الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قصة الذبيح: قال الله تعالى: {وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين رب هب لي من الصالحين فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا انا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين} يذكر تعالى عن خليله إبراهيم أنه لما هاجر من بلاد قومه سأل ربه أن يهب له ولدا صالحا فبشره الله تعالى بغلام حليم وهو إسماعيل عليه السلام لأنه أول من ولد على رأس ست وثمانين سنة من عمر الخليل وهذا ما لا خلاف فيه بين أهل الملل لأنه أول ولده وبكره وقوله فلما بلغ معه السعي أي شب وصار يسعى في مصالحه كأبيه قال مجاهد فلما بلغ معه السعي أي شب وارتحل وأطاق ما يفعله أبوه من السعي والعمل فلما كان هذا رئى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يؤمر بذبح ولده هذا وفي الحديث عن ابن عباس مرفوعا رؤيا الأنبياء وحي قاله عبيد ابن عمير أيضا وهذا اختبار من الله عز وجل لخليله في أن يذبح هذا الولد العزيز الذي جاءه على كبر وقد طعن في السن بعد ما أمر بأن يسكنه هو وأمه في بلاد قفر وواد ليس به حسيس ولا أنيس ولا زرع ولا ضرع فامتثل أمر الله في ذلك وتركهما هناك ثقة بالله وتوكلا عليه فجعل الله لهما فرجا ومخرجا ورزقهما من حيث لا يحتسبان ثم لما أمر بعد هذا كله بذبح ولده هذا الذي قد أفرده عن أمر ربه وهو بكره ووحيده الذي ليس له غيره أجاب ربه وامتثل أمره وسارع إلى طاعته ثم عرض ذلك على ولده ليكون أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قسرا ويذبحه قهرا {قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى} فبادر الغلام الحليم سر والده الخليل إبراهيم فقال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين وهذا الجواب في غاية السداد والطاعة للوالد ولرب العباد قال الله تعالى: {فلما أسلما وتله للجبين} قيل أسلما أي استسلما لأمر الله وعزما على ذلك وقيل هذا من المقدم والمؤخر والمعنى تله للجبين أي ألقاه على وجهه قيل أراد أن يذبحه من قفاه لئلا يشاهده في حال ذبحه قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك وقيل بل أضجعه كما تضجع الذبائح وبقي طرف جبينه لاصقا بالأرض وأسلما أي سمى إبراهيم وكبر وتشهد الولد للموت قال السدي وغيره أمر السكين على حلقه فلم تقطع شيئا ويقال جعل بينها وبين حلقه صفيحة من نحاس والله أعلم فعند ذلك نودي من الله عز وجل أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا أي قد حصل المقصود من اختبارك وطاعتك ومبادرتك إلى أمر ربك وبذلك ولدك للقربان كما سمحت ببدنك للنيران وكما مالك مبذول للضيفان ولهذا قال تعالى: {إن هذا لهو البلاء المبين} أي الاختبار الظاهر البين وقوله وفديناه بذبح عظيم أي وجعلنا فداء ذبح ولده ما يسره الله تعالى له من العوض عنه والمشهور عن الجمهور أنه كبش أبيض أعين أقرن رآه مربوطا بسمرة في ثبير قال الثوري عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفا وقال سعيد بن جبير كان يرتع في الجنة حتى تشقق عنه ثبير وكان عليه عهن أحمر وعن ابن عباس هبط عليه من ثبير كبش أعين أقرن له ثغاء فذبحه وهو الكبش الذي قربه ابن آدم فتقبل منه رواه ابن أبي حاتم.قال مجاهد فذبحه بمنى وقال عبيد بن عمير ذبحه بالمقام فأما ما روى عن ابن عباس أنه كان وعلا وعن الحسن أنه كان تيسا من الأروى واسمه جرير فلا يكاد يصح عنهما ثم غالب ما هاهنا من الآثار مأخوذ من الإسرائيليات وفي القرآن كفاية عما جرى من الأمر العظيم والاختبار الباهر وأنه فدى بذبح عظيم وقد رود في الحديث أنه كان كبشا قال الإمام أحمد حدثنا سفيان حدثنا منصور عن خاله نافع عن صفية بنت شيبة قالت أخبرتني إمرأة من بني سليم ولدت عامة أهل دارنا قالت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن طلحة وقال مرة إنها سألت عثمان لم دعاك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إني كنت رأيت قرني الكبش حين دخلت البيت فنسيت أن آمرك أن تخمرهما فخمرهما فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي قال سفيان لم تزل قرنا الكبش في البيت حتى احترق البيت فاحترقا وهذا روى عن ابن عباس أن رأس الكبش لم يزل معلقا عند ميزاب الكعبة قد يبس وهذا وحده دليل على أن الذبيح اسمعيل لأنه كان وهو المقيم بمكة وإسحاق لا نعلم أنه قدمها في حال صغره والله أعلم.وهذا هو الظاهر من القرآن بل كأنه نص على أن الذبيح هو اسمعيل لأنه ذكر قصة الذبيح ثم قال بعده: وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ومن جعله حالا فقد تكلف ومستنده أنه إسحاق إنما هو اسرائيليات وكتابهم فيه تحريف ولاسيما هاهنا قطعا لا محيد عنه فإن عندهم أن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده وفي نسخة من المعربة بكره إسحاق فلفظه إسحاق هاهنا مقحمة مكذوبة مفتراة لأنه ليس هو الوحيد ولا البكر ذاك اسمعيل وإنما حملهم على هذا حسد العرب فإن اسمعيل أبو العرب الذين يسكنون الحجاز الذين منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسحاق والد يعقوب وهو إسرائيل الذين ينتسبون إليه فأرادوا أن يجروا هذا الشرف إليهم فحرفوا كلام الله وزادوا فيه وهم قوم بهت ولم يقروا بأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء وقد قال بأنه إسحاق طائفة كثيرة من السلف وغيرهم وإنما أخذوه والله أعلم من كعب الأحبار أو صحف أهل الكتاب وليس في ذلك حديث صحيح عن المعصوم حتى نترك لأجله ظاهر الكتاب العزيز ولا يفهم هذا من القرآن بل المفهوم بل المنطوق بل النص عند التأمل على أنه اسمعيل وما أحسن ما استدل محمد بن كعب القرظي على أنه اسمعيل وليس بإسحاق من قوله فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب قال فكيف تقع البشارة بإسحاق وأنه سيولد له يعقوب ثم يؤمر بذبح إسحاق وهو صغير قبل أن يولد له هذا لا يكون لأنه يناقض البشارة المتقدمة والله أعلم.وقد اعترض السهيلي على هذا الاستدلال بما حاصله أن قوله فبشرناها بإسحاق جملة تامة وقوله ومن وراء إسحاق يعقوب جملة أخرى ليست في حيز البشارة قال لأنه لا يجوز من حيث العربية أني كون مخفوضا إلا أن يعاد معه حرف الجر فلا يجوز أن يقال مررت بزيد ومن بعده عمرو حتى يقال ومن بعده بعمر وقال فقوله ومن وراء إسحاق يعقوب منصوب بفعل مضمر تقديره ووهبنا لإسحاق يعقوب وفي هذا الذي قاله نظر ورجح أنه إسحاق واحتج بقوله فلما بلغ معه السعي قال واسماعيل لم يكن عنده إنما كان في حال صغره هو وأمه بحيال مكة فكيف يبلغ معه السعي وهذا أيضا فيه نظر لأنه قد روى أن الخليل كان يذهب في كثير من الأوقات راكبا البراق إلى مكة يطلع على ولده وابنه ثم يرجع والله أعلم فمن حكى القول عنه بأنه إسحاق كعب الأحبار وروى عن عمر والعباس وعلي وابن مسعود ومسروق وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد وعطاء والشعبي ومقاتل وعبيد بن عمر وأبي ميسرة وزيد بن أسلم وعبدالله بن شقيق والزهري والقاسم وابن أبي بردة ومكحول وعثمان بن حاضر والسدي والحسن وقتادة وأبي الهذيل وابن سابط وهو اختيار ابن جرير وهذا عجب منه وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس ولكن الصحيح عنه وعن أكثر هؤلاء أنه إسماعيل عليه السلام قال مجاهد وسعيد الشعبي ويوسف بن مهران وعطاء وغير واحد عن ابن