الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.85 الآية الرابعة والعشرون منها: قوله تعالى: {قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم} الأعراف: 123.وقال في سورة طه 71: {قال آمنتم له قبل أن آذن لكم}للسائل أن يسأل عن موضعين من هذه الآية:أحدهما: إظهار اسم فرعون لعنه الله في سورة الأعراف في هذا اللفظ وإضماره له في مثله من سورتي طه والشعراء؟والثاني: قوله: {آمنتم به} وقال في الموضعين الآخرين: {آمنتم له} ووجه اختلافهما؟والجواب عن السؤال الأول، وهو إظهار اسم فرعون في سورة الأعراف، لأنه جاء في الآية العاشرة من الآيى التي أضمر فيها ذكره، وهي قوله: {قال نعم وإنكم لمن المقربين} الأعراف: 114.وجاء في الآية العاشرة من هذه السورة: {قال فرعون أمنتم به} الأعراف: 123 ولم يبعد هذا الذكر في الآيتين اللتين في سورة طه والشعراء، لأن فرعون مذكور في سورة طه في جملة قومه الذين اخبر عنهم بقوله: {قال أجأتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى} طه: 57 وبعده: {فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى* قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى} طه: 60-61 وهذا خطابه لفرعون وقومه، وضمرهم منطو على ضميره إلى قوله: {فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا} طه: 64.والذكر في قوله: {قال آمنتم له} طه: 71 إنما هو السابع من الآي التي جرى ذكره فيها.وكذلك في سورة الشعراء لم يبعد الذكر بعده في سورة الأعراف، ألا ترى أن آخر ما ذكر فيما اتصل بهذه الآية قوله تعالى: {قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين} الشعراء: 42 وذكره بعد ذلك في الآية الثامنة من الآي التي جرى ذكره فيها.فلما بعد الذكر في سورة الأعراف خلاف بعده في السورتين إذ كان في إحداهما في السابعة، وفي الأخرى في الثامنة، وهي الأعراف في العاشرة أعيد ذكره الظاهر لذلك.والجواب عن السؤال الثاني وهو قوله: {آمنتم به} غير الهاء في {آمنتم له}، وكل واحدة تعود إلى غير ما تعود إليه الأخرى.فالتي في {آمنتم به} تعود إلى رب العالمين، لأنه تعالى حكى عنهم أنهم: {قالوا آمنا برب العالمين} الأعراف: 121 وهو الذي دعا إليه موسى عليه السلام وأما الهاء في قوله: {آمنتم له} تعود إلى موسى عليه السلام، والدليل على ذلك أنه جاء في السورتين بعدها: {إنه لكبيركم الذي علمكم السحر} طه: 71، الشعراء: 49 فالهاء في {إنه} هي التي في {آمنتم له} فلا خلاف أن هذه لموسى عليه السلام.والذي جاء بعد قوله: {آمنتم به} قوله: {إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة} الأعراف: 132 أي إظهاركم ما أظهرتم من الإيمان برب العالمين وقع على تواطؤ منكم، أخفيتموه لتستولوا على العباد والبلاد، ويجوز أن يكون الهاء في {أمنتم به} ضمير موسى عليه السلام، لأنه يقال: آمن بالرسول، أي أظهرتم تصديقه، وأقدمتم على خلافي قبل أن آذنت لكم فيه، وهذا المكر مكرتموه، تعود إلى موسى عليه السلام، والدليل على ذلك أنه جاء في السورتين بعدها: {إنه لكبيركم الذي علمكم السحر} طه: 71، الشعراء: 49 فالهاء في {إنه} هي التي في {آمنتم له} فلا خلاف أن هذه لموسى عليه السلام.