الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.من لطائف وفوائد المفسرين: .من لطائف القشيري في الآية: قال عليه الرحمة:{كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)}كتاب الأحباب تحفة الوقت، وشفاءٌ لمقاساة ألم البعد، وهو لداء الضنى مُزِيل، ولشفاء الشكِّ مُقيل، وقال تعالى: {فَلاَ يَكُن في صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ} ولم يقل: في قلبك؛ فإن قلبه عليه السلام في محل الشهود، ولذلك قال: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} [الحجر: 97] وكذلك قال موسى عليه السلام: {رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى}. وقال للمصطفى صلوات الله عليه: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1]. فإن القلب في محل الشهود، وهو أبدًا بدوام أُنْس القرب، قال صلى الله عليه وسلم: «تنام عيني ولا ينام قلبي» وقال: «أسألك لذة النظر» وصاحب اللذة لا يكون له حرج. اهـ..قال الفخر: الذين أثبتوا لله مكانًا تمسكوا بهذه الآية فقالوا: إنّ كلمة {من} لابتداء الغاية.وكلمة إلى لانتهاء الغاية.فقوله: أُنزِلَ إِلَيْكَ يقتضي حُصول مَسافة مبدؤها هو الله تعالى وغايتها محمد، وذلك يدل على أنه تعالى مختص بجهة فوق، لأن النزول هو الانتقال من فوق إلى أسفل.وجوابه: لما ثبت بالدلائل القاهرة أن المكان والجِهة على الله تعالى محال وجب حمله على التأويل الذي ذكرناه، وهو أن الملك انتقل به من العلو إلى أسفل. اهـ. بتصرف يسير..قال الشنقيطي: قوله تعالى: {فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ} الآية.قال مجاهد، وقتادة، والسدي: {حرج} أي شك. أي لا يكن في صدرك شك في كون هذا القرآن حقًا، وعلى هذا القول فالآية، كقوله تعالى: {الحق مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين} [البقرة: 147] وقوله: {الحق مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُنْ مِّن الممترين} [آل عمران: 60]، وقوله: {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الذين يَقْرَءُونَ الكتاب مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الحق مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين} [يونس: 94].والممتري: هو الشاك. لأنه مفتعل من المرية وهي الشك، وعلى هذا القول فالخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم.والمراد نهى غيره عن الشك في القرآن، كقول الراجز:وكقوله تعالى: {وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24]، وقوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65]، وقوله: {وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءَهُمْ} [البقرة: 120] الآية.ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لا يفعل شيئًا من ذلك، ولكن الله يخاطبه ليوجه الخطاب إلى غيره في ضمن خطابه صلى الله عليه وسلم.وجمهور العلماء: على أن المراد بالحرج في الآية الضيق. أي لا يكن في صدرك ضيق عن تبليغ ما أمرت به لشدة تكذيبهم لك، لأن تحمل عداوة الكفار، والتعرض لبطشهم مما يضيق به الصدر، وكذلك تكذيبهم له صلى الله عليه وسلم مع وضوح صدقه بالمعجزات الباهرات مما يضيق به الصدر. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إذا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة»، أخرجه مسلم. والثلغ: الشدخ وقيل ضرب الرطب باليابس حتى ينشدخ، وهذا البطش مما يضيق به الصدر.ويدل لهذا الوجه الأخير في الآية قوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يوحى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} [هود: 12]، وقوله: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} [الحجر: 97]، وقوله: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ على آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بهذا الحديث أَسَفًا} [الكهف: 6] وقوله: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 3].ويؤيد الوجه الأخير في الآية أن الحرج في لغة العرب: الضيق. وذلك معروف في كلامهم، ومنه قوله تعالى: {لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ} [النور: 61]، وقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدين مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وقوله: {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام: 125] أي شديد الضيق إلى غير ذلك من الآيات، ومنه قول عمر بن أبي ربيعة، أو جميل: وقول العرجبي: والمراد بالإحراج في البيتين: الإدخال في الحرج. بمعنى الضيق كما ذكرنا.قوله تعالى: {لِتُنذِرَ بِهِ وذكرى لِلْمُؤْمِنِينَ}.لم يبين هنا المفعول به لقوله النذر، ولكنه بينه في مواضع أخر كقوله: {وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا} [مريم: 97]، وقوله: {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ} [يس: 6]، إلى غير ذلك من الآيات.