فصل: باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ مِنْ الْحَيْضِ وَالْحَبَلِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*بَاب وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الْأَعْرَجِ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهَا سُبَيْعَةُ كَانَتْ تَحْتَ زَوْجِهَا تُوُفِّيَ عَنْهَا وَهِيَ حُبْلَى فَخَطَبَهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ فَأَبَتْ أَنْ تَنْكِحَهُ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا يَصْلُحُ أَنْ تَنْكِحِيهِ حَتَّى تَعْتَدِّي آخِرَ الْأَجَلَيْنِ فَمَكُثَتْ قَرِيبًا مِنْ عَشْرِ لَيَالٍ ثُمَّ جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ انْكِحِي

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏إن زينب بنت أبي سلمة أخبرته‏)‏ أي ابن عبد الأسد المخزومي، وقد تقدم الحديث في تفسير الطلاق من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عن كريب عن أم سلمة، وذلك لما وقعت المراجعة بينه وبين ابن عباس في ذلك، وتقدم بيان ذلك مشروحا هناك‏.‏

وقد رواه مالك عن عبد ربه بن سعيد عن أبي سلمة وفيه ‏"‏ فدخل أبو سلمة على أم سلمة ‏"‏ أورده المصنف هنا مختصرا، وأورد القصة من وجهين آخرين باختصار أيضا‏.‏

الطريق الأولى طريق الأعرج ‏"‏ أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته عن أمها أم سلمة ‏"‏ كذا رواه الأعرج عن أبي سلمة، ورواه يحيى بن أبي كثير ‏"‏ عن أبي سلمة عن كريب عن أم سلمة ‏"‏ كما تقدم في تفسير سورة الطلاق، وفيه قصة لأبي سلمة مع ابن عباس وأبي هريرة‏.‏

وأخرجه مسلم من طريق سليمان بن يسار ‏"‏ أن ابن عباس وأبا سلمة اجتمعا عند أبي هريرة، فبعثوا كريبا إلى أم سلمة يسألها عن ذلك ‏"‏ فذكرت القصة، وهو شاهد لرواية الأعرج‏.‏

وأخرجه مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن عبد ربه بن سعيد ‏"‏ عن أبي سلمة قال‏:‏ دخلت على أم سلمة‏"‏، وأخرجه النسائي من طريق داود بن أبي عاصم ‏"‏ أن أبا سلمة أخبره ‏"‏ فذكر قصته مع ابن عباس وأبي هريرة، قال ‏"‏ فأخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وأخرجه أحمد من طريق ابن إسحاق حدثني محمد بن إبراهيم التيمي ‏"‏ عن أبي سلمة قال‏:‏ دخلت على سبيعة ‏"‏ وهذا الاختلاف على أبي سلمة لا يقدح في صحة الخبر، فإن لأبي سلمة اعتناء بالقصة من حين تنازع هو وابن عباس فيها، فكأنه لما بلغه الخبر من كريب عن أم سلمة لم يقتنع بذلك حتى دخل عليها ثم دخل على سبيعة صاحبة القصة نفسها ثم تحملها عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الرجل يحتمل أن يكون هو المسور بن مخرمة كما يأتي في الطريق الثالثة، ويحتمل أن يكون أبا هريرة فإن في آخر الحديث عند النسائي ‏"‏ فقال أبو هريرة أشهد على ذلك ‏"‏ فيحتمل أن يكون أبو سلمة أبهمه أولا لما قال ‏"‏ أخبرني رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

وأما ما أخرجه عبد بن حميد من رواية صالح بن أبي حسان عن أبي سلمة فذكر قصته مع ابن عباس وأبي هريرة قال ‏"‏ فأرسلوا إلى عائشة فذكرت حديث سبيعة فهو شاذ، وصالح بن أبي حسان مختلف فيه، ولعل هذا هو سبب الوهم الذي حكاه الحميدي عن ابن مسعود وذكرته في تفسير الطلاق‏.‏

ووقع في رواية أبان العطار عن يحيى بن أبي كثير في هذا الحديث ‏"‏ أن ابن عباس احتج بقوله تعالى ‏(‏والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا‏)‏ وأن أبا سلمة قال له‏:‏ يا ابن عباس أقال الله آخر الأجلين‏؟‏ أرأيت لو مضت أربعة أشهر وعشر ولم تضع أتتزوج‏؟‏ فقال لغلامه‏:‏ اذهب إلى أم سلمة‏"‏‏.‏

قوله في الطريق الأولى ‏(‏إن امرأة من أسلم يقال لها سبيعة‏)‏ هي بمهملة وموحدة ثم مهملة تصغير سبع، ووقع في المغازي ‏"‏ سبيعة بنت الحارث ‏"‏ وذكرها ابن سعد في المهاجرات، ووقع في رواية لابن إسحاق عند أحمد ‏"‏ سبيعة بنت أبي برزة الأسلمي ‏"‏ فإن كان محفوظا فهو أبو برزة آخر غير الصحابي المشهور، وهو إما كنية للحارث والد سبيعة أو نسبت في الرواية المذكورة إلى جد لها‏.‏

قوله ‏(‏كانت تحت زوجها‏)‏ تقدم في غزوة بدر أيضا تسميته ‏"‏ سعد بن خولة ‏"‏ وفيه أنه من بني عامر بن لؤي، وثبت فيه أنه كان من حلفائهم‏.‏

قوله ‏(‏توفي عنها‏)‏ تقدم هناك أنه توفي في حجة الوداع، ونقل ابن عبد البر الاتفاق على ذلك، وفي ذلك نظر فقد ذكر‏:‏ محمد بن سعد أنه مات قبل الفتح، وذكر الطبري أنه مات سنة سبع، وقد ذكرت شيئا من ذلك في كتاب الوصايا، وتقدم في تفسير الطلاق أنه قتل، ومعظم الروايات على أنه مات وهو المعتمد، ووقع للكرماني‏:‏ لعل سبيعة قالت قتل بناء على ظن منها في ذلك فتبين أنه لم يقتل، وهذا الجمع يمجه السمع، وإذا ظنت سبيعة أنه قتل ثم تبين لها أنه لم يقتل فكيف تجزم بعد دهر طويل بأنه قتل‏؟‏ فالمعتمد أن الرواية التي فيها قتل إن كانت محفوظة ترجحت لأنها لا تنافي مات أو توفي، وإن لم يكن في نفس الأمر قتل فهي رواية شاذة‏.‏

قوله ‏(‏فخطبها أبو السنابل‏)‏ بمهملة ونون ثم موحدة جمع سنبلة، اختلف في اسمه فقيل عمرو قاله ابن البرقي عن ابن هشام عمن يثق به عن الزهري‏.‏

وقيل عامر روى عن ابن إسحاق، وقيل حبة بموحدة بعد المهملة، وقيل بنون وقيل لبيدريه، وقيل أصرم، وقيل عبد الله، ووقع في بعض الشروح وقيل بغيض‏.‏

قلت‏:‏ وهو غلط والسبب فيه أن بعض الأئمة سئل عن اسمه فقال‏:‏ بغيض يسأل عن بغيض، فظن الشارح أنه اسمه، وليس كذلك لأن في بقية الخبر اسمه لبيدريه، وجزم العسكري بأن اسمه كنيته، وبعكك بموحدة ثم مهملة ثم كافين بوزن جعفر بن الحارث بن عميلة بن السباق بن عبد الدار، وكذا نسبه ابن إسحاق، وقيل هو ابن بعكك بن الحجاج بن الحارث ابن السباق نقل ذلك عن ابن الكلبي ابن عبد البر قال‏:‏ وكان من المؤلفة وسكن الكوفة، وكان شاعرا، ونقل الترمذي عن البخاري أنه قال‏:‏ لا يعلم أن أبا السنابل عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم، كذا قال، لكن جزم ابن سعد أنه بقي بعد النبي صلى الله عليه وسلم زمنا‏.‏

