الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية (نسخة منقحة)
.ذكر خبر ملك الألمان: ثم تواترت الأخبار بوصول ملك الألمان إلى بلاد قليج أرسلان وأنه نهض للقائه جمع عظيم من التركمان وقصدوا منعه من عبور النهر وأنه أعجزهم لكثرة خلقه وعدم مقدم لهم يجمع كلمتهم وكان قليج أرسلان أظهر شقاقه وهو في الباطن قد أضمر وفاقه ثم لما عبر إلى البلاد أظهر ما كان أضمر ووافقه وأعطاه رهائن منه على أن ينفذ معه من يوصله إلى بلاد ابن لاون وأنفذ معه أدلاء. وعراهم في الطريق جوع عظيم حتى ألقوا بعض أقمشتهم، ولقد بلغنا والله أعلم أنهم جمعوا عدداً كثيرة من زرديات وخوذ وآلات سلاح عجزوا عن حملها وجعلوها سدراً واحداً وأضرموا فيها النار لتتلف ولا ينتفع بها أحد وأنها بقيت بعد ذلك تلاً من حديد وساروا على ذلك الحال حتى أتوا إلى بلد يقال لها طرسوس فأقاموا على نهر ليعبر. وأما ملكهم فعن له أن يسبح فيه وكان ماؤه شديد البرد وكان ذلك عقيب ما ناله من التعب والنصب والمشقة والخوف وأنه عرض له بسبب ذلك مرض عظيم اشتد به إلى أن قتله، ولما رأى ما حل به أوصى إلى ابنه الذي كان في صحبته ولما مات أجمعوا رأيهم إلى أن سلقوه في خل وجمعوا عظامه في كيس على أن يحملوه إلى القدس الشريف حرسه الله ويدفنوه في القدس وترتب ابنه مكانه على خلف من أصحابه فإن ولده الأكبر كان قد خلفه في بلاده وكان جماعة من أصحابه يميلون إليه واستقر قدم ولده الحاضر في تقدمة العسكر، ولما أحس ابن لاون بما جرى عليهم من الخلل وما حل بهم من الجوع والموت والضعف بسبب موت ملكهم ما رأى أن يلقي بنفسه بينهم فإنه لا يعلم كيف يكون الأمر وهم إفرنج وهو أرمني فاعتصم هو عنهم في بعض قلاعه المنيعة..صورة كتاب الكايفكوس الأرمني: ولقد وصل إلى السلطان كتاب من الكايفكوس وهو مقدم الأرمن وهو صاحب قلعة الروم التي على طرف الفرات نسخة هذه ترجمتها: كتاب الداعي المخلص الكايفكوس ما أطالع به علم مولانا ومالكنا السلطان الناصر جامع كلمة الإيمان. رافع علم العدل والإحسان صلاح الدنيا والدين، سلطان الإسلام والمسلمين أدام الله إقباله، وضاعف جلاله. وصان مهجته وكمل نهاية آماله. بعظمته وجلاله. من أمر ملك الألمان وما جرى له عند ظهوره وذلك أنه أول ما خرج من دياره ودخل بلاد الهنكر غصباً غصب ملك الهنكر بالإذعان والدخول تحت طاعته وأخذ من ماله ورجاله ما اختار ثم إنه دخل أرض مقد الروم وفتح البلاد ونهبها وأقام بها وأخرج ملك الروم إلى أن أطاعه وأخذ رهائنه ولده وأخاه وأربعين نفراً من خلصائه وأخذ منه خمسين قنطاراً ذهباً وخمسين قنطاراً فضة وثياب أطلس بمبلغ عظيم واغتصب المراكب وعاد بها إلى هذا الجنب وصحبته الرهائن إلى أن دخل حدود بلاد الملك قليج أرسلان ورد الرهائن وبقي سائراً ثلاثة أيام وتركمان الأوج يلقونه بالأغنام والبقر والخيل والبضائع فداخلهم الطمع وجمعوا جموعاً من جميع البلاد ووقع القتل بين التركمان وبينه وضايقوه ثلاثة وثلاثين يوماً وهو سائر ولما قرب من قونية جمع قطب الدين