الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرطبي المسمى بـ «الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان» **
{اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون، ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون، لاهية قلوبهم وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون} قوله تعالى{اقترب للناس حسابهم{ قال عبدالله بن مسعود: الكهف ومريم وطه والأنبياء من العتاق الأول، وهن تلادي يريد من قديم ما كسب وحفظ من القرآن كالمال التلاد. وروي أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبني جدارا فمر به آخر في يوم نزول هذه السورة، فقال الذي كان يبني الجدار: ماذا نزل اليوم من القرآن؟ فقال الآخر: نزل {اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون{ فنفض يده من البنيان، وقال: والله لا بنيت أبدا وقد اقترب الحساب. {اقترب{ أي قرب الوقت الذي يحاسبون فيه على أعمالهم. {للناس{ قال ابن عباس: المراد بالناس هنا المشركون بدليل قوله تعالى{إلا استمعوه وهم يلعبون{ إلى قوله{أفتأتون السحر وأنتم تبصرون{. وقيل: الناس عموم وإن كان المشار إليه في ذلك الوقت كفار قريش؛ يدل على ذلك ما بعد من الآيات؛ ومن علم اقتراب الساعة قصر أمله، وطابت نفسه بالتوبة، ولم يركن إلى الدنيا، فكأن ما كان لم يكن إذا ذهب، وكل آت قريب، والموت لا محالة آت؛ وموت كل إنسان قيام ساعته؛ والقيامة أيضا قريبة بالإضافة إلى ما مضى من الزمان، فما بقي من الدنيا أقل مما مضى. وقال الضحاك: معنى {اقترب للناس حسابهم{ أي عذابهم يعني أهل مكة؛ من لأنهم استبطؤوا ما وعدوا به من العذاب تكذيبا، وكان قتلهم يوم بدر. النحاس ولا يجوز في الكلام اقترب حسابهم للناس؛ لئلا يتقدم مضمر على مظهر لا يجوز أن ينوي به التأخير. {وهم في غفلة معرضون{ ابتداء وخبر. ويجوز النصب في غير القرآن على الحال. وفيه وجهان: أحدهما{وهم غفلة معرضون{ يعني بالدنيا عن الآخرة. الثاني: عن التأهب للحساب وعما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا الواو عند سيبويه بمعنى {إذ{ وهي التي يسميها النحويون واو الحال؛ كما قال الله تبارك وتعالى قوله تعالى{ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث{ محدث{ نعت لـ {ذكر{. وأجاز الكسائي والفراء {محدثا{ بمعنى ما يأتيهم محدثا؛ نصب على الحال. وأجاز الفراء أيضا رفع {محدث{ على النعت للذكر؛ لأنك لو حذفت {من{ رفعت ذكرا؛ أي ما يأتيهم ذكر من ربهم محدث؛ يريد في النزول وتلاوة جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان ينزل سورة بعد سورة، وآية بعد آية، كما كان ينزل الله تعالى عليه في وقت بعد وقت؛ لا أن القرآن مخلوق. وقيل: الذكر ما يذكرهم به النبي صلى الله عليه وسلم ويعظهم به. وقال{من ربهم{ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق إلا بالوحي، فوعظ النبي صلى الله عليه وسلم وتحذيره ذكر، وهو محدث؛ قال الله تعالى قوله تعالى{لاهية قلوبهم{ أي ساهية قلوبهم، معرضة عن ذكر الله، متشاغلة عن التأمل والتفهم؛ من قول العرب: لهيت عن ذكر الشيء إذا تركته وسلوت عنه ألهى لهيا ولهيانا. و{لاهية{ نعت تقدم الاسم، ومن حق النعت أن يتبع المنعوت في جميع الإعراب، فإذا تقدم النعت الاسم انتصب كقوله أراد: طلل موحش. وأجاز الكسائي والفراء {لاهية قلوبهم{ بالرفع بمعنى قلوبهم لاهية. وأجاز غيرهما الرفع على أن يكون خبرا بعد خبر وعلى إضمار مبتدأ. وقال الكسائي: ويجوز أن يكون المعنى؛ إلا استمعوه لاهية قلوبهم. {وأسروا النجوى الذين ظلموا{ أي تناجوا فيما بينهم بالتكذيب، ثم بين من هم فقال{الذين ظلموا{ أي الذي أشركوا؛ فـ {الذين ظلموا{ بدل من الواو في {أسروا{ وهو عائد على الناس المتقدم ذكرهم؛ ولا يوقف على هذا القول على {النجوى{. قال المبرد وهو