الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال السمرقندي: {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ} أي: وجب عليكم عذاب وغضب من ربكم {أَتجَادِلُونَنِي فِي أسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وآبَاوكُمْ} أي: تجعلون قول أنفسكم وقول آبائكم حجة من غير أن يثبت لكم من الله حجة، وقد اتخذتم الأصنام بأيديكم، وسميتموها آلهة {مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} يقول: ليس لكم علة وعذر وحجة بعبادة الأصنام.{فَانْتَظِرُوا} الهلاك {إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرينَ} يعني: لنزول العذاب بكم، لأنهم أرادوا إهلاكه قبل أن يهلكوا. اهـ..قال الثعلبي: {قال قد وقع} وجب ونزل {عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ} أي عذاب والسين مبدأ من الزاي وغضب {أتجادلونني في أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا} وضعتموها على الأصنام [.....] يعبد نارًا {أَنْتُمْ وَآبَاؤكُمُ} قبلكم {مَّا نَزَّلَ الله بِهَا مِن سُلْطَانٍ} حجّة وبيان وبرهان فانتظروا نزول العذاب.{إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المنتظرين}. اهـ..قال الماوردي: قوله تعالى: {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ} في الرجس ثلاثة أقاويل:أحدها: أنه العذاب، قاله زيد بن أسلم.والثاني: السخط، قاله ابن عباس.والثالث: أن الرجس والرجز بمعنى واحد إلا أن الزاي قلبت سينًا كما قلبت السين تاء في قول الشاعر:يريد الناس، وأكياس.قوله عز وجل: {... فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا} يعني الأصنام، وفي مراده بتسميتهم وجهان:أحدهما: في تسميتها آلهة يعبدونها.والثاني: أنه تسميتهم لبعضها أنه يسقيهم المطر، والآخرة أنه يأتيهم بالرزق، والآخر أنه يشفي المريض، والآخر يصحبهم في السفر.وقيل: إنه ما أمرهم هود إلا بتوحيد الله والكف عن ظلم الناس فأبوا وقالوا: من أشد منا قوة، فأهلكوا. اهـ. .قال ابن عطية: {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ}.أعلمهم بأن القضاء قد نفذ وحل عليهم الرجس وهو السخط والعذاب يقال رجس ورجز بمعنى واحد، قاله أبو عمرو بن العلاء، وقال الشاعر: [الطويل]وقد يأتي الرجس أيضًا بمعنى النتن والقذر، ويقال في الرجيع رجس وركس، وهذا الرجس هو المستعار للمحرمات، أي ينبغي أن يجتنب كما يجتنب النتن، ونحوه في المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في خبر جهجاه الغفاري وسنان بن وبرة الأنصاري حين دعوا بدعوى الجاهلية: «دعوها فإنها منتنة» وقوله: {أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم} إنما يريد أنهم ثخاصمونه في أن تسمى آلهة، فالجدل إنما وقع في التسميات لا في المسميات، لكنه ورد في القرآن {ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم} [يوسف: 40] فهنا لا يريد إلا ذوات الأصنام، فالاسم إنما يراد به المسمى نفسه.