ولد قليج أرسلان العساكر وقصده وضرب منه مصافاً عظيماً فظفر به ملك الألمان وكسره كسرة عظيمة وسار حتى أشرف على قونية فخرج إليه جموع عظيمة من المسلمين فردهم مكسورين وهجم على قونية بالسيف وقتل منهم عالماً عظيماً من المسلمين والفرس وأقام بها خمسة أيام فطلب منه قليج أرسلان منه الأمان فأمنه الملك واستقر بينهم قاعدة أكيدة وأخذ الملك منه رهائن عشرين من أكابر دولته وأشار على الملك أن يجعل على طرسوس والمصيصة ففعل وقبل منه وقبل وصوله إلى هذه الديار اختياراً أو كرهاً اقتضى الحال إنفاذ المملوك حلتم وصحبته ما سأل ومعه من الخواص جماعة للقاء الملك وجواب كتابه وكانت الوصية أن يمروا به على بلاد قليج أرسلان إن أمكن فلما اجتمعوا بالملك الكبير وأمادوا عليه الجواب عرفوه الأحوال بالانحراف ثم كثرت عليه العساكر والجموع ونزل على شط بعض الأنهار وأكل خبزاً ونام وانتبه فتاقت نفسه إلى الاستحمام في الماء البارد ففعل ذلك وكان من أمر الله أن تحرك عليه مرض عظيم من الماء البارد فمكث أياماً قلائل ومات، وأما ابن لاون فإنه كان سائراً يلقى الملك فلما جرى هيرا المجرى هرب الرسل من العسكر وتقدموا إليه وأخبروه في الحال فدخل في بعض حصونه واحتمى هناك. وأما ابن الملك فكان أبوه منذ توجه إلى قصد هذه الديار نصب ولده الذي معه عوضه واستقرت القاعدة وبلغه هرب رسل ابن لاون فأنفذ واستعطفهم وأحضرهم وقال إن أبي كان شيخاً كبيراً وما قصد هذه الديار إلا لأجل حج بيت المقدس وأنا الذي دبرت الملك وعاينت المشاق في هذه الطريق فمن أطاعني وإلا قصدت دياره واستعطب ابن لاون واقتضى الحال الاجتماع ضرورة، وبالجملة فهو في عدد كثير، ولقد عرض عسكره فكان اثنين وأربعين مجفجفاً وأما الرجالة فما يحصى عددهم وهم أجناس متفاوتة على قصد عظيم وحد في أمرهم وسياسة هائلة حتى أن من جنى منهم جناية فليس له جزاء إلا أن يذبح مثل الشاة، ولقد بلغهم عن بعض أكابرهم أنه جنى على غلام له وجاوز الحد في ضربه فاجتمعت القسوس للحكم فاقتضى الحال والحكم العام ذبحه وشفع إلى الملك منهم خلق عظيم فلم يلتفت إلى ذلك وذبحه وقد حرموا الملاذ على أنفسهم حتى أن من بلغه عنه بلوغ لذة هجروه وعزروه كل ذلك كان حزناً على البيت المقدس. ولقد صح عن جمع منهم أنهم هجروا الثياب مدة طويلة وحرموا ما حل ولم يلبسوا إلا الحديد حتى أنكر عليهم الأكابر ذلك وهم من الصبر على الشقاء والذل والتعب في حال عظيم. طالع المملوك بالحال وما يتجدد بعد ذلك يطالع به إن شاء الله تعالى، هذا كتاب الكايفكوس ومعنى هذا اللفظ الخليفة واسمه بر كرى كور بن باسيل..