كقولك: إن الذين في الدار انطلقوا بنو عبدالله فبنو بدل من الواو في انطلقوا. وقيل: هو رفع على الذم، أي هم الذين ظلموا. وقيل: على حذف القول؛ التقدير: يقول الذين ظلموا وحذف القول؛ مثل وقال آخر: وقال الكسائي: فيه تقديم وتأخير؛ مجازه: والذين ظلموا أسروا النجوى أبو عبيدة{أسروا{ هنا من الأضداد؛ فيحتمل أن يكونوا أخفوا كلامهم، ويحتمل أن يكونوا أظهروه وأعلنوه. قوله تعالى{هل هذا إلا بشر مثلكم{ أي تناجوا بينهم وقالوا: هل هذا الذكر الذي هو الرسول، أو هل هذا الذي يدعوكم إلا بشر مثلكم، لا يتميز عنكم بشيء، يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق كما تفعلون. وما علموا أن الله عز وجل أنه لا يجوز أن يرسل إليهم إلا بشرا ليتفهموا ويعلمهم. {أفتأتون السحر{ أي إن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم سحر، فكيف تجيؤون إليه وتتبعونه؟ فأطلع الله نبيه عليه السلام على ما تناجوا به. و{السحر{ في اللغة كل مموه لا حقيقة له ولا صحة. {وأنتم تبصرون{ أنه إنسان مثلكم مثل{وأنتم تعقلون{ لأن العقل البصر بالأشياء. وقيل: المعنى؛ أفتقبلون السحر وأنتم تعلمون أنه سحر. وقيل: المعني؛ أفتعدلون إلى الباطل وأنتم تعرفون الحق؛ ومعنى الكلام التوبيخ. {قال ربي يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم، بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون، ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون} قوله تعالى{قال ربي يعلم القول في السماء والأرض{ أي لا يخفى عليه شيء مما يقال في السماء والأرض. وفي مصاحف أهل الكوفة {قال ربي{ أي قال محمد ربي يعلم القول؛ أي هو عالم بما تناجيتم به. وقيل: إن القراءة الأولى أولي لأنهم أسروا هذا القول فأظهر الله عز وجل عليه نبيه صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يقول لهم هذا؛ قال النحاس: والقراءتان صحيحتان وهما بمنزلة الآيتين، وفيهما من الفائدة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر وأنه قال كما أمر. قوله تعالى{بل قالوا أضغاث أحلام{ قال الزجاج: أي قالوا الذي يأتي به أضغاث أحلام. وقال غيره: أي قالوا هو أخلاط كالأحلام المختلطة؛ أي أهاويل رآها في المنام؛ قال معناه مجاهد وقتادة؛ ومنه قول الشاعر: وقال القتبي: إنها الرؤيا الكاذبة؛ وفيه قول الشاعر: وقال اليزيدي: الأضغاث ما لم يكن له تأويل. وقد مضى هذا في {يوسف{. فلما رأوا أن الأمر ليس كما قالوا انتقلوا عن ذلك فقالوا{بل افتراه{ ثم انتقلوا عن ذلك فقالوا{بل هو شاعر{ أي هم متحيرون لا يستقرون على شيء قالوا ومرة سحر، ومرة أضغاث أحلام، ومرة افتراه، ومرة شاعر. وقيل: أي قال فريق إنه ساحر، وفريق إنه أضغاث أحلام؛ وفريق إنه افتراه، وفريق إنه شاعر. والافتراء الاختلاق؛ وقد تقدم. {فليأتنا بآية كما أرسل الأولون{ أي كما أرسل موسى بالعصا وغيرها من الآيات ومثل ناقة صالح. وكانوا عالمين بأن القرآن ليس بسحر ولا رؤيا ولكن قالوا: ينبغي أن يأتي بآية نقترحها؛ ولم يكن لهم الاقتراح بعدما رأوا آية واحدة. وأيضا إذا لم يؤمنوا بآية هي من جنس ما هم أعلم الناس به، ولا مجال للشبهة فيها فكيف يؤمنون بآية غيرها، ولو أبرأ الأكمه والأبرص لقالوا: هذا من باب الطب، وليس ذلك من صناعتنا، وإنما كان سؤالهم تعنتا إذ كان الله أعطاهم من الآيات ما فيه كفاية. وبين الله عز وجل أنهم لو كانوا يؤمنون لأعطاهم ما سألوه لقوله عز وجل قوله تعالى{ما آمنت قبلهم من قرية{ قال ابن عباس: يريد قوم صالح وقوم فرعون. {أهلكناها{ يريد كان في علمنا هلاكها. {أفهم يؤمنون{ يريد يصدقون؛ أي فما آمنوا بالآيات فاستؤصلوا فلو رأى هؤلاء ما اقترحوا لما آمنوا؛ لما سبق من القضاء بأنهم لا يؤمنون أيضا؛ وإنما تأخر عقابهم لعلمنا بأن في أصلابهم من يؤمن. و{من{ زائدة في قوله{من قرية{ كقوله{ {وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين، ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين، لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون} قوله تعالى{وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم{ هذا رد عليهم في قولهم لم يختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها، وأنهم المراد بقول الله عز وجل{فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون{ أجمعوا على أن الأعمى لا بدله من تقليد غيره ممن يثق بميزة بالقبلة إذا أشكلت عليه؛ فكذلك من لا علم له ولا بصر بمعنى ما يدين به لا بد له من تقليد عالمه، وكذلك لم يختلف العلماء أن العامة لا يجوز لها الفتيا؛ لجهلها بالمعاني التي منها يجوز التحليل والتحريم. قوله تعالى{وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام{ الضمير في {جعلناهم{ للأنبياء؛ أي لم نجعل الرسل قبلك خارجين عن طباع البشر لا يحتاجون إلى طعام وشراب {وما كانوا خالدين{ يريد لا يموتون وهذا جواب لقولهم وقال الكلبي: والجسد هو المتجسد الذي فيه الروح يأكل ويشرب؛ فعلى مقتضى هذا القول يكون ما لا يأكل ولا يشرب جسما وقال مجاهد: الجسد ما لا يأكل ولا يشرب؛ فعلى مقتضى هذا القول يكون ما يأكل ويشرب نفسا ذكره الماوردي. {ثم صدقناهم الوعد{ يعني الأنبياء؛ أي بإنجائهم ونصرهم وإهلاك مكذبيهم. {فأنجيناهم ومن نشاء{ أي الذين صدقوا الأنبياء. {وأهلكنا المسرفين{ أي المشركين. قوله تعالى{لقد أنزلنا إليكم كتابا{ يعني القرآن. {فيه ذكركم{ رفع بالابتداء والجملة في موضع نصب لأنها نعت لكتاب؛ والمراد بالذكر هنا الشرف؛ أي فيه شرفكم، مثل قلت: وهذه الأقوال بمعنى والأول يعمها؛ إذ هي شرف كلها، والكتاب شرف لنبينا عليه السلام؛ لأنه معجزته، وهو شرف لنا إن عملنا بما فيه، دليله ">الآية رقم ( 11 : 15 )">
الآية رقم ( {وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين، فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون، لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون، قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين، فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين} قوله تعالى{وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة{ يريد مدائن كانت باليمن. وقال أهل التفسير والأخبار: إنه أراد أهل حضور وكان بعث إليهم نبي اسمه شعيب بن ذي مهدم، وقبر شعيب هذا باليمن بجبل يقال له ضنن كثير الثلج، وليس بشعيب صاحب مدين؛ لأن قصة حضور قبل مدة عيسى عليه السلام، وبعد مئين من السنين من مدة سليمان عليه السلام، وأنهم قتلوا نبيهم وقتل أصحاب الرسول في ذلك التاريخ نبيا لهم اسمه حنظلة بن صفوان، وكانت حضور بأرض الحجاز من ناحية الشام، فأوحى الله إلى أرميا أن أيت بختنصر فأعلمه أني قد سلطته على أرض العرب وأني منتقم بك منهم، وأوحى الله إلى أرميا أن احمل معد بن عدنان على البراق إلى أرض العراق؛ كي لا تصيبه النقمة والبلاء معهم، فإني مستخرج من صلبه نبيا في آخر الزمان اسمه محمد، فحمل معدا وهو ابن اثنتا عشرة سنة، فكان مع بني إسرائيل إلى أن كبر وتزوج امرأة اسمها معانة؛ ثم إن بختنصر نهض بالجيوش، وكمن للعرب في مكان - وهو أول من اتخذ المكامن فيما ذكروا - ثم شن الغارات على حضور فقتل وسبى وخرب العامر، ولم يترك بحضور أثرا، ثم نصرف راجعا إلى السواد. و{كم{ في موضع نصب بـ {قصمنا{. والقصم الكسر؛ يقال: قصمت ظهر فلان وانقصمت سنه إذا انكسرت والمعني به ههنا الإهلاك. وأما الفصم (بالفاء) فهو الصدع في الشيء من غير بينونة؛ قال الشاعر: ومنه الحديث قوله تعالى{وأنشأنا{ أي أوجدنا وأحدثنا بعد إهلاكهم {فلما أحسوا{ أي رأوا عذابنا؛ يقال: أحسست منه ضعفا. وقال الأخفش{أحسوا{ خافوا وتوقعوا. {إذا هم منها يركضون{ أي يهربون