وقال ابن منده في ‏"‏ الصحابة ‏"‏ عداده في أهل الكوفة، وكذا قال أبو نعيم أنه سكن الكوفة، وفيه نظر لأن خليفة قال‏:‏ أقام بمكة حتى مات، وتبعه ابن عبد البر، ويؤيد كونه عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم قول ابن البرقي‏:‏ أن أبا السنابل تزوج سبيعة بعد ذلك، وأولدها سنابل بن أبي السنابل، ومقتضى ذلك أن يكون أبو السنابل عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه وقع في رواية عبد ربه بن سعيد عن أبي سلمة أنها تزوجت الشاب، وكذا في رواية داود بن أبي عاصم أنها تزوجت فتى من قومها، وتقدم أن قصتها كانت بعد حجة الوداع فيحتاج - إن كان الشاب دخل عليها ثم طلقها - إلى زمان عدة منه ثم إلى زمان الحمل حتى تضع وتلد سنابل حتى صار أبوه يكنى به أبا السنابل، وقد أفاد محمد بن وضاح فيما حكاه ابن بشكوال وغيره عنه أن اسم الشاب - الذي خطب سبيعة هو وأبو السنابل فآثرته على أبي السنابل - أبو البشر بن الحارث، وضبطه بكسر الموحدة وسكون المعجمة، وقد أخرج الترمذي والنسائي قصة سبيعة من رواية الأسود عند أبي السنابل بسند على شرط الشيخين إلى الأسود وهو من كبار التابعين من أصحاب ابن مسعود ولم يوصف بالتدليس، فالحديث صحيح على شرط مسلم، لكن البخاري على قاعدته في اشتراط ثبوت اللقاء ولو مرة فلهذا قال ما نقله الترمذي‏.‏

قوله ‏(‏فأبت أن تنكحه‏)‏ وقع في رواية ‏"‏ الموطأ ‏"‏ فخطبها رجلان أحدهما شاب وكهل، فحطت إلى الشاب، فقال الكهل لم تحلي، وكان أهلها غيبا فرجا أن يؤثروه بها‏.‏

قوله ‏(‏فقالت والله ما يصلح أن تنكحيه حتى تعتدي آخر الأجلين، فمكثت قريبا من عشر ليال ثم جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقال انكحي‏)‏ قال عياض‏:‏ هكذا وقع عند جميعهم ‏"‏ فقالت والله ما يصلح ‏"‏ إلا لابن السكن فعنده ‏"‏ فقال ‏"‏ مكان ‏"‏ فقالت ‏"‏ وهو الصواب‏.‏

قلت‏:‏ وكذا في الأصل الذي عندنا من رواية أبي ذر عن مشايخه، بل قال ابن التين أنه عند جميعهم ‏"‏ فقال ‏"‏ إلا عند القابسي ‏"‏ فقالت ‏"‏ بزيادة التاء، وهذا أقرب مما قال عياض‏.‏

ثم قال عياض‏:‏ والحديث مبتور نقص منه قولها ‏"‏ فنفست بعد ليال فخطبت إلخ‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ قد ثبت المحذوف في رواية ابن ملحان التي أشرت إليها عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه ولفظه ‏"‏ فمكثت قريبا من عشرين ليلة ثم نفست ‏"‏ وقد وقع للبخاري اختصار المتن في الطريق الثانية بأبلغ من هذا، فإنه اقتصر منه على قوله ‏"‏ إنه كتب إلى ابن أرقم أن يسأل سبيعة الأسلمية كيف أفتاها النبي صلى الله عليه وسلم‏؟‏ فقالت‏:‏ أفتاني إذا حللت أن أنكح ‏"‏ فأبهم اسم ابن أرقم ونسبه إلى جده كما نبهت عليه وطوى ذكر أكثر القصة وتقديره‏:‏ فأتاها فسألها، فأخبرته، فكتب إليه الجواب‏:‏ إني سألتها فذكرت القصة، وفي آخرها ‏"‏ فقالت إلخ‏"‏‏.‏

وقد وقع بيانه واضحا في تفسير الطلاق من رواية يونس عن الزهري وفيه ‏"‏ فكتب عمر بن عبد الله بن الأرقم إلى عبد الله بن عتبة يخبره أن سبيعة بنت الحارث أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك رجل من بني عبد الدار فقال‏:‏ ما لي أراك تجملت للخطاب ترجين النكاح‏؟‏ فإنك والله ما أنت بناكح حتى يمر عليك أربعة أشهر وعشر، قالت سبيعة‏:‏ فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزويج إن بدا لي‏"‏‏.‏

وقوله في هذه الطريق الثانية ‏"‏ فمكثت قريبا من عشر ليال ثم جاءت النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ قد يخالف في الظاهر قوله في رواية الزهري المذكورة ‏"‏ فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت ‏"‏ فإنه ظاهر في أنها توجهت إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مساء اليوم الذي قال لها فيه أبو السنابل ما قال، ويمكن الجمع بينهما أن يحمل قولها حين أمسيت على إرادة وقت توجهها، ولا يلزم منه أن يكون ذلك في اليوم الذي قال لها فيه ما قال‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ يَزِيدَ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى ابْنِ الْأَرْقَمِ أَنْ يَسْأَلَ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ كَيْفَ أَفْتَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ أَفْتَانِي إِذَا وَضَعْتُ أَنْ أَنْكِحَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏الليث عن يزيد‏)‏ قال الدمياطي في حواشيه‏:‏ هو ابن عبد الله بن الهاد، ووهم في ذلك وإنما هو ابن أبي حبيب، كذا أخرجه أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق أحمد بن إبراهيم بن ملجان عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه، وكذا أخرجه الطبراني من طريق عبد الله بن صالح عن الليث‏.‏

قوله ‏(‏إن ابن شهاب كتب إليه‏)‏ هو حجة في جواز الرواية بالمكاتبة، وقد سبق في غزوة بدر من المغازي معلقا عن الليث عن يونس عن ابن شهاب أتم سياقا مما هنا، ووصله مسلم من طريق ابن وهب عن يونس كذلك، ووافقه الزبيدي عن ابن شهاب أخرجه ابن حبان، وأخرجه الطبراني من طريق عقيل عن ابن شهاب فخالف في بعض رواته‏.‏

قوله ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو عبد الله بن عتبة بن مسعود، وقد سلف في تفسير الطلاق أن ابن سيرين حدث به عن عبد الله بن عتبة عن سبيعة، فيحتمل أن يكون عبد الله بن عتبة لقي سبيعة بعد أن كان بلغه عنها ممن سيذكر من الوسائط‏.‏

ويحتمل أن يكون أرسله عنها لابن سيرين، وأخرجه أحمد من طريق قتادة ‏"‏ عن خلاس عن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن مسعود أن سبيعة بنت الحارث ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله ‏(‏إنه كتب إلى ابن الأرقم‏)‏ جزم جمع من الشراح أنه عبد الله بن الأرقم الزهري الصحابي المشهور، ووهموا في ذلك، وإنما هو ولده عمر بن عبد الله، كذلك وقع واضحا مفسرا في رواية يونس، وليس لعمر المذكور في الصحيحين سوى هذا الحديث الواحد‏.‏

ووقع في رواية عقيل ‏"‏ عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أباه كتب إليه أن إلق سبيعة فسهل كيف قضى لها، قال فأخبرني زفر بن أوس بن الحدثان أن سبيعة أخبرته ‏"‏ والقائل ‏"‏ أخبرني زفر ‏"‏ هو عبيد الله بن عبد الله ‏"‏ بين ذلك النسائي في روايته من طريق أبي زيد بن أنيسة عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن شهاب، ووضح بذلك أن لابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة فيه طريقين‏.‏

الطريق الثالثة رواية هشام بن عروة عن أبيه ‏"‏ عن المسور بن مخرمة أن سبيعة الأسلمية نفست ‏"‏ وهذا يحتمل أن يكون المسور حمله أو أرسله عن سبيعة أو حضر القصة، فإنه حفظ خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في شأن فاطمة الزهراء وكانت قبل قصة سبيعة، فلعله حضر قصة سبيعة أيضا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ فَجَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَتْهُ أَنْ تَنْكِحَ فَأَذِنَ لَهَا فَنَكَحَتْ

الشرح‏:‏

‏(‏إن سبيعة نفست‏)‏ بضم النون وكسر الفاء أي ولدت‏.‏

قوله ‏(‏بعد وفاة زوجها بليال‏)‏ كذا أبهم المدة، وكذا في رواية سليمان بن يسار عند مسلم مثله وفي رواية الزهري ‏"‏ فلم تنشب أن وضعت‏"‏‏.‏

