أيوب كما سيأتي في الأيمان والنذور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأتي ذكر دجاجة‏)‏ كذا لأبي ذر ‏"‏ فأتي ‏"‏ بصيغة الفعل الماضي من الإتيان و ‏"‏ ذكر ‏"‏ بكسر الذال وسكون الكاف و ‏"‏ دجاجة ‏"‏ بالجر والتنوين على الإضافة وكذا للنسفي‏.‏

وفي رواية الأصيلي ‏"‏ فأتي ‏"‏ بضم الهمزة على البناء لما لم يسم فاعله و ‏"‏ ذكر ‏"‏ بفتحتين و ‏"‏ دجاجة ‏"‏ بالنصب والتنوين على المفعولية، كأن الراوي لم يستحضر اللفظ كله وحفظ منه لفظ دجاجة، قال عياض‏:‏ وهذا أشبه لقوله في الطريق الأخرى ‏"‏ فأتي بلحم دجاج ‏"‏ ولقوله في حديث الباب ‏"‏ فدعاه للطعام ‏"‏ أي الذي في الدجاجة، وسيأتي في النذور بلفظ ‏"‏ فأتي بطعام فيه دجاج ‏"‏ وهو المراد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعنده رجل من بني تيم الله‏)‏ هو نسبة إلى بطن من بني بكر بن عبد مناة وسيأتي الكلام على شرحه مستوفى في الأيمان والنذور، وأبين هناك ما قيل في اسمه ومناسبته للترجمة من جهة أنهم سألوه فلم يجد ما يحملهم عليه، ثم حضر شيء من الغنائم فحملهم منها، وهو محمول على أنه حملهم على ما يختص بالخمس، وإذا كان له التصرف بالتنجيز من غير تعليق فكذا له التصرف بتنجير ما علق‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قِبَلَ نَجْدٍ فَغَنِمُوا إِبِلًا كَثِيرَةً فَكَانَتْ سِهَامُهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعث سرية‏)‏ ذكرها المصنف في المغازي بعد غزوة الطائف، وسيأتي بيان ذلك في مكانه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قبل نجد‏)‏ بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهتها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فغنموا إبلا كثيرة‏)‏ في رواية عند مسلم ‏"‏ فأصبنا إبلا وغنما‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكانت سهامهم‏)‏ أي أنصباؤهم، والمراد أنه بلغ نصيب كل واحد منهم هذا القدر، وتوهم بعضهم أن ذلك جميع الأنصباء قال النووي وهو غلط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اثني عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا‏)‏ وهكذا رواه مالك بالشك والاختصار وإيهام الذي نفلهم، وقد وقع بيان ذلك في رواية ابن إسحاق من نافع عند أبي داود ولفظه ‏"‏ فخرجت فيها فأصبنا نعما كثيرا وأعطانا أميرنا بعيرا بعيرا لكل إنسان، ثم قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فقسم بيننا غنيمتنا فأصاب كل رجل منا اثنا عشر بعيرا بعد الخمس‏.‏

وأخرجه أبو داود أيضا من طريق شعيب بن أبي حمزة عن نافع ولفظه ‏"‏ بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش قبل نجد وأتبعت سرية من الجيش، وكان سهمان الجيش اثني عشر بعيرا اثني عشر بعيرا، ونفل أهل السرية بعيرا بعيرا، فكانت سهمانهم ثلاثة عشر بعيرا ثلاثة عشر بعيرا‏"‏‏.‏

وأخرجه ابن عبد البر من هذا الوجه وقال في روايته ‏"‏ إن ذلك الجيش كان أربعة آلاف ‏"‏ قال ابن عبد البر‏:‏ اتفق جماعة رواة الموطأ على روايته بالشك، إلا الوليد بن مسلم فإنه رواه عن شعيب ومالك جميعا فلم يشك، وكأنه حمل رواية مالك على رواية شعيب‏.‏

قلت‏:‏ وكذا أخرجه أبو داود عن القعنبي عن مالك والليث بغير شك، فكأنه أيضا حمل رواية مالك على رواية الليث‏.‏

قال ابن عبد البر‏:‏ وقال سائر أصحاب نافع ‏"‏ اثني عشر بعيرا ‏"‏ بغير شك لم يقع الشك فيه إلا من مالك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونفلوا بعيرا بعيرا‏)‏ بلفظ الفعل الماضي من غير مسمى، والنفل زيادة يزادها الغازي على نصيبه من الغنيمة، ومنه نفل الصلاة وهو ما عدا الفرض‏.‏

واختلف الرواة في القسم والتنفيل هل كانا جميعا من أمير ذلك الجيش أو من النبي صلى الله عليه وسلم أو أحدهما من أحدهما، فرواية ابن إسحاق صريحة أن التنفيل كان من الأمير والقسم من النبي صلى الله عليه وسلم، وظاهر رواية الليث عن نافع عند مسلم أن ذلك صدر من أمير الجيش، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مقررا لذلك‏.‏

مجيزا له لأنه قال فيه ‏"‏ ولم يغيره النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وفي رواية عبد الله بن عمر عنده أيضا ‏"‏ ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا بعيرا‏"‏؛ وهذا يمكن أن يحمل على التقرير فتجتمع الروايتان، قال النووي‏:‏ معناه أن أمير السرية نفلهم فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم فجازت نسبته لكل منهما‏.‏

وفي الحديث أن الجيش إذا انفرد منه قطعة فغنموا شيئا كانت الغنيمة للجميع، قال ابن عبد البر‏:‏ لا يختلف الفقهاء في ذلك، أي إذا خرج الجيش جميعه ثم انفردت منه قطعة انتهى‏.‏

وليس المراد الجيش القاعد في بلاد الإسلام فإنه لا يشارك الجيش الخارج إلى بلاد العدو، بل قال ابن دقيق العيد‏:‏ إن الحديث يستدل به على أن المنقطع من الجيش عن الجيش الذي فيه الإمام ينفرد بما يغنمه، قال‏:‏ وإنما قالوا بمشاركة الجيش لهم إذا كانوا قريبا منهم يلحقهم عونه وغوثه لو احتاجوا انتهى‏.‏

وهذا القيد في مذهب مالك‏.‏

وقال إبراهيم النخعي‏:‏ للإمام أن ينفل السرية جميع ما غنمته دون بقية الجيش مطلقا، وقيل أنه انفرد بذلك‏.‏

وفيه مشروعية التنفيل، ومعناه تخصيص من له أثر في الحرب بشيء من المال، لكنه خصه عمرو ابن شعيب بالنبي صلى الله عليه وسلم دون من بعده، نعم وكره مالك أن يكون بشرط من أمير الجيش كأن يحرض على القتال وبعد بأن ينفل الربع إلى الثلث قبل القسم، واعتل بأن القتال حينئذ يكون للدنيا، قال فلا يجوز مثل هذا انتهى‏.‏

وفي هذا رد على من حكى الإجماع على مشروعيته‏.‏

وقد اختلف العلماء هل هو من أصل الغنيمة أو من الخمس أو من خمس الخمس أو مما عدا الخمس على أقوال، والثلاثة الأول مذهب والشافعي والأصح عندهم أنها من خمس الخمس، ونقله منذر بن سعيد عن مالك وهو شاذ عندهم‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ وحديث الباب يرد على هذا لأنهم نفلوا نصف السدس وهو أكثر من خمس الخمس وهذا واضح، وقد زاده ابن المنير إيضاحا فقال‏:‏ لو فرضنا أنهم كانوا مائة لكان قد حصل لهم ألف ومائتا بعير ويكون الخمس من الأصل ثلاثمائة بعير وخمسها ستون، وقد نطق الحديث بأنهم نفلوا بعيرا بعيرا فتكون جملة ما نفلوا مائة بعير، وإذا كان خمس الخمس ستين لم يف كله ببعير بعير لكل من المائة، وهكذا كيفما فرضت العدد‏.‏

قال‏:‏ وقد ألجأ هذا الإلزام بعضهم فادعى أن جميع ما حصل للغانمين كان اثني عشر بعيرا فقيل له فيكون خمسها ثلاثة أبعرة فيلزم أن تكون السرية كلها ثلاثة رجال كذا قيل، قال ابن المنير‏:‏ وهو سهو على التفريغ المذكور، بل يلزم يكون أقل من رجل بناء على أن النفل من خمس الخمس‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ قد انفصل من قال من الشافعية بأن النفل من خمس الخمس بأوجه‏:‏ منها أن الغنيمة لم تكن كلها أبعرة بل كان فيها أصناف أخرى، فيكون التنفيل وقع من بعض الأصناف دون بعض، ثانيها أن يكون نفلهم من سهمه من هذه الغزاة وغيرها فضم هذا إلى هذا فلذلك زادت العدة، ثالثها أن يكون نفل بعض الجيش دون بعض‏.‏

قال‏:‏ وظاهر السياق يرد هذه الاحتمالات‏.‏

قال وقد جاء أنهم كانوا عشرة، وأنهم غنموا مائة وخمسين بعيرا فخرج منها الخمس وهو ثلاثون وقسم عليهم البقية فحصل لكل واحد اثنا عشر بعيرا ثم نفلوا بعيرا بعيرا فعلى هذا فقد نفلوا ثلث الخمس‏.‏

قلت‏:‏ إن ثبت هذا لم يكن فيه رد للاحتمال الأخير لأنه يحتمل أن يكون الذين نفلوا ستة من العشرة والله أعلم‏.‏

قال الأوزاعي وأحمد وأبو ثور وغيرهم‏:‏ النفل من أصل الغنيمة‏.‏

وقال مالك وطائفة لا نفل إلا من الخمس‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ أكثر ما روي من الأخبار بدل على أن النفل من أصل الغنيمة‏.‏

والذي يقرب من حديث الباب أنه كان من الخمس لأنه أضاف الاثني عشر إلى سهمانهم، فكأنه أشار إلى أن ذلك قد تقرر لهم استحقاقه من الأخماس الأربعة الموزعة عليهم فيبقى للنفل من الخمس‏.‏

قلت‏:‏ ويؤيده ما رواه مسلم في حديث الباب من طريق الزهري قال ‏"‏ بلغني عن ابن عمر قال‏:‏ نفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية بعثها قبل نجد من إبل جاءوا بها نفلا سوى نصيبهم من المغنم ‏"‏ لم يسق مسلم لفظه وساقه الطحاوي ويؤيده أيضا ما رواه مالك عن عبد ربه بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، وهو مردود عليكم ‏"‏ وصله النسائي من وجه آخر حسن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأخرجه أيضا بإسناد حسن من حديث عبادة ابن الصامت فإنه يدل على أن ما سوى الخمس للمقاتلة‏.‏

وروى مالك أيضا عن أبي الزناد أنه سمع سعيد بن المسيب قال ‏"‏ كان الناس يعطفون النفل من الخمس‏.‏

قلت‏:‏ وظاهره اتفاق الصحابة على ذلك‏.‏

وقال ابن عبد البر‏:‏ إن أراد الإمام تفضيل بعض الجيش لمعنى فيه فذلك من الخمس لا من رأس الغنيمة، وإن انفردت قطعة فأراد أن ينفلها مما غنمت دون سائر الجيش فذلك من غير الخمس بشرط أن لا يزيد على الثلث انتهى‏.‏

وهذا الشرط قال به الجمهور‏.‏

وقال الشافعي لا يتحدد، بل هو راجع إلى ما يراه الإمام من المصلحة، ويدل له قوله تعالى ‏(‏قل الأنفال لله والرسول‏)‏ ففوض إليه أمرها، والله أعلم‏.‏

وقال الأوزاعي‏:‏ لا ينفل من أول الغنيمة، ولا ينفل ذهبا ولا فضة‏.‏

وخالفه الجمهور‏.‏

وحديث الباب من رواية ابن إسحاق بدل لما قالوا واستدل به على تعين قسمة أعيان الغنيمة لا أثمانها، وفيه نظر لاحتمال أن يكون وقع ذلك اتفاقا أو بيانا للجواز‏.‏

وعند المالكية فيه أقوال ثالثها التخيير، وفيه أن أمير الجيش إذا فعل مصلحة لم ينقضها الإمام‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُنَفِّلُ بَعْضَ مَنْ يَبْعَثُ مِنْ السَّرَايَا لِأَنْفُسِهِمْ خَاصَّةً سِوَى قِسْمِ عَامَّةِ الْجَيْشِ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر ‏"‏ كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش‏.‏

وأخرجه مسلم وزاد في آخره‏:‏ والخمس واجب في ذلك كله، وليس فيه حجة لأن النفل من الخمس لا من غيره، بل هو محتمل لكل من الأقوال‏.‏

نعم فيه دليل على أنه يجوز تخصيص بعض السرية بالتنفيل دون بعض، قال ابن دقيق العيد‏:‏ للحديث تعلق بمسائل الإخلاص في الأعمال، وهو موضع دقيق المأخذ، ووجه تعلقه به أن التنفيل يقع للترغيب في زيادة العمل والمخاطرة في الجهاد، ولكن لم يضرهم ذلك قطعا لكونه صدر لهم من النبي صلى الله عليه وسلم فيدل على أن بعض المقاصد الخارجة عن محض التعبد لا تقدح في الإخلاص، لكن ضبط قانونها وتمييزها مما تضر مداخلته مشكل جدا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ أَنَا وَأَخَوَانِ لِي أَنَا أَصْغَرُهُمْ أَحَدُهُمَا أَبُو بُرْدَةَ وَالْآخَرُ أَبُو رُهْمٍ إِمَّا قَالَ فِي بِضْعٍ وَإِمَّا قَالَ فِي ثَلَاثَةٍ وَخَمْسِينَ أَوْ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي فَرَكِبْنَا سَفِينَةً فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ وَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابَهُ عِنْدَهُ فَقَالَ جَعْفَرٌ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنَا هَاهُنَا وَأَمَرَنَا بِالْإِقَامَةِ فَأَقِيمُوا مَعَنَا فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعًا فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ فَأَسْهَمَ لَنَا أَوْ قَالَ فَأَعْطَانَا مِنْهَا وَمَا قَسَمَ لِأَحَدٍ غَابَ عَنْ فَتْحِ خَيْبَرَ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا لِمَنْ شَهِدَ مَعَهُ إِلَّا أَصْحَابَ سَفِينَتِنَا مَعَ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ قَسَمَ لَهُمْ مَعَهُمْ

الشرح‏:‏

حديث أبي موسى في مجيئهم من الحبشة وفي آخره ‏"‏ وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهد معه، إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه قسم لهم معهم، وسيأتي شرحه مستوفى في غزوة خيبر من كتاب المغازي، والغرض منه هذا الكلام الأخير‏.‏

قال ابن المنير‏:‏ أحاديث الباب مطابقة لما ترجم به، إلا هذا الأخير فإن ظاهره أنه عليه الصلاة والسلام قسم لهم من أصل الغنيمة لا من الخمس، إذ لو كان من الخمس لم يكن لهم بذلك خصوصية، والحديث ناطق بها، قال‏:‏ لكن وجه المطابقة أنه إذا جاز للإمام أن يجتهد وينفذ اجتهاده في الأخماس الأربعة المختصة بالغانمين فيقسم منها لمن لم يشهد الوقعة، فلأن ينفذ اجتهاده في الخمس الذي لا يستحقه معين وإن استحقه صنف مخصوص أولى‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ يحتمل أن يكون أعطاهم برضا بقية الجيش انتهى‏.‏

وهذا جزم به موسى ابن عقبة في مغازيه‏.‏

ويحتمل أن يكون إنما أعطاهم من الخمس، وبهذا جزم أبو عبيد في ‏"‏ كتاب الأموال ‏"‏ وهو الموافق لترجمة البخاري، وأما قول ابن المنير لو كان من الخمس لم يكن هناك تخصيص فظاهر، لكن يحتمل أن يكون من الخمس وخصهم بذلك دون غيرهم ممن كان من شأنه أن يعطي من الخمس، ويحتمل أن يكون أعطاهم من جميع الغنيمة لكونهم وصلوا قبل قسمة الغنيمة وبعد حوزها، وهو أحد القولين للشافعي‏.‏

وهذا الاحتمال يترجح بقوله ‏"‏ أسهم لهم ‏"‏ لأن الذي يعطي من الخمس لا يقال في حقه أسهم له إلا تجوزا، ولأن سياق الكلام يقتضي الافتخار ويستدعي الاختصاص بما لم يقع لغيرهم كما تقدم والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قَدْ جَاءَنِي مَالُ الْبَحْرَيْنِ لَقَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا فَلَمْ يَجِئْ حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ مُنَادِيًا فَنَادَى مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَيْنٌ أَوْ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنَا فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِي كَذَا وَكَذَا فَحَثَا لِي ثَلَاثًا وَجَعَلَ سُفْيَانُ يَحْثُو بِكَفَّيْهِ جَمِيعًا ثُمَّ قَالَ لَنَا هَكَذَا قَالَ لَنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ وَقَالَ مَرَّةً فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَسَأَلْتُ فَلَمْ يُعْطِنِي ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَلَمْ يُعْطِنِي ثُمَّ أَتَيْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقُلْتُ سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي ثُمَّ سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي ثُمَّ سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي فَإِمَّا أَنْ تُعْطِيَنِي وَإِمَّا أَنْ تَبْخَلَ عَنِّي قَالَ قُلْتَ تَبْخَلُ عَنِّي مَا مَنَعْتُكَ مِنْ مَرَّةٍ إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَكَ قَالَ سُفْيَانُ وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرٍ فَحَثَا لِي حَثْيَةً وَقَالَ عُدَّهَا فَوَجَدْتُهَا خَمْسَ مِائَةٍ قَالَ فَخُذْ مِثْلَهَا مَرَّتَيْنِ وَقَالَ يَعْنِي ابْنَ الْمُنْكَدِرِ وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنْ الْبُخْلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا علي‏)‏ هر ابن عبد الله المديني، وسفيان هو ابن عيينة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لو قد جاءنا مال البحرين‏)‏ سيأتي ذلك في أول ‏"‏ باب الجزية ‏"‏ من حديث عمرو بن عوف وأنه من الجزية، لكن فيه ‏"‏ فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين ‏"‏ فيحمل على أن الذي وعد به النبي صلى الله عليه وسلم جابرا كان بعد السنة التي قدم فيها أبو عبيدة بالمال، وظهر بذلك جهة المال المذكور وأنه من الجزية، فأغنى ذلك عن قول ابن بطال‏:‏ يحتمل أن يكون من الخمس أو من الفيء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أمر أبو بكر مناديا فنادى‏)‏ لم أقف على اسمه، ويحتمل أن يكون بلالا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فحثى لي‏)‏ بالمهملة والمثلثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مرة‏)‏ القائل هو سفيان بهذا السند، وقد تقدم الحديث في الهبة بالسند الأول بدون هذه الزيادة إلى آخرها، وتقدمت الزيادة بهذا الإسناد في الكفالة والحوالة إلى قوله ‏"‏ خذ مثليها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال سفيان‏)‏ هو متصل بالسند المذكور، وعمرو هو ابن دينار، ومحمد بن علي أي ابن الحسين ابن علي‏.‏

وظهر من هذه الرواية المراد من قوله في رواية ابن المنكدر ‏"‏ فحثى لي ثلاثا ‏"‏ لكن قوله ‏"‏ فحثى لي حثية ‏"‏ مع قوله في الرواية التي قبلها ‏"‏ وجعل سفيان يحثو بكفيه ‏"‏ يقتضي أن الحثية ما يؤخذ باليدين جميعا، والذي قاله أهل اللغة أن الحثية ما يملأ الكف، والحفنة ما يملأ الكفين‏.‏