ذكر مسير العساكر إلى أطراف البلاد في طريق ملك الألمان: ولما تحقق السلطان وصول ملك الروم إلى بلاد ابن لاون وقربه إلى البلاد الإسلامية جمع أمراء دولته وأرباب الآراء وشاورهم فيما يصنع فاتفق الرأي على أن العسكر بعضه يسير إلى البلاد المتاخمة لطريق عسكر العدو الواصل وأن يقيم على منازلة العدو بباقي العسكر المنصور وكان أول من سار صاحب منبج وهو ناصر الدين بن تقي الدين ثم عز الدين بن المقدم صاحب كفر طاب وبارين وغيرهما ثم مجد الدين صاحب بعلبك ثم صاحب شيزر سابق الدين ثم الباروقية من جملة عسكر حلب ثم عسكر حماة. وسار ولده الملك الأفضل مع مرض عرض له ثم بدر الدين شحنة دمشق مع مرض عرض له أيضاً وسار بعد ذلك ولده الملك الظاهر إلى حلب لإبانة الطريق وكشفاً لأخباره وحفظاً لما يليه من البلاد وسار بعده الملك المظفر لحفظ ما يليه من البلاد وتدبير أمر العدو المجتاز، ولما سارت هذه العساكر خفت الميمنة فإن معظم من سار منها، فأمر رحمه الله الملك العادل أن ينتقل إلى منزلة تقي الدين في طرف الميمنة وكان عماد الدين زنكي في طرف الميسرة. ووقع في العسكر مرض عظيم فمرض مظفر الدين صاحب حران وشفي ومرض بعده الملك الظافر وشفي ومرض خلق كثير من الأكابر وغيرهم إلا أن المرض كان سليماً بحمد الله وكان المرض عند العدو أكثر وأعظم وكان مقروناً بموتان عظيم وأقام السلطان مصابراً على ذلك مرابطاً للعدو..ذكر تمام خبر ملك الألمان: وذلك أن ولده الذي قام مقامه مرض مرضاً عظيماً أقام بسببه بموضع من بلاد ابن لاون وأقام معه خمسة وعشرون فارساً وأربعون داوياً وجهز عسكره نحو أنطاكية حتى يقطعوا الطريق ورتبهم ثلاث فرق لكثرتهم ثم إن الفرقة الأولى اجتازت تحت قلعة بغراس بقدمها كند عظيم عندهم وأن عسكر بغراس مع قلته أخذ منهم مائتي رجل قهراً ونهباً وكبت جزء منهم بالضعف العظيم والمرض الشديد وقلة الخيل والظهر والعدد والآلات، ولما تصل هذا الخبر بالنوال في البلاد الشامية أنفذوا إليهم عسكراً يكشف أخبارهم فوقع العسكر على جمع عظيم قد خرجوا لطلب العلوفة فأغاروا عليهم غارة عظيمة وقتلوا وأسروا وكان مقدار ما أخذوه وقتلوه على ما ذكره المخبرون في الكتب زهاء خمسمائة نفس، ولقد حضرت رسالة رسول ثان من كبغا الفرس بين يدي السلطان وهو يذكر خبرهم ويقول عدد كثير لكنهم ضعاف قليلو الخيل والعدة وأكثر ثقلهم على حمر وخيل ضعيفة قال ولقد وقفت على جسر يعبرون عليه لأعتبرهم فعبر منهم جمع عظيم ما وجدت مع واحد منهم طارقة ولا رمحاً إلا النادر فسألتهم عن ذلك فقالوا أقمنا بمرج وخم أياماً فقلّ زادنا وأحطابنا وأوفدنا معظم عدننا ومات منا خلق عظيم واحتجنا إلى الخيل فذبحناها وأكلناها وأوقدنا الرماح والعدد لإعواز الحطب. وأما الكند الذي وصل إلى أنطاكية في مقدمة العسكر فإنه مات وذكر أن ابن لاون لما أحس منهم بذلك الضعف طمع فيهم حتى أنه عزم على أخذ مال الملك لمرضه وضعفه وقلة جمعه الذي تخلف معه وأن البرنس صاحب أنطاكية لما أحس منهم بذلك أرسل إلى ملك الألمان التقطه إلى أنطاكية طمعاً في أن يموت عنده ويأخذ ماله ولم تزل أخبارهم تتواتر بالضعف والمرض إلى أن وقعت وقعة العادل على طرف البحر..