ووقع في رواية محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة عن سبيعة عند أحمد ‏"‏ فلم أمكث إلا شهرين حتى وضعت ‏"‏ وفي رواية داود بن أبي عاصم ‏"‏ فولدت لأدنى من أربعة أشهر ‏"‏ وهذا أيضا مبهم‏.‏

وفي رواية يحيى بن أبي كثير الماضية في تفسير الطلاق ‏"‏ فوضعت بعد موته بأربعين ليلة ‏"‏ كذا في رواية شيبان عنه‏.‏

وفي رواية حجاج الصواف عند النسائي ‏"‏ بعشرين ليلة ‏"‏ ووقع عند ابن أبي حاتم من رواية أيوب عن يحيى ‏"‏ بعشرين ليلة أو خمس عشرة ‏"‏ ووقعت في رواية الأسود ‏"‏ فوضعت بعد وفاة زوجها بثلاثة وعشرين يوما أو خمسة وعشرين يوما ‏"‏ كذا عند الترمذي والنسائي، وعند ابن ماجه ‏"‏ ببضع وعشرين ليلة ‏"‏ وكأن الراوي ألغى الشك وأتى بلفظ يشمل الأمرين‏.‏

وقع في رواية عبد ربه بن سعيد ‏"‏ بنصف شهر ‏"‏ وكذا في رواية شعبة بلفظ ‏"‏ خمسة عشر، نصف شهر ‏"‏ وكذا في حديث ابن مسعود عند أحمد، والجمع بين هذه الروايات متعذر لاتحاد القصة، ولعل هذا هو السر في إبهام من أبهم المدة، إذ محل الخلاف أن تضع لدون أربعة أشهر وعشر، وهو هنا كذلك، فأقل ما قيل في هذه الروايات نصف شهر، وأما ما وقع في بعض الشروح أن في البخاري رواية عشر ليال وفي رواية للطبراني ثمان أو سبع فهو في مدة إقامتها بعد الوضع إلى أن استفتت النبي صلى الله عليه وسلم لا في مدة بقية الحمل، وأكثر ما قيل فيه بالتصريح شهرين وبغيره دون أربعة أشهر، وقد قال جمهور العلماء من السلف وأئمة الفتوى في الأمصار‏:‏ إن الحامل إذا مات عنها زوجها تحل بوضع الحمل وتنقضي عدة الوفاة، وخالف في ذلك علي فقال‏:‏ تعتد آخر الأجلين، ومعناه أنها إن وضعت قبل مضي أربعة أشهر وعشر تربصت إلى انقضائها ولا تحل بمجرد الوضع، وإن انقضت المدة قبل الوضع تربصت إلى الوضع أخرجه سعيد بن منصور وعبد بن حميد بن علي بسند صحيح وبه قال ابن عباس كما في هذه القصة، ويقال إنه رجع عنه، ويقويه أن المنقول عن أتباعه وفاق الجماعة في ذلك، وتقدم في تفسير الطلاق أن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنكر على ابن سيرين القول بانقضاء عدتها بالوضع، وأنكر أن يكون ابن مسعود قال بذلك، وقد ثبت عن ابن مسعود من عدة طرق أنه كان يوافق الجماعة حتى كان يقول ‏"‏ من شاء لاعنته على ذلك ‏"‏ ويظهر من مجموع الطرق في قصة سبيعة أن أبا السنابل رجع عن فتواه أولا أنها لا تحل حتى تمضي مدة عدة الوفاة لأنه قد روى قصة سبيعة ورد النبي صلى الله عليه وسلم ما أفتاها أبو السنابل به من أنها لا تحل حتى يمضي لها أربعة أشهر وعشر ولم يرد عن أبي السنابل تصريح في حكمها لو انقضت المدة قبل الوضع هل كان يقول بظاهر إطلاقه من انقضاء العدة أو لا‏؟‏ لكن نقل غير واحد الإجماع على أنها لا تنقضي في هذه الحالة الثانية حتى تضع، وقد وافق سحنون من المالكية عليا نقله المازري وغيره‏.‏

وهو شذوذ مردود لأنه إحداث خلاف بعد استقرار الإجماع، والسبب الحامل له الحرص على العمل بالآيتين اللتين تعارض عمومهما، فقوله تعالى ‏(‏والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا‏)‏ عام في كل من مات عنها زوجها، يشمل الحامل وغيرها، وقوله تعالى ‏(‏وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن‏)‏ عام أيضا يشمل المطلقة والمتوفى عنها، فجمع أولئك بين العمومين بقصر الثانية على المطلقة بقرينة ذكر عدد المطلقات، كالآيسة والصغيرة قبلهما، ثم لم يهملوا ما تناولته الآية الثانية من العموم، لكن قصروه على من مضت عليها المدة ولم تضع، فكان تخصيص بعض العموم أولى وأقرب إلى العمل بمقتضى الآيتين من إلغاء أحدهما في حق بعض من شمله العموم، قال القرطبي‏:‏ هذا نظر حسن، فإن الجمع أولى من الترجيح باتفاق أهل الأصول، لكن حديث سبيعة نص بأنها تحل بوضع الحمل فكان فيه بيان للمراد بقوله تعالى ‏(‏يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا‏)‏ أنه في حق من لم تضع، وإلى ذلك أشار ابن مسعود بقوله ‏"‏ إن آية الطلاق نزلت بعد آية البقرة ‏"‏ وفهم بعضهم منه أنه يرى نسخ الأولى بالأخيرة، وليس ذلك مراده، وإنما يعني أنها مخصصة لها فإنها أخرجت منها بعض متناولاتها‏.‏

وقال ابن عبد البر‏:‏ لولا حديث سبيعة لكان القول ما قال علي وابن عباس لأنهما عدتان مجتمعان بصفتين وقد اجتمعتا في الحامل المتوفى عنها زوجها فلا تخرج من عدتها إلا بيقين واليقين آخر الأجلين‏.‏

وقد اتفق الفقهاء من أهل الحجاز والعراق أن أم الولد لو كانت متزوجة فمات زوجها ومات سيدها معا أن عليها أن تأتي بالعدة والاستبراء بأن تتربص أربعة أشهر وعشرا فيها حيضة أو بعدها، ويترجح قول الجمهور أيضا بأن الآيتين وإن كانتا عامتين من وجه خاصتين من وجه فكان الاحتياط أن لا تنقضي العدة إلا بآخر الأجلين، لكن لما كان المعنى المقصود الأصلي من العدة براءة الرحم - ولا سيما فيمن تحيض - يحصل المطلوب بالوضع، ووافق ما دل عليه حديث سبيعة، ويقويه قول ابن مسعود في تأخر نزول آية الطلاق عن آية البقرة‏.‏

واستدل بقوله ‏"‏ فأفتاني بأني حللت حين وضعت حملي ‏"‏ بأنه يجوز العقد عليها إذا وضعت ولو لم تطهر من دم النفاس، وبه قال الجمهور، وإلى ذلك أشار ابن شهاب في آخر حديثه عند مسلم بقوله ‏"‏ ولا أرى بأسا أن تتزوج حين وضعت وإن كانت في دمها غير أنه لا يقربها زوجها حتى تطهر ‏"‏ وقال الشعبي والحسن والنخعي وحماد بن سلمة‏:‏ لا تنكح حتى تطهر، قال القرطبي‏:‏ وحديث سبيعة حجة عليهم، ولا حجة لهم في قوله في بعض طرقه ‏"‏ فلما تعلت من نفاسها ‏"‏ لأن لفظ تعلت كما يجوز أن يكون معناه طهرت جاز أن يكون استعلت من ألم النفاس، وعلى تقدير تسليم الأول فلا حجة فيه أيضا لأنها حكاية واقعة سبيعة، والحجة إنما هو في قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ إنها حلت حين وضعت ‏"‏ كما في حديث الزهري المتقدم ذكره‏.‏