نعم ذكر أبو عبيد الهروي أن الحثية والحفنة بمعنى ‏"‏ وهذا الحديث شاهد لذلك‏.‏

وقوله ‏"‏حثية ‏"‏ من حثى يحثي، ويجوز حثوة من حثا يحثو وهما لغتان، وقوله ‏"‏تبخل عني ‏"‏ أي من جهتي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال يعني ابن المنكدر‏)‏ الذي قال ‏"‏ وقال ‏"‏ هو سفيان الذي قال ‏"‏ يعني ‏"‏ هو علي ابن المديني قوله‏:‏ ‏(‏وأي داء أدوى من البخل‏)‏ قال عياض‏:‏ كذا وقع ‏"‏ أدوى ‏"‏ غير مهموز، من دوى إذا كان به مرض في جوفه، والصواب أدوأ بالهمز لأنه من الداء، فيحمل على أنهم سهلوا الهمزة، ووقع في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان في هذا الحديث ‏"‏ وقال ابن المنكدر في حديثه ‏"‏ فظهر بذلك اتصاله إلى أبي بكر بخلاف رواية الأصيلي فإنها تشعر بأن ذلك من كلام ابن المنكدر وقد روى حديث ‏"‏ أي داء أدوأ من البخل‏"‏، وقد تقدم في الكفالة توجيه وفاء أبي بكر لعدات النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا في كتاب الهبة، وأن وعده صلى الله عليه وسلم لا يجوز إخلافه فنزل منزلة الضمان في الصحة، وقيل‏:‏ إنما فعله أبو بكر على سبيل التطوع، ولم يكن يلزمه قضاء ذلك، وما تقدم في ‏"‏ باب من أمر بإنجاز الوعد ‏"‏ من كتاب الشهادات أولى، وأن جابرا لم يدع أن له دينا في ذمة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يطالبه أبو بكر ببينة ووفى ذلك له من بيت المال الموكول الأمر فيه إلى اجتهاد الإمام، وعلى ذلك يحوم المصنف وبه ترجم، وإنما أخر أبو بكر إعطاء جابر حتى قال له ما قال إما لأمر أهم من ذلك، أو خشية أن يحمله ذلك على الحرص على الطلب، أو لئلا يكثر الطالبون لمثل ذلك، ولم يرد به المنع على الإطلاق، ولهذا قال ‏"‏ ما من مرة إلا وأنا أريد أن أعطيك ‏"‏ وسيأتي في أوائل الجزية بيان الخلاف في مصرفها، وظاهر إيراد البخاري هذا الحديث هنا أن مصرفها عنده مصرف الخمس، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ غَنِيمَةً بِالْجِعْرَانَةِ إِذْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ اعْدِلْ فَقَالَ لَهُ لَقَدْ شَقِيتُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا قرة‏)‏ بضم القاف وتشديد الراء ثم هاء، وفي الإسناد بصريان هو والراوي عنه، وحجازيان شيخه والضحاك، وقد خالف زيد بن الحباب مسلم بن إبراهيم فيه فقال‏:‏ ‏"‏ عن قرة عن أبي الزبير ‏"‏ بدل عمرو بن دينار أخرجه مسلم، وسياقه أتم؛ ورواية البخاري أرجح فقد وافق شيخه على ذلك عن قرة عثمان بن عمرو عند الإسماعيلي والنضر بن شميل عند أبي نعيم، فاتفاق هؤلاء الحفاظ الثلاثة أرجح من انفراد زيد بن الحباب عنهم، ويحتمل أن يكون الحديث عند قرة عن شيخين بدليل أن في رواية أبي الزبير زيادة على ما في رواية هؤلاء كلهم عن قرة عن عمرو، وسيأتي شرحه مستوفى في استنابة المرتدين عند الكلام على حديث أبي سعيد في المعنى، وفي حديث أبي سعيد بيان تسميته القائل المذكور، وقوله في هذه الرواية ‏"‏ لقد شقيت ‏"‏ بضم المثناة للأكثر ومعناه ظاهر ولا محذور فيه، والشرط لا يستلزم الوقوع لأنه ليس ممن لا يعدل حتى يحصل له الشقاء، بل هو عادل فلا يشقى‏.‏

وحكى عياض فتحها ورجحه النووي وحكاه الإسماعيلي عن رواية شيخه المنيعي من طريق عثمان بن عمر عن قرة، والمعنى لقد شقيت أي ضللت أنت أيها التابع حيث تقتدي بمن لا يعدل، أو حيث تعتقد في نبيك هذا القول الذي لا يصدر عن مؤمن‏.‏

*3*باب مَا مَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْأُسَارَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَمِّسَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما من النبي صلى الله عليه وسلم على الأسارى من غير أن يخمس‏)‏ أراد بهذه الترجمة أنه كان له صلى الله عليه وسلم أن يتصرف في الغنيمة بما يراه مصلحة فينفل من رأس الغنيمة وتارة من الخمس، واستدل على الأول بأنه كان يمن على الأسارى من رأس الغنيمة وتارة من الخمس، فدل على أنه كان له أن ينفل من رأس الغنيمة، وقد تقدم بيان الاختلاف في ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ

الشرح‏:‏

حديث جبير بن مطعم ‏"‏ لو كان المطعم حيا وكلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له، قال ابن بطال‏:‏ وجه الاحتجاج به أنه صلى الله عليه وسلم لا يجوز في حقه أن يخبر عن شيء لو وقع لفعله وهو غير جائز، فدل على أن للإمام أن يمن على الأسارى بغير فداء خلافا لمن منع ذلك كما تقدم، واستدل به على أن الغنائم لا يستقر ملك الغانمين عليها إلا بعد القسمة وبه قال المالكية والحنفية‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ يملكون بنفس الغنيمة، والجواب عن حديث الباب أنه محمول على أنه كان يستطيب أنفس الغانمين، وليس في الحديث ما يمنع ذلك فلا يصلح للاحتجاج به‏.‏

وللفريقين احتجاجات أخرى وأجوبة تتعلق بهذه المسألة لم أطل بها هنا لأنها لا تؤخذ من حديث الباب لا نفيا ولا إثباتا، واستبعد ابن المنير الحمل المذكور فقال‏:‏ إن طيب قلوب الغانمين بذلك من العقود الاختيارية فيحتمل أن لا يذعن بعضهم، فكيف بت القول بأنه يعطيه إياهم مع أن الأمر موقوف على اختيار من يحتمل أن لا يسمح‏؟‏ قلت‏:‏ والذي يظهر أن هذا كان باعتبار ما تقدم في أول الأمر أن الغنيمة كانت للنبي صلى الله عليه وسلم يتصرف فيها حيث شاء، وفرض الخمس إنما نزل بعد قسمة غنائم بدر كما تقرر فلا حجة إذا في هذا الحديث لما ذكرنا‏.‏

وقد أنكر الداودي دخول التخميس في أسارى بدر فقال‏:‏ لم يقع فيهم غير أمرين إما المن بغير فداء وإما الفداء بمال، ومن لم يكن له مال علم أولاد الأنصار الكتابة، وأطال في ذلك، ولم يأت بطائل‏.‏

ولا يلزم من وقوع شيء أو شيئين مما خير فيه منع التخيير، وقد قتل النبي صلى الله عليه وسلم منهم عقبة بن أبي معيط وغيره، وادعاؤه أن قريشا لا يدخلون تحت الرق يحتاج إلى دليل خاص، وإلا فأصل الخلاف هل يسترق العربي أو لا ثابت مشهور والله أعلم، وسيأتي بقية شرحه في غزوة بدر إن شاء الله تعالى‏.‏

وقوله ‏"‏النتنى ‏"‏ بنونين مفتوحتين بينهما ساكنة مقصور جمع نتن أو نتين كزمن وزمني أو جريح وجرحي، وروي بمهملة فموحدة ساكنة وهو تصحيف، وأبعد من جعله هو الصواب‏.‏

*3*باب وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ لِلْإِمَامِ وَأَنَّهُ يُعْطِي بَعْضَ قَرَابَتِهِ دُونَ بَعْضٍ

مَا قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَنِي الْمُطَّلِبِ وَبَنِي هَاشِمٍ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمْ يَعُمَّهُمْ بِذَلِكَ وَلَمْ يَخُصَّ قَرِيبًا دُونَ مَنْ هُوَ أَحْوَجُ إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَعْطَى لِمَا يَشْكُو إِلَيْهِ مِنْ الْحَاجَةِ وَلِمَا مَسَّتْهُمْ فِي جَنْبِهِ مِنْ قَوْمِهِمْ وَحُلَفَائِهِمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ومن الدليل على أن الخمس للإمام‏)‏ تقدم توجيه ذلك قبل بباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عمر بن عبد العزيز لم يعمهم‏)‏ أي لم يعم قريشا‏.‏

وقوله ‏"‏ولم يخص قريبا دون من أحوج إليه ‏"‏ أي دون من هو أحوج إليه، قال ابن مالك‏:‏ فيه حذف العائد على الموصول وهو قليل، ومنه قراءة يحيى بن يعمر ‏(‏تماما على الذي أحسن‏)‏ بضم النون أي الذي هو أحسن، قال‏:‏ وإذا طال الكلام فلا ضعف ومنه ‏(‏وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله‏)‏ أي وفي الأرض هو إله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإن كان الذي أعطى‏)‏ أي أبعد قرابة ممن لم يعط، ووقع في هذا اختصار اقتضى توقفنا في فهمه، وقد من الله وله الحمد بتوجيهه، وسياقه عند عمر بن شبة في ‏"‏ أخبار المدينة ‏"‏ موصولا مطولا فقال فيه ‏"‏ وقسم لهم قسما لم يعم عامتهم ولم يخص به قريبا دون من أحوج منه، ولقد كان يومئذ فيمن أعطى من هو أبعد قرابة ‏"‏ أي ممن لم يعط‏.‏

