الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»
والندي على فعيل مجلس القوم ومتحدثهم، وكذلك الندوة والنادي والمنتدى والمتندى، فإن تفرق القوم فليس بندي قاله الجوهري. قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ} أي من أمة وجماعة. {هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً} أي متاعا كثيرا، قال: والأثاث متاع البيت.وقيل: هو ماجد الفرش والخرثي ما لبس منها وأنشد الحسن ابن علي الطوسي فقال: وقال ابن عباس: هيئة. مقاتل ثيابا {وَرِءْياً} أي منظرا حسنا. وفية خمس قراءات: قرأ أهل المدينة: {وريا} بغير همز. وقرأ أهل الكوفة: {ورئيا} بالهمز. وحكى يعقوب أن طلحة قرأ: {وريا} بياء واحدة مخففة.وروى سفيان عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس: {هم أحسن أثاثا وزيا} بالزاي، فهذه أربع قراءات. قال أبو إسحاق: ويجوز {هم أحسن أثاثا وريئا} بياء بعدها همزة. النحاس: وقراءة أهل المدينة في هذا حسنة وفيها تقريران: أحدهما- أن تكون من رأيت ثم خففت الهمزة فأبدل منها ياء وأدغمت الياء في الياء. وكان هذا حسنا لتتفق رءوس الآيات لأنها غير مهموزات. وعلى هذا قال ابن عباس: الرئي المنظر، فالمعنى: هم أحسن أثاثا ولباسا. والوجه الثاني- أن جلودهم مرتوية من النعمة، فلا يجوز الهمز على هذا.وفي رواية ورش عن نافع وابن ذكوان عن ابن عامر {وَرِءْياً} بالهمز تكون على الوجه الأول. وهي قراءة أهل الكوفة وأبي عمرو من رأيت على الأصل. وقراءة طلحة بن مصرف {وريا} بياء واحدة مخففة أحسبها غلطا. وقد زعم بعض النحويين أنه كان أصلها الهمز فقلبت الهمزة ياء، ثم حذفت إحدى الياءين. المهدوي: ويجوز أن يكون {رِءْياً} فقلبت ياء فصارت رئيا ثم نقلت حركة الهمزة على الياء وحذفت. وقد قرأ بعضهم {وريا} على القلب وهي القراءة الخامسة. وحكى سيبويه راء بمعنى رأى. الجوهري: من همزه جعله من المنظر من رأيت، وهو ما رأته العين من حال حسنة وكسوة ظاهرة. وأنشد أبو عبيدة لمحمد بن نمير الثقفي فقال: ومن لم يهمز إما أن يكون على تخفيف الهمزة أو يكون من رويت ألوانهم وجلودهم ريا، أي امتلأت وحسنت. وأما قراءة ابن عباس وأبي بن كعب وسعيد بن جبير والأعسم المكي ويزيد البربري {وزيا} بالزاي فهو الهيئة والحسن. ويجوز أن يكون من زويت أي جمعت، فيكون أصلها زويا فقلبت الواو ياء. ومنه قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «زويت لي الأرض» أي جمعت، أي فلم يغن ذلك عنهم شيئا من عذاب الله تعالى، فليعش هؤلاء ما شاءوا فمصيرهم إلى الموت والعذاب وإن عمروا، أو العذاب العاجل يأخذهم الله تعالى به. قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ} أي في الكفر {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا} أي فليدعه في طغيان جهله وكفره فلفظه لفظ الامر ومعناه الخبر أي من كان الضلالة مده الرحمن مدا حتى يطول اغتراره فيكون ذلك أشد لعقابه. نظيره: {إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً} [آل عمران: 178] وقوله: {وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ 110} [الأنعام: 110] ومثله كثير، أي فليعش ما شاء، وليوسع لنفسه في العمر، فمصيره إلى الموت والعقاب. وهذا غاية في التهديد والوعيد.وقيل: هذا دعاء أمر به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تقول: من سرق مالي فليقطع الله تعالى يده: فهو دعاء على السارق. وهو جواب الشرط. وعلى هذا فليس قوله: {فَلْيَمْدُدْ} خبرا. قوله تعالى: {حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ} قال: {رَأَوْا} لان لفظ {من} يصلح للواحد والجمع. و{إذا} مع الماضي بمعنى المستقبل، أي حتى يروا ما يوعدون والعذاب هنا إما أن يكون بنصر المؤمنين عليهم فيعذبونهم بالسيف والأسر، وإما أن تقوم الساعة فيصيرون إلى النار. {فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً} أي تنكشف حينئذ الحقائق وهذا رد لقولهم: {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا}. قوله تعالى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً} أي ويثبت الله المؤمنين على الهدى ويزيدهم في النصرة وينزل من الآيات ما يكون سبب زيادة اليقين مجازاة لهم وقيل: يزيدهم هدى بتصديقهم بالناسخ والمنسوخ الذي كفر به غيرهم قال معناه الكلبي ومقاتل.ويحتمل ثالثا- أي {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا} إلى الطاعة {هُدىً} إلى الجنة والمعنى متقارب. وقد تقدم القول في معنى زيادة الأعمال وزيادة الايمان والهدى في آل عمران وغيرها. {وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ} تقدم في {الكهف} القول فيها. {خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً} أي جزاء: {وَخَيْرٌ مَرَدًّا} أي في الآخرة مما افتخر به الكفار في الدنيا. والمرد مصدر كالرد، أي وخير ردا على عاملها بالثواب، يقال: هذا أرد عليك أي أنفع لك. وقيل {خَيْرٌ مَرَدًّا} أي مرجعا فكل أحد يرد إلى عمله الذي عمله.