قال القاضي أبو محمد: ومن رأى أن الجدل في هذه الآية إنما وقع في أنفس الأصنام وعبادتها تأول هذا التأويل، والاسم يرد في كلام العرب بمعنى التسمية وهذا بابه الذي استعمله به النحويون، وقد يراد به المسمى ويدل عليه ما قاربه من القول، من ذلك قوله تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى: 1] وقوله: {تبارك اسم ربك} [الرحمن: 78] على أن هذا يتأول، ومنه قول لبيد: [الطويل] على تأويلات في البيت، وقد مضت المسألة في صدر الكتاب والسلطان: البرهان وقوله: {فانتظروا إني معكم من المنتظرين} الآية وعيد وتهديد. اهـ. .قال ابن الجوزي: قوله تعالى: {قال قد وقع} أي: وجب {عليكم من ربكم رجس وغضب} قال ابن عباس: عذاب وسخط.وقال أبو عمرو بن العلاء: الرجز؛ بالزاي، والرجس؛ بالسين: بمعنى واحد، قلبت السين زايًا.قوله تعالى: {أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم} يعني: الأصنام.وفي تسميتهم لها قولان:أحدهما: أنهم سمَّوها آلهة.والثاني: أنهم سمَّوها بأسماء مختلفة.والسلطان: الحجة.{فانتظروا} نزول العذاب {إني معكم من المنتظرين} الذي يأتيكم من العذاب في تكذيبكم إياي. اهـ..قال القرطبي: {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ}.طلبوا العذاب الذي خوّفهم به وحذرهم منه فقال لهم: {قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ}.ومعنى وقع أي وجب.يقال: وقع القول والحُكْم أي وجب، ومثله: {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرجز} أي نزل بهم.{وَإِذَا وَقَعَ القول عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ الأرض}.والرِّجْسُ العذابُ وقيل: عُني بالرجس الرَّيْن على القلب بزيادة الكفر.{أَتُجَادِلُونِي في أَسْمَاءٍ} يعني الأصنام التي عبدوها، وكان لها أسماء مختلفة.{مَّا نَزَّلَ الله بِهَا مِن سُلْطَانٍ} أي من حُجّة لكم في عبادتها.فالاسم هنا بمعنى المسمّى.نظيره {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا} [يوسف: 40].وهذه الأسماء مثل العُزّى من العِزّ والأعز والّلات، وليس لها من العزّ والإلهية شيء. اهـ..قال الخازن: {قال} يعني قال هود مجيبًا لهم {قد وقع} يعني نزل ووجب {عليكم من ربكم رجس وغضب} أي عذاب وسخط {أتجادلونني} يعني أتخاصمونني {في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم} يعني وضعتم لها أسماء من عند أنفسكم والمراد منه الاستفهام على سبيل الإنكار عليهم لأنهم سموا الأصنام بالآلهة وذلك معدوم فيها {ما نزل الله بها من سلطان} يعني من حجة وبرهان على هذه التسمية وإنما سميتموها أنتم من عند أنفسكم بغير دليل {فانتظروا} يعني العذاب {إني معكم من المنتظرين} يعني نزول العذاب بكم. اهـ..قال أبو حيان: {قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب} أي حلّ بكم وتحتّم عليكم قال زيد بن أسلم والأكثرون: الرّجس هنا العذاب من الارتجاس وهو الاضطراب.وقال ابن عباس: السخط.وقال أبو عبد الله الرازي: لا يكون العذاب لأنه لم يكن حاصلًا في ذلك الوقت، وقال القفال: يجوز أن يكون الازدياد في الكفر بالرين على القلوب أي لتماديهم على الكفر {وقع عليكم} من الله رين على قلوبكم كقوله: {فزادتهم رجسًا إلى رجسهم} فإنّ الرجس السخط أو الرين فقوله: {قد وقع} على حقيقته من المضي وإن كان العذاب فيكون من جعل الماضي موضع المستقبل لتحقّق وقوعه.{أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم} هذا إنكار منه لمخاصمتهم له فيما لا ينبغي فيه الخصام وهو ذكر ألفاظ ليس تحتها مدلول يستحقّ العبادة فصارت المنازعة باطلة بذلك ومعنى {سميتموها} سميتم بها أنتم وآباؤكم أي أحدثتموها قريبًا أنتم وآباؤكم وهي صمود وصداء والهباء وقد ذكرها مرثد بن سعد في شعره فقال:فالجدال إذ ذاك يكون في الألفاظ لا مدلولاتها ويحتمل أن يكون الجدال وقع في المسمّيات وهي الأصنام فيكون أطلق الأسماء وأراد بها المسميات وكان ذلك على حذف مضاف أي {أتجادلونني} في ذوات أسماء ويكون المعنى {سميتموها} آلهة وعبدتموها من دون الله، قيل: سموا كل صنم باسم على ما اشتهوا وزعموا أنّ بعضهم يسقيهم المطر وبعضهم يشفيهم من المرض وبعضهم يصحبهم في السّفر وبعضهم يأتيهم بالرزق.{ما نزل الله بها من سلطان} والجملة من قوله: {ما نزل} في موضع الصفة والمعنى أنه ليس لكم بذلك حجة ولا برهان وجاء هنا {نزل} وفي المكان غيره أنزل وكلاهما فصيح والتعدية بالتضعيف والهمزة سواء.{فانتظروا إني معكم من المنتظرين} وهذا غاية في التهديد والوعيد أي {فانتظروا} عاقبة أمركم في عبادة غير الله وفي تكذيب رسوله وهذا غاية في الوثوق بما يحل بهم وإنه كائن لا محالة. اهـ. .قال أبو السعود: {قال قد وقع عليكم} أي وجب وحق أو نزل بإصراركم هذا بناءً على تنزيل المتوقَّع منزلةَ الواقعِ كما في قوله تعالى: {أتى أمرُ الله} {من ربكم} أي من جهته تعالى. وتقديمُ الظرف الأولِ على الثاني مع أن مبدأ الشيءِ متقدمٌ على منتهاه للمسارعة إلى بيان إصابةِ المكروهِ لهم، وكذا تقديمُه على الفاعل الذي هو قوله تعالى: {رجس} مع ما فيه من التشويق إلى المؤخّر، ولأن فيه نوعَ طولٍ بما عُطف عليه من قوله تعالى: {وغضبٌ} فربما يُخِل تقديمُها بتجاوب النظمِ الكريم، والرجسُ العذابُ من الارتجاس الذي هو الاضطرابُ، والغضب إرادةُ الانتقامِ، وتنوينُهما للتفخيم والتهويل {أتجادلونني في أسماء} عاريةٍ عن المسمى {سميتموها} أي سميتم بها {أنتم وآباؤكم} إنكارٌ واستقباح لإنكارهم مجيئَه عليه السلام داعيًا لهم إلى عبادة الله تعالى وحده وتركِ عبادةِ الأصنام أي أتجادلونني في أشياءَ سمَّيتموها آلهةً ليست هي إلا محضُ الأسماءِ من غير أن يكون فيها من مصداق الإلهية شيءٌ ما لأن المستحِقَّ ببمعبودية بالذات ليس إلا من أوجد الكلَّ وأنها لو استحقت لكان ذلك بجعله تعالى إما بإنزال آيةٍ أو نصبِ حُجةٍ وكلاهما مستحيلٌ، وذلك قوله تعالى: {ما نزل الله بها من سلطان} وإذ ليس ذلك في حيز الإمكانِ تحققَ بُطلانُ ما هم عليه {فانتظروا} مترتبٌ على قوله تعالى: {قد وقع عليكم} أي فانتظروا ما تطلُبونه بقولكم: فائتنا بما تعدنا، إلخ {إني معكم من المنتظرين} لما يَحِلُّ بكم. اهـ..قال الألوسي: {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ} أي وجب وثبت.وأصل استعمال الوقوع في نزول الأجسام، واستعماله هنا فيما ذكر مجاز من إطلاق السبب على المسبب.ويجوز أن يكون في الكلام استعارة تبعية والمعنى قد نزل عليكم، واختار بعضهم أن {وقع} بمعنى قضى وقدر لأن المقدرات تضاف إلى السماء وحرف الاستعلاء على ذلك ظاهر، وفي الكشف أن الوقوع بمعنى الثبوت وحرف الاستعلاء إما لأنه ثبوت قوي أكد ما يكون وآجبه أو لأنه ثبوت حسي لأمر نازل من علو وعذاب الله تعالى موصوف بالنزول من السماء فتدبر.
|