وقوله ‏"‏لما يشكو ‏"‏ تعليل لعطية الأبعد قرابة، وقوله ‏"‏في جنبه ‏"‏ أي جانبه، وقوله ‏"‏من قومهم وحلفائهم ‏"‏ أي وحلفاء قومهم بسبب الإسلام، وأشار بذلك إلى ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة من قريش بسبب الإسلام، وسيأتي بسطه في موضعه إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَتَرَكْتَنَا وَنَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا بَنُو الْمُطَّلِبِ وَبَنُو هَاشِمٍ شَيْءٌ وَاحِدٌ قَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ وَزَادَ قَالَ جُبَيْرٌ وَلَمْ يَقْسِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَلَا لِبَنِي نَوْفَلٍ وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَبْدُ شَمْسٍ وَهَاشِمٌ وَالْمُطَّلِبُ إِخْوَةٌ لِأُمٍّ وَأُمُّهُمْ عَاتِكَةُ بِنْتُ مُرَّةَ وَكَانَ نَوْفَلٌ أَخَاهُمْ لِأَبِيهِمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن المسيب‏)‏ في رواية يونس عن ابن شهاب عند أبي داود ‏"‏ وأخبرني سعيد بن المسيب‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن جبير بن مطعم‏)‏ في المغازي من رواية يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب ‏"‏ أن جبير بن مطعم أخبره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مشيت أنا وعثمان بن عفان‏)‏ زاد أبو داود والنسائي من طريق يونس عن ابن شهاب ‏"‏ فيما فيما من الخمس بين بني هاشم وبني المطلب ‏"‏ ولهما من رواية ابن إسحاق عن ابن شهاب ‏"‏ وضع سهم ذوي القربى من بني هاشم وبني المطلب وترك بني نوفل وبني عبد شمس وإنما اختص جبير وعثمان بذلك لأن عثمان من بني عبد شمس وجبير بن مطعم من بني نوفل، وعبد شمس ونوفل وهاشم والمطلب سواء الجميع بنو عبد مناف‏.‏

فهذا معنى قولهما ‏"‏ ونحن وهم منك بمنزلة واحدة ‏"‏ أي في الانتساب إلى عبد مناف‏.‏

ووقع في عبد مناف‏.‏

ووقع في رواية أبي داود المذكورة ‏"‏ وقرابتنا وقرابتهم منك واحدة، وله في رواية ابن إسحاق ‏"‏ فقلنا يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم للموضع الذي وضعك الله منهم، فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شيء واحد‏)‏ للأكثر بالشين المعجمة المفتوحة والهمزة‏.‏

وقال عياض، رويناه هكذا في البخاري بغير خلاف انتهى‏.‏

وقد وجدته في أصلي هنا من رواية الكشميهني وفي المغازي من رواية المستملي وفي مناقب قريش من روايته وفي رواية الحموي بكسر المهملة وتشديد التحتانية، وكذلك كان يرويه يحيى بن معين وحده، قال الخطابي‏:‏ هو أجود في المعنى، وحكاها عياض رواية خارج الصحيح وقال‏:‏ الصواب رواية الكافة لقوله فيه ‏"‏ وشبك بين أصابعه ‏"‏ وهذا دليل على الاختلاط والامتزاج كالشيء الواحد لا على التمثيل والتنظير‏.‏

وهذه الزيادة التي أشار إليها وقعت في رواية ابن إسحاق المذكورة ولفظه ‏"‏ فقال‏:‏ إنا وبنو المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام، وإنما نحن وهم شيء واحد، وشبك بين أصابعه ‏"‏ ووقع في رواية أبي زيد المروزي ‏"‏ شيء أحد ‏"‏ بغير واو بهمز الألف، فقيل هما بمعنى، وقيل لأحد الذي ينفرد بشيء لا يشاركه فيه غيره والواحد أول العدد، وقيل الأحد المنفرد بالمعنى والواحد المنفرد بالذات، وقيل الأحد لنفي ما يذكر معه من العدد والواحد اسم لمفتاح العدد من جنسه، وقيل لا يقال أحد إلا الله تعالى، حكاه جميعه عياض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الليث حدثني يونس‏)‏ أي بهذا الإسناد ‏(‏وزاد قال جبير ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل‏)‏ هو عندي من رواية عبد الله بن يوسف أيضا عن الليث فهو متصل، ويحتمل أن يكون معلقا، وقد وصله المصنف في المغازي عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس بتمامه، وزاد أبو داود في رواية يونس بهذا الإسناد ‏"‏ وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عمر يعطيهم منه وعثمان بعده ‏"‏ وهذه الزيادة بين الذهلي في ‏"‏ جمع حديث الزهري ‏"‏ أنها مدرجة من كلام الزهري‏.‏

وأخرج ذلك مفصلا من رواية الليث عن يونس، وكأن هذا هو السر في حذف البخاري هذه الزيادة مع ذكره لرواية يونس‏.‏

وروى مسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم من طريق ابن شهاب عن يزيد عن هرمز عن ابن عباس في سهم ذوي القربى قال ‏"‏ هو لقربى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمه لهم النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان عمر عرض علينا من ذلك شيئا رأيناه دون حقنا، فرددناه ‏"‏ وللنسائي من وجه آخر ‏"‏ وقد كان عمر دعانا أن ينكح أيمنا ويخدم عائلنا ويقضي عن غارمنا فأبينا إلا أن يسلمه لنا، قال فتركناه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن إسحاق إلخ‏)‏ وصله المصنف في التاريخ، وقوله ‏"‏عاتكة بنت مرة ‏"‏ أي ابن هلال من بني سليم‏.‏

وقوله ‏"‏وكان نوفل أخاهم لأبيهم ‏"‏ لم يسم أمه وهي واقدة بالقاف بنت أبي عدي واسمه نوفل ابن عبادة، من بني مازن بن صعصعة‏.‏

وذكر الزبير بن بكار في النسب أنه كان يقال لهاشم والمطلب البدران، ولعبد شمس ونوفل الأبهران، وهذا يدل على أن بين هاشم والمطلب ائتلافا سرى في أولادهما من بعدهما، ولهذا لما كتبت قريش الصحيفة بينهم وبين بني هاشم وحصروهم في الشعب دخل بنو المطلب مع بني هاشم ولم تدخل بنو نوفل وبنو عبد شمس، وستأتي الإشارة إلى ذلك في أول المبعث إن شاء الله تعالى‏.‏

وفي الحديث حجة للشافعي ومن وافقه أن سهم ذوي القربى لبني هاشم والمطلب خاصة دون بقية قرابة النبي صلى الله عليه وسلم من قريش، وعن عمر بن عبد العزيز هم بنو هاشم خاصة، وبه قال زيد بن أرقم وطائفة من الكوفيين، وهذا الحديث يدل لإلحاق بني المطلب بهم، وقيل هم قريش كلها لكن يعطي الإمام منهم من يراه، وبهذا قال أصبغ، وهذا الحديث حجة عليه، وفيه توهين قول من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أعطاهم بعلة الحاجة إذ لو أعطاهم بعلة الحاجة لم يخص قوما دون قوم، والحديث ظاهر في أنه أعطاهم بسبب النصرة وما أصابهم بسبب الإسلام من بقية قومهم الذين لم يسلموا، والملخص أن الآية نصت على استحقاق قربى النبي صلى الله عليه وسلم وهي متحققة في بني عبد شمس لأنه شقيق، وفي بني نوفل إذا لم تعتبر قرابة الأم‏.‏

واختلف الشافعية في سبب إخراجهم فقيل‏:‏ العلة القرابة مع النصرة فلذلك دخل بنو هاشم وبنو المطلب ولم يدخل بنو عبد شمس وبنو نوفل لفقدان جزء العلة أو شرطها؛ وقيل‏:‏ الاستحقاق بالقرابة، ووجد ببني عبد شمس ونوفل مانع لكونهم انحازوا عن بني هاشم وحاربوهم‏.‏

والثالث أن القربى عام مخصوص وبينته السنة‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ وفيه رد لقوله الشافعي أن خمس الخمس يقسم بين ذوي القربى لا يفضل غني على فقير، وأنه يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين‏.‏

قلت‏:‏ ولا حجة فيه لما ذكر لا إثباتا ولا نفيا، أما الأول فليس في الحديث إلا أنه قسم خمس الخمس بين بني هاشم والمطلب ولم يتعرض لتفضيل ولا عدمه، وإذا لم يتعرض فالأصل في القسمة إذا أطلقت التسوية والتعميم، فالحديث إذا حجة للشافعي لا عليه‏.‏

ويمكن التوصل إلى التعميم بأن يأمر الإمام نائبه في كل إقليم يضبط من فيه ويجوز النقل من مكان إلى مكان للحاجة، وقيل لا بل يختص كل ناحية بمن فيها‏.‏

وأما الثاني فليس فيه تعرض لكيفية القسم، لكن ظاهره التسوية وبها قال المزني وطائفة، فيحتاج من جعل سبيله سبيل الميراث إلى دليل، والله أعلم‏.‏

وذهب الأكثر إلى تعميم ذوي القربى في قسمة سهمهم عليهم بخلاف اليتامى فيخص الفقراء منهم عند الشافعي وأحمد، وعن مالك يعمهم في الإعطاء، وعن أبي حنيفة يخص الفقراء من الصنفين، وحجة الشافعي أنهم لما منعوا الزكاة عموا بالسهم ولأنهم أعطوا بجهة القرابة إكراما لهم، بخلاف اليتامى فإنهم أعطوا لسد الخلة‏.‏

واستدل به على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة، فإن ذوي القربى لفظ عام خص ببني هاشم والمطلب، قال ابن الحاجب‏:‏ ولم ينقل اقتران إجمالي مع أن الأصل عدمه‏.‏