عباس هو إسماعيل عليه السلام وقال ابن جرير حدثني يونس أنبأنا ابن وهب أخبرني عمرو بن قيس عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أنه قال المفدى إسماعيل وزعمت اليهود أنه إسحاق وكذبت اليهود وقال عبد الله بن الامام أحمد عن أبيه هو إسماعيل وقال ابن أبي حاتم سألت أبي عن الذبيح فقال الصحيح أنه إسماعيل عليه السلام قال ابن أبي حاتم وروى عن علي وابن عمر وأبي هريرة وأبي الطفيل وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد والشعبي ومحمد بن كعب وأبي جعفر محمد بن علي وأبي صالح أنهم قالوا الذبيح هو إسماعيل عليه السلام وحكاه البغوي أيضا عن الربيع بن أنس والكلبي وأبي عمرو بن العلاء قلت وروى عن معاوية وجاء عنه أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابن الذبيحين فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وإليه ذهب عمر بن عبدالعزيز ومحمد بن اسحاق بن يسار وكان الحسن البصري يقول لا شك في هذا وقال محمد بن اسحاق عن بريدة عن سفيان بن فروة الأسلمي عن محمد بن كعب أنه حدثهم أنه ذلك ذلك لعمر بن عبدالعزيز وهو خليفة إذ كان معه بالشام يعني استدلاله بقوله بعد العصمة فبشرناه بإسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب فقال له عمر إن هذا الشيء ما كنت أنظر فيه وإني لأراه كما قلت ثم أرسل إلى رجل كان عنده بالشام كان يهوديا فأسلم وحسن إسلامه وكان يرى أنه من علمائهم قال فسأله عمر بن عبدالعزيز أي ابني إبراهيم أمر بذبحه فقال إسماعيل والله يا أمير المؤمنين وإن اليهود لتعلم بذلك ولكنهم يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أباكم الذي كان من أمر الله فيه والفضل الذي ذكره الله منه لصبره لما أمر به فهم يجحدون ذلك ويزعمون أنه إسحاق لأن إسحاق أبوهم وقد ذكرنا هذه المسئلة مستقصاة بأدلتها وآثارها في في كتابنا التفسير ولله الحمد والمنة..مولد اسحاق: قال الله تعالى: {وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين} وقد كانت البشارة به من الملائكة لإبراهيم وسارة لما مروا بهم مجتازين ذاهبين إلى مدائن قوم لوط ليدمروا عليهم لكفرهم وفجورهم كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى قال الله تعالى: {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ فلما رأى أيديهم لا تصل إليهم نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد} وقال تعالى: {ونبئهم عن ضيف إبراهيم إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون قالوا لا توجل انا نبشرك بغلام عليم قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون} وقال تعالى: {هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم قال ألا تأكلون فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم} يذكر تعالى أن الملائكة قالوا وكانوا ثلاثة جبريل وميكائيل واسرافيل لما وردوا على الخليل حسبهم أضيافا فعاملهم معاملة الضيوف شوى لهم عجلا سمينا من خيار بقره فلما قربه إليهم وعرض عليهم لم ير لهم همة إلى الأكل بالكلية وذلك لأن الملائكة ليس فيهم قوة الحاجة إلى الطعام فنكرهم إبراهيم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط أي لندمر عليهم فاستبشرت عند ذلك سارة غضبا لله عليهم وكانت قائمة على رؤس الأضياف كما جرت به عادة الناس من العرب وغيرهم فلما ضحكت استبشارا بذلك قال الله تعالى: {فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} أي بشرتها الملائكة بذلك فأقبلت امرأته في صرة أي في صرخة فصكت وجهها أي كما يفعل النساء عند التعجب وقالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا أي كيف يلد مثلي وأنا كبيرة وعقيم أيضا وهذا بعلي أي زوجي شيخا تعجبت من وجود ولد والحالة هذه ولهذا قالت إن هذا لشيء عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد وكذلك تعجب إبراهيم عليه السلام استبشارا بهذه البشارة وتثبيتا لها وفرحا بها قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين أكدوا الخبر بهذه البشارة وقرروه معه فبشروهما بغلام عليم وهو إسحاق وأخوه إسماعيل غلام حليم مناسب لمقامه وصبره وهكذا وصفه ربه بصدق الوعد والصبر وقال في الآية الأخرى فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب وهذا مما استدل به محمد بن كعب القرظي وغيره على أن الذبيح هو إسماعيل وأن إسحاق لا يجوز أن يؤمر بذبحه بعد أن وقعت البشارة بوجوده ووجود ولده يعقوب المشتق من العقب من بعده.وعند أهل الكتاب أنه أحضر مع العجل الحنيذ وهو المشوي رغيفا من مكة فيه ثلاثة اكيا وسمن ولبن وعندهم أنهم أكلوا وهذا غلط محض وقيل كانوا يودون أنهم يأكلون والطعام يتلاشي في الهواء وعندهم أن الله تعالى قال لإبراهيم أما سارا امرأتك فلا يدعى اسمها سارا ولكن اسمها سارة وأبارك عليها وأعطيك منها ابنا وأباركه ويكون الشعوب وملوك الشعوب منه فخر إبراهيم على وجهه يعني ساجدا وضحك قائلا في نفسه أبعد مائة سنة يولد لي غلام أو سارة تلد وقد أتت عليها تسعون سنة وقال إبراهيم لله تعالى ليت إسماعيل يعيش قدامك فقال الله لإبراهيم بحقي إن امرأتك سارة تلد لك غلاما وتدعو اسمه إسحاق إلى مثل هذا الحين من قابل وأوثقه ميثاقي إلى الدهر ولخلفه من بعده وقد استجبت لك في إسماعيل وباركت عليه وكبرته ونميته جدا كثيرا ويولد له اثنا عشر عظيما وأجعله رئيسا لشعب عظيم وقد تكلمنا على هذا بما تقدم والله أعلم فقوله تعالى: {فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} دليل على أنها تستمتع بوجود ولدها إسحاق ثم من بعده بولد ولده يعقوب أي يولد في حياتهما لتقر أعينهما به كما قرت بولده ولو لم يرد هذا لم يكن لذكر يعقوب وتخصيص التنصيص عليه من دون سائر نسل إسحاق فائدة ولما عين بالذكر دل على أنهم يتمتعان به ويسران بولده كما سرا بمولد أبيه من قبله وقال تعالى: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا} وقال تعالى: {فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب} وهذا إن شاء الله ظاهر قوي ويؤيده ما ثبت في الصحيحين من حديث سليمان بن مرهان الأعمش عن إبراهيم بن يزيد التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله أي مسجد وضع أول قال المسجد الحرام قلت ثم أي قال المسجد الأقصى قلت كم بينهما قال أربعون سنة قلت ثم أي قال ثم حيث أدركت الصلاة فصل فكلها مسجد وعند أهل الكتاب أن يعقوب عليه السلام هو الذي أسس المسجد الأقصى وهو مسجد ايليا بيت المقدس شرفه الله وهذا متجه ويشهد له ما ذكرناه من الحديث فعلى هذا يكون بناء يعقوب وهو اسرائيل عليه السلام بعد بناء الخليل وابنه إسماعيل المسجد الحرام بأربعين سنة سواء وقد كان بناؤهما ذلك بعد وجود إسحاق لأن إبراهيم عليه السلام لما دعا قال في دعائه كما قال تعالى: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} وما جاء في الحديث من أن سليمان بن داود عليهما السلام لما بنى بيت المقدس سأل الله خلالا ثلاثا كما ذكرناه عند قوله رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي وكما سنورده في قصته فالمراد من ذلك والله أعلم أنه جدد بناءه كما تقدم من أن بينهما أربعين سنة ولم يقل أحد إن بين سليمان وإبراهيم أربعين سنة سوى ابن حبان في تقاسيمه وأنواع وهذا القول لم يوافق عليه ولا سبق إليه.
|