وفي رواية معمر عن الزهري ‏"‏ حللت حين وضعت حملك ‏"‏ وكذا أخرجه أحمد من حديث أبي بن كعب ‏"‏ أن امرأته أم الطفيل قالت لعمر قد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيعة أن تنكح إذا وضعت ‏"‏ وهو ظاهر القرآن في قوله تعالى ‏(‏أن يضعن حملهن‏)‏ فعلق الحل بحين الوضع وقصره عليه ولم يقل إذا طهرت ولا إذا انقطع دمك، فصح ما قال الجمهور‏.‏

وفي قصة سبيعة من الفوائد أن الصحابة كانوا يفتون في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن المفتي إذا كان له ميل إلى الشيء لا ينبغي له أن يفتي فيه لئلا يحمله الميل إليه على ترجيح ما هو مرجوح كما وقع لأبي السنابل حيث أفتى سبيعة أنها لا تحل بالوضع لكونه كان خطبها فمنعته ورجا أنها إذا قبلت ذلك منه وانتظرت مضي المدة حضر أهلها فرغبوها في زواجه دون غيره‏.‏

وفيه ما كان في سبيعة من الشهامة والفطنة حيث ترددت فيما أفتاها به حتى حملها ذلك على استيضاح الحكم من الشارع، وهكذا ينبغي لمن ارتاب في فتوى المفتي أو حكم الحاكم في مواضع الاجتهاد أن يبحث عن النص في تلك المسألة، ولعل ما وقع من أبي السنابل من ذلك هو السر في إطلاق النبي صلى الله عليه وسلم أنه كذب في الفتوى المذكورة كما أخرجه أحمد من حديث ابن مسعود، على أن الخطأ قد يطلق عليه الكذب وهو في كلام أهل الحجاز كثير، وحمله بعض العلماء على ظاهره فقال‏:‏ إنما كذبه لأنه كان عالما بالقصة وأفتى بخلافه حكاه ابن داود عن الشافعي في ‏"‏ شرح المختصر ‏"‏ وهو بعيد‏.‏

وفيه الرجوع في الوقائع إلى الأعلم، ومباشرة المرأة السؤال عما ينزل بها ولو كان مما يستحي النساء من مثله لكن خروجها من منزلها ليلا يكون أستر لها كما فعلت سبيعة‏.‏

وفيه أن الحامل تنقضي عدتها بالوضع على أي صفة كان من مضغة أو من علقة، سواء استبان خلق الآدمي أم لا، لأنه صلى الله عليه وسلم رتب الحل على الوضع من غير تفصيل، وتوقف ابن دقيق العمد فيه من جهة أن الغالب في إطلاق وضع الحامل هو الحمل التام المتخلق، وأما خروج المضغة أو العلقة فهو نادر، والحمل على الغالب أقوى، ولهذا نقل عن الشافعي قول بأن العدة لا تنقضي بوضع قطعة لحم ليس فيها صورة بينة ولا خفية، وأجيب عن الجمهور بأن المقصود في انقضاء العدة براءة الرحم، وهو حاصل بخروج المضغة أو العلقة، بخلاف أم الولد فإن المقصود منها الولادة، وما لا يصدق عليه أنه أصل آدمي لا يقال فيه ولدت‏.‏

وفيه جواز تجمل المرأة بعد انقضاء عدتها لمن يخطبها، لأن في رواية الزهري التي في المغازي ‏"‏ فقال ما لي أراك تجملت للخطاب ‏"‏ وفي رواية ابن إسحاق ‏"‏ فتهيأت للنكاح واختضبت ‏"‏ وفي رواية معمر عن الزهري عند أحمد ‏"‏ فلقيها أبو السنابل وقد اكتحلت ‏"‏ وفي رواية الأسود ‏"‏ فتطيبت وتصنعت ‏"‏ وذكر الكرماني أنه وقع في بعض طرق حديث سبيعة أن زوجها مات وهي حاملة وفي معظمها حامل وهو الأشهر لأن الحمل من صفات النساء فلا يحتاج إلى علامة التأنيث، ووجه الأول أنه أريد بأنها ذات حمل بالفعل كما قيل في قوله تعالى ‏(‏تذهل كل مرضعة‏)‏ فلو أريد أن الإرضاع من شأنها لقيل كل مرضع ا هـ‏.‏

والذي وقفنا عليه في جميع الروايات ‏"‏ وهي حامل ‏"‏ وفي كلام أبي السنابل ‏"‏ لست بناكح ‏"‏ واستدل به على أن المرأة لا يجب عليها التزويج لقولها في الخبر من طريق الزهري ‏"‏ وأمرني بالتزويج إن بدا لي ‏"‏ وهو مبين للمراد من قوله في رواية سليمان بن يسار ‏"‏ وأمرها بالتزويج ‏"‏ فيكون معناه وأذن لها، وكذا ما وقع في الطريق الأولى من الباب ‏"‏ فقال انكحي ‏"‏ وفي رواية ابن إسحاق عند أحمد ‏"‏ فقد حللت فتزوجي ‏"‏ ووقع في رواية الأسود عن أبي السنابل عند ابن ماجه في آخره ‏"‏ فقال إن وجدت زوجا صالحا فتزوجي ‏"‏ وفي حديث ابن مسعود عند أحمد ‏"‏ إذا أتاك أحد ترضينه‏"‏‏.‏

وفيه أن الثيب لا تزوج إلا برضاها من ترضاه ولا إجبار لأحد عليها، وقد تقدم بيانه في غير هذا الحديث

*3*باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ فِيمَنْ تَزَوَّجَ فِي الْعِدَّةِ فَحَاضَتْ عِنْدَهُ ثَلَاثَ حِيَضٍ بَانَتْ مِنْ الْأَوَّلِ وَلَا تَحْتَسِبُ بِهِ لِمَنْ بَعْدَهُ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ تَحْتَسِبُ وَهَذَا أَحَبُّ إِلَى سُفْيَانَ يَعْنِي قَوْلَ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ مَعْمَرٌ يُقَالُ أَقْرَأَتْ الْمَرْأَةُ إِذَا دَنَا حَيْضُهَا وَأَقْرَأَتْ إِذَا دَنَا طُهْرُهَا وَيُقَالُ مَا قَرَأَتْ بِسَلًى قَطُّ إِذَا لَمْ تَجْمَعْ وَلَدًا فِي بَطْنِهَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب قول الله تعالى‏:‏ والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء‏)‏ سقط لفظ ‏"‏ باب ‏"‏ لأبي ذر، والمراد بالمطلقات هنا ذوات الحيض كما دلت عليه آية سورة الطلاق المذكورة قبل، والمراد بالتربص الانتظار وهو خبر بمعنى الأمر، وقرأ الجمهور ‏"‏ قروء ‏"‏ بالهمز وعن نافع بتشديد الواو بغير همز‏.‏

قوله ‏(‏وقال إبراهيم‏)‏ هو النخعي ‏(‏فيمن تزوج في العدة فحاضت عنده ثلاث حيض بانت من الأول ولا تحتسب به لمن بعده‏.‏

وقال الزهري‏:‏ تحتسب، وهذا أحب إلى سفيان‏)‏ زاد في نسخة الصغاني ‏"‏ يعني قول الزهري ‏"‏ وصله ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن مهدي ‏"‏ عن سفيان وهو الثوري عن مغيرة عن إبراهيم في رجل طلق فحاضت فتزوجها رجل فحاضت، قال‏:‏ بانت من الأول، ولا تحتسب الذي بعده ‏"‏ وعن سفيان عن معمر عن الزهري ‏"‏ تحتسب ‏"‏ قال ابن عبد البر لا أعلم أحدا ممن قال الأقراء الأطهار يقول هذا غير الزهري قال‏:‏ ويلزم على قوله أن المعتدة لا تحل حتى تدخل في الحيضة الرابعة، وقد اتفق علماء المدينة من الصحابة فمن بعدهم وكذا الشافعي ومالك وأحمد وأتباعهم على أنها إذا طعنت في الحيضة الثالثة طهرت بشرط أن يقع طلاقها في الطهر، وأما لو وقع في الحيض لم تعتد بتلك الحيضة‏.‏

وذهب الجمهور إلى أن من اجتمعت عليها عدتان أنها تعتد عدتين، وعن الحنفية ورواية عن مالك يكفي لها عدة واحدة كقول الزهري والله أعلم‏.‏

