الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)
.شهر جمادى الثانية سنة 1234: وفي هذا الشهر حصل بعض موت بالطاعون فداخل الناس وهم بسبب ما حدث في أكابر الدولة والنصارى من التحجب وعمل الكورنتينات وهي التباعد من الملامسة وتبخير الأوراق والمجالس ونحو ذلك. .شهر رجب سنة 1234: وفي سابعه، حضر إلى مصر حاكم يافا المعروف بمحمد بك أبو نبوت معزولاً عن ولايته فأرسل إلى الباشا يستأذنه في الحضور إلى مصر فأطلق له الإذن فحضر فأنزله بقصر العيني وصحبته نحو الخمسمائة مملوك وأجناد وأتباع واجتمع بالباشا وأجله وسلم عليه وأقام معه حصة من الليل ورتب له مرتباً عظيماً وعين له ما يقوم بكفايته وكفاية أتباعه فمن جملة ما رتب له ثلاثة آلاف تذكرة كل تذكرة بألفين وستمائة نصف فضة في كل شهر وذلك خلاف المعين واللوازم من السمن والخبز والسكر والعسل والحطب والأرز والفحم والشمع والصابون فمن الأرز خاصة في كل يوم أردبان وللعليق خمسة وعشرون أردباً في كل يوم. وفي يوم السبت ثالث عشره، سافر قهوجي باشا عائداً إلى إسلامبول واحتفل به الباشا احتفالاً زائداً وقدم له ولمخدومه وأرباب الدولة من الأموال والهدايا والخيول والبن والأرز والسكر والشربات وتعابي الأقمشة الهندية وغيرها شيئاً كثيراً، وكذلك قدم له أكابر الدولة هدايا كثيرة ولأنه لما حضر إلى مصر قدم لهم هدايا فقابلوه بأضعافها وعندما سافر احتجب الباشا وأمر كل من كان يلازم ديوانه بالإنصراف والتحجب فتكرتن منهم من تكرتن في داره ومنهم في القصور وسافر مع قهوجي باشا سليمان آغا السلحدار وشربتشي باشا وآخرون لتشييعه إلى الإسكندرية. وفي يوم الخميس ثامن عشره حضر بواقي الوهابية بحريمهم وأولادهم وهم نحو الأربعمائة نسمة وأسكنوا بالقشلة التي بالأزبكية وابن عبد الله ابن مسعود بدر جامع مسكة وخواصه من غير حرج عليهم وطفقوا يذهبون ويجيئون ويترددون على المشايخ وغيرهم ويمشون في الأسواق ويشترون البضائع والاحتياجات. .شهر شعبان سنة 1234: وفيه صرفوا الفلاحين عن العمل في الترعة لأجل حصاد الزرع ووجهوا عليهم طلب المال. .شهر رمضان سنة 1234: وفي ثامن عشرينه طلع إلى القلعة وعيد بها. .شهر شوال سنة 1234: وفي سابع عشرينه، ارتحل ركب الحجاج من البركة وأمير الحاج عابدين بك أخو حسن باشا. .شهر ذي القعدة سنة 1234: .شهر ذي الحجة سنة 1234: وفيه وصل الخبر بموت سليمان باشا حاكم عكا وهو من مماليك أحمد باشا الجزار. وفي أواخره وصل ابن إبراهيم باشا وصحبته حريم أبيه فضربوا لوصولهم مدافع وعملوا للصغير موكباً ودخل من باب النصر وشق من وسط المدينة. وانقضت السنة وما تجدد بها من الحوادث التي منها زيادة النيل الزيادة المفرطة أكثر من العام الماضي وهذا من النوادر وهو الغرق في عامين متتابعين واستمر أيضاً في هذه السنة إلى منتصف هاتور حتى فات أوان الزراعة وربما نقص قليلاً، ثم يرجع في ثاني يوم أكثر ما نقص. .سنة خمس وثلاثين ومائتين وألف: .شهر المحرم سنة 1235: وفي سابع عشرينه، حضر الباشا من الصعيد بعد أن وصل في سرحته إلى الشلال وكان الناس تقولوا على ذهابه إلى قبلي أقاويل منها أنه يريد التجريد على بواقي المصريين المنقطعين بدنقلة فإنهم استفحل أمرهم واستكثروا من شراء العبيد وصنعوا البارود والمدافع وغير ذلك ومنها أنه يريد التجريد أيضاً وأخذ بلاد دارفور والنوبة ويمهد طريق الوصول إليها ومنها أنهم قالوا أنه ظهر بتلك البلاد معدن الذهب والفضة والرصاص والزمرد وأن ذهابه للكشف على ذلك وامتحانه وعمل معدله ومقدار ما يصرف عليه