كما أنه بين المفعول الثاني للإنذار في آيات أخر، كقوله: {لِّيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ} [الكهف: 2] الآية، وقوله: {فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تلظى} [الليل: 14]، وقوله: {إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا} [النبأ: 40] الآية، إلى غير ذلك من الآيات.وقد جمع تعالى في هذه الآية الكريمة بين الإنذار والذكرى في قوله: {لِتُنذِرَ بِهِ وذكرى لِلْمُؤْمِنِينَ} فالإنذار للكفار، والذكرى للمؤمنين، ويدل لذلك قوله تعالى: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلَسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ المتقين وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا} [مريم: 97]، وقوله: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذكرى تَنفَعُ المؤمنين} [الذاريات: 55]، وقوله: {فَذَكِّرْ بالقرآن مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: 45].ولا ينافي ما ذكرنا من أن الإنذار للكفار، والذكرى للمؤمنين. أنه قصر الإنذار على المؤمنين دون غيرهم في قوله تعالى: {إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتبع الذكر وَخشِيَ الرحمن بالغيب فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} [يس: 11]. لأنه ملا كان الانتفاع بالإنذار مقصورًا عليهم، صار الإنذار كأنه مقصور عليهم، لأن ما لا نفع فيه فهو كالعدم.ومن أساليب اللغة العربية: التعبير عن قليل النفع بأنه لا شيء.وحاصل تحرير المقام في هذا المبحث: أن الإنذار يطلق في القرآن إطلاقين.أحدهما: عام لجميع الناس كقوله: {يا أيها المدثر قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر: 1-2]، وقوله: {تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفرقان على عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1].وهذا الإنذار العام: هو الذي قصر على المؤمنين قصرًا إضافيًا في قوله: {إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتبع الذكر} الآية. لأنهم هم المنتفعون به دون غيرهم.والثاني: إنذار خاص بالكفار لأنهم هم الواقعون فيما أنذروا به من النكال والعذاب، وهو الذي يذكر في القرآن مبينًا أنه خاص بالكفار دون المؤمنين كقوله: {لِتُبَشِّرَ بِهِ المتقين وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا}، وقوله هنا: {لِتُنذِرَ بِهِ وذكرى لِلْمُؤْمِنِينَ} اهـ.وقال الشيخ الشنقيطي:والإنذار في اللغة العربية: الإعلام المقترن بتهديد، فكل إنذار إعلام، وليس كل إعلام إنذارًا. اهـ. .تفسير الآية رقم (3): قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3)}.مناسبة الآية لما قبلها: قال البقاعي:ولما تقدم سبحانه إليه صلى الله عليه وسلم في أمر الإنذار والإذكار بالكتاب تقدم إلى اتباعه فأمرهم باتباعه ونهاهم عن اتباع أهل الضلال وما يوحي إليهم أولياؤهم من زخارفهم بعد أن أخبر بكونه ذكرى أنه سبب لعلو شأنهم وعز سلطانهم، فقال ملتفتًا إليهم مقبلًا بعز جلاله عليهم {اتبعوا} أي حملوا أنفسكم حملًا عظيمًا بجد ونشاط على اتباع {ما أنزل إليكم} أي قد خصصتم به دون غيركم فاشكروا هذه النعمة {من ربكم} أي الذي لم يزل محسنًا إليكم {ولاتتبعوا} ولعله عبر بالافتعال إيماء إلى أن ما كان دون علاج- بل هفوة وبنوع غفلة- في محل العفو {من دونه} أي دون ربكم {أولياء} أي من الذين نهيناكم عنهم في الأنعام وبينا ضررهم لكم من شياطين الإنس والجن وعدم إغنائهم وأن الأمر كله لربكم.ولما كانوا قد خالفوا في اتباعهم صريح العقل وسليم الطبع، وعندهم أمثلة ذلك لو تذكروا، قال منبهًا لهم على تذكر ما يعرفون من تصرفاتهم: {قليلًا} وأكد التقليل ب ما النافي وبإدغام تاء التفعيل فقال: {ما تذكرون} أي تعالجون أنفسكم على ذكر ما هو مركوز في فطركم الأولى فإنكم مقرون بأن ربكم رب كل شيء، فكل من تدعون من دونه مربوب، وأنتم لا تجدون في عقولكم ولا طباعكم ولا استعمالاتكم ما يدل بنوع دلالة على أن مربوبًا يكون شريكًا لربه. اهـ..من أقوال المفسرين: .قال الفخر: اعلم أن أمر الرسالة إنما يتم بالمرسل وهو الله سبحانه وتعالى والمرسل وهو الرسول، والمرسل إليه، وهو الأمة، فلما أمر في الآية الأولى الرسول بالتبليغ والإنذار مع قلب قوي، وعزم صحيح أمر المرسل إليه.وهم الأمة بمتابعة الرسول.فقال: {اتبعوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبّكُمْ}وفي الآية مسائل:المسألة الأولى:قال الحسن: يا ابن آدم، أمرت باتباع كتاب الله وسنة رسوله.واعلم أن قوله: {اتبعوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبّكُمْ} يتناول القرآن والسنة.فإن قيل: لماذا قال: {أُنزِلَ إِلَيْكُمُ} وإنما أنزل على الرسول.قلنا: إنه منزل على الكل بمعنى أنه خطاب للكل.إذا عرفت هذا فنقول: هذه الآية تدل على أن تخصيص عموم القرآن بالقياس لا يجوز لأن عموم القرآن منزل من عند الله تعالى.
|