قوله ‏(‏وقال معمر‏:‏ يقال أقرأت المرأة إلخ‏)‏ معمر هو أبو عبيدة بن المثنى، وقد تقدم بيان ذلك عنه في أوائل تفسير سورة النور، وقوله ‏"‏بسلي ‏"‏ بكسر الموحدة وفتح المهملة والتنوين بغير همز، السلي هو غشاء الولد‏.‏

وقال الأخفش‏:‏ أقرأت المرأة إذا صارت ذات حيض، والقرء انقضاء الحيض ويقال هو الحيض نفسه، ويقال هو من الأضداد‏.‏

ومراد أبي عبيدة أن القرء يكون بمعنى الطهر وبمعنى الحيض وبمعنى الضم والجمع وهو كذلك، وجزم به ابن بطال وقال‏:‏ لما احتملت الآية واختلف العلماء في المراد بالأقراء فيها ترجح قول من قال إن الأقراء الأطهار بحديث ابن عمر حيث أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلق في الطهر‏.‏

وقال في حديثه ‏"‏ فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء ‏"‏ فدل على أن المراد بالأقراء الأطهار والله أعلم‏.‏

*3*باب قِصَّةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ

وَقَوْلِ اللَّهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ إِلَى قَوْلِهِ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏قصة فاطمة بنت قيس‏)‏ كذا للأكثر، ولبعضهم ‏"‏ باب ‏"‏ وبه جزم ابن بطال والإسماعيلي؛ وفاطمة هي بنت قيس بن خالد من بني محارب بن فهر بن مالك، وهي أخت الضحاك بن قيس الذي ولى العراق ليزيد ابن معاوية وقتل بمرج راهط، وهو من صغار الصحابة، وهي أسن منه وكانت من المهاجرات الأول، وكان لها عقل وجمال وتزوجها أبو عمرو بن حفص - ويقال أبو حفص بن عمرو - بن المغيرة المخزومي وهو ابن عم خالد بن الوليد بن المغيرة فخرج مع علي لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فبعث إليها بتطليقة ثالثة بقيت لها، وأمر ابني عميه الحارث بن هشام وعياش بن أبي ربيعة أن يدفعا لها تمرا وشعيرا، فاستقلت ذلك وشكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها‏:‏ ليس بك سكنى ولا نفقة، هكذا أخرج مسلم قصتها من طرق متعددة عنها، ولم أرها في البخاري وإنما ترجم لها كما ترى، وأورد أشياء من قصتها بطريق الإشارة إليها، ووهم صاحب ‏"‏ العمدة ‏"‏ فأورد حديثها بطوله في المتفق‏.‏

واتفقت الروايات عن فاطمة على كثرتها عنها أنها بانت بالطلاق، ووقع في آخر صحيح مسلم في حديث الجساسة عن فاطمة بنت قيس ‏"‏ نكحت ابن المغيرة، وهو من خيار شباب قريش يومئذ، فأصيب في الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما تأيمت خطبني أبو جهم ‏"‏ الحديث‏.‏

وهذه الرواية وهم، ولكن أولها بعضهم على أن المراد أصيب بجراحة أو أصيب في ماله أو نحو ذلك حكاه النووي وغيره، والذي يظهر أن المراد بقولها ‏"‏ أصيب ‏"‏ أي مات على ظاهره، وكان في بعث علي إلى اليمن، فيصدق أنه أصيب في الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أي في طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يلزم من ذلك أن تكون بينونتها منه بالموت بل بالطلاق السابق على الموت، فقد ذهب جمع جم إلى أنه مات مع علي باليمن وذلك بعد أن أرسل إليها بطلاقها، فإذا جمع بين الروايتين استقام هذا التأويل وارتفع الوهم، ولكن يبعد بذلك قول من قال إنه بقي إلى خلافة عمر‏.‏

قوله ‏(‏وقول الله عز وجل‏:‏ واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن الآية‏)‏ كذا للأكثر، وللنسفي بعد قوله بيوتهن ‏"‏ إلى قوله بعد عسر يسرا‏"‏، وساق الآيات كلها إلى ‏"‏ يسرا ‏"‏ في رواية كريمة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَهُمَا يَذْكُرَانِ أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ طَلَّقَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ فَانْتَقَلَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِيِنَ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الحَكَمِ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ اتَّقِ اللَّهَ وَارْدُدْهَا إِلَى بَيْتِهَا قَالَ مَرْوَانُ فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَكَمِ غَلَبَنِي وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَوَمَا بَلَغَكِ شَأْنُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَذْكُرَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ فَقَالَ مَرْوَانُ بْنُ الحَكَمِ إِنْ كَانَ بِكِ شَرٌّ فَحَسْبُكِ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ مِنْ الشَّرِّ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏إسماعيل‏)‏ هو ابن أبي أويس‏.‏

قوله ‏(‏يحيى بن سعيد بن العاص‏)‏ أي ابن سعيد بن العاص بن أمية وكان أبوه أمير المدينة لمعاوية؛ ويحيى هو أخو عمرو بن سعيد المعروف بالأشدق‏.‏

قوله ‏(‏طلق بنت عبد الرحمن بن الحكم‏)‏ هي بنت أخي مروان الذي كان أمير المدينة أيضا لمعاوية حينئذ وولي الخلافة بعد ذلك، واسمها عمرة فيما قيل، وسيأتي في الخبر الثالث أنه طلقها البتة‏.‏

قوله ‏(‏قال مروان في حديث سليمان أن عبد الرحمن غلبني‏)‏ وهو موصول بالإسناد المذكور إلى يحيى بن سعيد، وهو الذي فصل بين حديثي شيخيه فساق ما اتفقا عليه ثم بين لفظ سليمان وهو ابن يسار وحده ولفظ القاسم بن محمد وحده، وقول مروان أن عبد الرحمن غلبني أي لم يطعني في ردها إلى بيتها، وقيل مراده غلبني بالحجة لأنه احتج بالشر الذي كان بينهما‏.‏

قوله ‏(‏قالت لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة‏)‏ أي لأنه لا حجة فيه لجواز انتقال المطلقة من منزلها بغير سبب‏.‏

قوله ‏(‏فقال مروان بن الحكم إن كان بك شر‏)‏ أي إن كان عندك أن سبب خروج فاطمة ما وقع بينها وبين أقارب زوجها من الشر فهذا السبب موجود ولذلك قال ‏"‏ فحسبك ما بين هذين من الشر‏"‏، وهذا مصير من مروان إلى الرجوع عن رد خبر فاطمة فقد كان أنكر ذلك على فاطمة بنت قيس كما أخرجه النسائي من طريق شعيب عن الزهري ‏"‏ أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان طلق بنت سعيد بن زيد البتة وأمها حزمة بنت قيس، فأمرتها خالتها فاطمة بنت قيس بالانتقال، فسمع بذلك مروان فأنكر، فذكرت أن خالتها أخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفتاها بذلك، فأرسل مروان قبيصة بن ذؤيب إلى فاطمة يسألها عن ذلك فذكرت ‏"‏ الحديث، وأخرجه مسلم من طريق معمر عن الزهري دون ما في أوله وزاد ‏"‏ فقال مروان لم يسمع هذا الحديث إلا من امرأة فسنأخذ بالعصمة التي وجدنا عليها الناس ‏"‏ وسيأتي له طريق أخرى في الباب الذي بعده، فكأن مروان أنكر الخروج مطلقا ثم رجع إلى الجواز بشرط وجود عارض يقتضي جواز خروجها من منزل الطلاق كما سيأتي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ مَا لِفَاطِمَةَ أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ يَعْنِي فِي قَوْلِهَا لَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا محمد بن بشار‏)‏ كذا في الروايات التي اتصلت لنا من طريق الفربري، وكذا أخرجه الإسماعيلي عن ابن عبد الكريم عن بندار وهو محمد بن بشار‏.‏

وقال المزي في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ أخرجه البخاري عن محمد غير منسوب وهو محمد بن بشار كذا نسبه أبو مسعود‏.‏

قلت ولم أره غير منسوب إلا في رواية النسفي عن البخاري، وكأنه وقع كذلك في ‏"‏ أطراف خلف ‏"‏ ومنها نقل المزي، ولم أنبه على هذا الموضع في المقدمة اعتمادا على ما اتصل لنا من الروايات إلى الفربري‏.‏