حتى يستخرج صافيه وبطل كل ما توهموه وخمنوه برجوعه وأما قولهم عن هذه المعادن فالذي تلخص من ذلك أنه ظهر بأرض أحجار خضر تشبه الزمرد وليست إياه وبمكان آخر شيء أسود مخرفش مثل خرء الحديد يخرج منه بعد العلاج والتصفية رصاص قليل فقد أخبرني أخونا الشيخ عمر الناوي المعروف بالمخلصي أنه أخذ منه قطعة وذهب بها إلى الصائغ ودقها ووضعها في بوط كبير وساق عليها بنار السبك وانكسر البوط فنقلها إلى بوط آخر، ولم يزل يعالجها بطول النهار وأحرق عليها زيادة عن القنطار من الفحم. وفيه حضر أيضاً جماعة من الوهابية وأنزلوا بدار بحارة عابدين. .شهر صفر سنة 1235: وفيه وصل جماعة من عسكر المغاربة والعرب الذين كانوا ببلاد الحجاز وصحبتهم أسرى من الوهابية نساء وبنات وغلماناً نزلوا عند الهمايل وطفقوا يبيعونهم على من يشتريهم مع أنهم مسلمون وأحرار. وفي منتصفه مات مصطفى آغا وكيل دار السعادة سابقاً ومات أيضاً الشيخ عبد الرحمن القرشي الحنفي. وفي سابع عشره وصل الحاج المصري ومات الكثير من الناس فيه بالحمى وكثرت الحمى بأرض مصر وكأنها تناقلت من أرض الحجاز. وفي حادي عشرينه، وصل إبراهيم باشا ابن الباشا من ناحية القصير وكان قبل وروده بأيام وصل خبر وصوله إلى القصير وضربوا لذلك الخبر مدافع من القلعة وغيرها ورمحت المبشرون لأخذ البقاشيش من الأعيان واجتمعت نساء أكابرهم عند والدته ونسائهم للتهنئة ونظموا له القصر الذي كان أنشأه ولي خوجه وتممه شريف بك الذي تولى في منصبه وهو بالروضة بشاطئ النيل تجاه الجيزة وعند وصول المذكور عملوا جسراً من الروضة إلى ساحل مصر القديمة على مراكب من البر إلى البر وردموه بالأتربة من فوق الأخشاب. وفي ذلك اليوم، وصل قابجي من دار السلطنة بالبشارة بمولود ولد لحضرة السلطان وطلع إلى القلعة في موكب. وفي يوم الخميس حادي عشرينه، عند وصول إبراهيم باشا نودي بزينة المدينة سبعة أيام بلياليها فشرع الناس في تزيين الحوانيت والدور والخانات بما أمكنهم وقدروا عليه من الملونات والمقصبات وأما جهات النصارى وحاراتهم وخاناتهم فإنهم أبدعوا في عمل تصاوير مجسمات وتماثيل وأشكال غريبة وشكا الناس من عدم وجود الزيت والشيرج فرسموا بجملة قناطير شيرج تعطى للزياتين لتباع على الناس بقصد ذلك ويأخذونها ويبيعونها بأغلى ثمن بعد الإنكار والكتمان. ولما أصبح يوم الجمعة وقد عدى إبراهيم باشا إلى بر مصر رتبوا له موكباً ودخل من باب النصر وشق المدينة وعلى رأسه الطلخان السليمي من شعار الوزارة وقد أرخى لحيته بالحجاز وحضر والده إلى جامع الغورية بقصد الفرجة على موكب ابنه وطلع بالموكب إلى القلعة، ثم رجع سائراً بالهيئة الكاملة إلى جهة مصر القديمة ومر على الجسر وذهب إلى قصره المذكور بالروضة واستمرت الزينة والوقود والسهر بالليل وعمل الحراقات وضرب بالمدافع في كل وقت من القلعة ومغاني وملاعب في مجامع الناس سبعة أيام بلياليها في مصر الجديدة والقديمة وبولاق وجميع الأخطاط ورجع إبراهيم باشا من هذه الغيبة متعاظماً في نفسه جداً وداخله من الغرور ما لا مزيد عليه حتى أن المشايخ لما ذهبوا للسلام عليه والتهنئة بالقدوم، فلما أقبلوا عليه وهو جالس في ديوانه لم يقم لهم، ولم يرد عليهم السلام فجلسوا وجعلوا يهنئونه بالسلامة، فلم يجبهم ولا بالإشارة بل جعل يحادث شخصاً سخرية عنده وقاموا على مثل ذلك منصرفين ومنكسفين ومنكسري الخاطر. .