والذي جاء بعد قوله: {آمنتم به} قوله: {إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة} الأعراف: 132 أي إظهاركم ما أظهرتم من الإيمان برب العالمين وقع على تواطؤ منكم، أخفيتموه لتستولوا على العباد والبلاد، ويجوز أن يكون الهاء في {أمنتم به} ضمير موسى عليه السلام، لأنه يقال: آمن بالرسول، أي أظهرتم تصديقه، وأقدمتم على خلافي قبل أن آذنت لكم فيه، وهذا المكر مكرتموه، وسر أسررتموه لتقلبوا الناس على، فاقتضى هذا الموضع الذي ذكر فيه المكر إنكار الإيمان به.فأما الإيمان له موضعين الآخرين فاللام تفيد معنى الإيمان من أجله، ومن أجل ما أتى به من الآيات، فكأنه قال: آمنتم برب العالمين لأجل ما ظهر لكم على يدي موسى عليه السلام من آياته، والموضع الذي ذكر فيه {له} أي من أجله، وعبر عنه باللام هو الموضع الذي قصد فيه إلى الإخبار ب {إنه لكبيركم الذي علمكم السحر} فلذلك خص باللام، والأول خص بالباء. وقد تدل اللام على الإتباع فيكون المعنى: اتبعتموه لأنه كبيركم في عمل السحر، وقد يؤمن بالخبر من لا يعمل عليه، ولا يتبع الدعي إليه..86الآية الخامسة والعشرون منها: قوله تعالى: {فسوف تعملون} الأعراف: 123.وقال في سورة طه 71: {إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم...} وقال في سورة الشعراء 49: {إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون لأقطعن أيديكم}.للسائل أن يسأل فيقول: قال في سورة الأعراف: {فسوف تعلمون} ولم يقل في سورة طه، وإنما أدخل الفاء على قوله: {فلأقطعن} طه: 71، وأما في سورة الشعراء فإنه أتى ب سوف تعلمون مع اللام فقال: {فلسوف تعلمون} فما وجه اختلاف هذه، واختصاص بعض بمكان دون غيره؟والجواب أن يقال: إن قوله تعالى: {فسوف تعلمون} من الوعيد المبهم المعرض بأي: فعلت بجهل ما تعرف من بعد نتيجته، وطرحت بذر شر، عند حصده تعلم نهايته. وهذا النوع من الوعيد أبلغ من الإفصاح بقدره، على أنه قد قرن إليه بيانه، وهو: {لأقطعن أيديكم} الآية الأعراف: 124، فنطق القرآن بحكاية التعريض بالوعيد والإفصاح بالتهديد معا.وأما اختصاص سورة الشعراء بقوله: {فلسوف} وزيادة اللام فلتقريب ما خوفهم به من اطلاعهم عليه وقربه منهم، حتى كأنه في الحال موجود: إذ اللام للحال، فالجمع بينها وبين سوف التي للاستقبال، إنما هو لتحقيق الفعل، وإدائه من الوقوع كما قال تعالى: {وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة} النحل: 124 فجمع بين اللام وبين يوم القيامة كما جمع بينها وبين سوف على ما قاله عز وجل: {.. وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب} النحل: 77.وقد بينا أن سورة الشعراء أكثر اقتصاصا لأحوال موسى عليه السلام في بعثه، وابتداء أمره، وانتهاء حاله مع عدوه، فجمعت لفظ الوعيد المبهم مع اللفظ المقرب له، المحقق وقوعه إلى اللفظ المفصح بمعناه، ثم وقع الإقتصار في السورة التي لم يقصد فيها من اقتصاص الحال ما قصد في سورة الشعراء على ذكر بعض ما هو في موضع البسط والشرح، وهو التعريض بالوعيد مع الإفصاح به.وأما في سور طه فإنه اقتصر على التصريح بما أوعدهم به وترك: {فسوف تعلمون} وقال: {فلأقطعن أيديكم} طه: 71 إلا أنه جاء بدل هذه الكلمة ما يعادلها ويقارب ما جاء في سورة الشعراء التي هي مثلها في اقتصاص أحواله من ابتدائها إلى حين انتهائها، وهو قوله بعده: {..و لأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى} طه: 71 فاللام والنون في: {لتعلمن} للقسم، وهما لتحقيق الفعل وتوكده، كما أن اللام في قوله: {فلسوف تعلمون} الشعراء: 49 لإدناء الفعل وتقريبه، فقد تجاوز ما في السورتين المقصود فيهما إلى اقتصاص الحال من إعلاء الحق وإزهاق الباطل..87الآية السادسة والعشرون منها: قوله تعالى: {.. ثم لأصلبنكم أجمعين} الأعراف: 124.وقال في السورتين طه 71 والشعراء 49: {.. ولأصلبنكم} بالواو.للسائل أن يسأل عن اختصاص ما في سورة الأعراف ب ثم والأخريين بالواو؟والجواب أن يقال: إن السورتين اللتين اختصا بالواو هما المبنيتان على الاقتصاص الأكثر والبسط الأوسع، والواو أشبه بهذا المعنى، لأنه يجوز أن يكون ما بعدها ملاصقا لما قبلها كالتعقيب الذي يفاد بالفاء، ويجوز أن يكون متراخيا عنه كالمهلة التي تفاد ب ثم لا بل يجوز أن يكون ما بعدها مقدما على ما قبلها، ومجامعا لها، إذ هي موضوعة للجمع ولا ترتيب فيها، فكانت الواو أشبه بهذين المكانين.وثم تختص بأحد المواضع التي تصلح الواو لجميعها، فلما كانت مقتصرا بها على بعض ما وضعت له الواو، استعملت حيث اختصرت الحال، فاقترن بكل مكان ما يليق بالمقصود فيه فلذلك خصت ثم بسورة الأعراف، والواو بالسورتين الأخيرتين. والله أعلم..88 الآية السابعة والعشرون منها: قوله تعالى: {قالوا إنا إلى ربنا منقلبون} الأعراف: 125.وقال في سورة الشعراء 50: {قالوا لا ضير إلى ربنا منقلبون}.للسائل أن يسأل عن زيادة قوله: {لا ضير} على ما ذكر في سورة الأعراف واختصاص تلك بها من دون هذه؟.والجواب أن يقال: إنهم قابلوا وعيده بما يهونه ويزيل ألمه من انتقالهم إلى ثواب ربهم مع المتحقق من منقلب معذبهم، فجاء في سورة الشعراء وهي التي قصد بها الإقتصاص الأكبر: {لا ضير} أي لا ضرر علينا، فإن منقلبنا إلى جزاء ربنا فننعم أبدا، وتعذب أنت أبدا، فالضرر الذي تحاول إنزاله بنا، بك نازل، وعليك مقيم، ونحن نألم ساعة لا يعتد بها مع دوام النعيم بعدها، فكأنه لم يلحقنا ضرر وفي سورة الأعراف وقع الإقتصار على قوله: {...إنا إلى ربنا منقلبون} وفيه كفاية وإبانة عن هذا المعنى، ودلالة بناء على ما قصد فيها مما يبين وشرح في سواها..89 الآية الثامنة والعشرون منها: قوله تعالى: {.. قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون* قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله}. الأعراف: 187-188.قوله تعالى: {..ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين *قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله}.للسائل أن يسأل عن الآيتين، وتقدم النفع على الضر في الأولى، وتأخيره عنه في الأخرى، وهل لفائدة أوجبت في الاختيار تقديم المقدم وتأخير المؤخر؟والجواب أن يقال: إن الألى بعد قوله: {يسألونك عن الساعة أان مرساها قل إنما علمها عند ربي} وبعده: {قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون} الأعراف: 178 فكان معنى قوله: {قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا} أي: لا أملك تعجيل ثواب ولا عقاب لها، إلا ما ملكنية الله، فلا أملك إلا ما ملكت ولا أعلم إلا ما علمت.