الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ}، وَيَسْأَلُكَ يَا مُحَمَّدُ أَصْحَابُكَ عَنِ الْحَيْضِ. وَقِيلَ: “ الْمَحِيضُ “، لِأَنَّ مَا كَانَ مِنَ الْفِعْلِ مَاضِيهِ بِفَتْحِ عَيْنِ الْفِعْلِ، وَكَسْرِهَا فِي الِاسْتِقْبَالِ، مِثْلُ قَوْلِ الْقَائِلِ: “ ضَرَبَ يَضْرِبُ، وَحَبَسَ يَحْبِسُ، وَنَزَلَ يَنْزَلَ “، فَإِنَّ الْعَرَبَ تَبْنِي مَصْدَرَهُ عَلَى “ الْمَفْعَلِ “ وَالِاسْمَ عَلَى “ الْمَفْعِلِ “، مِثْلَ “ الْمَضْرَبِ، وَالْمَضْرِبِ “ مَنْ “ ضَرَبْتُ“، “ وَنَزَلَتْ مَنَزَلًا وَمَنْزِلًا". وَمَسْمُوعٌ فِي ذَوَاتِ الْيَاءِ وَالْأَلِفِ وَالْيَاءِ، “ الْمَعِيشُ وَالْمَعَاشُ “ وَ“ الْمَعِيبُ وَالْمَعَابُ “، كَمَا قَالَ رُؤْبَةٌ فِي الْمَعِيشِ: إلَيْكَ أَشْكُو شِدَّةَ الْمَعِيشِ *** وَمَرَّ أَعْوَامٍ نَتَفْنَ رِيشِي وَإِنَّمَا كَانَ الْقَوْمُ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا ذُكِرَ لَنَا- عَنِ الْحَيْضِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ بَيَانِ اللَّهِ لَهُمْ مَا يَتَبَيَّنُونَ مِنْ أَمْرِهِ، لَا يُسَاكِنُونَ حَائِضًا فِي بَيْتٍ، وَلَا يُؤَاكِلُونَهُنَّ فِي إِنَاءٍ وَلَا يُشَارِبُونَهُنَّ. فَعَرَّفَهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ، أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ حَيْضِ نِسَائِهِمْ أَنْ يَجْتَنِبُوا جِمَاعَهُنَّ فَقَطْ، دُونَ مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ مُضَاجَعَتِهِنَّ وَمُؤَاكَلَتِهِنَّ وَمُشَارَبَتِهِنَّ، كَمَا:- حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} حَتَّى بَلَغَ: “ حَتَّى يَطْهُرْنَ “ فَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ لَا تُسَاكِنُهُمْ حَائِضٌ فِي بَيْتٍ، وَلَا تُؤَاكِلُهُمْ فِي إِنَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي ذَلِكَ، فَحَرَّمَ فَرْجَهَا مَا دَامَتْ حَائِضًا، وَأَحَلَّ مَا سِوَى ذَلِكَ أَنْ تَصْبُغَ لَكَ رَأْسَكَ، وَتُؤَاكِلَكَ مِنْ طَعَامِكَ، وَأَنْ تُضَاجِعَكَ فِي فِرَاشِكَ، إِذَا كَانَ عَلَيْهَا إِزَارٌ مُحْتَجِزَةً بِهِ دُونَكَ. حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ مَثَلَهُ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُمْ سَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي أَيَّامِ حَيْضِهِنَّ يَجْتَنِبُونَ إِتْيَانَهُنَّ فِي مَخْرَجِ الدَّمِ، وَيَأْتُونَهُنَّ فِي أَدْبَارِهِنَّ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ أَنْ يَقْرَبُوهُنَّ فِي أَيَّامِ حَيْضِهِنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ- إِذَا تَطَهَّرْنَ مِنْ حَيْضِهِنَّ- فِي إِتْيَانِهِنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ بِاعْتِزَالِهِنَّ، وَحَرَّمَ إِتْيَانَهُنَّ فِي أَدْبَارِهِنَّ بِكُلِّ حَالٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا خُصَيْفٌ قَالَ: حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ قَالَ: (كَانُوا يَجْتَنِبُونَ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَيَأْتُونَهُنَّ فِي أَدْبَارِهِنَّ، فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} إِلَى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}- فِي الْفَرْجِ لَا تُعِدُّوه). وَقِيلَ: إِنَّ السَّائِلَ الَّذِي سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ ثَابِتَ بْنَ الدَّحْدَاحِ الْأَنْصَارِيَّ. حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ أَذًى}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: قُلْ لِمَنْ سَأَلَكَ مِنْ أَصْحَابِكَ يَا مُحَمَّدُ عَنِ الْمَحِيضِ: {هُوَ أَذًى}. “ وَالْأَذَى “ هُوَ مَا يُؤْذَى بِهِ مِنْ مَكْرُوهٍ فِيهِ. وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يُسَمَّى “ أَذًى “ لِنَتَنِ رِيحِهِ وَقَذَرِهِ وَنَجَاسَتِهِ، وَهُوَ جَامِعٌ لِمَعَانٍ شَتَّى مِنْ خِلَالِ الْأَذَى غَيْرِ وَاحِدَةٍ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْبَيَانِ عَنْ تَأْوِيلِ ذَلِكَ، عَلَى تَقَارُبِ مَعَانِي بَعْضِ مَا قَالُوا فِيهِ مِنْ بَعْضٍ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ: {قُلْ هُوَ أَذًى}، قُلْ هُوَ قَذَرٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ قَوْلَهُ: {قُلْ هُوَ أَذًى}، قَالَ: أَمَّا “ أَذًى “ فَقَذَرٌ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {قُلْ هُوَ أَذًى}، قَالَ: {قُلْ هُوَ أَذًى}، قَالَ: قَذَرٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: قُلْ هُوَ دَمٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمِّلٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى}، قَالَ: الْأَذَى الدَّمُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}، فَاعْتَزَلُواجِمَاعَ النِّسَاءِ وَنِكَاحَهُنَّ فِي مَحِيضِهِنَّكَمَا:- حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}، يَقُولُ: اعْتَزَلُوا نِكَاحَ فُرُوجِهِنَّ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيالَّذِي يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ اعْتِزَالُهُ مِنَ الْحَائِضِ. فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْوَاجِبُ عَلَى الرَّجُلِ اعْتِزَالُ جَمِيعَ بَدَنِهَا أَنْ يُبَاشِرَهُ بِشَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: قُلْتُ لِعُبَيْدَةَ: مَا يَحِلُّ لِي مِنِ امْرَأَتِي إِذَا كَانَتْ حَائِضًا؟ قَالَ: الْفِرَاشُ وَاحِدٌ، وَاللِّحَافُ شَتَّى. حَدَّثَنِي تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْنُدْبَةَ مَوْلَاةِ آلِ عَبَّاسٍقَالَتْ: بَعَثَتْنِيمَيْمُونَةُ ابْنَةُ الْحَارِثِ- أَوْ: حَفْصَةُ ابْنَةُ عُمَرَ- إِلَى امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَكَانَتْ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ، فَوَجَدْتُ فِرَاشَهَا مُعْتَزِلًا فِرَاشَهُ، فَظَنَّتْ أَنَّ ذَلِكَ عَنِ الْهُجْرَانِ، فَسَأَلَتْهَا عَنِ اعْتِزَالِ فَرَّاشِهِ فِرَاشَهَا، فَقَالَتْ: إِنِّي طَامِثٌ، وَإِذَا طَمَثْتُ اعْتَزَلَ فَرَاشِي. فَرَجَعْتُ فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَمَيْمُونَةَ- أَوْحَفْصَةَ- فَرَدَّتْنِي إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ تَقُولُ لَكَ أُمُّكَ: أَرَغِبْتَ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ! فَوَاللَّهِ لَقَدْ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ مَعَ الْمَرْأَةِ مِنْ نِسَائِهِ وَإِنَّهَا لِحَائِضٌ، وَمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ثَوْبٌ مَا يُجَاوِزُ الرُّكْبَتَيْن). حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ وَابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: قُلْتُ لِعُبَيْدَةَ: مَا لِلرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ إِذَا كَانَتْ حَائِضًا؟ قَالَ: الْفِرَاشُ وَاحِدٌ وَاللِّحَافُ شَتَّى، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا مِنْ ثَوْبِهِ رَدَّ عَلَيْهَا مِنْهُ. وَاعْتَلَّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَمَرَ بِاعْتِزَالِ النِّسَاءِ فِي حَالِ حَيْضِهِنَّ، وَلَمْ يَخْصُصْ مِنْهُنَّ شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ، وَذَلِكَ عَامٌّ عَلَى جَمِيعِ أَجْسَادِهِنَّ، وَاجِبٌ اعْتِزَالُ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَبْدَانِهِنَّ فِي حَيْضِهِنَّ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِاعْتِزَالِهِ مِنْهُنَّ مَوْضِعُ الْأَذَى، وَذَلِكَ مَوْضِعُ مُخْرِجِ الدَّمِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُيَيْنَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَوْشَنَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ الْأَصْفَرُ عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ الْأَجْدَعِ قَالَ: قُلْتُلِ عَائِشَة: مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ إِذَا كَانَتْ حَائِضًا؟ قَالَتْ: كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْجِمَاعَ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذَكَرَ لَنَا عَنْ عَائِشَة أنَّهَا قَالَتْ: وَأَيْنَ كَانَ ذُو الْفِرَاشَيْنِ وَذُو اللِّحَافَيْنِ؟! حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قُلْتُلِ عَائِشَة: مَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ إِذَا كَانَتْ حَائِضًا؟ قَالَتْ: فَرْجُهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ كِتَابِ أَبِي قِلَابَةَ: أَنَّ مَسْرُوقًا رَكِبَ إِلَى عَائِشَة فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ. فَقَالَتْ عَائِشَة: أَبُو عَائِشَة ! مَرْحَبًا! فَأَذِنُوا لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكِ عَنْ شَيْءٍ وَأَنَا أَسْتَحْيِي! فَقَالَتْ: إِنَّمَا أَنَا أُمُّكَ وَأَنْتَ ابْنِي! فَقَالَ: مَا لِلرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَتْ لَهُ: كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا فَرْجَهَا. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ عَائِشَة قالَتْ: لَهُ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ: أَنْ عَائِشَة قالَتْ فِي مُضَاجَعَةِ الْحَائِضِ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا كَانَ عَلَيْهَا إِزَارٌ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبٍ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَة: مَا لِلرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ إِذَا كَانَتْ حَائِضًا؟ فَقَالَتْ: كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْفَرْجَ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا جَعَلَتِ الْحَائِضُ عَلَى فَرْجِهَا ثَوْبًا أَوْ مَا يَكُفُّ الْأَذَى، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاشِرَ جِلْدَهَا زَوْجُهَا. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ سُئِلَ: مَا لِلرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ إِذَا كَانَتْ حَائِضًا؟ قَالَ: مَا فَوْقَ الْإِزَارِ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اتَّقِ مِنَ الدَّمِ مِثْلَ مَوْضِعِ النَّعْلِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَقَالَتْ فِي مُضَاجَعَةِ الْحَائِضِ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا كَانَ عَلَى فَرْجِهَا خِرْقَةٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدٍِ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِقَالَ: لِلرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا الْفَرْجَ- يَعْنِي وَهِيَ حَائِضٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ عَوْفٍ عَنِ الْحَسَنِقَالَ: يَبِيتَانِ فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ- يَعْنِي الْحَائِضَ- إِذَا كَانَ عَلَى الْفَرَجِ ثَوْبٌ. حَدَّثَنَا تَمِيمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ لَيْثٍ قَالَ: تَذَاكَرْنَا عِنْدَ مُجَاهِدٍ الرَّجُلَ يُلَاعِبُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، قَالَ: اطْعَنْ بِذَكَرِكَ حَيْثُ شِئْتَ فِيمَا بَيْنُ الْفَخْذَيْنِ وَالْأَلْيَتَيْنِ وَالسُّرَّةِ، مَا لَمْ يَكُنْ فِي الدُّبُرِ أَوِ الْحَيْضِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ قَالَ: يُبَاشِرُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: إِذَا كَفَّتِ الْأَذَى. حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ حُدَيْرٍ قَالَ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ، كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْحَائِضِ لَكَ حَلَالٌ غَيْرُ مَجْرَى الدَّمِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَعِلَّةُ قَائِلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، قِيَامُ الْحُجَّةِ بِالْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُبَاشِرُ نِسَاءَهُ وَهُنَّ حُيَّضٌ وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ اعْتِزَالَ جَمِيعِهِنَّ، لَمَا فَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ. فَلَمَّا صَحَّ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، عُلِمَ أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}، هُوَ اعْتِزَالُ بَعْضِ جَسَدِهَا دُونَ بَعْضٍ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ هُوَ الْجِمَاعُ الْمَجْمَعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ عَلَى الزَّوْجِ فِي قُبُلِهَا، دُونَ مَا كَانَ فِيهِ اخْتِلَافٌ مِنْ جُمَّاعِهَا فِي سَائِرِ بَدَنِهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِاعْتِزَالِهِ مِنْهُنَّ فِي حَالِ حَيْضِهِنَّ، مَا بَيْنَ السُّرَّةِ إِلَى الرُّكْبَةِ، وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ وَدُونَهُ مِنْهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سَيْرَيْنِ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: لَهُ مَا فَوْقَ السُّرَّةِ- وَذِكْرُ الْحَائِضِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو السَّائِبِ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ الْحَائِضِ: مَا لِزَوْجِهَا مِنْهَا؟ فَقَالَ: مَا فَوْقَ الْإِزَارِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ وَابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ قَالَ: قَالَ شُرَيْحٌ: لَهُ مَا فَوْقَ سُرَّتِهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سُئِلَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: مَا لِلرَّجُلِ مِنَ الْحَائِضِ؟ قَالَ: مَا فَوْقَ الْإِزَارِ. وَعِلَّةُ مِنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، صِحَّةُ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا: حَدَّثَنِي بِهِ ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ وَحَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ قَالَ: سَمِعْتُ مَيْمُونَةَ تَقُولُ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَهِيَ حَائِضٌ، أَمَرَهَا فَأْتَزَرَت). حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ مَيْمُونَةَ: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُبَاشِرُهَا وَهِيَ حَائِضٌ فَوْقَ الْإِزَار). حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَة قالَتْ: (كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا، أَمَرَهَا فَأْتَزَرَتْ بِإِزَارٍ ثُمَّ يُبَاشِرُهَا). حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَة قالَتْ: (كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا أَمْرَهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَأْتَزِرَ، ثُمَّ يُبَاشِرَهَا). وَنَظَائِرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي يَطُولُ بِاسْتِيعَابِ ذَكَرِ جَمِيعِهَا الْكِتَابُ قَالُوا: فَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ فَجَائِزٌ، وَهُوَمُبَاشَرَةُ الْحَائِضِمَا دُونُ الْإِزَارِ وَفَوْقَهُ، وَذَلِكَ دُونَ الرُّكْبَةِ وَفَوْقَ السُّرَّةِ، وَمَا عَدَّا ذَلِكَ مِنْ جَسَدِ الْحَائِضِ فَوَاجِبٌ اعْتِزَالُهُ، لِعُمُومِ الْآيَةِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ لِلرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ مَا فَوْقَ الْمُؤْتَزَرِ وَدُونَهُ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْعِلَّةِ لَهُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ. فَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ: “ حَتَّى يَطْهُرْنَ “ بِضَمِّ “ الْهَاءِ “ وَتَخْفِيفِهَا. وَقَرَأَهُ آخَرُونَ بِتَشْدِيدِ “ الْهَاءِ “ وَفَتْحِهَا. وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوهُ بِتَخْفِيفِ “ الْهَاءِ “ وَضَمِّهَا، فَإِنَّهُمْ وَجَّهُوا مَعْنَاهُ إِلَى: وَلَا تَقْرَبُوا النِّسَاءَ فِي حَالِ حَيْضِهِنَّ حَتَّى يَنْقَطِعَ عَنْهُنَّ دَمُ الْحَيْضِ وَيَطْهُرْنَ. وَقَالَ بِهَذَا التَّأْوِيلِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ وَمُؤَمِّلٌ قَالَا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}، قَالَ: انْقِطَاعُ الدَّمِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ سُفْيَانَ- أَوْ عُثْمَانَ بْنَ الْأَسْوَدِ-: “ وَلَا {تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}، حَتَّى يَنْقَطِعَ الدَّمُ عَنْهُنَّ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ الْعَتَكِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: “ وَلَا {تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}، قَالَ: حَتَّى يَنْقَطِعَ الدَّمُ. وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِتَشْدِيدِ “ الْهَاءِ “ وَفَتْحِهَا، فَإِنَّهُمْ عَنَوْا بِهِ: حَتَّى يَغْتَسِلْنَ بِالْمَاءِ. وَشَدَّدُوا “ الطَّاءَ “ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: مَعْنَى الْكَلِمَةِ: حَتَّى يَتَطَهَّرْنَ، أُدْغِمَتْ “ التَّاءُ “ فِي “ الطَّاءِ “ لِتَقَارُبِ مُخْرِجِيهِمَا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: (حَتَّى يَطَّهَّرْنَ) بِتَشْدِيدِهَا وَفَتْحِهَا، بِمَعْنَى: حَتَّى يَغْتَسِلْنَ- لِإِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّحَرَامًا عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَقْرَبَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ انْقِطَاعِ دَمِ حَيْضِهَا حَتَّى تُطَهَّرَ. وَإِنَّمَا اخْتُلِفَ فِي “ التَّطَهُّرِ “ الَّذِي عَنَاهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ـ، فَأَحَلَّ لَهُ جِمَاعَهَا. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الِاغْتِسَالُ بِالْمَاءِ، لَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا أَنْ يَقْرَبَهَا حَتَّى تَغْسِلَ جَمِيعَ بَدَنِهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْوُضُوءُ لِلصَّلَاةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ غَسْلُ الْفَرْجِ، فَإِذَا غَسَلَتْ فَرْجَهَا، فَذَلِكَ تَطَهَرُهَا الَّذِي يَحِلُّ بِهِ لِزَوْجِهَا غِشْيَانُهَا. فَإِذَا كَانَ إِجْمَاعٌ مِنَ الْجَمِيعِ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِزَوْجِهَا بِانْقِطَاعِ الدَّمِ حَتَّى تَطْهَرَ، كَانَ بَيِّنًا أَنَّ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ أَنْفَاهُمَا لِلَّبْسِ عَنْ فَهْمِ سَامِعِهَا. وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي اخْتَرْنَا، إِذْ كَانَ فِي قِرَاءَةِ قَارِئِهَا بِتَخْفِيفِ “ الْهَاءِ “ وَضَمِّهَا، مَا لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ اللَّبْسُ عَلَى سَامِعِهَا مِنَ الْخَطَأِ فِي تَأْوِيلِهَا، فَيَرَى أَنَّ لِزَوْجِ الْحَائِضِ غِشْيَانَهَا بَعْدَ انْقِطَاعِ دَمِ حَيْضِهَا عَنْهَا، وَقَبْلَ اغْتِسَالِهَا وَتَطَهُّرِهَا. فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إذًا: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى، فَاعْتَزَلُوا جِمَاعَ نِسَائِكُمْ فِي وَقْتِ حَيْضِهِنَّ، وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَغْتَسِلْنَ فَيَتَطَهَّرْنَ مِنْ حَيْضِهِنَّ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ}، فَإِذَا اغْتَسَلْنَ فَتَطَهَّرْنَ بِالْمَاءِ فَجَامِعُوهُنَّ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَفَفَرَضَ جِمَاعَهُنَّ حِينَئِذٍ؟ قِيلَ: لَا. فَإِنْ قَالَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ إذًا: {فَأَتَوْهُنَّ}؟ قِيلَ: ذَلِكَ إِبَاحَةُ مَا كَانَ مَنَعَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ جِمَاعِهِنَّ، وَإِطْلَاقٌ لِمَا كَانَ حَظَرَ فِي حَالِ الْحَيْضِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [سُورَةَ الْمَائِدَةِ: 2]، وَقَوْلُهُ: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [سُورَةَ الْجُمُعَةَ: 10]، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ، فَإِذَا اغْتَسَلْنَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوَمَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: “ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ “ يَقُولُ: فَإِذَا طَهُرَتْ مِنَ الدَّمِ وَتَطَهَّرَتْ بِالْمَاءِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ مَهْدِيٍّ وَمُؤَمِّلٌ قَالَا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}، فَإِذَا اغْتَسَلْنَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ الْعَتَكِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}، يَقُولُ: اغْتَسَلْنَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ سُفْيَانَ- أَوْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ:- {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}، إِذَا اغْتَسَلْنَ. حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَامِرٌ عَنِ الْحَسَنِ: فِي الْحَائِضِ تَرَى الطُّهْرَ، قَالَ: لَا يَغْشَاهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ وَتَحِلَّ لَهَا الصَّلَاةُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ مُغِيرةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ- يَعْنِي الْمَرْأَةَ إِذَا طَهُرَتْ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ لِلصَّلَاةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا لَيْثٌ عَنْ طَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُمَا قَالَا إِذَا طَهُرَتِ الْمَرْأَةُ مِنَ الدَّمِ فَشَاءَ زَوْجُهَا أَنْ يَأْمُرَهَا بِالْوُضُوءِ قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ- إِذَا أَدْرَكَهُ الشَّبَقُ فَلْيُصِبْ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}، فَإِذَا اغْتَسَلْنَ، لِإِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَصِيرُ بِالْوُضُوءِ بِالْمَاءِ طَاهِرًا الطُّهْرَ الَّذِي يَحِلُّ لَهَا بِهِ الصَّلَاةُ. وَإِنَّ الْقَوْلَ لَا يَخْلُو فِي ذَلِكَ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ مِنَ النَّجَاسَةِ فَأْتُوهُنَّ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، فَقَدْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَتَى انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ فَجَائِزٌ لِزَوْجِهَا جِمَاعُهَا، إِذَا لَمْ تَكُنْ هُنَالِكَ نَجَاسَةٌ ظَاهِرَةٌ. هَذَا، إِنْ كَانَ قَوْلُهُ: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} جَائِزًا اسْتِعْمَالُهُ فِي التَّطَهُّرِ مِنَ النَّجَاسَةِ، وَلَا أَعْلَمُهُ جَائِزًا إِلَّا عَلَى اسْتِكْرَاهِ الْكَلَامِ. أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ لِلصَّلَاةِ. وَفِي إِجْمَاعِ الْجَمِيعِ مِنَ الْحُجَّةِ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لِزَوْجِهَا غِشْيَانُهَا بِانْقِطَاعِ دَمِ حَيْضِهَا، إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ نَجَاسَةٌ، دُونَ التَّطَهُّرِ بِالْمَاءِ إِذَا كَانَتْ وَاجِدَتَهُ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ الطُّهْرَ الَّذِي يَجْزِيهِنَّ بِهِ الصَّلَاةَ. وَفِي إِجْمَاعِ الْجَمِيعِ مِنَ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَحِلُّ لَهَا إِلَّا بِالِاغْتِسَالِ، أَوْضَحَ الدَّلَالَةَ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا: مِنْ أَنَّ غِشْيَانَهَا حَرَامٌ إِلَّا بَعْدَ الِاغْتِسَالِ، وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}، فَإِذَا اغْتَسَلْنَ فَصِرْنَ طَوَاهِرَ الطُّهْرَ الَّذِي يَجْزِيهِنَّ بِهِ الصَّلَاةَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَأْتُوا نِسَاءَكُمْ إِذَا تَطَهَّرْنَ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي نَهَيْتُكُمْ عَنْ إِتْيَانِهِنَّ مِنْهُ فِي حَالِ حَيْضِهِنَّ، وَذَلِكَ: الْفَرَجُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِتَرْكِ جِمَاعِهِنَّ فِيهِ فِي حَالِ الْحَيْضِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}، قَالَ: مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ أَنْ تَعْتَزِلُوهُنَّ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}، يَقُولُ: فِي الْفَرْجِ، لَا تَعْدُوهُ إِلَى غَيْرِهِ، فَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَقَدِ اعْتَدَى. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}، قَالَ: مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ أَنْ تَعْتَزِلُوا. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَخْرٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْبَجَلِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَا أَنَا وَمُجَاهِدٌ جَالِسَانِ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَتَاهُ رَجُلٌ فَوَقَفَ عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ: يَا أَبَا الْعَبَّاسِ- أَوْ: يَا أَبَا الْفَضْلِ- أَلَّا تَشْفِيَنِي عَنْ آيَةِ الْمَحِيضِ؟ قَالَ: بَلَى! فَقَرَأَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} حَتَّى بَلَغَ آخِرَ الْآيَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِنْ حَيْثُ جَاءَ الدَّمُ، مِنْ ثَمَّ أُمِرَتْ أَنْ تَأْتِيَ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عُثْمَانَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: دُبُرُ الْمَرْأَةِ مِثْلُهُ مِنَ الرَّجُلِ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} إِلَى {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}، قَالَ: مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ أَنْ تَعْتَزِلُوهُنَّ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمِّلٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}، قَالَ: أُمِرُوا أَنْ يَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ نُهُوا عَنْهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا خُصَيْفٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}، فِي الْفَرْجِ، وَلَا تَعْدُوهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}، يَقُولُ: إِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ نُهِيَ عَنْهُ فِي الْمَحِيضِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ سُفْيَانَ- أَوْ: عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ-: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} بِاعْتِزَالِهِنَّ مِنْهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}، أَيْ: مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يَأْتِي مِنْهُ الْمَحِيضُ، طَاهِرًا غَيْرَ حَائِضٍ، وَلَا تَعْدُوا ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}، قَالَ: طَوَاهِرَ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَمِنْ غَيْرِ حَيْضٍ، مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يَأْتِي [مِنْهُ] الْمَحِيضُ، وَلَا يَتَعَدَّاهُ إِلَى غَيْرِهِ قَالَ سَعِيدٌ: وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}، مِنْ حَيْثُ نُهِيتُمْ عَنْهُ فِي الْمَحِيضِ وَعَنْ أَبِيهِ، عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}، مِنْ حَيْثُ نُهِيتُمْ عَنْهُ، وَاتَّقُوا الْأَدْبَارَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}، قَالَ: فِي الْفَرْجِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهَا: فَأْتُوهُنَّ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَكُمُ اللَّهُ فِيهِ أَنْ تَأْتُوهُنَّ مِنْهُ. وَذَلِكَ الْوَجْهُ، هُوَ الطُّهْرُ دُونَ الْحَيْضِ. فَكَانَ مَعْنَى قَائِلِ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ: فَأْتُوهُنَّ مِنْ قِبَلِ طُهْرِهِنَّ لَا مِنْ قِبَلِ حَيْضِهِنَّ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَحَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}، يَعْنِي أَنْ يَأْتِيَهَا طَاهِرًا غَيْرَ حَائِضٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ فِي قَوْلِهِ: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}، قَالَ: مِنْ قِبَلِ الطُّهْرِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي رَزِينٍ بِمَثَلِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ عَنْ عَمْرٍو عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}، يَقُولُ: ائْتُوهُنَّ مِنْ عِنْدِ الطُّهْرِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ عَنِ الزِّبْرِقَانِ عَنْ أَبِي رَزِينٍ: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}، قَالَ: مِنْ قِبَلِ الطُّهْرِ، وَلَا تَأْتُوهُنَّ مِنْ قِبَلِ الْحَيْضَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ الْعَتَكِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ قَوْلَهُ: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}، يَقُولُ: إِذَا اغْتَسَلْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ. يَقُولُ: طَوَاهِرَ غَيْرَ حُيَّضٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}، قَالَ يَقُولُ: طَوَاهِرُ غَيْرُ حُيَّضٍ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ قَوْلَهُ: {مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}، مِنَ الطُّهْرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ عَنِ الضَّحَّاكِ: “ فَأْتُوهُنَّ “، طُهَّرًا غَيْرَ حُيَّضٍ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ الضَّحَّاكِ قَوْلَهُ: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}، قَالَ: ائْتُوهُنَّ طَاهِرَاتٍ غَيْرَ حُيَّضٍ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ نُبَيْطٍ عَنِ الضَّحَّاكِ: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}، قَالَ: طُهَّرًا غَيْرَ حُيَّضٍ فِي الْقُبُلِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلَى مَعْنَى ذَلِكَ: فَأْتُوا النِّسَاءَ مِنْ قِبَلِ النِّكَاحِ، لَا مِنْ قِبَلِ الْفُجُورِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ الْأَزْرَقُ عَنْ أَبِي عُمَرَ الْأَسَدِيِّ عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}، قَالَ: مِنْ قِبَلِ الْحَلَّالِ، مِنْ قِبَلِ التَّزْوِيجِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَأْتُوهُنَّ مِنْ قِبَلِ طُهْرِهِنَّ. وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ بِمَعْنًى، فَنَهْيٌ عَنْ خِلَافِهِ وَضِدِّهِ. وَكَذَلِكَ النَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ وَخِلَافِهِ. فَلَوْ كَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}، فَأْتُوهُنَّ مِنْ قِبَلِ مَخْرَجِ الدَّمِ الَّذِي نَهَيْتُكُمْ أَنْ تَأْتُوهُنَّ مِنْ قَبْلِهِ فِي حَالِ حَيْضِهِنَّ- لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} تَأْوِيلَهُ: وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ فِي مَخْرَجِ الدَّمِ، دُونَ مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ أَمَاكِنِ جَسَدِهَا، فَيَكُونُ مُطْلَقًا فِي حَالِ حَيْضِهَا إِتْيَانُهُنَّ فِي أَدْبَارِهِنَّ. وَفِي إِجْمَاعِ الْجَمِيعِ: عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمْ يُطْلِقْ فِي حَالِ الْحَيْضِ مِنْ إِتْيَانِهِنَّ فِي أَدْبَارِهِنَّ شَيْئًا حَرَّمَهُ فِي حَالِ الطُّهْرِ، وَلَا حَرَّمَ مِنْ ذَلِكَ فِي حَالِ الطُّهْرِ شَيْئًا أَحَلَّهُ فِي حَالِ الْحَيْضِ مَا يُعْلَمُ بِهِ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ. وَبَعْدُ؛ فَلَوْ كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَّرَكُمُ اللَّهُ حَتَّى يَكُونَ مَعْنَى الْكَلَامِ حِينَئِذٍ عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلَهُ، وَيَكُونَ ذَلِكَ أَمْرًا بِإِتْيَانِهِنَّ فِي فُرُوجِهِنَّ. لِأَنَّ الْكَلَامَ الْمَعْرُوفَ إِذَا أُرِيدَ ذَلِكَ، أَنْ يُقَالَ: (أَتَى فُلَانَ زَوْجَتَهُ مِنْ قِبَلِ فَرْجِهَا)- وَلَا يُقَالُ: أَتَاهَا مِنْ فَرْجِهَا- إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَتَاهَا مِنْ قِبَلِ فَرْجِهَا فِي مَكَانٍ غَيْرِ الْفَرَجِ. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: فَإِنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَلَيْسَ مَعْنَى الْكَلَامِ: فَأْتُوهُنَّ فِي فُرُوجِهِنَّ- وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: فَأْتُوهُنَّ مِنْ قِبَلِ قُبُلِهِنَّ فِي فُرُوجِهِنَّ-، كَمَا يُقَالُ: (أَتَيْتُ هَذَا الْأَمْرَ مِنْ مَأْتَاهُ). قِيلَ لَهُ: إِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَا شَكَّ أَنَّ مَأْتَى الْأَمْرِ وَوَجْهَهُ غَيْرُهُ، وَأَنَّ ذَلِكَ مَطْلَبُهُ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى مَا زَعَمْتُمْ، فَقَدْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}، غَيْرُ الَّذِي زَعَمْتُمْ أَنَّهُ مَعْنَاهُ بِقَوْلِكُمُ: ائْتُوهُنَّ مِنْ قِبَلِ مَخْرَجِ الدَّمِ، وَمِنْ حَيْثُ أُمِرْتُمْ بِاعْتِزَالِهِنَّ- وَلَكِنِ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ تَأْوِيلُهُ عَلَى ذَلِكَ: فَأْتُوهُنَّ مِنْ قِبَلِ وُجُوهِهِنَّ فِي أَقْبَالِهِنَّ، كَمَا كَانَ قَوْلُ الْقَائِلِ: (ائْتِ الْأَمْرَ مِنْ مَأْتَاهُ)، إِنَّمَا مَعْنَاهُ: اطْلُبْهُ مِنْ مَطْلَبِهِ، وَمَطْلَبُ الْأَمْرِ غَيْرُ الْأَمْرِ الْمَطْلُوبِ. فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَأْتَى الْفَرَجِ- الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ فِي قَوْلِهِمْ بِإِتْيَانِهِ- غَيْرَ الْفَرْجِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، وَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَهُمْ: فَأْتُوهُنَّ مِنْ قِبَلِ وُجُوهِهِنَّ فِي فُرُوجِهِنَّ- وَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَلَى قَوْلِهِمْ مُحَرَّمًا إِتْيَانُهُنَّ فِي فُرُوجِهِنَّ مِنْ قِبَلِ أَدْبَارِهِنَّ. وَذَلِكَ إِنْ قَالُوهُ، خَرَجَ مَنْ قَالَهُ مَنْ قِيلَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَخَالَفَ نَصَّ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ ـ، وَقَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (وَأَذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِتْيَانِهِنَّ فِي فُرُوجِهِنَّ مِنْ قَبْلِ أَدْبَارِهِن). فَقَدْ تَبَيَّنَ إذًا، إِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا، فَسَادُ تَأْوِيلِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: فَأْتُوهُنَّ فِي فُرُوجِهِنَّ حَيْثُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ إِتْيَانِهِنَّ فِي حَالِ حَيْضِهِنَّ، وَصِحَّةُ الْقَوْلِ الَّذِي قُلْنَاهُ، وَهُوَ أَنَّ مَعْنَاهُ: فَأْتُوهُنَّ فِي فُرُوجِهِنَّ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَذِنَ اللَّهُ لَكُمْ بِإِتْيَانِهِنَّ، وَذَلِكَ حَالُ طُهْرِهِنَّ وَتَطَهُّرِهِنَّ، دُونَ حَالِ حَيْضِهِنَّ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ}، الْمُنِيبِينَ مِنَ الْإِدْبَارِ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ طَاعَتِهِ، إِلَيْهِ وَإِلَى طَاعَتِهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى “ التَّوْبَةِ “ قَبْلُ. وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمُ الْمُتَطَهِّرُونَ بِالْمَاءِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا طَلْحَةُ عَنْ عَطَاءٍ قَوْلَهُ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ}، قَالَ: التَّوَّابِينَ مِنَ الذُّنُوبِ {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} قَالَ: الْمُتَطَهِّرِينَ بِالْمَاءِ لِلصَّلَاةِ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا طَلْحَةُ عَنْ عَطَاءٍ مَثَلَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} مِنَ الذُّنُوبِ، لَمْ يُصِيبُوهَا {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}، بِالْمَاءِ لِلصَّلَوَاتِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ}، مِنَ الذُّنُوبِ {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}، مِنْ أَدْبَارِ النِّسَاءِ أَنْ يَأْتُوهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ مَوْلَى أُمِّ عَلِيٍّ قَالَ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَلَيْسَ مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}، مِنَ الذُّنُوبِ أَنْ يَعُودُوا فِيهَا بَعْدَ التَّوْبَةِ مِنْهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: {يُحِبُّ التَّوَّابِينَ}، مِنَ الذُّنُوبِ، لَمْ يُصِيبُوهَا “ وَيُحِبِ الْمُتَطَهِّرِينَ “، مِنَ الذُّنُوبِ، لَا يَعُودُونَ فِيهَا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: “ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ مِنَ الذُّنُوبِ، وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ بِالْمَاءِ لِلصَّلَاةِ". لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَغْلَبُ مِنْ ظَاهِرِ مَعَانِيهِ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ ذَكَرَ أَمْرَ الْمَحِيضِ، فَنَهَاهُمْ عَنْ أُمُورٍ كَانُوا يَفْعَلُونَهَا فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ: مِنْ تَرْكِهِمْ مُسَاكَنَةَ الْحَائِضِ وَمُؤَاكَلَتَهَا وَمُشَارَبَتَهَا، وَأَشْيَاءَ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ تَعَالَى ذِكْرُهُ يَكْرَهُهَا مِنْ عِبَادِهِ. فَلَمَّا اسْتَفْتَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ، فَبَيَّنَ لَهُمْ مَا يَكْرَهُهُ مِمَّا يَرْضَاهُ وَيُحِبُّهُ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ يُحِبُّ مِنْ خَلْقِهِ مَنْ أَنَابَ إِلَى رِضَاهُ وَمَحَبَّتِهِ، تَائِبًا مِمَّا يَكْرَهُهُ. وَكَانَ مِمَّا بَيَّنَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، أَنَّهُ قَدْ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ إِتْيَانَ نِسَائِهِمْ وَإِنْ طَهُرْنَ مِنْ حَيْضِهِنَّ حَتَّى يَغْتَسِلْنَ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ، فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ يَعْنِي بِذَلِكَ: الْمُتَطَهِّرِينَ مِنَ الْجَنَابَةِ وَالْأَحْدَاثِ لِلصَّلَاةِ، وَالْمُتَطَهِّرَاتِ بِالْمَاءِ- مِنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْجَنَابَةِ وَالْأَحْدَاثِ- مِنَ النِّسَاءِ. وَإِنَّمَا قَالَ: {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}- وَلَمْ يَقِلْ “ الْمُتَطَهِّرَاتِ “- وَإِنَّمَا جَرَى قَبْلَ ذَلِكَ ذِكْرُ التَّطَهُّرِ لِلنِّسَاءِ، لِأَنَّ ذَلِكَ بِذِكْرِ “ الْمُتَطَهِّرِينَ “ يَجْمَعُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ. وَلَوْ ذَكَرَ ذَلِكَ بِذِكْرِ “ الْمُتَطَهِّرَاتِ“، لَمْ يَكُنْ لِلرِّجَالِ فِي ذَلِكَ حَظٌّ، وَكَانَ لِلنِّسَاءِ خَاصَّةً. فَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِالذِّكْرِ الْعَامِّ جَمِيعَ عِبَادِهِ الْمُكَلَّفِينَ، إِذْ كَانَ قَدْ تَعَبَّدَ جَمِيعُهُمْ بِالتَّطَهُّرِ بِالْمَاءِ، وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الْأَسْبَابُ الَّتِي تُوجِبُ التَّطَهُّرَ عَلَيْهِمْ بِالْمَاءِ فِي بَعْضِ الْمَعَانِي، وَاتَّفَقَتْ فِي بَعْضٍ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: نِسَاؤُكُمْ مُزْدَرَعُ أَوْلَادِكُمْ، فَأَتَوا مُزْدَرَعَكُمْ كَيْفَ شِئْتُمْ، وَأَيْنَ شِئْتُمْ. وَإِنَّمَا عَنِّي بِـ “ الْحَرْثِ “ الْمُزْدَرَعَ، وَ“ الْحَرْثُ “ هُوَ الزَّرْعُ، وَلَكِنَّهُنَّ لِمَا كُنَّ مِنْ أَسْبَابِ الْحَرْثِ، جَعَلْنَ “ حَرْثًا “، إِذْ كَانَ مَفْهُومًا مَعْنَى الْكَلَامِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ}، قَالَ: مَنْبَتُ الْوَلَدِ. حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ}، أَمَّا “ الْحَرْثُ “، فَهِيَ مَزْرَعَةٌ يُحْرَثُ فِيهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: فَانْكِحُوا مُزْدَرَعَ أَوْلَادِكُمْ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمْ مِنْ وُجُوهِ الْمَأْتَى. وَ “ الْإِتْيَانُ “ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، كِنَايَةٌ عَنِ اسْمِ الْجِمَاعِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {أَنَّى شِئْتُمْ}. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى “ أَنَّى “ كَيْفَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَطِيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، قَالَ: يَأْتِيهَا كَيْفَ شَاءَ، مَا لَمْ يَكُنْ يَأْتِيهَا فِي دُبُرِهَا أَوْ فِي الْحَيْضِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، قَالَ: ائْتِهَا أَنَّى شِئْتَ، مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً، مَا لَمْ تَأْتِهَا فِي الدُّبُرِ وَالْمَحِيضِ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، يَعْنِي بِالْحَرْثِ الْفَرْجَ. يَقُولُ: تَأْتِيهِ كَيْفَ شِئْتَ، مُسْتَقْبَلَهُ وَمُسْتَدْبَرَهُ وَعَلَى أَيِّ ذَلِكَ أَرَدْتَ، بَعْدَ أَلَّا تُجَاوِزَ الْفَرْجَ إِلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ عِكْرِمَةَ: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، قَالَ: يَأْتِيهَا كَيْفَ شَاءَ، مَا لَمْ يَعْمَلْ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، قَالَ: يَأْتِيهَا كَيْفَ شَاءَ، وَاتَّقِ الدُّبُرَ وَالْحَيْضَ. حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ: أَنَّ ابْنَ كَعْبٍ كَانَ يَقُولُ: إِنَّمَا قَوْلُهُ: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، يَقُولُ: ائْتِهَا مُضْجِعَةً وَقَائِمَةً وَمُنْحَرِفَةً وَمُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً كَيْفَ شِئْتَ، إِذَا كَانَ فِي قُبُلِهَا. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ (أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ لَقِيَ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ لَهُ: أَيَأْتِي أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ بَارِكًا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} يَقُولُ: كَيْفَ شَاءَ، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ فِي الْفَرْجِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، إِنْ شِئْتَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ عَلَى جَنْبٍ، إِذَا كَانَ يَأْتِيهَا مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يَأْتِي مِنْهُ الْمَحِيضُ، وَلَا يَتَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ. حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، ائْتِ حَرْثَكَ كَيْفَ شِئْتَ مِنْ قُبُلِهَا، وَلَا تَأْتِيهَا فِي دُبُرِهَا. {أَنَّى شِئْتُمْ}، قَالَ: كَيْفَ شِئْتُمْ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَلِيٍّ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ بَلَّغَهُ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسُوا يَوْمًا وَرَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ قَرِيبٌ مِنْهُمْ، فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: إِنِّي لِآتِيَ امْرَأَتِي وَهِيَ مُضْطَجِعَةٌ. وَيَقُولُ الْآخَرُ: إِنِّي لِآتِيَهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ. وَيَقُولُ الْآخَرُ: إِنِّي لِآتِيَهَا عَلَى جَنْبِهَا وَبَارِكَةً. فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: مَا أَنْتُمْ إِلَّا أَمْثَالُ الْبَهَائِمِ! وَلَكِنَّا إِنَّمَا نَأْتِيهَا عَلَى هَيْئَةٍ وَاحِدَةٍ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ـ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ}، فَهُوَ الْقُبُلُ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى: {أَنَّى شِئْتُمْ}، مِنْ حَيْثُ شِئْتُمْ، وَأَيَّ وَجْهٍ أَحْبَبْتُمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فَدِيكَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ الْأَشْهَلِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى الْمَرْأَةُ فِي دُبُرِهَا، وَيَقُولُ: إِنَّمَا الْحَرْثُ مِنَ الْقُبُلِ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ النَّسْلُ وَالْحَيْضُ وَيَنْهَى عَنْ إِتْيَانِ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا وَيَقُولُ: إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، يَقُولُ: مِنْ أَيِّ وَجْهٍ شِئْتُمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَاضِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَتَكِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، قَالَ: ظَهْرُهَا لِبَطْنِهَا غَيْرَ مُعَاجِزَةٍ- يَعْنِي الدُّبُرَ. حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِيعَنْ يَزِيدَ [عَنِ الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ]، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: اسْقِ نَبَاتَكَ مِنْ حَيْثُ نَبَاتُهُ. حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرَّبِيعِ قَوْلَهُ: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، يَقُولُ: مِنْ أَيْنَ شِئْتُمْ. ذُكِرَ لَنَا- وَاللَّهَ أَعْلَمُ- أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا: إِنَّ الْعَرَبَ يَأْتُونَ النِّسَاءَ مِنْ قِبَلِ أَعْجَازِهِنَّ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ، فَأَكْذَبَ اللَّهُ أُحْدُوثَتَهُمْ فَقَالَ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ يَقُولُ: ائْتُوا النِّسَاءَ فِي [غَيْرِ] أَدْبَارِهِنَّ عَلَى كُلِّ نَحْوٍ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: تَذَاكَرْنَا هَذَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ائْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمْ، مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً. فَقَالَ رَجُلٌ: كَأَنَّ هَذَا حَلَالٌ! فَأَنْكَرَ عَطَاءٌ أَنَّ يَكُونَ هَذَا هَكَذَا، وَأَنْكَرَهُ كَأَنَّهُ إِنَّمَا يُرِيدُ الْفَرْجَ، مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً فِي الْفَرْجِ. وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {أَنَّى شِئْتُمْ}، مَتَى شِئْتُمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ الْفَضْلَ بْنَ خَالِدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، يَقُولُ: مَتَى شِئْتُمْ. حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَخْرٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْبَجَلِيِّ- وَهُوَ عَمَّارٌ الدُّهْنِيُّ- عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَا أَنَا وَمُجَاهِدٌ جَالِسَانِ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ أَتَاهُ رَجُلٌ فَوَقَفَ عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ: يَا أَبَا الْعَبَّاسِ- أَوْ: يَا أَبَا الْفَضْلِ- أَلَا تَشْفِيَنِي عَنْ آيَةِ الْمَحِيضِ؟ فَقَالَ: بَلَى! فَقَرَأَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} حَتَّى بَلَغَ آخِرَ الْآيَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِنْ حَيْثُ جَاءَ الدَّمُ، مِنْ ثَمَّ أُمِرْتَ أَنْ تَأْتِيَ. فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: يَا أَبَا الْفَضْلِ، كَيْفَ بِالْآيَةِ الَّتِي تَتْبَعُهَا: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}؟ فَقَالَ: إِي! وَيَحَكُّ! وَفِي الدُّبُرِ مِنْ حَرْثِ!! لَوْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا، لَكَانَ الْمَحِيضُ مَنْسُوخًا! إِذَا اشْتَغَلَ مِنْ هَا هُنَا، جِئْتَ مِنْ هَا هُنَا! وَلَكِنْ: أَنَّى شِئْتُمْ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَيْنَ شِئْتُمْ، وَحَيْثُ شِئْتُمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ لَمْ يَتَكَلَّمْ. قَالَ: فَقَرَأْتُ ذَاتَ يَوْمِ هَذِهِ الْآيَةَ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، فَقَالَ: أَتَدْرِي فَيَمَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ؟ قُلْتُ: لَا! قَالَ: نَزَلَتْ فِي إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: (قَرَأْتُ ذَاتَ يَوْمٍ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَائْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَتَدْرِي فِيمَ نَزَلَتْ؟ قُلْتُ: لَا! قَالَ: نَزَلَتْ فِي إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ). حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الضَّرِيرُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ صَاحِبُ الْكَرَابِيسِ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كُنْتُ أُمْسِكُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ الْمُصْحَفَ، إِذْ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، فَقَالَ: أَنْ يَأْتِيَهَا فِي دُبُرِهَا. حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ قَالَ: قِيلَ لِزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ يَنْهَى عَنْ إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ. فَقَالَ زَيْدٌ: أَشْهَدُ عَلَى مُحَمَّدٍ لَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يَفْعَلُهُ. حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْغَمْرِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، إِنَّ النَّاسَ يَرْوُونَ عَنْ سَالِمٍ: “ كَذِبَ الْعَبْدِ، أَوِ: الْعِلْجِ، عَلَى أَبِي “! فَقَالَ مَالِكٌ: أَشْهَدُ عَلَى يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ أَنَّهُ أَخْبَرَنِي، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَثَلَ مَا قَالَ نَافِعٌ. فَقِيلَ لَهُ: فَإِنَّ الْحَارِثَ بْنَ يَعْقُوبَ يَرْوِي عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّا نَشْتَرِي الْجَوَارِيَ فَنُحَمِّضُ لَهُنَّ؟ فَقَالَ: وَمَا التَّحْمِيضُ؟ قَالَ: الدُّبُرُ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أُفٍّ! أُفٍّ! يَفْعَلُ ذَلِكَ مُؤْمِنٌ!- أَوْ قَالَ: مُسْلِمٌ!- فَقَالَ مَالِكٌ: أَشْهَدُ عَلَى رَبِيعَةَ لَأَخْبَرَنِي عَنْ أَبِي الْحُبَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَ مَا قَالَ نَافِعٌ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ طَارِقٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ الْغَافِقِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي مَاجِدٍ الزِّيَادَيِّ: إِنَّ نَافِعًا يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي دُبُرِ الْمَرْأَةِ. فَقَالَ: كَذَبَ نَافِعٌ! صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ وَنَافِعٌ مَمْلُوكٌ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَا نَظَرْتُ إِلَى فَرْجِ امْرَأَتِي مُنْذُ كَذَا وَكَذَا. حَدَّثَنِي أَبُو قِلَابَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، قَالَ: فِي الدُّبُرِ. حَدَّثَنِي أَبُو مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الضَّرِيرُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رُوحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سُئِلَ أَبُو الدَّرْدَاءِ عَنْ إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ، فَقَالَ: هَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا كَافِرٌ! قَالَ رُوحٌ: فَشَهِدَتِ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: قَدْ أَرَدْتُهُ مِنْ جَارِيَةٍ لِيَ الْبَارِحَةَ فَاعْتَاصَ عَلَيَّ، فَاسْتَعَنْتُ بِدُهْنٍ أَوْ بِشَحْمٍ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ، سُبْحَانَ اللَّهِ!! أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ: هَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا كَافِرٌ! فَقَالَ: لَعَنَكَ اللَّهُ وَلَعَنَ قَتَادَةَ! فَقُلْتُ: لَا أُحَدِّثُ عَنْكَ شَيْئًا أَبَدًا! ثُمَّ نَدِمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَاعْتَلَّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ لِقَوْلِهِمْ بِمَا: حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ الْأَعْشَى عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَوَجَدَ فِي نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ نَافِعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: (أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ وَقَالُوا: أَثْفَرَهَا! فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ـ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} الْآيَة). وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: ائْتُوا حَرْثَكُمْ كَيْفَ شِئْتُمْ- إِنْ شِئْتُمْ فَاعْزِلُوا، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلَا تَعْزِلُوا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عِيسَى بْنِ سِنَانٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، إِنْ شِئْتُمْ فَاعْزِلُوا، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلَا تَعْزِلُوا. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ يُونُسَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ زَائِدَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنْ شِئْتَ فَاعْزِلْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَعْزِلْ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: مَعْنَى قَوْلِهِ: {أَنَّى شِئْتُمْ}، كَيْفَ شِئْتُمْ مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً فِي الْفَرْجِ وَالْقُبُلِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي اسْتِنْكَارِ قَوْمٍ مَنَّ الْيَهُودِ اسْتَنْكَرُوا إِتْيَانَ النِّسَاءِ فِي أَقْبَالِهِنَّ مِنْ قِبَلِ أَدْبَارِهِنَّ. قَالُوا: وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَامِنْ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى مَا قُلْنَا. وَاعْتَلَوا لِقَيْلِهِمْ ذَلِكَ بِمَا:- حَدَّثَنِي بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: عَرَضْتُ الْمُصْحَفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ثَلَاثَ عَرَضَاتٍ مِنْ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ، أُوقِفُهُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ وَأَسَالُهُ عَنْهَا، حَتَّى انْتَهَى إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (إِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ قُرَيْشٍ كَانُوا يَشْرَحُونَ النِّسَاءَ بِمَكَّةَ، وَيَتَلَذَّذُونَ بِهِنَّ مُقْبِلَاتٍ وَمُدَبِّرَاتٍ. فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ تَزَوَّجُوا فِي الْأَنْصَارِ، فَذَهَبُوا لِيَفْعَلُوا بِهِنَّ كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ بِالنِّسَاءِ بِمَكَّةَ، فَأَنْكَرْنَ ذَلِكَ وَقُلْنَ: هَذَا شَيْءٌ لَمْ نَكُنْ نُؤْتَى عَلَيْهِ! فَانْتَشَرَ الْحَدِيثُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي ذَلِكَ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} إِنْ شِئْتَ فَمُقْبِلَةً، وَإِنْ شِئْتَ فَمُدْبِرَةً، وَإِنْ شِئْتَ فَبَارِكَةً، وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ مَوْضِعَ الْوَلَدِ لِلْحَرْثِ. يَقُولُ: ائْتِ الْحَرْثَ مِنْ حَيْثُ شِئْتَ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: إِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَقُولُونَ: إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ فِي فَرْجِهَا مِنْ وَرَائِهَا كَانَ وَلَدُهُ أَحْوَلَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ـ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}. حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَتِ الْيَهُودُ: إِذَا أَتَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي قُبُلِهَا مِنْ دُبُرِهَا، وَكَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ، كَانَ أَحْوَلَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ـ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَن ْأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: (تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً فَأَرَادَ أَنْ يُجَبَّيَهَا، فَأَبَتْ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ: حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ! قَالَت ْأُمُّ سَلَمَةَ: فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِي، فَذَكَرَتْأُمُّ سَلَمَةَذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، فَقَالَ: أَرْسِلِي إِلَيْهَا. فَلَمَّا جَاءَتْ قَرَأَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، صِمَامًا وَاحِدًا، صِمَامًا وَاحِدًا). حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ عَنِ ابْنِ سَابِطٍ عَنْ حَفْصَةَ ابْنَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: (قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ فَتَزَوَّجُوا فِي الْأَنْصَارِ، وَكَانُوا يُجَبُّونَ، وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ لَا تَفْعَلُ ذَلِكَ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ لِزَوْجِهَا: حَتَّى آتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ! فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَحْيَتْ أَنْ تَسْأَلَهُ، فَسَأَلْتُ أَنَا، فَدَعَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ عَلَيْهَا: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، صِمَامًا وَاحِدًا، صِمَامًا وَاحِدًا). حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ وَابْنُ الْمُثَنَّى قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ حَفْصَةَ ابْنَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، قَوْلَهُ: ({نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، قَالَ: صِمَامًا وَاحِدًا، صِمَامًا وَاحِدًا). حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ الْبَحْرَانِيُّ قَالَ: حَدَّثنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ قَالَ: قُلْتُ لِحَفْصَةَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكِ عَنْ شَيْءٍ، وَأَنَا أَسْتَحْيِي مِنْكِ أَنْ أَسْأَلَكِ؟ قَالَتْ: سَلْ يَا بُنِّيَّ عَمَّا بَدَا لَكَ! قُلْتُ: أَسْأَلُكِ عَنْ غِشْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ؟ قَالَتْ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كَانَتْ الْأَنْصَارُ لَا تُجَبِّي، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يُجَبُّونَ، فَتَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنِ الْمُهَاجِرِينَ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: إِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَقُولُونَ: إِذَا أَتَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بَارِكَةً جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ. فَنَزَلَتْ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطُّوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (جَاءَ عُمَرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكْتُ!! قَالَ: وَمَا الَّذِي أَهْلَكَكَ؟ قَالَ: حَوَّلْتُ رَحْلَيِ اللَّيْلَةَ! قَالَ: فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، قَالَ: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ، وَاتَّقِ الدُّبُرَ وَالْحَيْضَة). حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمِصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ الْحَرَّانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ: أَنَّ عَامِرَ بْنَ يَحْيَى أَخْبَرَهُ، عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (أَنَّ نَاسًا مَنَّ حَمِيرَ أَتَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ عَنْ أَشْيَاءَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي رِجْلُ أُحِبُّ النِّسَاءَِ، فَكَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي [سُورَةِ الْبَقَرَةِ] بَيَانَ مَا سَأَلُوا عَنْهُ، وَأَنْزَلَ فِيمَا سَأَلَ عَنْهُ الرَّجُلُ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: ائْتِهَا مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً، إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْفَرْج). قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ {أَنَّى شِئْتُمْ}، مِنْ أَيِّ وَجْهٍ شِئْتُمْ. وَذَلِكَ أَنَّ “ أَنَّى “ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَلِمَةٌ تَدُلُّ إِذَا ابْتُدِئَ بِهَا فِي الْكَلَامِ- عَلَى الْمَسْأَلَةِ عَنِ الْوُجُوهِ وَالْمَذَاهِبِ. فَكَأَنَّ الْقَائِلَ إِذَا قَالَ لِرَجُلٍ: “ أَنَّى لَكَ هَذَا الْمَالُ “؟ يُرِيدُ: مِنْ أَيِّ الْوُجُوهِ لَكَ. وَلِذَلِكَ يُجِيبُ الْمُجِيبُ فِيهِ بِأَنْ يَقُولَ: “ مِنْ كَذَا وَكَذَا “، كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ زَكَرِيَّا فِي مَسْأَلَتِهِمَرْيَمَ: {أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [سُورَةَ آلِ عِمْرَانَ: 37]. وَهِيَ مُقَارَبَةٌ “ أَيْنَ “ وُ“ كَيْفَ “ فِي الْمَعْنَى، وَلِذَلِكَ تَدَاخَلَتْ مَعَانِيهَا، فَأَشْكَلَتْ “ أَنَّى “ عَلَى سَامِعِيهَا وَمَتَأَوِّلِيهَا، حَتَّى تَأَوَّلَهَا بَعْضُهُمْ بِمَعْنَى: “ أَيْنَ “، وَبَعْضُهُمْ بِمَعْنَى “ كَيْفَ “، وَآخَرُونَ بِمَعْنَى: “ مَتَى “- وَهِيَ مُخَالَفَةٌ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي مَعْنَاهَا، وَهُنَّ لَهَا مُخَالِفَاتٌ. وَذَلِكَ أَنَّ “ أَيْنَ “ إِنَّمَا هِيَ حَرْفُ اسْتِفْهَامٍ عَنِ الْأَمَاكِنِ وَالْمَحَالِّ- وَإِنَّمَا يَسْتَدِلُّ عَلَى افْتِرَاقِ مَعَانِي هَذِهِ الْحُرُوفِ بِافْتِرَاقِ الْأَجْوِبَةِ عَنْهَا. أَلَا تَرَى أَنَّ سَائِلًا لَوْ سَأَلَ آخَرَ فَقَالَ: “ أَيْنَ مَالُكَ “؟ لَقَالَ: “ بِمَكَانِ كَذَا “، وَلَوْ قَالَ لَهُ: “ أَيْنَ أَخُوكَ “؟ لَكَانَ الْجَوَابُ أَنْ يَقُولَ: “ بِبَلْدَةِ كَذَا أَوْ بِمَوْضِعِ كَذَا “، فَيُجِيبُهُ بِالْخَبَرِ عَنْ مَحَلِّ مَا سَأَلَهُ عَنْ مَحَلِّهِ. فَيَعْلَمُ أَنَّ “ أَيْنَ “ مَسْأَلَةُ عَنِ الْمَحَلِّ. وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ لِآخَرَ: “ كَيْفَ أَنْتَ “؟ لَقَالَ: “ صَالِحٌ، أَوْ بِخَيْرٍ، أَوْ فِي عَافِيَةٍ “، وَأَخْبَرَهُ عَنْ حَالِهِ الَّتِي هُوَ فِيهَا، فَيُعْلَمُ حِينَئِذٍ أَنَّ “ كَيْفَ “ مَسْأَلَةٌ عَنْ حَالِ الْمَسْؤُولِ عَنْ حَالِهِ. وَلَوْ قَالَ لَهُ: “ أَنَّى يُحْيِي اللَّهُ هَذَا الْمَيِّتَ؟ “، لَكَانَ الْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: “ مِنْ وَجْهِ كَذَا وَوَجْهِ كَذَا “، فَيَصِفُ قَوْلًا نَظِيرَ مَا وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلَّذِي قَالَ: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} [سُورَةَ الْبَقَرَةِ: 259] فِعْلًا حِينَ بَعْثِهِ مِنْ بَعْدِ مَمَاتِهِ. وَقَدْ فَرَّقَتِ الشُّعَرَاءُ بَيْنَ ذَلِكَ فِي أَشْعَارِهَا، فَقَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ: تَذَكَّرْ مِنْ أَنَّى وَمِنْ أَيْنَ شُرْبَهُ *** يُؤَامِرُ نَفْسَيْهِ كَذِي الْهَجْمَةِ الْأِبِلْ وَقَالَ أَيْضًا: أَنَّى وَمِنْ أَيْنَ- آبَكَ- الطَّرَبُ *** مِنْ حَيْثُ لَا صَبْوَةٌ وَلَا رِيَبُ فَيُجَاءُ بِـ “ أَنَّى “ لِلْمَسْأَلَةِ عَنِ الْوَجْهِ، وَبِـ “ أَيْنَ “ لِلْمَسْأَلَةِ عَنِ الْمَكَانِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَيِّ وَجْهٍ، وَمِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ رَاجَعَكَ الطَّرَبُ؟ وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ تَأَوَّلَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ ـ: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، كَيْفَ شِئْتُمْ- أَوْ تَأَوَّلَهُ بِمَعْنَى: حَيْثُ شِئْتُمْ أَوْ بِمَعْنَى: مَتَى شِئْتُمْ أَوْ بِمَعْنَى: أَيْنَ شِئْتُمْ أَنَّ قَائِلًا لَوْ قَالَ لِآخَرَ: “ أَنَّى تَأْتِي أَهْلَكَ؟ “، لَكَانَ الْجَوَابُ أَنْ يَقُولَ: “ مِنْ قُبُلِهَا، أَوْ: مِنْ دُبُرِهَا “، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْمَرْيَمَإِذْ سُئِلَتْ: {أَنَّى لَكِ هَذَا} أَنَّهَا قَالَتْ: {هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْجَوَابُ، فَمَعْلُومٌ أَنَّمَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ ـ: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، إِنَّمَا هُوَ: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمْ مِنْ وُجُوهِ الْمَأْتَى- وَأَنَّ مَا عَدَّا ذَلِكَ مِنَ التَّأْوِيلَاتِ فَلَيْسَ لِلْآيَةِ بِتَأْوِيلٍ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الصَّحِيحُ، فَبَيِّنٌ خَطَأُ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ قَوْلَهُ: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِإِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي الْأَدْبَار لِأَنَّ الدُّبُرَ لَا مُحْتَرَثَ فِيهِ، وَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ ـ: {حَرْثٌ لَكُمْ}، فَأْتُوا الْحَرْثَ مِنْ أَيِّ وُجُوهِهِ شِئْتُمْ. وَأَيُّ مُحْتَرَثٍ فِي الدُّبُرِ فَيُقَالُ: ائْتِهِ مَنْ وَجْهِهِ؟ وَبَيِّنٌ بِمَا بَيَّنَّا، صِحَّةُ مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ: مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيمَا كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُهُ لِلْمُسْلِمِينَ: “ إِذَا أَتَى الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا، جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ".
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: قَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمُ الْخَيْرَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ: أَمَّا قَوْلُهُ: {وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ}، فَالْخَيْرُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ ذِكْرَ اللَّهِ عِنْدَ الْجِمَاعِ وَإِتْيَانِ الْحَرْثِ قَبْلَ إِتْيَانِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ عَطَاءٍ- قَالَ: أَرَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:- {وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ}، قَالَ: يَقُولُ: “ بِسْمِ اللَّهِ “، التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الْجِمَاعِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ مَا رَوَيْنَا عَنِ السُّدِّيِّ وَهُوَ أَنَّقَوْلَهُ: {وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ} أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عِبَادَهُ بِتَقْدِيمِ الْخَيْرِ وَالصَّالِحِ مِنَ الْأَعْمَالِ لِيَوْمِ مَعَادِهِمْ إِلَى رَبِّهِمْ، عُدَّةً مِنْهُمْ ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ عِنْدَ لِقَائِهِ فِي مَوْقِفِ الْحِسَابِ، فَإِنَّهُ قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ ـ: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ} [سُورَةَ الْبَقَرَةِ: 110 وَسُورَةَ الْمُزَّمِّلِ: 20]. وَإِنَّمَا قُلْنَا: ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَقَّبَ قَوْلَهُ: {وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ} بِالْأَمْرِ بِاتِّقَائِهِ فِي رُكُوبِ مَعَاصِيهِ. فَكَانَ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ قَبْلَ التَّهَدُّدِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ- إِذْ كَانَ التَّهَدُّدُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ عَامًّا- الْأَمْرُ بِالطَّاعَةِ عَامًّا. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَمَا وَجْهُ الْأَمْرِ بِالطَّاعَةِ بِقَوْلِهِ: {وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ}، مِنْ قَوْلِهِ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}؟ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ مَا تَوَهَّمْتَهُ: وَإِنَّمَا عَنَى بِهِ: وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنَ الْخَيِّرَاتِ الَّتِي نَدَبْنَاكُمْ إِلَيْهَا بِقَوْلِنَا: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}، وَمَا بَعْدَهُ مِنْ سَائِرِ مَا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجِيبُوا عَنْهُ، مِمَّا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ ـ: قَدْ بَيَّنَا لَكُمْ مَا فِيهِ رُشْدُكُمْ وَهِدَايَتُكُمْ إِلَى مَا يُرْضِي رَبَّكُمْ عَنْكُمْ، فَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمُ الْخَيْرَ الَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ، وَاتَّخَذُوا عِنْدَهُ بِهِ عَهْدًا، لِتَجِدُوهُ لَدَيْهِ إِذَا لَقِيتُمُوهُ فِي مَعَادِكُمْ وَاتَّقَوْهُ فِي مَعَاصِيهِ أَنْ تُقَرِّبُوهَا، وَفِي حُدُودِهِ أَنْ تُضِيعُوهَا، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَا مَحَالَةَ مُلَاقُوهُ فِي مَعَادِكُمْ، فَمُجَازٍ الْمُحْسِنَ مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا تَحْذِيرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عِبَادَهُ: أَنْ يَأْتُوا شَيْئًا مِمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ مَعَاصِيهِ وَتَخْوِيفٌ لَهُمْ عِقَابَهُ عِنْدَ لِقَائِهِ، كَمَا قَدْ بَيَّنَا قَبْلُ وَأَمْرٌ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَشِّرَ مِنْ عِبَادِهِ، بِالْفَوْزِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبِكَرَامَةِ الْآخِرَةِ وَبِالْخُلُودِ فِي الْجَنَّةِ، مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُحْسِنًا مُؤْمِنًا بِكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، وَبِلِقَائِهِ، مُصَدِّقًا إِيمَانُهُ قَوْلًا بِعَمَلِهِ مَا أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ، وَافْتَرَضَ عَلَيْهِ مِنْ فَرَائِضِهِ فِيمَا أَلْزَمَهُ مِنْ حُقُوقِهِ، وَبِتَجَنُّبِهِ مَا أَمَرَهُ بِتَجَنُّبِهِ مِنْ مَعَاصِيهِ.
|