ويفرون. والركض العدو بشدة الوطء. والركض تحريك الرجل؛ ومنه قوله تعالى قوله تعالى{لا تركضوا{ أي لا تفروا. وقيل: إن الملائكة نادتهم لما انهزموا استهزاء بهم وقالت{لا تركضوا{ {وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم{ أي إلى نعمكم التي كانت سبب بطركم، والمترف المتنعم؛ يقال: أترف على فلان أي وسع عليه في معاشه. وإنما أترفهم الله عز وجل كما قال {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين، لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين، بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون} قوله تعالى{وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين{ أي عبثا وباطلا؛ بل للتنبيه على أن لها خالقا قادرا يجب امتثال أموه، وأنه يجازي المسيء والمحسن أي ما خلقنا السماء والأرض ليظلم بعض الناس بعضا ويكفر بعضهم، ويخالف بعضهم ما أمر به ثم يموتوا ولا يجازوا، ولا يؤمروا في الدنيا بحسن ولا ينهوا عن قبيح. وهذا اللعب المنفي عن الحكيم ضده الحكمة. قوله تعالى{لو أردنا أن نتخذ لهوا{ لما اعتقد قوم أن له ولدا قال{لو أردنا أن نتخذ لهوا{ واللهو المرأة بلغة اليمن؛ قاله قتادة. وقال عقبة بن أبي جسرة - وجاء طاووس وعطاء ومجاهد يسألونه عن قوله تعالى{لو أردنا أن نتخذ لهوا{ - فقال: اللهو الزوجة؛ وقال الحسن. وقال ابن عباس: اللهو الولد؛ وقاله الحسن أيضا. قال الجوهري: وقد يكنى باللهو عن الجماع. قلت: ومنه قول امرئ القيس: وإنما سمي الجماع لهوا لأنه ملهى للقلب، كما قال: وفيهن ملهى للصديق ومنظر الجوهري: قوله تعالى{لو أردنا أن نتخذ لهوا{ قالوا امرأة، ويقال: ولدا. {لاتخذناه من لدنا{ أي من عندنا لا من عندكم. قال ابن جريج: من أهل السماء لا من أهل الأرض. قيل: أراد الرد على من قال إن الأصنام بنات الله؛ أي كيف يكون منحوتكم ولدا لنا. وقال ابن قتيبة: الآية رد على النصارى. {إن كنا فاعلين{ قال قتادة ومقاتل وابن. جريح والحسن: المعنى ما كنا فاعلين؛ مثل قوله تعالى{بل نقذف بالحق على الباطل{ القذف الرمي؛ أي نرمي بالحق على الباطل. {فيدمغه{ أي يقهره ويهلكه. وأصل الدمغ شج الرأس حتى يبلغ الدماغ، ومنه الدامغة. والحق هنا القرآن، والباطل الشيطان في قول مجاهد؛ قال: وكل ما في القرآن من الباطل فهو الشيطان. وقيل: الباطل كذبهم ووصفهم الله عز وجل بغير صفاته من الولد وغيره. وقيل: أراد بالحق الحجة، وبالباطل شبههم. وقيل: الحق المواعظ، والباطل المعاصي؛ والمعنى متقارب. والقرآن يتضمن الحجة والموعظة. {فإذا هو زاهق{ أي هالك وتالف؛ قاله قتادة. {ولكم الويل{ أي العذاب في الآخرة بسبب وصفكم الله بما لا يجوز وصفه. وقال ابن عباس: الويل واد في جهنم؛ وقد تقدم. {مما تصفون {أي مما تكذبون؛ عن قتادة ومجاهد؛ نظيره {وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون} قوله تعالى{وله من في السماوات والأرض{ أي ملكا وخلقا فكيف يجوز أن يشرك به ما هو عبده وخلقه. {ومن عنده{ يعني الملائكة الذين ذكرتم أنهم بنات الله. {لا يستكبرون{ أي لا يأنفون {عن عبادته{ والتذلل له. {ولا يستحسرون{ أي يعيون؛ قال قتادة. مأخوذ من الحسير وهو البعير المنقطع بالأعياء والتعب، [يقال]: حسر البعير يحسر حسورا أعيا وكل، واستحسر وتحسر مثله، وحسرته أنا حسرا يتعدى ولا يتعدى، وأحسرته أيضا فهو حسير. وقال ابن زيد: لا يملون. ابن عباس: لا يستنكفون. وقال أبو زيد: لا يكلون. وقيل: لا يفشلون؛ ذكره ابن الأعرابي؛ والمعنى واحد. {يسبحون الليل والنهار{ أي يصلون ويذكرون الله وينزهونه دائما. {لا يفترون{ أي لا يضعفون ولا يسأمون، يلهمون التسبيح والتقديس كما يلهمون النفس. قال عبدالله بن الحرث سألت كعبا فقلت: أما لهم شغل عن التسبيح؟ أما يشغلهم عنه شيء؟ فقال: من هذا؟ فقلت: من بني عبدالمطلب؛ فضمني إليه وقال: يا ابن أخي هل يشغلك شيء عن النفس؟! إن التسبيح لهم بمنزلة النفس. وقد استدل بهذه الآية من قال: إن الملائكة أفضل من بني آدم. وقد تقدم والحمد لله. قوله تعالى{أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون{ قال المفضل: مقصود هذا الاستفهام الجحد، أي لم يتخذوا آلهة تقدر على الإحياء. وقيل{أم{ بمعنى {هل{ أي هل اتخذ هؤلاء المشركون آلهة من الأرض يحيون الموتى. ولا تكون {أم{ هنا بمعنى بل؛ لأن ذلك يوجب لهم إنشاء الموتى إلا أن تقدر {أم{ مع الاستفهام فتكون {أم{ المنقطعة فيصح المعنى؛ قاله المبرد. وقيل{أم {عطف على المعنى أي أفخلقنا السماء والأرض لعبا، أو هذا الذي أضافوه إلينا من عندنا فيكون لهم موضع شبهة؟ أو هل ما اتخذوه من الآلهة في الأرض يحيي الموتى فيكون موضع شبهة؟. وقيل {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون} قوله تعالى{لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا{ أي لو كان في السموات والأرضين آلهة غير الله معبودون لفسدتا. قال الكسائي وسيبويه{إلا{ بمعنى غير فلما جعلت إلا في موضع غير أعرب الاسم الذي بعدها بإعراب كما غير، كما قال: وحكى سيبويه: لو كان معنا رجل إلا زيد لهلكنا. وقال الفراء{إلا{ هنا في موضع سوى، والمعنى: لو كان فيهما آلهة سوى الله لفسد أهلها. وقال غيره: أي لو كان فيهما إلهان لفسد التدبير؛ لأن أحدهما إن أراد شيئا والآخر ضده كان أحدهما عاجزا. وقيل: معنى {لفسدتا{ أي خربتا وهلك من فيهما بوقوع التنازع بالاختلاف الواقع بين الشركاء. {فسبحان الله رب العرش عما يصفون{ نزه نفسه وأمر العباد أن ينزهوه عن أن يكون له شريك أو ولد. قوله تعالى{لا يسأل عما يفعل وهم يسألون{ قاصمة للقدرية وغيرهم. قال ابن جريج: المعنى لا يسأل الخلق عن قضائه في خلقه وهو يسأل الخلق عن عملهم؛ لأنهم عبيد. بين بهذا أن من يسأل غدا عن أعماله كالمسيح والملائكة لا يصلح للألهية. وقيل: لا يؤاخذ على أفعاله وهم يؤاخذون. وروي عن علي رضي عنه أن رجلا قال له يا أمير المؤمنين: أيحب ربنا أن يعصى؟ قال: أفيعصى ربنا قهرا؟ قال: أرأيت إن منعني الهدى ومنحني الردى أأحسن إلي أم أساء؟ قال: إن منعك حقك فقد أساء، وإن منعك فضله فهو يؤتيه من يشاء. ثم تلا الآية{لا يسأل عمال يفعل يفعل وهم يسألون{. وعن ابن عباس قال: لما بعث الله عز وجل موسى وكلمه، وأنزل عليه التوراة، قال: اللهم إنك رب عظيم، لو شئت أن تطاع لأطعت، ولو شئت ألا تعصى ما عصيت، وأنت تحب أن تطاع وأنت في ذلك تعصى فكيف هذا يا رب؟ فأوحي الله إليه: إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون. قوله تعالى{أم اتخذوا من دونه آلهة{ أعاد التعجب في اتخاذ الآلهة من دون الله مبالغة في التوبيخ، أي صفتهم كما تقدم في الإنشاء والإحياء، فتكون {أم{ بمعنى هل على ما تقدم، فليأتوا بالبرهان على ذلك. وقيل: الأول احتجاج. من حيث المعقول؛ لأنه قال{هم ينشرون{ ويحيون الموتى؛ هيهات! والثاني احتجاج بالمنقول، أي هاتوا برهانكم من هذه الجهة، ففي أي كتاب نزل هذا؟ في القران، أم في الكتب المنزلة سائر الأنبياء؟ {هذا ذكر من معي{ بإخلاص التوحيد في القرآن {وذكر من قبلي{ في التوراة والإنجيل، وما أنزل الله من الكتب؛ فانظروا هل في كتاب من هذه الكتب أن الله أمر باتخاذ آلهة سواه؟ فالشرائع لم تختلف فيما يتعلق بالتوحيد، وإنما اختلفت في الأوامر والنواهي. وقال قتادة: الإشارة إلى القرآن؛ المعنى{هذا ذكر من معي{ بما يلزمهم من الحلال والحرام {وذكر من قبلي{ من الأمم ممن نجا بالإيمان وهلك بالشرك. وقيل{ذكر من معي{ بما لهم من الثواب على الإيمان والعقاب على الكفر {وذكر من قبلي{ من الأمم السالفة فيما يفعل بهم في الدنيا، وما يفعل بهم في الآخرة. وقيل: معنى الكلام الوعيد والتهديد، أي افعلوا ما شئتم فعن قريب ينكشف الغطاء. وحكى أبو حاتم: أن يحيى بن يعمر وطلحة بن مصرف قرأ {هذا ذكر من معي وذكر من قبلي{ بالتنوين وكسر الميم، وزعم أنه لا وجه لهذا. وقال أبو إسحاق الزجاج في هذه القراءة: المعنى؛ هذا ذكر مما أنزل إلي ومما هو معي وذكر من قبلي. وقيل: ذكر كائن من قبلي، أي جئت بما جاءت به الأنبياء من قبلي. {بل أكثرهم لا يعلمون الحق{ وقرأ ابن محيصن والحسن {الحق{ بالرفع بمعنى هو الحق وهذا هو الحق. وعلى هذا يوقف على {لا يعلمون{ ولا يوقف عليه على قراءة النصب. {فهم معرضون{ أي عن الحق وهو القرآن، فلا يتأملون حجة التوحيد. {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} قوله تعالى{وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا يوحى إليه{ وقرأ حفص وحمزة والكسائي {نوحي إليه{ بالنون؛ لقوله{أرسلنا{. {أنه لا إله إلا أنا فاعبدوني{ أي قلنا للجميع لا إله إلا الله؛ فأدل العقل شاهدة أنه لا شريك له، والنقل عن جميع الأنبياء موجود، والدليل إما معقول وإما منقول. وقال قتادة: لم يرسل نبي إلا بالتوحيد، والشرائع مختلفة في التوراة والأنجيل والقرآن، وكل ذلك على الإخلاص والتوحيد. {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون، ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين} قوله تعالى{وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه{ نزلت في خزاعة حيث قالوا: الملائكة بنات الله، وكانوا يعبدونهم طمعا في شفاعتهم لهم. وروى معمر عن قتادة قال قالت اليهود - قال معمر في روايته - أو طوائف من الناس: خاتن إلى الجن والملائكة من الجن، فقال الله عز وجل{سبحانه{ تنزيها له. {بل عباد{ أي بل هم عباد {مكرمون{ أي ليس كما زعم هؤلاء الكفار. ويجوز النصب عند الزجاج على معنى بل اتخذ عبادا مكرمين. وأجازه الفراء على أن يرده على ولد، أي بل لم نتخذهم ولدا، بل اتخذناهم عبادا مكرمين. والولد ها هنا للجمع، وقد يكون الواحد والجمع ولدا. ويجوز أن يكون لفظ الولد للجنس، كما يقال لفلان ما {لا يسبقونه بالقول{ أي لا يقولون حتى يقول، ولا يتكلمون إلا بما يأمرهم. {وهم بأمره يعملون{ أي بطاعته وأوامره. {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم{ أي يعلم ما عملوا وما هم عاملون؛ قال ابن عباس. وعنه أيضا{ما بين أيديهم{ الآخرة {وما خلفهم{ الدنيا؛ ذكر الأول الثعلبي، والثاني القشيري. {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى{ قال ابن عباس: هم أهل شهادة أن لا إله إلا الله وقال مجاهد: هم كل من رضي الله عنه، والملائكة يشفعون غدا في الآخرة كما في صحيح مسلم وغيره، وفي الدنيا أيضا؛ فإنهم يستغفرون للمؤمنين ولمن في الأرض، كما نص عليه التنزيل على ما يأتي. {وهم{ يعني الملائكة {من خشيته{ يعني من خوفه {مشفقون{ أي خائفون لا يأمنون مكره. قوله تعالى{ومن يقل منهم إني إله من دونه{ قال قتادة والضحاك وغيرهما: عني بهذه الآية إبليس حيث أدعى الشركة، ودعا إلى عبادة نفسه وكان من الملائكة، ولم يقل أحد من الملائكة إني إله غيره. وقيل: الإشارة إلى جميع الملائكة، أي فذلك القائل {نجزيه جهنم{ وهذا دليل على أنهم وإن أكرموا بالعصمة فهم متعبدون، وليسوا مضطرين إلى العبادة كما ظنه بعض الجهال. وقد استدل ابن عباس بهذه الآية على أن محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل أهل السماء. وقد تقدم في {البقرة{. {كذلك نجزي الظالمين{ أي كما جزينا هذا بالنار فكذلك نجزي الظالمين الواضعين الألوهية والعبادة في غير موضعهما. {أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون، وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون، وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون، وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون} قوله تعالى{أولم يرى الذين كفروا{ قراءة العامة {أو لم{ بالواو. وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد وشبل بن عباد {ألم تر{ بغير واو وكذلك هو في مصحف مكة. {أو لم ير{ بمعنى يعلم. {الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا{ قال الأخفش{كانتا{ لأنهما صنفان، كما تقول العرب: هما لقاحان أسودان، وكما قال الله عز وجل قلت: وبه يقع الاعتبار مشاهدة ومعاينة؛ ولذلك أخبر بذلك في غير ما آية؛ ليدل على مال قدرته، وعلى البعث والجزاء. وقيل: ورتق الفتوق وفتق الرتو ق ونقض الأمور وإبرامها قوله تعالى{وجعلنا من الماء كل شيء حي{ ثلاث تأويلات: أحدها: أنه خلق كل شيء من الماء؛ قال قتادة الثاني: حفظ حياة كل شيء بالماء. الثالث: وجعلنا من ماء الصلب كل شيء حي؛ قال قطرب. {وجعلنا{ بمعنى خلقنا. قوله تعالى{وجعلنا في الأرض رواسي{ أي جبالا ثوابت. {أن تميد بهم{ أي لئلا تميد بهم، ولا تتحرك ليتم القرار عليها؛ قاله الكوفيون. وقال البصريون: المعنى كراهية أن تميد. والميد التحرك والدوران. يقال: ماد رأسه؛ أي دار. ومضى في {النحل{ مستوفى. {وجعلنا فيها فجاجا{ يعني في الرواسي؛ عن ابن عباس. والفجاج ا لمسالك. والفج الطريق الواسع بين الجبلين. وقيل: وجعلنا في الأرض فجاجا أي مسالك؛ وهو اختيار الطبري؛ لقوله{لعلهم يهتدون{ أي يهتدون إلى السير في الأرض. {سبلا{ تفسير الفجاج؛ لأن الفج قد يكون طريقا نافذا مسلوكا وقد لا يكون. وقيل: ليهتدوا بالاعتبار بها إلى دينهم. قوله تعالى{وجعلنا السماء سقفا محفوظا{ أي محفوظا من أن يقع ويسقط على الأرض؛ دليله قوله تعالى قوله تعالى{وهو الذي خلق الليل والنهار{ ذكرهم نعمة أخرى: جعل لهم الليل ليسكنوا فيه، والنهار ليتصرفوا فيه لمعايشهم {والشمس والقمر{ أي وجعل الشمس آية النهار، والقمر آية الليل؛ لتعلم الشهور والسنون والحساب، كما تقدم في {سبحان{ بيانه. {كل{ يعني من الشمس والقمر والنجوم والكواكب والليل والنهار {في فلك يسبحون{ أي يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء. قال الله تعالى وهو أصدق القائلين{والسابحات سبحا{ ويقال للفرس الذي يمد يده في الجري سابح. وفيه من النحو أنه لم يقل: يسحن ولا تسبح؛ فمذهب سيبويه: أنه لما أخبر عنهن بفعل من يعقل وجعلهن في الطاعة بمنزلة من يعقل، أخبر عنهن بفعل من يعقل وجعلهن في الطاعة بمنزلة من يعقل، أخبر عنهن بالواو والنون ونحوه قال الفراء. وقد تقدم هذا المعنى في {يوسف{. وقال الكسائي: إنما قال{يسبحون{ لأنه رأس آية، كما قال الله تعالى {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون، كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون} قوله تعالى{وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد{ أي دوام البقاء في الدنيا نزلت حين قالوا: نتربص بمحمد ريب المنون. وذلك أن المشركين كانوا يدفعون نبوته ويقولون: شاعر نتربص به ريب المنون، ولعله يموت كما مات شاعر بني فلان؛ فقال الله تعالى: قد مات الأنبياء من قبلك، وتولى الله دينه بالنصر والحياطة، فهكذا نحفظ دينك وشرعك. {أفإن مت فهم الخالدون أي أفهم؛ مثل قول الشاعر: أي أهم فهو استفهام إنكار. وقال الفراء: جاء بالفاء ليدل على الشرط؛ لأنه جواب قولهم سيموت. ويجوز أن يكون جيء بها؛ لأن التقدير فيها: أفهم الخالدون إن مت! قال الفراء: ويجوز حذف الفاء وإضمارها؛ لأن {هم{ لا يتبين فيها الإعراب. أي إن مت فهم يموتون أيضا، فلا شماتة في الإماتة. وقرئ {مت{ بكسر الميم وضمها لغتان. {كل نفس ذائقة الموت{ تقدم. {ونبلوكم بالشر والخير فتنة{ {فتنة{ مصدر على غير اللفظ. أي نختبركم بالشدة والرخاء والحلال والحرام، فننظر كيف شكركم وصبركم. {وإلينا ترجعون{ أي للجزاء بالأعمال. {وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون} قوله تعالى{وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا{ أي ما يتخذونك. والهزاء