والذي تسألون عنه أخفى الغيوب، وأنا لا أعلم منها ما هو أقرب إلى ججم الظنون، فكيف ما يختص به علام الغيوب؟ ولو علمت الغيب لاستكثرت في السنة المخصبة ما يدفع كلب المجدبة، وقيل لاستكثرت من العمل الصالح، الذي أتحقق أنه رفع الأعمال عند الله تعالى درجة، لأن من علم الغيب عرف الأفضل عند الله ولم يتركه إلى ما هو دونه وقوله: {وما مسني السوء} الأعراف: 188 أي: ما بي جنون كما زعم المشركون، وقيل: الفقر لاستكثاري من الخير الذي يتدارك به الفقر عند شدة الزمان.وأما الآية في سورة يونس فإنها فيما كان يستعجله الكفار من عذاب الله تعالى، وقبلها {وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون} يونس: 46.أي: إن أريناك بعض ما نتوعد به هؤلاء الكفار من العذاب في عاجل الدنيا حتى تراه نازلا بهم في حياتك، أو أخرنا ذلك عنهم إلى بعد وفاتك ووفاتهم، فإن ذلك لا يفوتهم، لأن مرجعهم إلى حيث ييجازذى فيه العباد، ولا يملك بعضهم أمر بعض، ويقول الكفار: {متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} يونس: 48.قل لا أملك ما وعدكم الله من هذا العذاب، ولا أن أدفع عنكم سوء العقاب، كما لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله أن يملكينه منهما، فتقديم ضر على نفع في هذه الآية لخروجها عن ذكر العذاب الذي قال الله تعالى فيه بعدها: {أثم إذا ما وقع آمنتم به آلان وقد كنتم به تستعجلون}. يونس: 51 ثم إن اللفظة التي تزاوج لفظة الضر هي لفظة النفع ومعناه في الآية: إنه لا يملك الله منه عباده، وأنا واحد منهم، فلذلك أتبع ذكره ذكره..90 الآية التاسعة والعشرون: قوله تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم} الأعراف: 200.وقال في سورة حم السجدة: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إن هو السميع العليم}.للسائل أن يسأل فيقول: لأي معنى جاء في الآية من سورة الأعراف {سميع عليم} على لفظ النكرة، وفي سورة حم السجدة معرفتين بالألف واللام مؤكدتين بهو؟والجواب أن يقال: إن الأول وقع في فاصلة ما قبلها من الفواصل أفعال جماعة، واسماء مأخوذة من الأفعال نحو قوله تعالى: {فتعالى الله عما يشركون} الأعراف: 190. وبعده {يخلقون} الأعراف: 191 و{ينصرون} الأعراف: 192 و{لا يبصرون} الأعراف: 198 و{الجاهلين} الأعراف: 199. فأخرجت هذه الفاصلة بأقرب ألفاظ الأسماء المؤدية معنى الفعل، أعني النكرة، وكان المعنى: استعذ بالله إنه يسمع استعاذك، ويعلم استجارتك.والتي في سورة حم السجدة قبلها فواصل سلك بها طريق الأسماء، وهي ما في قوله تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} فصلت: 34-35.فقوله: {ولي حميم} ليس من السماء التي يراد بها الأفعال، وكذلك قوله: {ذو حظ عظيم} ليس ذو حظ بمعنى فعل، فأخرج {سميع عليم} بعد الفواصل التي هي على سنن الأسماء على لفظ يبعد عن اللفظ الذي يؤدي معنى الفعل، فكأنه قال: إنه هو الذي لا يخفي عليه مسموع ولا معلوم، فليس القصد الإخبار عن الفعل، كما كان في الأولى: إنه يسمع الدعاء، ويعلم الإخلاص، فهذا فرق ما بين المكانين.انقضت سورة الأعراف عن تسع وعشرين آية، فيها ثمان وثلاثون مسألة. اهـ.
|