ذكر الوقعة العادلية: ولما كان يوم الأربعاء العشرون من جمادى الآخرة علم عدو الله أن العساكر قد تفرقت وأن الميمنة قد خفت لأن معظم من سافر كان منها يحكم قرب بلادهم من طريق العدو فأجمعوا رأيهم واتفقت كلمتهم على أنهم يخرجون بغتة ويهجمون على طرف الميمنة فجأة وتلاعبت بهم آمالهم فخرجوا ظهيرة النهار وامتدوا ميمنة وميسرة وقلباً وانبثوا في الأرض وكانوا عدداً عظيماً واستخفوا طرف الميمنة وكان فيها مخيم الملك العادل فلما بصر الناس بهم قد خرجوا في تعبية القتال صاح صائحهم وخرجوا من خيامهم كالأسود من آجامها وركب السلطان ونادى مناديه يا للإسلام وركبت الجيوش وطلبت الأطلاب ولقد رأيته رحمه الله قد ركب من خيمته وحوله نفر يسير من خواصه والناس لم يستتم ركوبهم وهو كالفاقدة ولدها. الثاكلة واحدها. ثم ضرب الكؤس وأجابته كؤسات الأمراء من أماكنها وركب الناس، وأما الإفرنج فإنهم سارعوا في القصد إلى الميمنة حتى وصلوا إلى خيمة الملك العادل ودخلوا في راقة وامتدت أيديهم في السوق وأطراف الخيم بالنهب والغارة وقيل وصلوا إلى خيمة الخاص وأخذوا من شراب خاناتها شيئاً وأما الملك العادل فإنه لما علم بذلك ركب وخرج من خيمته واستركب من يليه بالميمنة كالطواشي قايماز النجمي ومن يجراه من أسود الإسلام ووقف وقوف مخادع حتى يوغل بهم طمعهم في الخيم ويشتغلوا في النهب وكان كما ظن فإنهم عاثت أيديهم في الخيام والأقمشة والفواكه والمطاعم فلما علم اشتغالهم بذلك صاح بالناس وحمل بنفسه وحمل حملته من كان يليه عن الميمنة واتصل الأمر بجميع الميمنة حتى وصل الصائح إلى عسكر الموصل وهجموا على العدو هجمة الأسود على فريستها وأمكنهم الله منهم ووقعت الكسرة فعادوا يشتدون نحو خيامهم هاربين. وعلى أعقابهم ناكصين. وسيف الله فيهم يلتقط الأرواح من الأشباح ويفصل بين الأجساد والرؤوس. ويفرق بين الأبدان والنفوس. ولما بصر السلطان باصطلاء الحرب قد ارتفع مما يلي خيام أخيه ثارت في قلبه نار الإشفاق وحركت الحمية أخوته. وأنهضت لرغبة في نصرة دين الله والخوف على أوليائه عزيمته، وصاح صائحه في الناس يا للإسلام وأبطال الموحدين هذا عدو الله قد أمكن الله منه وقد داخله الطمع حتى غشي خيامكم بنفسه فكان من المبادرين إلى إجابة دعوته جماعة من مماليكه وخاصته وخلقته ثم طلب عسكر الموصل يقدمهم علاء الدين ثم عسكر مصر يقدمهم سنقر الحلبي وتتابعت العساكر وتجاوبت الأبطال ووقف رحمه الله في القلب خشية أن يستضعف العدو القلب بحكم ما أنفذ منه من العساكر فينال غرضاً فتواصلت العساكر واتصل الضرب وقامت سوق الحرب فلم يكن إلا ساعة حتى رأيت القوم صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية وامتدوا مطروحين من خيام الملك العادل إلى خيامهم أولهم في الخيم الإسلامية وآخرهم في خيم العدو صرعى على التلول والوهاد وسرت السيوف من دمائهم حتى رويت، وأكلت أسد الوغى بأسنان الظفر منهم حتى شبعت. وأظهر الله كلمته. وحقق لعبد نصرته. وكان مقدار ما امتد فيه القتلى فيما بين الخيامين فرسخاً وربما زاد على ذلك ولم ينج من القوم إلا النادر. ولقد خضت في تلك الدماء بدابتي واجتهدت في أن أعدهم فما قدرت على ذلك لكثرتهم وتفرقهم وشاهدت فيهم امرأتين مقتولتين وحكى لي من شاهد أربعة نسوة يقاتلن وأسر منهن