قوله ‏(‏عن عائشة أنها قالت‏:‏ ما لفاطمة، ألا تتقي الله‏؟‏ يعني في قولها‏:‏ لا سكنى ولا نفقة‏)‏ وقع في رواية مسلم من هذا الوجه ‏"‏ ما لفاطمة خير أن تذكر هذا ‏"‏ كأنها تشير إلى أن سبب الإذن في انتقال فاطمة ما تقدم في الخبر الذي قبله، ويؤيده ما أخرج النسائي من طريق ميمون بن مهران قال ‏"‏ قدمت المدينة فقلت لسعيد ابن المسيب‏:‏ إن فاطمة بنت قيس طلقت فخرجت من بيتها، فقال‏:‏ إنها كانت لسنة ‏"‏ ولأبي داود من طريق سليمان بن يسار ‏"‏ إنما كان ذلك من سوء الخلق‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ لِعَائِشَةَ أَلَمْ تَرَيْ إِلَى فُلَانَةَ بِنْتِ الْحَكَمِ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا الْبَتَّةَ فَخَرَجَتْ فَقَالَتْ بِئْسَ مَا صَنَعَتْ قَالَ أَلَمْ تَسْمَعِي فِي قَوْلِ فَاطِمَةَ قَالَتْ أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ لَهَا خَيْرٌ فِي ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَزَادَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَابَتْ عَائِشَةُ أَشَدَّ الْعَيْبِ وَقَالَتْ إِنَّ فَاطِمَةَ كَانَتْ فِي مَكَانٍ وَحْشٍ فَخِيفَ عَلَى نَاحِيَتِهَا فَلِذَلِكَ أَرْخَصَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏سفيان‏)‏ هو الثوري‏.‏

قوله ‏(‏قال عروة‏)‏ أي ابن الزبير ‏(‏لعائشة‏:‏ ألم ترى إلى فلانة بنت الحكم‏)‏ نسبها إلى جدها، وهي بنت عبد الرحمن بن الحكم كما في الطريق الأولى‏.‏

قوله ‏(‏فقالت بئس ما صنعت‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ ما صنع ‏"‏ أي زوجها في تمكينها من ذلك، أو أبوها في موافقتها، ولهذا أرسلت عائشة إلى مروان عمها وهو الأمير أن يردها إلى منزل الطلاق‏.‏

قوله ‏(‏ألم تسمعي قول فاطمة‏)‏ يحتمل أن يكون فاعل ‏"‏ قال ‏"‏ هو عروة‏.‏

قوله ‏(‏قالت‏:‏ أما إنه ليس لها خير في ذكر هذا الحديث‏)‏ في رواية مسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه ‏"‏ تزوج يحيى بن سعيد بن العاص بنت عبد الرحمن بن الحكم فطلقها وأخرجها، فأتيت عائشة فأخبرتها فقالت‏:‏ ما لفاطمة خير في أن تذكر هذا الحديث ‏"‏ كأنها تشير إلى ما تقدم وأن الشخص لا ينبغي له أن يذكر شيئا عليه فيه غضاضة‏.‏

قوله ‏(‏وزاد ابن أبي الزناد عن هشام عن أبيه‏:‏ عابت عائشة أشد العيب وقالت‏:‏ إن فاطمة كانت في مكان وحش، فخيف على ناحيتها فلذلك أرخص لها النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ وصله أبو داود من طريق ابن وهب عن عبد الرحمن بن أبي الزناد بلفظ ‏"‏ لقد عابت ‏"‏ وزاد ‏"‏ يعني فاطمة بنت قيس ‏"‏ وقوله ‏"‏ وحش ‏"‏ بفتح الواو وسكون المهملة بعدها معجمة أي خال لا أنيس به، ولرواية ابن أبي الزناد هذه شاهد من رواية أبي أسامة عن هشام بن عروة لكن قال ‏"‏ عن أبيه عن فاطمة بنت قيس قالت‏:‏ قلت يا رسول الله إن زوجي طلقني ثلاثا فأخاف أن يقتحم علي، فأمرها فتحولت ‏"‏ وقد أخذ البخاري الترجمة من مجموع ما ورد في قصة فاطمة فرتب الجواز على أحد الأمرين‏:‏ إما خشية الاقتحام عليها وإما أن يقع منها على أهل مطلقها فحش من القول، ولم ير بين الأمرين في قصة فاطمة معارضة لاحتمال وقوعهما معا في شأنها‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ ذكر البخاري في الترجمة علتين وذكر في الباب واحدة فقط، وكأنه أومأ إلى الأخرى إما لورودها على غير شرطه وإما لأن الخوف عليها إذا اقتضى خروجها، فمثله الخوف منها، بل لعله أولى في جواز إخراجها، فلما صح عنده معنى العلة الأخرى ضمنها الترجمة‏.‏

وتعقب بأن الاقتصار في بعض طرق الحديث على بعضه لا يمنع قبول بعض آخر إذا صح طريقه، فلا مانع أن يكون أصل شكواها ما تقدم من استقلال النفقة، وأنه اتفق أنه بدا منها بسبب ذلك شر لأصهارها واطلع النبي صلى الله عليه وسلم عليه من قبلهم وخشي عليها إن استمرت هناك أن يتركوها بغير أنيس فأمرت بالانتقال‏.‏

قلت‏:‏ ولعل البخاري أشار بالثاني إلى ما ذكره في الباب قبله من قول مروان لعائشة ‏"‏ إن كان بك شر ‏"‏ فإنه يومئ إلى أن السبب في ترك أمرها بملازمة السكن ما وقع بينها وبين أقارب زوجها من الشر‏.‏

وقال ابن دقيق العيد‏:‏ سياق الحديث يقتضي أن سبب الحكم أنها اختلفت مع الوكيل بسبب استقلالها ما أعطاها، وأنها لما قال لها الوكيل لا نفقة لك سألت النبي صلى الله عليه وسلم فأجابها بأنها لا نفقة لها ولا سكنى، فاقتضى أن التعليل إنما هو بسبب ما جرى من الاختلاف لا بسبب الاقتحام والبذاءة، فإن قام دليل أقوى من هذا الظاهر عمل به‏.‏

قلت‏:‏ المتفق عليه في جميع طرقه أن الاختلاف كان في النفقة، ثم اختلفت الروايات‏:‏ ففي بعضها ‏"‏ فقال لا نفقة لك ولا سكنى ‏"‏ وفي بعضها أنه لما قال لها ‏"‏ لا نفقة لك ‏"‏ استأذنته في الانتقال فأذن لها، وكلها في صحيح مسلم، فإذا جمعت ألفاظ الحديث من جميع طرقه خرج منها أن سبب استئذانها في الانتقال ما ذكر من الخوف عليها ومنها، واستقام الاستدلال حينئذ على أن السكنى لم تسقط لذاتها وإنما سقطت للسبب المذكور‏.‏

نعم كانت فاطمة بنت قيس تجزم بإسقاط سكنى البائن ونفقتها وتستدل لذلك كما سيأتي ذكره، ولهذا كانت عائشة تنكر عليها‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ طعن أبو محمد بن حزم في رواية ابن أبي الزناد المعلقة فقال‏:‏ عبد الرحمن بن أبي الزناد ضعيف جدا، وحكم على روايته هذه بالبطلان، وتعقب بأنه مختلف فيه، ومن طعن فيه لم يذكر ما يدل على تركه فضلا عن بطلان روايته، وقد جزم يحيى بن معين بأنه أثبت الناس في هشام بن عروة، وهذا من روايته عن هشام، فلله در البخاري ما أكثر استحضاره وأحسن تصرفه في الحديث والفقه‏.‏

وقد اختلف السلف في نفقة المطلقة البائن وسكناها‏:‏ فقال الجمهور لا نفقه لها‏.‏

ولها السكنى، واحتجوا لإثبات السكنى بقوله تعالى ‏(‏أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم‏)‏ ولإسقاط النفقة بمفهوم قوله تعالى ‏(‏وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن‏)‏ فإن مفهومه أن غير الحامل لا نفقة لها وإلا لم يكن لتخصيصها بالذكر معنى، والسياق يفهم أنها في غير الرجعية، لأن نفقة الرجعية واجبة لو لم تكن حاملا‏.‏