*3*باب مَنْ لَمْ يُخَمِّسْ الْأَسْلَابَ وَمَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَمِّسَ وَحُكْمِ الْإِمَامِ فِيهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من لم يخمس الأسلاب‏)‏ السلب بفتح المهملة واللام بعدها موحدة هو ما يوجد مع المحارب من ملبوس وغيره عند الجمهور، وعن أحمد‏:‏ لا تدخل الدابة، وعن الشافعي يختص بأداة الحرب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومن قتل قتيلا فله سلبه من غير أن يخمس، وحكم الإمام فيه‏)‏ أما قوله ‏"‏ ومن قتل قتيلا فله سلبه ‏"‏ فهو قطعة من حديث أبي قتادة ثاني حديثي الباب، وقد أخرجه المصنف بهذا القدر حسب من حديث أنس، وأما قوله ‏"‏ من غير أن يخمس ‏"‏ فهو من تفقهه، وكأنه أشار بهذه الترجمة إلى الخلاف في المسألة وهو شهير، وإلى ما تضمنته الترجمة ذهب الجمهور، وهو أن القاتل يستحق السلب سواء قال أمير الجيش قبل ذلك من قتل قتيلا فله سلبه أو لم يقل ذلك، وهو ظاهر حديث أبي قتادة ثاني حديثي الباب‏.‏

وقال‏:‏ إنه فتوى من النبي صلى الله عليه وسلم وإخبار عن الحكم الشرعي، وعن المالكية والحنفية لا يستحقه القاتل إلا إن شرط له الإمام ذلك‏.‏

وعن مالك يخير الإمام بين أن يعطي القاتل السلب أو يخمسه واختاره إسماعيل القاضي، وعن إسحاق إذا كثرت الأسلاب خمست، ومكحول والثوري يخمس مطلقا، وقد حكى الشافعي أيضا وتمسكوا بعموم قوله‏:‏ ‏(‏واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه‏)‏ ولم يستثن شيئا، واحتج الجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏من قتل قتيلا فله سلبه ‏"‏ فإنه خصص ذلك العموم، وتعقب بأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل من قتل قتيلا فله سلبه إلا يوم حنين، قال مالك‏:‏ لم يبلغني ذلك في غير حنين‏.‏

وأجاب الشافعي وغيره بأن ذلك حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدة مواطن، منها يوم بدر كما في أول حديثي الباب، ومنها حديث حاطب بن أبي بلتعة أنه قتل رجلا يوم أحد فسلم له رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه أخرجه البيهقي، ومنها حديث جابر أن عقيل بن أبي طالب قتل يوم مؤتة رجلا فنفله النبي صلى الله عليه وسلم درعه‏.‏

ثم كان ذلك مقررا عند الصحابة كما روى مسلم من حديث عوف بن مالك في قصته مع خالد بن الوليد وإنكاره عليه أخذه السلب من القاتل‏.‏

الحديث بطوله، وكما روى الحاكم والبيهقي بإسناد صحيح عن سعد ابن أبي وقاص ‏"‏ أن عبد الله بن جحش قال يوم أحد تعال بنا ندعو، فدعا سعد فقال‏:‏ اللهم ارزقني رجلا شديدا بأسه فأقاتله ويقاتلني ثم ارزقني عليه الظفر حتى أقتله وآخذ سلبه ‏"‏ الحديث، وكما روى أحمد بإسناد قوي عن عبد الله بن الزبير قال ‏"‏ كانت صفية في حصن حسان بن ثابت يوم الخندق ‏"‏ فذكر الحديث في قصة قتلها اليهودي، وقولها لحسان ‏"‏ أنزل فأسلبه؛ فقال‏:‏ ما لي بسلبه حاجة ‏"‏ وكما روى ابن إسحاق في المغازي في قصة قتل علي بن أبي طالب عمرو بن عبد ود يوم الخندق أيضا فقال له عمرو ‏"‏ هلا استلبت درعه فإنه ليس للعرب خير منها، فقال‏:‏ إن اتقاني بسوأته ‏"‏ وأيضا فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك يوم حنين بعد أن فرغ القتال، كما هو صريح في ثاني حديثي الباب، حثى قال مالك يكره للإمام أن يقول من قتل قتيلا فله سلبه لئلا تضعف نيات المجاهدين، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك إلا بعد انقضاء الحرب‏.‏

وعن الحنفية لا كراهة في ذلك، وإذا ناله قبل الحرب أو في أثنائها استحق القاتل‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَإِذَا أَنَا بِغُلَامَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ قُلْتُ نَعَمْ مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي قَالَ أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ فَغَمَزَنِي الْآخَرُ فَقَالَ لِي مِثْلَهَا فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ قُلْتُ أَلَا إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلْتُمَانِي فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلَاهُ ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ فَقَالَ أَيُّكُمَا قَتَلَهُ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَا قَتَلْتُهُ فَقَالَ هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا قَالَا لَا فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ كِلَاكُمَا قَتَلَهُ سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَكَانَا مُعَاذَ بْنَ عَفْرَاءَ وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ قَالَ مُحَمَّدٌ سَمِعَ يُوسُفُ صَالِحًا وَإِبْرَاهِيمَ أَبَاهُ

الشرح‏:‏

حديث عبد الرحمن بن عوف في قصة قتل أبي جهل، والغرض منه هنا قوله في آخره ‏"‏ كلاكما قتله، سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح ‏"‏ فقد احتج به من قال إن إعطاء القاتل السلب مفوض إلى رأي الإمام، وقرره الطحاوي وغيره بأنه لو كان يجب للقاتل لكان السلب مستحقا بالقتل ولكان جعله بينهما لاشتراكهما في قتله، فلما خص به أحدهما دل على أنه لا يستحق بالقتل وإنما يستحق بتعيين الإمام‏.‏

وأجاب الجمهور بأن في السياق دلالة على أن السلب يستحقه من أثخن في القتل ولو شاركه غيره في الضرب أو الطعن، قال المهلب‏:‏ نطره صلى الله عليه وسلم في السيفين واستلاله لهما هو ليرى ما بلغ الدم من سيفيهما ومقدار عمق دخولهما في جسم المقتول ليحكم بالسلب لمن كان في ذلك أبلغ، ولذلك سألهما أولا هل مسحتما سيفيكما أم لا‏؟‏ لأنهما لو مسحاهما لما تبين المراد من ذلك وإنما قال كلاكما قتله وإن كان أحدهما هو الذي أثخنه ليطيب نفس الآخر‏.‏

وقال الإسماعيلي‏:‏ أقول إن الأنصاريين ضرباه فأثخناه وبلغا به المبلغ الذي يعلم معه أنه لا يجوز بقاؤه على تلك الحال إلا قدر ما يطفأ، وقد دل قوله ‏"‏ كلاكما قتله ‏"‏ على أن كلا منهما وصل إلى قطع الحشوة وإبانتها أو بما يعلم أن عمل كل من سيفيهما كعمل الآخر، غير أن أحدهما سبق بالضرب فصار في حكم المثبت لجراحه حتى وقعت به ضربة الثاني فاشتركا في القتل، إلا أن أحدهما قتله وهو ممتنع والآخر قتله وهو مثبت فلذلك قضى بالسلب للسابق إلى إثخانه، وسيأتي شرحه في غزوة بدر مع قول ابن مسعود إنه قتله، وتأتي كيفية الجمع هناك إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديثة‏)‏ بالجر صفة للغلامين و ‏"‏ أسنانهما ‏"‏ بالرفع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بين أضلع منهما‏)‏ كذا للأكثر بفتح أوله وسكون المعجمة وضم اللام فجمع ضلع، وروي بضم اللام وفتح العين من الضلاعة وهي القوة، ووقع في رواية الحموي وحده ‏"‏ بين أصلح منهما ‏"‏ بالصاد والحاء المهملتين ونسبه ابن بطال لمسدد شيخ البخاري، وقد خالفه إبراهيم بن حمزة عند الطحاوي وموسى ابن إسماعيل عند ابن سنجر وعفان عند ابن أبي شيبة يعني كلهم عن يوسف شيخ البخاري فيه فقالوا ‏"‏ أضلع ‏"‏ بالضاد المعجمة والعين، قال واجتماع ثلاثة من الحفاظ أولى من انفراد واحد انتهى‏.‏

وقد ظهر أن الخلاف على الرواة عن الفربري فلا يليق الجزم بأن مسددا نطق به هكذا، وقد رواه أحمد في مسنده وأبو يعلى عن عبيد الله القواريري وبشر بن الوليد وغيرهما كلهم عن يوسف كالجماعة؛ وكذلك أخرجه الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة عن عفان كذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يفارق سواده‏)‏ بفتح السين وهو الشخص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى يموت الأعجل منا‏)‏ أي الأقرب أجلا، وقيل إن لفظ الأعجل تحريف وإنما هو الأعجز، وهو الذي يقع في كلام العرب كثيرا، والصواب ما وقع في الرواية لوضوح معناه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال محمد‏)‏ هو المصنف ‏(‏سمع يوسف‏)‏ يعني ابن الماجشون ‏(‏صالحا‏)‏ يعني ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف المذكور في الإسناد ‏(‏وسمع إبراهيم أباه عبد الرحمن بن عوف‏)‏ وهذه الزيادة لأبي ذر وأبي الوقت هنا، وتقدم في الوكالة في حديث آخر بهذا الإسناد مثله وبينت هناك سماع إبراهيم من أبيه وأما سماع يوسف من صالح فوقع في رواية عفان عند الإسماعيلي‏.‏

ولعل البخاري أشار إلى أن الذي أدخل بين يوسف وصالح في هذا الحديث رجلا لم يضبط، وذلك فيما أخرجه البزار، والرجل هو عبد الواحد ابن أبي عون، ويحتمل أن يكون يوسف سمعه من صالح وثبته فيه عبد الواحد والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ أَفْلَحَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حُنَيْنٍ فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ فَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَا رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَدَرْتُ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ حَتَّى ضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ مَا بَالُ النَّاسِ قَالَ أَمْرُ اللَّهِ ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا وَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ فَقُمْتُ فَقُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْتُ ثُمَّ قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ فَقُمْتُ فَقُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْتُ ثُمَّ قَالَ الثَّالِثَةَ مِثْلَهُ فَقُمْتُ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ فَاقْتَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ رَجُلٌ صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَلَبُهُ عِنْدِي فَأَرْضِهِ عَنِّي فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَاهَا اللَّهِ إِذًا لَا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِيكَ سَلَبَهُ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَ فَأَعْطَاهُ فَبِعْتُ الدِّرْعَ فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الْإِسْلَامِ