اثنتان وأسر من الرجال في ذلك اليوم نفر يسير فإن السلطان كان أمر الناس أن لا يستبقوا أحداً هذا كله في الميمنة وبعض القلب وأما الميسرة فما اتصل الصائح بهم إلا وقد تجز الأمر وقضى القضاء على العدو ما بين الظهر والعصر فإن العدو ظهر في قائم الظهيرة وانفصلت الحرب بعد صلاة العصر وانكسر القوم حتى دخلت طائفة من المسلمين وراءهم إلى مخيمهم على ما قيل ولم يفقد من المسلمين أحد في ذلك اليوم سوى عشرة أنفس غير معروفين. ولما أحس جند الله بعكا بما جرى من الوقعة فإنهم كانوا يشاهدون الوقعة من أعالي السور خرجوا إلى مخيم العدو وجرت بينهم مقتلة عظيمة وكانت النصرة للمسلمين بحيث هجموا على خيام العدو ونهبوا منها جمعاُ من النسوان والأقمشة حتى القدور فيها الطعام ووصل كتاب من المدينة يخبر بذلك وكان يوماً على الكافرين عسيراً واختلف الناس في عدد القتلى منهم فذكر قوام أنهم ثمانية آلاف. ولق شاهدت منهم خمسة صفوف أولها في خيم العادل وآخرها في خيم العدو لقد لقيت إنساناً جنديًّا عاقلاً جنديًّا يسعى بين صفوف القتلى ويعدهم فقلت له كم عددت فقال لي ها هنا أربعة آلاف ونيف وستون قتيلاً وكان قد عد صفين وهو في الصف الثالث لكن ما مضى من الصفوف كان أكثر عدداً من الباقي وانجلى يوم الأربعاء المذكور بأحسن ما ينجلي عنه الإسلام ولما كان يوم الخميس الحادي والعشرون من جمادى المذكورة ورد في عصره نجاب من حلب له خمسة أيام يتضمن كتابه أن جماعة عظيمة من العدو الشمالي خرجوا لنهب أطراف البلاد الإسلامية ونهض العسكر الإسلامي من حلب إليهم وأخذ عليهم الطريق ولم ينج منهم إلا من شاء الله وكان وقع هذه الواقعة المباركة واقعاً عظيماً وضربت البشائر ولم ير صبيحة لتلك العروس أحسن من هذه الصبيحة. وجاءنا بقية ذلك اليوم من اليزك قايماز الحراني وذكر أن العدو قد سأل من جانب السلطان من يصل إليهم ليسمع منه حديثاً في سؤال الصلح لضعف حل بهم ولم يزل عدو الله من حينه مكسور الجناح من الجانبين حتى وصلهم كند يقال له كندهري.ندياً عاقلاً جندياً يسعى بين صفوف القتلى ويعدهم فقلت له كم عددت فقال لي ها هنا أربعة آلاف ونيف وستون قتيلاً وكان قد عد صفين وهو في الصف الثالث لكن ما مضى من الصفوف كان أكثر عدداً من الباقي وانجلى يوم الأربعاء المذكور بأحسن ما ينجلي عنه الإسلام ولما كان يوم الخميس الحادي والعشرون من جمادى المذكورة ورد في عصره نجاب من حلب له خمسة أيام يتضمن كتابه أن جماعة عظيمة من العدو الشمالي خرجوا لنهب أطراف البلاد الإسلامية ونهض العسكر الإسلامي من حلب إليهم وأخذ عليهم الطريق ولم ينج منهم إلا من شاء الله وكان وقع هذه الواقعة المباركة واقعاً عظيماً وضربت البشائر ولم ير صبيحة لتلك العروس أحسن من هذه الصبيحة. وجاءنا بقية ذلك اليوم من اليزك قايماز الحراني وذكر أن العدو قد سأل من جانب السلطان من يصل إليهم ليسمع منه حديثاً في سؤال الصلح لضعف حل بهم ولم يزل عدو الله من حينه مكسور الجناح من الجانبين حتى وصلهم كند يقال له كندهري.
|