وذهب أحمد وإسحاق وأبو ثور إلى أنه لا نفقه لها ولا سكنى على ظاهر حديث فاطمة بنت قيس، ونازعوا في تناول الآية الأولى المطلقة البائن، وقد احتجت فاطمة بنت قيس صاحبة القصة على مروان حين بلغها إنكاره بقولها‏:‏ بيني وبينكم كتاب الله، قال الله تعالى ‏(‏لا تخرجوهن من بيوتهن - إلى قوله - يحدث بعد ذلك أمرا‏)‏ قالت هذا لمن كانت له مراجعة، فأي أمر يحدث بعد الثلاث‏؟‏ وإذا لم يكن لها نفقة وليست حاملا فعلام يحبسونها‏؟‏ وقد وافق فاطمة على أن المراد بقوله تعالى ‏(‏يحدث بعد ذلك أمرا‏)‏ المراجعة قتادة والحسن والسدي والضحاك أخرجه الطبري عنهم ولم يحك عن أحد غيرهم خلافه، وحكى غيره أن المراد بالأمر ما يأتي من قبل الله تعالى من نسخ أو تخصيص أو نحو ذلك فلم ينحصر ذلك في المراجعة، وأما ما أخرجه أحمد من طريق الشعبي عن فاطمة في آخر حديثها مرفوعا ‏"‏ إنما السكنى والنفقة لمن يملك الرجعة ‏"‏ فهو من أكثر الروايات موقوف عليها، وقد بين الخطيب في ‏"‏ المدرج ‏"‏ أن مجالد بن سعيد تفرد برفعه وهو ضعيف، ومن أدخله في رواية غير رواية مجالد عن الشعبي فقد أدرجه، وهو كما قال، وقد تابع بعض الرواة عن الشعبي في رفعه مجالدا لكنه أضعف منه‏.‏

وأما قولها ‏"‏ إذا لم يكن لها نفقة فعلام يحبسونها ‏"‏‏؟‏ فأجاب بعض العلماء عنه بأن السكنى التي تتبعها النفقة هو حال الزوجية الذي يمكن معه الاستمتاع ولو كانت رجعية، وأما السكنى بعد البينونة فهو حق لله تعالى بدليل أن الزوجين لو اتفقا على إسقاط العدة لم تسقط بخلاف الرجعية فدل على أن لا ملازمة بين السكنى والنفقة‏.‏

وقد قال بمثل قول فاطمة أحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وأتباعهم‏.‏

وذهب أهل الكوفة من الحنفية وغيرهم إلى أن لها النفقة والكسوة، وأجابوا عن الآية بأنه تعالى إنما قيد النفقة بحالة الحمل ليدل على إيجابها في غير حالة الحمل بطريق الأولى، لأن مدة الحمل تطول غالبا‏.‏

ورده ابن السمعاني بمنع العلة في طول مدة الحمل، بل تكون مدة الحمل أقصر من غيرها تارة وأطول أخرى فلا أولوية؛ وبأن قياس الحائل على الحامل فاسد، لأنه يتضمن إسقاط تقييد ورد به النص في القرآن والسنة‏.‏

وأما قول بعضهم إن حديث فاطمة أنكره السلف عليها كما تقدم من كلام عائشة، وكما أخرج مسلم من طريق، أبي إسحاق ‏"‏ كنت مع الأسود بن يزيد في المسجد فحدث الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة، فأخذ الأسود كفا من حصى فحصبه به وقال‏:‏ ويلك تحدث بهذا‏؟‏ قال عمر‏:‏ لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت، قال الله تعالى ‏(‏لا تخرجوهن من بيوتهن‏)‏ فالجواب عنه أن الدار قطني قال‏:‏ قوله في حديث عمر ‏"‏ وسنة نبينا ‏"‏ غير محفوظ والمحفوظ ‏"‏ لا ندع كتاب ربنا ‏"‏ وكأن الحامل له على ذلك أن أكثر الروايات ليست فيها هذه الزيادة، لكن ذلك لا يرد رواية النفقة، ولعل عمر أراد بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ما دلت عليه أحكامه من اتباع كتاب الله، لا أنه أراد سنة مخصوصة في هذا، ولقد كان الحق ينطق على لسان عمر، فإن قوله ‏"‏ لا ندري حفظت أو نسيت ‏"‏ قد ظهر مصداقه في أنها أطلقت في موضع التقييد أو عممت في موضع التخصيص كما تقدم بيانه، وأيضا فليس في كلام عمر ما يقتضي إيجاب النفقة وإنما أنكر إسقاط السكنى‏.‏

وادعى بعض الحنفية أن في بعض طرق حديث عمر ‏"‏ للمطلقة ثلاثا السكنى والنفقة ‏"‏ ورده ابن السمعاني بأنه من قول بعض المجازفين فلا تحل روايته، وقد أنكر أحمد ثبوت ذلك عن عمر أصلا، ولعله أراد ما ورد من طريق إبراهيم النخعي عن عمر لكونه لم يلقه، وقد بالغ الطحاوي في تقرير مذهبه فقال‏:‏ خالفت فاطمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن عمر روى خلاف ما روت، فخرج المعنى الذي أنكر عليها عمر خروجا صحيحا، وبطل حديث فاطمة فلم يجب العمل به أصلا، وعمدته على ما ذكر من المخالفة ما روي عمر بن الخطاب، فإنه أورده من طريق إبراهيم النخعي عن عمر قال ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ لها السكنى والنفقة ‏"‏ وهذا منقطع لا تقوم به حجة‏.‏

*3*باب الْمُطَلَّقَةِ إِذَا خُشِيَ عَلَيْهَا فِي مَسْكَنِ زَوْجِهَا أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَيْهَا أَوْ تَبْذُوَ عَلَى أَهْلِهَا بِفَاحِشَةٍ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب المطلقة إذا خشي عليها في مسكن زوجها أن يقتحم عليها أو قبل تبذو على أهلها بفاحشة‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ على أهله‏"‏‏.‏

والاقتحام الهجوم على الشخص بغير إذن، والبذاء بالموحدة والمعجمة القول الفاحش‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي حِبَّانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ أَنْكَرَتْ ذَلِكَ عَلَى فَاطِمَةَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حبان‏)‏ بكسر أوله والموحدة هو ابن موسى، وعبد الله هو ابن المبارك‏.‏

قوله ‏(‏إن عائشة أنكرت ذلك على فاطمة‏)‏ كذا أورده من طريق ابن جريج عن ابن شهاب مختصرا، وأورده مسلم من طريق صالح بن كيسان عن ابن شهاب أن أبا سلمة بن عبد الرحمن أخبره ‏"‏ أن فاطمة بنت قيس أخبرته أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستفتيه في خروجها من بيتها، فأمرها أن تنتقل إلى ابن أم مكتوم الأعمى، فأبى مروان أن يصدق في خروج المطلقة من بيتها ‏"‏ وقال عروة ‏"‏ إن عائشة أنكرت ذلك على فاطمة بنت قيس‏"‏‏.‏

*3*باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ مِنْ الْحَيْضِ وَالْحَبَلِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب قول الله ‏(‏ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن من الحيض والحمل‏)‏ كذا للأكثر وهو تفسير مجاهد‏.‏

وفصل أبو ذر بين ‏"‏ أرحامهن ‏"‏ وبين ‏"‏ من ‏"‏ بدائرة إشارة إلى أنه أريد به التفسير لا أنها قراءة، وسقط حرف ‏"‏ من ‏"‏ للنسفي‏.‏

وأخرج الطبري عن طائفة أن المراد به الحيض، وعن آخرين الحمل، وعن مجاهد كلاهما، والمقصود من الآية أن أمر العدة لما دار على الحيض والطهر، والإطلاع على ذلك يقع من جهة النساء غالبا، جعلت المرأة مؤتمنة على ذلك‏.‏