الشرح‏:‏

حديث أبي قتادة وسيأتي شرحه مستوفى في المغازي، وقوله فيه ‏"‏ عن ابن أفلح ‏"‏ نسبه إلى جده، وهو عمر ابن كثير بن أفلح، وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق وكلهم مدنيون إلا الراوي عن مالك وقد نزلها، وقوله ‏"‏فاستدبرت ‏"‏ كذا للأكثر وللكشميهني ‏"‏ فاستدرت ‏"‏ بغير موحدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال رجل‏:‏ صدق يا رسول الله، وسلبه عندي‏)‏ لم أقف على اسمه، واستدل به على دخول من لا يسهم له في عموم قوله ‏"‏ من قتل قتيلا ‏"‏ وعن الشافعي في قول، وبه قال مالك لا يستحق السلب إلا من استحق السهم لأنه قال إذا لم يستحق السهم فلا يستحق السلب بطريق الأولى، وعورض بأن السهم علق على المظنة، والسلب يستحق بالفعل فهو أولى، وهذا هو الأصل، واستدل به على أن السلب للقاتل في كل حال حتى قال أبو ثور وابن المنذر‏:‏ يستحقه ولو كان المقتول منهزما‏.‏

وقال أحمد لا يستحقه إلا بالمبارزة، وعن الأوزاعي إذا التقى الزحفان فلا سلب، واستدل به على أنه مستحق للقاتل الذي أثخنه بالقتل دون من ذهب عليه كما سيأتي في قصة ابن مسعود مع أبي جهل في غزوة بدر، واستدل به على أن السلب يستحقه القاتل من كل مقتول حتى لو كان المقتول امرأة، وبه قال أبو ثور وابن المنذر‏.‏

وقال الجمهور‏:‏ شرطه أن يكون المقتول من المقاتلة، واتفقوا على أنه لا يقبل قول من ادعى السلب إلا ببينة تشهد له بأنه قتله، والحجة فيه قوله في هذا الحديث ‏"‏ له عليه بينة ‏"‏ فمفهومه أنه إذا لم تكن له بينة لا يقبل، وسياق أبي قتادة يشهد لذلك، وعن الأوزاعي يقبل قوله بغير بينة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه لأبي قتادة بغير بينة‏.‏

وفيه نظر لأنه وقع في ‏"‏ مغازي الواقدي ‏"‏ أن أوس بن خولي شهد لأبي قتادة، وعلى تقدير أن لا يصح فيحمل على أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أنه القاتل بطريق من الطرق، وأبعد من قال من المالكية‏:‏ أن المراد بالبينة هنا الذي أقر له أن السلب عنده فهو شاهد، والشاهد الثاني وجود السلب فإنه بمنزلة الشاهد على أنه قتله ولذلك جعل لوثا في ‏"‏ باب القسامة‏"‏، وقيل إنما استحقه أبو قتادة بإقرار الذي هو بيده، وهو ضعيف لأن الإقرار إنما يفيد إذا كان المال منسوبا لمن هو بيده فيؤاخذ بإقراره، والمال هنا منسوب لجميع الجيش‏.‏

ونقل ابن عطية عن أكثر الفقهاء أن البينة هنا شاهد واحد يكتفى به‏.‏

*3*باب مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ وَغَيْرَهُمْ مِنْ الْخُمُسِ وَنَحْوِهِ

رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما كان رسول صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم‏)‏ سيأتي بيانهم، وأنهم من أسلم ونيته ضعيفة، أو كان يتوقع بإعطائه إسلام نظرائه في تفسير براءة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وغيرهم‏)‏ أي غير المؤلفة ممن تظهر له المصلحة في إعطائه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من الخمس ونحوه‏)‏ أي من مال الخراج والجزية والفيء، قال إسماعيل القاضي‏:‏ في إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم للمؤلفة من الخمس دلالة على أن الخمس إلى الإمام يفعل فيه ما يرى من المصلحة‏.‏

وقال الطبري استدل بهذه الأحاديث من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي من أصل الغنيمة لغير المقاتلين، قال‏:‏ وهو قول مردود بدليل القرآن والآثار الثابتة‏.‏

واختلف بعد ذلك من أين كان يعطي المؤلفة‏؟‏ فقال مالك وجماعة‏:‏ من الخمس‏.‏

وقال الشافعي وجماعة من خمس الخمس، قيل ليس في أحاديث الباب شيء صريح بالإعطاء من نفس الخمس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رواه عبد الله بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ يشير إلى حديثه الطويل في قصة حنين، وسيأتي هناك موصولا مع الكلام عليه، والغرض منه هنا قوله ‏"‏ لما أفاء الله على رسوله يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ‏"‏ الحديث‏.‏

ثم أورد في الباب تسعة أحاديث‏:‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ قَالَ لِي يَا حَكِيمُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى قَالَ حَكِيمٌ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَدْعُو حَكِيمًا لِيُعْطِيَهُ الْعَطَاءَ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ إِنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ الَّذِي قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنْ هَذَا الْفَيْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ شَيْئًا بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تُوُفِّيَ

الشرح‏:‏

حديث حكيم بن حزام ‏"‏ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني ‏"‏ الحديث بطوله، وفيه قصته مع عمر، وقد تقدم الكلام على ذلك مستوفى في كتاب الزكاة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ كَانَ عَلَيَّ اعْتِكَافُ يَوْمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَفِيَ بِهِ قَالَ وَأَصَابَ عُمَرُ جَارِيَتَيْنِ مِنْ سَبْيِ حُنَيْنٍ فَوَضَعَهُمَا فِي بَعْضِ بُيُوتِ مَكَّةَ قَالَ فَمَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَبْيِ حُنَيْنٍ فَجَعَلُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ فَقَالَ عُمَرُ يَا عَبْدَ اللَّهِ انْظُرْ مَا هَذَا فَقَالَ مَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّبْيِ قَالَ اذْهَبْ فَأَرْسِلْ الْجَارِيَتَيْنِ قَالَ نَافِعٌ وَلَمْ يَعْتَمِرْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ وَلَوْ اعْتَمَرَ لَمْ يَخْفَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَزَادَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ مِنْ الْخُمُسِ وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي النَّذْرِ وَلَمْ يَقُلْ يَوْمٍ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر في نذر عمر في الجاهلية وفيه ‏"‏ وأصاب عمر جاريتين من سبي حنين وهو موضع الترجمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن نافع أن عمر قال‏:‏ يا رسول الله إنه كان علي اعتكاف يوم‏)‏ كذا رواه حماد بن زيد عن أيوب عن نافع مرسلا ليس فيه ابن عمر، وسيأتي في المغازي أن البخاري نقل أن بعضهم رواه عن حماد بن زيد موصولا، وهو عند مسلم وابن خزيمة لكن في القصة الثالثة المتعلقة بعمرة الجعرانة لا في جميع الحديث، وذكر هنا أن معمرا وصله أيضا عن أيوب، ورواية معمر وصلها في المغازي وهو في قصة النذر فقط، وذكر في المغازي أيضا أن حماد بن سلمة رواه موصولا، وسيأتي بيان ذلك واضحا أيضا هناك وأنه أيضا في النذر فقط، ويأتي الكلام على ما يتعلق منه بالنذر في كتاب الأيمان والنذور، والذي قدمته اتفق عليه جميع رواة البخاري إلا الجرجاني فقال ‏"‏ عن نافع عن ابن عمر ‏"‏ وهو وهم منه، ويظهر ذلك من تصرف البخاري هنا، وهو في المغازي، وبذلك جزم أبو علي الجياني‏.‏

وقال الدار قطني‏:‏ حديث حماد بن زيد مرسل وحديث جرير بن حازم موصول، وحماد أثبت في أيوب من جرير، فأما رواية معمر الموصولة فهي في قصة النذر فقط دون قصة الجاريتين، قال‏:‏ وقد روى سفيان بن عيينة عن أيوب حديث الجاريتين فوصله عنه قوم وأرسله آخرون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأمره‏)‏ ، في رواية جرير بن حازم عند مسلم أن سؤاله لذلك وقع وهو بالجعرانة بعد أن رجع إلى الطائف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأصاب عمر جاريتين من سبي حنين‏)‏ أي من هوازن، لم أر من سماهما‏.‏

وفي رواية ابن عيينة عند الإسماعيلي موصولا أن عمر قال، فذكر حديث النذر، قال ‏"‏ فأمرني أن أعتكف فلم أعكتف حتى كان بعد حنين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني جارية، فبينا أنا معتكف إذ سمعت تكبيرا ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال من رسول الله صلى الله عليه وسلم على السبي‏)‏ ستأتي صفة ذلك في المغازي، وفي هذا السياق حذف تقديره فنظر أو سأل عن سبب سعيهم في السكك فقيل له فقال لعمر‏.‏