السخرية؛ وقد تقدم وهم المستهزئون المتقدمو الذكر في آخر سورة {الحجر{ في قوله أي لا تعيبي مهري. {وهم بذكر الرحمن{ أي بالقرآن. {هم كافرون{ {هم{ الثانية توكيد كفرهم، أي هم الكافرون مبالغة في وصفهم بالكفر. {خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون، ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين، لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون، بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون} قوله تعالى{خلق الإنسان من عجل{ أي ركب على العجلة فخلق عجولا؛ كما قال الله تعالى وقيل: المراد بالإنسان الناس كلهم. وقيل المراد: النضر بن الحرث بن علقمة بن كلدة بن عبد الدار في تفسير ابن عباس؛ أي لا ينبغي لمن خلق من الطين الحقير أن يستهزئ بآيات الله ورسله. وقيل: إنه من المقلوب؛ أي خلق العجل من الإنسان. وهو مذهب أبي عبيدة. النحاس: وهذا القول لا ينبغي أن يجاب به في كتاب الله؛ لأن القلب إنما يقع في الشعر اضطرارا كما قال: ونظيره هذه الآية قوله تعالى{لو يعلم الذين كفروا{ العلم هنا بمعنى المعرفة فلا يقتضي مفعولا ثانيا مثل {ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون} قوله تعالى{ولقد استهزئ برسل من قبلك{ هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتعزية له. يقول: إن استهزأ بك هؤلاء، فقد استهزئ برسل من قبلك، فاصبر كما صبروا. ثم وعده النصر فقال{فحاق{ أي أحاط ودار {بالذين{ كفروا {سخروا منهم{ وهزئوا بهم {ما كانوا به يستهزئون{ أي جزاء استهزائهم. {قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون، أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون، بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون} قوله تعالى{قل من يكلؤكم{ أي يحرسكم ويحفظكم. والكلاءة الحراسة والحفظ؛ كلاه الله كلاء (بالكسر) أي حفظه وحرسه. يقال: اذهب في كلاءة الله؛ واكتلأت منهم أي احترست، قال الشاعر هو ابن هرمة: وقال آخر: وحكى الكسائي والفراء {قل من يكْلَوكم{ بفتح اللام وإسكان الواو. وحكيا {من يكلاكم{ على تخفيف الهمزة في الوجهين، والمعروف تحقيق الهمزة وهي قراءة العامة. فأما {يكلاكم{ فخطأ من وجهين فيما ذكره النحاس: أحدهما: أن بدل الهمزة. يكون في الشعر. والثاني: أنهما يقولان في الماضي كليته، فينقلب المعنى؛ لأن كليته أوجعت كليته، ومن قال لرجل: كلاك الله فقد دعا عليه بأن يصيبه الله بالوجع في كليته. ثم قيل: مخرج اللفظ مخرج الاستفهام والمراد به النفي. وتقديره: قل لا حافظ لكم {بالليل{ إذا نمتم {والنهار{ إذا قمتم وتصرفتم في أموركم. {من الرحمن{ أي من عذابه وبأسه؛ كقوله تعالى قوله تعالى{أم لهم آلهة{ المعنى: ألهم والميم صلة. {تمنعهم من دوننا{ أي من عذابنا. {لا يستطيعون{ يعني الذين زعم هؤلاء الكفار. أنهم ينصرونهم لا يستطيعون {نصر أنفسهم{ فكيف ينصرون عابديهم. {ولا هم منا يصحبون{ قال ابن عباس: يمنعون. وعنه: يجارون؛ وهو اختيار الطبري. تقول العرب: أنا لك جار وصاحب. من فلان؛ أي مجير منه؛ قال الشاعر: وروى معمر عن ابن أبي نجيح عن قال{ينصرون{ أي يحفظون. قتادة: أي لا يصحبهم الله بخير، ولا يجعل رحمته صاحبا لهم. قوله تعالى{بل متعنا هؤلاء وآباءهم{ قال ابن عباس: يريد أهل مكة. أي بسطنا لهم ولآبائهم في نعيمها {حتى طال عليهم العمر{ في النعمة. فظنوا أنها لا تزول عنهم، فاغتروا وأعرضوا عن تدبر حجج {أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها{ أي بالظهور عليها لك يا محمد أرضا بعد أرض، وفتحها بلدا بعد بلد مما حول مكة؛ قال معناه الحسن وغيره. وقيل: بالقتل والسبي؛ حكاه الكلبي. والمعنى واحد. وقد مضى في {الرعد{ الكلام في هذا مستوفى. {أفهم الغالبون{ يعني، كفار مكة بعد أن نقصنا من أطرافهم، بل أنت تغلبهم وتظهر عليهم.
|