وقال إسماعيل القاضي‏:‏ دلت الآية أن المرأة المعتدة مؤتمنة على رحمها من الحمل والحيض، إلا أن تأتي من ذلك بما يعرف كذبها فيه، وقد أخرج الحاكم في ‏"‏ المستدرك ‏"‏ من حديث أبي بن كعب ‏"‏ إن من الأمانة أن ائتمنت المرأة على فرجها ‏"‏ هكذا أخرجه موقوفا في تفسير سورة الأحزاب ورجاله رجال الصحيح، وقد تقدم بيان مدة أكثر الحيض وأقله في كتاب الحيض والاختلاف في ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْفِرَ إِذَا صَفِيَّةُ عَلَى بَابِ خِبَائِهَا كَئِيبَةً فَقَالَ لَهَا عَقْرَى أَوْ حَلْقَى إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا أَكُنْتِ أَفَضْتِ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَانْفِرِي إِذًا

الشرح‏:‏

ذكر المصنف حديث عائشة في قول النبي صلى الله عليه وسلم لصفية لما حاضت في أيام منى ‏"‏ إنك لحابستنا ‏"‏ وقد تقدم شرحه في كتاب الحج قال المهلب‏:‏ فيه شاهد لتصديق النساء فيما يدعينه من الحيض لكون النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يؤخر السفر ويحبس من معه لأجل حيض صفية، ولم يمتحنها في ذلك ولا أكذبها‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ لما رتب النبي صلى الله عليه وسلم على مجرد قول صفية إنها حائض تأخيره السفر أخذ منه تعدى الحكم إلى الزوج، فتصدق المرأة في الحيض والحمل باعتبار رجعة الزوج وسقوطها وإلحاق الحمل به

*3*باب وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي الْعِدَّةِ

وَكَيْفَ يُرَاجِعُ الْمَرْأَةَ إِذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب وبعولتهن أحق بردهن‏)‏ في العدة، وكيف يراجع المرأة إذا طلقها واحدة أو ثنتين، وقوله‏:‏ فلا تعضلوهن‏)‏ كذا للأكثر، وفصل أبو ذر أيضا بين قوله ‏(‏بردهن‏)‏ وبين قوله ‏"‏ في العدة ‏"‏ بدائرة إشارة إلى أن المراد بأحقية الرجعة من كانت في العدة، وهو قول مجاهد وطائفة من أهل التفسير، وسقط قوله ‏(‏فلا تعضلوهن‏)‏ من رواية النسفي‏.‏

ثم ذكر المصنف في الباب حديثين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ زَوَّجَ مَعْقِلٌ أُخْتَهُ فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً

الشرح‏:‏

حديث معقل بن يسار في تزويج أخته، أورده من طريقين‏:‏ الأولى قوله ‏"‏ حدثني محمد ‏"‏ كذا للجميع غير منسوب وهو ابن سلام، وعبد الوهاب شيخه هو ابن عبد المجيد الثقفي، ويونس هو ابن عبيد البصري‏.‏

الطريق الثانية من طريق سعيد وهو ابن أبي عروبة عن قتادة قال في روايته ‏"‏ حدثنا الحسن أن معقل بن يسار كانت أخته تحت رجل ‏"‏ وقال في رواية يونس عن الحسن ‏"‏ زوج معقل أخته ‏"‏ وقد تقدم هذا الحديث وشرحه في ‏"‏ باب لا نكاح إلا بولي ‏"‏ من كتاب النكاح وبينت هناك من وصله وأرسله، وتقدم في تفسير البقرة أيضا موصولا ومرسلا‏.‏

الحديث‏:‏

و حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ أَنَّ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ كَانَتْ أُخْتُهُ تَحْتَ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا ثُمَّ خَلَّى عَنْهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ خَطَبَهَا فَحَمِيَ مَعْقِلٌ مِنْ ذَلِكَ أَنَفًا فَقَالَ خَلَّى عَنْهَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا ثُمَّ يَخْطُبُهَا فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ فَتَرَكَ الْحَمِيَّةَ وَاسْتَقَادَ لِأَمْرِ اللَّهِ

الشرح‏:‏

سعيد هو ابن أبي عروبة عن قتادة قال في روايته ‏"‏ حدثنا الحسن أن معقل بن يسار كانت أخته تحت رجل ‏"‏ وقال في رواية يونس عن الحسن ‏"‏ زوج معقل أخته ‏"‏ وقد تقدم هذا الحديث وشرحه في ‏"‏ باب لا نكاح إلا بولي ‏"‏ من كتاب النكاح وبينت هناك من وصله وأرسله، وتقدم في تفسير البقرة أيضا موصولا ومرسلا، وقوله ‏"‏فحمى ‏"‏ بوزن علم بكسر ثانيه، وقوله ‏"‏أنفا ‏"‏ بفتح الهمزة والنون منون أي ترك الفعل غيظا وترفعا، وقوله ‏"‏فترك الحمية ‏"‏ بالتشديد، وقوله ‏"‏واستقاد لأمر الله ‏"‏ كذا للأكثر بقاف أي أعطى مقادته، والمعنى أطاع وامتثل‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ واستراد ‏"‏ براء بدل القاف من الرود وهو الطلب، أو المعنى أراد رجوعها ورضي به‏.‏

ونقل ابن التين عن رواية القابسي واستقاد بتشديد الدال، ورده بأن المفاعلة لا تجتمع مع سين الاستفعال‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ وَهِيَ حَائِضٌ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَاجِعَهَا ثُمَّ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ عِنْدَهُ حَيْضَةً أُخْرَى ثُمَّ يُمْهِلَهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضِهَا فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا حِينَ تَطْهُرُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُجَامِعَهَا فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ إِذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ لِأَحَدِهِمْ إِنْ كُنْتَ طَلَّقْتَهَا ثَلَاثًا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْكَ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَكَ وَزَادَ فِيهِ غَيْرُهُ عَنْ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي نَافِعٌ قَالَ ابْنُ عُمَرَ لَوْ طَلَّقْتَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي بِهَذَا

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر في طلاق الحائض، وتقدم شرحه مستوفى في أول كتاب الطلاق، وقوله ‏"‏وزاد فيه غيره عن الليث ‏"‏ تقدم بيانه في أول الطلاق أيضا حيث قال فيه ‏"‏ وقال الليث إلخ ‏"‏ وفيه تسمية الغير المذكور‏.‏

وقال ابن بطال ما ملخصه‏.‏

المراجعة على ضربين، إما في العدة فهي على ما في حديث ابن عمر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بمراجعتها ولم يذكر أنه احتاج إلى عقد جديد، وإما بعد العدة فعلى ما في حديث معقل، وقد أجمعوا على أن الحر إذا طلق الحرة بعد الدخول بها تطليقة أو تطليقتين فهو أحق برجعتها ولو كرهت المرأة ذلك، فإن لم يراجع حتى انقضت العدة فتصير أجنبية فلا تحل له إلا بنكاح مستأنف‏.‏

واختلف السلف فيما يكون به الرجل مراجعا، فقال الأوزاعي إذا جامعها فقد راجعها وجاء ذلك عن بعض التابعين وبه قال مالك وإسحاق بشرط أن ينوي به الرجعة‏.‏

وقال الكوفيون كالأوزاعي وزادوا‏:‏ ولو لمسها بشهوة أو نظر إلى فرجها بشهوة‏.‏

وقال الشافعي لا تكون الرجعة إلا بالكلام، وانبنى على هذا الخلاف جواز الوطء وتحريمه، وحجة الشافعي أن الطلاق مزيل للنكاح، وأقرب ما يظهر ذلك في حل الوطء وعدمه، لأن الحل معنى يجوز أن يرجع في النكاح ويعود كما في إسلام أحد المشركين ثم إسلام الآخر في العدة، وكما يرتفع بالصوم والإحرام والحيض ثم يعود بزوال هذه المعاني‏.‏

وحجة من أجاز أن النكاح لو زال لم تعد المرأة إلا بعقد جديد وبصحة الخلع في الرجعية ولوقوع الطلقة الثانية، والجواب عن كل ذلك أن النكاح ما زال أصله وإنما زال وصفه‏.‏

وقال ابن السمعاني‏:‏ الحق إن القياس يقتضي أن الطلاق إدا وقع زال النكاح كالعتق، لكن الشرع أثبت الرحمة في النكاح دون العتق فافترقا‏.‏