وفي رواية ابن عيينة المذكورة ‏"‏ فقلت ما هذا‏؟‏ فقالوا السبي أسلموا فأرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت والجارية فأرسلها ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏قال اذهب فأرسل الجاريتين‏)‏ يستفاد منه الأخذ بخبر الواحد‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ اتفقت الروايات كلها على أن قوله ‏"‏ ورواه معمر ‏"‏ بفتح الميمين بينهما مهملة ساكنة، وحكى بعض الشراح أنه بضم الميم وبعد العين مثناة مفتوحة ثم ميم مكسورة وهو تصحيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال نافع‏:‏ ولم يعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة ولو اعتمر لم يخف علي عبد الله‏)‏ هكذا رواه أبو النعمان شيخ البخاري مرسلا، ووصله مسلم وابن خزيمة جميعا عن أحمد بن عبدة عن حماد بن زيد فقال في روايته عن نافع ‏"‏ ذكر عند ابن عمر عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة فقال‏:‏ لم يعتمر منها ‏"‏ وقد ذكرت في أبواب العمرة الأحاديث الوارد في اعتماره من الجعرانة، وتقدم في أواخر الجهاد في ‏"‏ باب من قسم الغنيمة في غزوه ‏"‏ أيضا حديث أنس في ذلك، وذكرت في أبواب العمرة سبب خفاء عمرة النبي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة على كثير من أصحابه فليراجع منه، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ‏.‏

قال ابن التين‏:‏ ليس كل ما علمه ابن عمر حدث به نافعا، ولا كل ما حدث به نافعا حفظه‏.‏

قلت‏:‏ وهذا يرده رواية مسلم التي ذكرتها، فإن حاصله أن ابن عمر كان يعرفها ولم يحدث بها نافعا‏.‏

ودلت رواية مسلم على أن ابن عمر كان ينفيها‏.‏

قال ‏"‏وليس كل ما علمه ابن عمر لم يدخل عليه فيه نسيان ‏"‏ انتهى‏.‏

وهذا أيضا يقتضي أنه كان عرف بها ونسيها، وليس كذلك بل لم يعرف بها لا هو ولا عدد كثير من الصحابة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا وَمَنَعَ آخَرِينَ فَكَأَنَّهُمْ عَتَبُوا عَلَيْهِ فَقَالَ إِنِّي أُعْطِي قَوْمًا أَخَافُ ظَلَعَهُمْ وَجَزَعَهُمْ وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْخَيْرِ وَالْغِنَى مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُمْرَ النَّعَمِ وَزَادَ أَبُو عَاصِمٍ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِمَالٍ أَوْ بِسَبْيٍ فَقَسَمَهُ بِهَذَا

الشرح‏:‏

حديث عمرو بن تغلب بفتح المثناة وسكون المعجمة وكسر اللام بعدها موحدة وهو النمري بفتح النون والميم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخاف ظلعهم‏)‏ بفتح الظاء المعجمة المشالة واللام وبالمهملة أي اعوجاجهم ‏(‏وجزعهم‏)‏ بالجيم والزاي بوزنه، وأصل الظلع الميل، وأطلق هنا على مرض القلب وضعف اليقين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والغنا‏)‏ بفتح المعجمة ثم النون ومد وهو الكفاية‏.‏

وفي رواية الكشميهني بالكسر والقصر بلفظ ضد الفقر، وقوله ‏"‏بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أي التي قالها في حقه وهي إدخاله إياه في أهل الخير والغناء، وقيل المراد الكلمة التي قالها في حق غيره، فالمعنى لا أحب أن يكون لي حمر النعم بدلا من الكلمة المذكورة التي لي أو يكون لي ذلك، وتقال تلك الكلمة في حقي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏زاد أبو عاصم عن جرير‏)‏ هو ابن حازم، وقد تقدم موصولا في أواخر الجمعة عن محمد بن معمر عن أبي عاصم، وهو من المواضع التي تمسك بها من زعم أن البخاري قد يعلق عن بعض شيوخه ما بينه وبينهم فيه واسطة مثل هذا، فإن أبا عاصم شيخه وقد علق عنه هذا هنا، ولما ساقه موصولا أدخل بينه وبين أبي عاصم واسطة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو بسبي‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ بشيء ‏"‏ وهو أشمل‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي أُعْطِي قُرَيْشًا أَتَأَلَّفُهُمْ لِأَنَّهُمْ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ

الشرح‏:‏

حديث أنس في عطية المؤلفين يوم حنين، ذكره مطولا ومختصرا، وسيأتي شرحه مستوفى في غزوة حنين فقد ذكره هناك من أربعة أوجه عن أنس‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأُوَيْسِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ أَنَّهُ بَيْنَا هُوَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ النَّاسُ مُقْبِلًا مِنْ حُنَيْنٍ عَلِقَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَعْرَابُ يَسْأَلُونَهُ حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ فَوَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَعْطُونِي رِدَائِي فَلَوْ كَانَ عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلَا كَذُوبًا وَلَا جَبَانًا

الشرح‏:‏

حديث جبير بن مطعم، وإبراهيم في إسناده هو ابن سعد، وصالح هو ابن كيسان، وعمر بن محمد بن جبير تقدم ذكره في أوائل الجهاد في ‏"‏ باب الشجاعة في الحرب ‏"‏ مع الكلام على بعض شرح المتن، وقوله ‏"‏مقفله من حنين ‏"‏ أي مرجعه، كذا للكشميهني، ووقع لغيره هنا ‏"‏ مقبلا ‏"‏ وهو منصوب على الحال‏.‏

و ‏"‏ السمرة ‏"‏ بفتح المهملة وضم الميم شجرة طويلة متفرقة الرأس قليلة الظل صغيرة الورق والشوك صلبة الخشب قاله ابن التين‏.‏

وقال القزاز‏:‏ والعضاه شجر الشوك كالطلح والعوسج والسدر‏.‏

وقال الداودي‏:‏ السمرة هي العضاه‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ ورق السمرة أثبت وظلها أكثف، ويقال هي شجرة الطلح‏.‏

واختلف في واحدة العضاه فقيل عضة بفتحتين مثل شفة وشفاه، والأصل عضهة وشفهة فحذفت الهاء، وقيل واحدها عضاهة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فخطفت رداءه‏)‏ في مرسل عمرو بن سعيد عند عمر بن شبة في كتاب مكة ‏"‏ حتى عدلوا بناقته عن الطريق، فمر بسمرات فانتهسن ظهره وانتزعن رداءه فقال‏:‏ ناولوني ردائي ‏"‏ فذكر نحو حديث جبير بن مطعم وفيه ‏"‏ فنزل ونزل الناس معه، فأقبلت هوازن فقالوا‏:‏ جئنا نستشفع بالمؤمنين إليك، ونستشفع بك إلى المؤمنين ‏"‏ فذكر القصة‏.‏

وفيه ذم الخصال المذكورة وهي البخل والكذب والجبن، وأن إمام المسلمين لا يصلح أن يكون فيه خصلة منها‏.‏

وفيه ما كان في النبي صلى الله عليه وسلم من الحلم وحسن الخلق وسعة الجود والصبر على جفاة الأعراب‏.‏

وفيه جواز وصف المرء نفسه بالخصال الحميدة عند الحاجة كخوف ظن أهل الجهل به خلاف ذلك، ولا يكون ذلك من الفخر المذموم‏.‏

وفيه رضا السائل للحق بالوعد إذا تحقق عن الواعد التنجيز‏.‏

وفيه أن الإمام مخير في قسم الغنيمة إن شاء بعد فراغ الحرب وإن شاء بعد ذلك، وقد تقدم البحث فيه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَثَّرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِهِ ثُمَّ قَالَ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ

الشرح‏:‏

حديث أنس في قصة الأعرابي الذي جبذ رداء النبي صلى الله عليه وسلم وهو في معنى الذي قبله‏.‏

ونجران بنون وجيم وزن شعبان بلدة مشهورة، وسيأتي شرحه في الأدب، والغرض منه قوله ‏"‏ ثم أمر له بعطاء‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنَاسًا فِي الْقِسْمَةِ فَأَعْطَى الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ وَأَعْطَى أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ فَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ قَالَ رَجُلٌ وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا وَمَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَأُخْبِرَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ

الشرح‏:‏

حديث ابن مسعود قال ‏"‏ لما كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه وسلم أناسا في القسمة ‏"‏ الحديث، وسيأتي شرحه في غزوة حنين إن شاء الله تعالى وعيينة بمهملة وتحتانية مصغرا هو ابن حصن الفزاري‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ كُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِي وَهِيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ وَقَالَ أَبُو ضَمْرَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ أَرْضًا مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ

الشرح‏:‏

حديث أسماء بنت أبي بكر ‏"‏ كنت أنقل النوى من أرض الزبير ‏"‏ الحديث، وسيأتي في كتاب النكاح بأتم من هذا السياق، ويأتي شرحه هناك‏.‏

وقوله ‏"‏وقال أبو ضمرة ‏"‏ هو أنس بن عياض، وهشام هو ابن عروة بن الزبير، والغرض بهذا التعليق بيان فائدتين‏:‏ إحداهما أن أبا ضمرة خالف أبا أسامة في وصله فأرسله، ثانيتهما أن في رواية أبي ضمرة تعيين الأرض المذكورة وأنها كانت مما أفاء الله على رسوله من أموال بني النضير فأقطع الزبير منها، وبذلك يرتفع استشكال الخطابي حيث قال‏:‏ لا أدري كيف أقطع النبي صلى الله عليه وسلم أرض المدينة وأهلها قد أسلموا راغبين في الدين، إلا أن يكون المراد ما وقع من الأنصار أنهم جعلوا للنبي صلى الله عليه وسلم ما لا يبلغه المأمن من أرضهم، فأقطع النبي صلى الله عليه وسلم من شاء منه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَجْلَى الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ظَهَرَ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ الْيَهُودَ مِنْهَا وَكَانَتْ الْأَرْضُ لَمَّا ظَهَرَ عَلَيْهَا لِلْيَهُودِ وَلِلرَّسُولِ وَلِلْمُسْلِمِينَ فَسَأَلَ الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتْرُكَهُمْ عَلَى أَنْ يَكْفُوا الْعَمَلَ وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُقِرُّكُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا فَأُقِرُّوا حَتَّى أَجْلَاهُمْ عُمَرُ فِي إِمَارَتِهِ إِلَى تَيْمَاءَ وَأَرِيحَا