وقال آخر: والثاني- أن قيسا تجعل الولد بالضم جمعا والولد بالفتح واحدا. قال الماوردي: وفي قوله تعالى: {لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً} وجهان: أحدهما- أنه أراد في الجنة استهزاء بما وعد الله تعالى على طاعته وعبادته، قاله الكلبي.الثاني: أنه أراد في الدنيا وهو قول الجمهور وفية وجهان محتملان: أحدهما إن أقمت على دين آبائي وعبادة آلهتي لأوتين مالا وولدا.الثاني: ولو كنت على باطل لما أوتيت مالا وولدا. قلت: قول الكلبي أشبه بظاهر الأحاديث بل نصها يدل على ذلك قال مسروق: سمعت خباب بن الأرت يقول: جئت العاصي بن وائل السهمي أتقاضاه حقا لي عنده. فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد. فقلت: لا حتى تموت ثم تبعث. قال: وإني لميت ثم مبعوث؟! فقلت: نعم. فقال: إن لي هناك مالا وولدا فأقضيك فنزلت {أفرأيت الذي كفر بآياتنا} الآية قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.قوله تعالى: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ} ألفه ألف استفهام لمجيء {أَمِ} بعدها ومعناه التوبيخ وأصله أاطلع فحذفت الالف الثانية لأنها ألف وصل فإن قيل فهلا أتوا بمدة بعد الالف فقالوا أطلع كما قالوا {لله خير} {آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ} قيل له كان الأصل في هذا {أالله} {أالذكرين} فابدلوا من الالف الثانية مدة ليفرقوا بين الاستفهام والخبر وذلك أنهم لو قالوا: الله خير بلا مد لالتبس الاستفهام بالخبر ولم يحتاجوا إلى هذه المدة في قوله: {أطلع} لان ألف الاستفهام مفتوحة وألف الخبر مكسورة وذلك أنك تقول في الاستفهام: أطلع؟ أفترى؟ أصطفى؟ استغفرت؟ بفتح الالف، وتقول في الخبر: اطلع، افترى، اصطفى، استغفرت لهم بالكسر، فجعلوا الفرق بالفتح والكسر ولم يحتاجوا إلى فرق آخر قوله تعالى: {كَلَّا} ليس في النصف الأول ذكر {كَلَّا} وإنما جاء ذكره في النصف الثاني. وهو يكون بمعنيين: أحدهما بمعنى حقا. والثاني بمعنى لا. فإذا كانت بمعنى حقا جاز الوقف على ما قبله ثم تبتدئ {كَلَّا} أي حقا. وإذا كانت بمعنى لا كان الوقف على {كَلَّا} جائز كما في هذه الآية لان المعنى: لا ليس الامر كذا. ويجوز أن تقف على قوله: {عَهْداً 80} وتبتدئ {كَلَّا} أي حقا {سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ} وكذا قوله تعالى: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا 100} [المؤمنون: 100] يجوز الوقف على {كَلَّا} وعلى {تَرَكْتُ}. وقوله: {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ قالَ كَلَّا}. الوقف على {كَلَّا} لان المعنى لا- وليس الامر كما تظن. {فَاذْهَبا}. فليس للحق في هذا المعنى موضع.وقال الفراء {كلا} بمنزلة سوف لأنها صلة وهي حرف رد فكأنها {نعم} و{لا} في الاكتفاء. قال: وإن جعلتها صلة لما بعدها لم تقف عليها كقولك: كلا ورب الكعبة، لا تقف على كلا لأنها بمنزلة إي ورب الكعبة. قال الله تعالى: {كَلَّا وَالْقَمَرِ} [المدثر: 32] فالوقف على {كَلَّا} قبيح لأنه صلة لليمين. وكان أبو جعفر محمد بن سعدان يقول في {كَلَّا} مثل قول الفراء وقال الأخفش معنى كلا الردع والزجر وقال أبو بكر بن الأنباري وسمعت أبا العباس يقول: لا يوقف على {كَلَّا} جميع القرآن لأنها جواب والفائدة تقع فيما بعدها. والقول الأول هو قول أهل التفسير. قوله تعالى: {سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ} أي سنحفظ عليه قوله فنجازيه به في الآخرة. {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا} أي سنزيده عذابا فوق عذاب. {وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ} 80 أي نسلبه ما أعطيناه في الدنيا من مال وولد.وقال ابن عباس وغيره: أي نرثه المال والولد بعد إهلاكنا إياه.وقيل: نحرمه ما تمناه في الآخرة من مال وولد ونجعله لغيره من المسلمين. {وَيَأْتِينا فَرْداً} 80 أي منفردا لا مال له ولا ولد ولا عشيرة تنصره.
|