شهر ربيع الأول سنة 1235: وفي أواخره انقضى أمر الحفر بترعة الإسكندرية، ولم يبق من الشغل إلا القليل ثم فتحوا لها شرماً خلاف فمها المعمول خوفاً من غلبة البحر فجرى فيها الماء واختلط بالمياه المالحة التي نبعت من أرضها وعلا الماء منها على بعض المواطن المسجنة وبها روبة عظيمة وساح على الأرض وليس هناك جسور تمنع وصادف أيضاً وقوع نوة وأهوية علا فيها البحر المالح على الجسر الكبير ووصل إلى الترعة فأشيع في الناس أن الترعة فسد أمرها ولم تصح وأن المياه المالحة التي منها ومن البحر غرقت الإسكندرية وخرج أهلها منها إلى أن تحقق الخبر بالواقع وهو دون ذلك ورجع المهندسون والفلاحون إلى بلادهم بعد ما هلك معظمهم. .شهر ربيع الثاني سنة 1235: وفي سابعه، سافر الباشا إلى الإسكندرية للكشف على الترعة وسافر صحبته ابنه إبراهيم باشا ومحمد بك الدفتردار والكتخدا القديم ودبوس أوغلي. وفي ثالث عشره، حضر الباشا ومن معه من غيبتهم وقد انشرح خاطره لتمام الترعة وسلوك المراكب وسفرها فيها وكذلك سافرت فيها مراكب رشيد والنقاير بالبضائع واستراحوا من وعر البغاز والسفر في المالح إلى الإسكندرية والنقل والتجريم وانتظار الريح المناسب لاقتحام البغاز والبحر الكبير ولم يبق في شغل الترعة إلا الأمر اليسير وإصلاح بعض جسورها واتفق وقوع حادثة في هذا الشهر وهو أن شخصاً من الإفرنج الإنكليز ورد من الإسكندرية وطلع إلى بلدة تسمى كفر حشاد فمشى بالغيط ليصطاد الطير فضرب طيراً ببندقته فأصابت بعض الفلاحين في رجله وصادف هناك شخصاً من الأرنؤد بيدده هراوة أو مسوقة فجاء إلى ذلك الإفرنجي وقال له أما تخشى أن يأتي إليك بعض الفلاحين ويضربك على رأسك هكذا وأشار بما في يده على رأس الإفرنجي لكونه لا يفهم لغته فاغتاظ من ذلك الإفرنجي وضربه ببندقته فسقط ميتاً فاجتمع عليه الفلاحون وقبضوا على الإفرنجي ورفعوا الأرنؤدي المقتول وحضروا إلى مصر وطالبوا بمجلس كتخدا بك واجتمع الكثير من الأرنؤد وقالوا لا بد من قتل الإفرنجي فاستعظم الكتخدا ذلك لأنهم يراعون جانب الإفرنج إلى الغاية فقال حتى نرسل إلى القناصل ونحضرهم ليروا حكمهم في ذلك فأرسل بإحضارهم وقد تكاثر الأرنؤد وأخذتهم الحمية وقالوا لأي شيء تؤخر قتله إلى مشورة القناصل وإن لم يقتل هذا في الوقت نزلنا إلى حارة الإفرنج ونهبناها وقتلنا كل من بها من الإفرنج فلم يسع الكتخدا إلا أن أمر بقتله فنزلوا به إلى الرميلة وقطعوا رأسه وطلع أيضاً القناصل في كبكبتهم وقد نفذ الأمر وكان ذلك في غيبة الباشا. .شهر جمادى الأولى سنة 1235: وفيه قوي عزم الباشا على الآغارة على نواحي السودان فمن قائل أنه متوجه إلى سنار ومن قائل إلى دار فور وساري العسكر ابنه إسماعيل باشا وخلافه ووجه الكثير من اللوازم إلى الجهة القلية وعمل البقسماط والذخيرة ببلاد قبلي والشرقية واهتم اهتماماً عظيماً وأرسل أيضاً بإحضار مشايخ العربان والقبائل. وفيه خرج الباشا إلى ناحية القليوبية حيث الخيول بالربيع وخرج محو بك لضيافته بقلقشنده وأخرج خياماً وجمالاً كثيرة محملة بالفرش والنحاس وآلات المطبخ والأرز والسمن والعسل والزيت والحطب والسكر وغير ذلك وإضافة ثلاثة أيام وكذلك تأمر كاشف الناحية وغيره وكذلك أحضر له ضيافة ابن شديد شيخ الحويطات وابن الشواربي كبير قليوب وابن عسر وكان صحبة الباشا ولداه إبراهيم باشا وإسماعيل باشا وحسن باشا. وفي أثناء ذلك ورد الهبر بموت عابدين بك أخو حسن باشا بالديار الحجازية وكذلك الكثير من أتباعه بالحمى فتكدر حظهم وبطلت الضيافات وحضر الباشا ومن معه في أواخره لعمل العزاء والميتم وأخبر الواردون بكثرة الحمى بالديار الحجازية حتى قالوا أنه لم يبق من طائفة عابدين بك إلا القليل جداً.
|