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر في معاملة أهل خيبر، وفيه قصة إجلاء عمر لهم باختصار، وقد مر شرحه في كتاب المزارعة، وقوله فيه ‏"‏ نترككم ‏"‏ من الترك‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ نقركم ‏"‏ من التقرير‏.‏

وقوله هنا ‏"‏ وكانت الأرض لما ظهر عليها لليهود وللرسول صلى الله عليه وسلم وللمسلمين ‏"‏ كذا للأكثر‏.‏

وفي رواية ابن السكن ‏"‏ لما ظهر عليها لله وللرسول وللمسلمين‏"‏؛ فقد قيل إن هذا هو الصواب‏.‏

وقال ابن أبي صفرة والذي في الأصل صحيح أيضا، قال‏:‏ والمراد بقوله ‏"‏ لما ظهر عليها ‏"‏ أي لما ظهر على فتح أكثرها قبل أن يسأله اليهود أن يصالحوه فكانت لليهود، فلما صالحهم على أن يسلموا له الأرض كانت لله ولرسوله، ويحتمل أن يكون على حذف مضاف أي ثمرة الأرض، ويحتمل أن يكون المراد بالأرض ما هو أعم من المفتتحة وغير المفتتحة، والمراد بظهوره عليها غلبته لهم فكان حينئذ بعض الأرض لليهود وبعضها للرسول وللمسلمين‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ أحاديث الباب مطابقة للترجمة إلا هذا الأخير فليس فيه للعطاء ذكر، ولكن فيه ذكر جهات مطابقة للترجمة قد علم من مكان آخر أنها كانت جهات عطاء، فبهذه الطريق تدخل تحت الترجمة، والله أعلم‏.‏

*3*باب مَا يُصِيبُ مِنْ الطَّعَامِ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يصيب‏)‏ أي المجاهد ‏(‏من الطعام في أرض الحرب‏)‏ أي هل يجب تخميسه في الغانمين، أو يباح أكله للمقاتلين‏؟‏ وهي مسألة خلاف، والجمهور على جواز أخذ الغانمين من القوت وما يصلح به وكل طعام يعتاد أكله عموما، وكذلك علف الدواب، سواء كان قبل القسمة أو بعدها، بإذن الإمام وبغير إذنه‏.‏

والمعنى فيه أن الطعام يعز في دار الحرب فأبيح للضرورة‏.‏

والجمهور أيضا على جواز الأخذ ولو لم تكن الضرورة ناجزة، واتفقوا على جواز ركوب دوابهم ولبس ثيابهم واستعمال سلاحهم في حال الحرب، ورد ذلك بعد انقضاء الحرب وشرط الأوزاعي فيه إذن الإمام، وعليه أن يرده كلما فرغت حاجته، ولا يستعمله في غير الحرب، ولا ينتظر برده انقضاء الحرب لئلا يعرضه للهلاك، وحجته حديث رويفع ابن ثابت مرفوعا ‏"‏ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذ دابة من المغنم فيركبها حتى إذا أعجفها ردها إلى المغانم ‏"‏ وذكر في الثوب مثل ذلك، وهو حديث حسن أخرجه أبو داود والطحاوي، ونقل عن أبي يوسف أنه حمله على ما إذا كان الآخذ غير محتاج يبقى دابته أو ثوبه بخلاف من ليس له ثوب ولا دابة‏.‏

وقال الزهري‏:‏ لا يأخذ شيئا من الطعام ولا غيره إلا بإذن الإمام‏.‏

وقال سليمان بن موسى‏:‏ يأخذ إلا إن نهى الإمام‏.‏

وقال ابن المنذر‏.‏

قد وردت الأحاديث الصحيحة في التشديد في الغلول، واتفق علماء الأمصار على جواز أكل الطعام، وجاء الحديث بنحو ذلك فليقتصر عليه، وأما العلف فهو في معناه‏.‏

وقال مالك‏:‏ يباح ذبح الأنعام للأكل كما يجوز أخذ الطعام، وقيده الشافعي بالضرورة إلى الأكل حيث لا طعام، وقد تقدم في ‏"‏ باب ما يكره من ذبح الإبل ‏"‏ في أواخر الجهاد شيء من ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مُحَاصِرِينَ قَصْرَ خَيْبَرَ فَرَمَى إِنْسَانٌ بِجِرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ فَنَزَوْتُ لِآخُذَهُ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن مغفل‏)‏ بالمعجمة والفاء وزن محمد‏.‏

وفي رواية بهز بن أسد عن شعبة عند مسلم ‏"‏ سمعت عبد الله بن مغفل ‏"‏ وفي رواية سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال ‏"‏ حدثني عبد الله بن مغفل ‏"‏ والإسناد كله بصريون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فرمى إنسان‏)‏ لم أقف على اسمه ولأبي داود من طريق سليمان بن المغيرة ‏"‏ دلي بجراب يوم خيبر فالتزمته‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بجراب‏)‏ بكسر الجيم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فنزوت‏)‏ بالنون والزاي أي وثبت مسرعا، ووقع في رواية سليمان ابن المغيرة ‏"‏ فالتزمته ‏"‏ فقلت لا أعطي اليوم أحدا من هذا شيئا ‏"‏ وقد أخرج ابن وهب بسند معضل ‏"‏ أن صاحب المغانم كعب بن عمرو بن زيد الأنصاري أخذ منه الجراب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم خل بينه وبين جرابه ‏"‏ وبهذا يتبين معنى قوله ‏"‏ فاستحييت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ولعله استحيا من فعله ذلك ومن قوله معا، وموضع الحجة منه عدم إنكار النبي صلى الله عليه وسلم، بل في رواية مسلم ما يدل على رضاه فإنه قال فيه ‏"‏ فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متبسما ‏"‏ وزاد أبو داود الطيالسي في آخره ‏"‏ فقال هو لك ‏"‏ وكأنه عرف شدة حاجته إليه فسوغ له الاستئثار به‏.‏

وفي قوله ‏"‏ فاستحييت ‏"‏ إشارة إلى ما كانوا عليه من توقير النبي صلى الله عليه وسلم، ومن معاناة التنزه عن خوارم المروءة‏.‏

وفيه جواز أكل الشحوم التي توجد عند اليهود، وكانت محرمة على اليهود، وكرهها مالك‏.‏

وعن أحمد تحريمها، وسيأتي ذلك في باب مفرد في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر ‏"‏ كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه ‏"‏ رواه يونس بن محمد عند أبي نعيم وأحمد بن إبراهيم عند الإسماعيلي عن حماد بن زيد فزاد فيه ‏"‏ والفواكه ‏"‏ ورواه الإسماعيلي من طريق ابن المبارك عن حماد بن زيد بلفظ ‏"‏ كنا نصيب العسل والسمن في المغازي فنأكله ‏"‏ ومن طريق جرير بن حازم عن أيوب بلفظ ‏"‏ أصبنا طعاما وأغناما يوم اليرموك فلم يقسم ‏"‏ وهذا الموقوف لا يغاير الأول لاختلاف السياق، وللأول حكم المرفوع للتصريح بكونه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما يوم اليرموك فكان بعده فهو موقوف يوافق المرفوع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا نرفعه‏)‏ أي ولا نحمله على سبيل الادخار، ويحتمل أن يريد ولا نرفعه إلى متولي أمر الغنيمة أو إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا نستأذنه في أكله اكتفاء بما سبق منه من الإذن‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِيَ خَيْبَرَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وَقَعْنَا فِي الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَانْتَحَرْنَاهَا فَلَمَّا غَلَتِ الْقُدُورُ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْفِئُوا الْقُدُورَ فَلَا تَطْعَمُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَقُلْنَا إِنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ حَرَّمَهَا أَلْبَتَّةَ وَسَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ حَرَّمَهَا أَلْبَتَّةَ

الشرح‏:‏

حديث عبد الله ابن أبي أوفى في ذبحهم الحمر الأهلية يوم خيبر، وفيه الأمر بإراقتها، وفيه اختلافهم في سبب النهي هل هو لكونها لم تخمس أو لتحريم الحمر الأهلية، وسيأتي البحث في ذلك في كتاب الذبائح، والغرض منه هنا أنه يشعر بأن عادتهم جرت بالإسراع إلى المأكولات وانطلاق الأيدي فيها ولولا ذلك ما قدموا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وقد ظهر أنه لم يأمرهم بإراقة لحوم الحمر إلا لأنها لم تخمس، وأما حديث ثعلبة بن الحكم قال ‏"‏ أصبنا يوم خيبر غنما ‏"‏ فذكر الأمر بإكفائها وفيه ‏"‏ فإنها لا تحل النهبة ‏"‏ قال ابن المنذر إنما كان ذلك لأجل ما وقع من النهبة، لأن أكل نعم أهل الحرب غير جائز‏.‏

ومن أحاديث الباب حديث عبد الله بن أبي أوفى أيضا ‏"‏ أصبنا طعاما يوم خيبر، فكان الرجل يجيء فيأخذ منه مقدار ما يكفيه ثم ينصرف ‏"‏ أخرجه أبو داود والحاكم والطحاوي ولفظه ‏"‏ فيأخذ منه حاجته‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عبد الله‏)‏ هو ابن أبي أوفى راوي الحديث، وبين ذلك في المغازي من وجه آخر عن الشيباني بلفظ ‏"‏ قال ابن أبي أوفى فتحدثنا ‏"‏ فذكر نحوه، ولمسلم من طريق علي بن مسهر عن الشيباني قال ‏"‏ فتحدثنا بيننا ‏"‏ أي الصحابة‏.‏

وقوله ‏"‏وقال آخرون ‏"‏ أي من الصحابة‏.‏

والحاصل أن الصحابة اختلفوا في علة النهي عن لحم الحمر هل هو لذاتها أو لعارض، وسيأتي في المغازي في هذا الحديث قول من قال‏:‏ لأنها كانت بأكل العذرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وسألت سعيد بن جبير‏)‏ قائل ذلك هو الشيباني ورواية الشيباني عن سعيد بن جبير لغير هذا الحديث عند النسائي‏.‏