الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **
في العمرة قولان الأظهر الجديد أنها فرض كالحج والقديم سنة وإذ أوجبناها فهي في شرط مطلق الصحة وصحة المباشرة والوجوب والإجزاء عن عمرة الإسلام على ما ذكرنا في الحج والاستطاعة الواحدة كافية لهما جميعا.
للحج يجوز الاستئجار عليه لدخول النيابة فيه كالزكاة ويجوز بالرزق كما يجوز بالإجارة وذلك بأن يقول حج عني وأعطيك نفقتك. ولو استأجر بالنفقة لم تصح لجهالتها. فرع الاستئجار في الأعمال الاستئجار في جميع الأعمال ضربان استئجار عين الشخص وَإِلزام ذمته العمل 0 يقول الوارث: لتحج عن ميتي ولو قال: لتحج بنفسك كان تأكيداً 0 ومثال الثاني: ألزمت ذمتك تحصيل الحج 0 ويفترق الضربان في أمور ستراها إن شاء الله ثم لصحة الاستئجار شروط 0 وله آثار وأحكام موضعها كتاب [الإجارة]. والذي نذكر هنا ما يتعلق بخصوص الحج 0 فكل واحد من ضربي الإجارة قد يعين فيه زمن العمل وقد لا يعين 0 وإذا عين فقد يعين السنة الأولى وقد يعين غيرها 0 فأما في إجارة العين 0 واذا عين فقد يعين السنة الأولى 0 وقد يعين غيرها فأما في إجارة العين فان عينا السنة الأولى جاز بشرط أن يكون الخروج والحج فيما بقي منها مقدوراً للأجير فلو كان مريضاً لا يمكنه الخروج أو كان الطريق مخوفاً أو كانت المسافة بحيت لا تنقطع في بقية السنة لم يصح العقد للعجز عن المنفعة وإن عينا غير السنة الأولى لم يصح العقد كاسئجار الدار للشهر المستقبل لكن لو كانت المسافة بعيدة لا يمكن قطعها في سنة لم يضر التأخير والمعتبر السنة الأولى من سني الامكان من ذلك البلد وإن أطلقا ولم يعينا زمناً حمل على السنة الأولى وغيرها فان أطلق حمل على الأولى ولا يقدح فيها مرض الأجير لإمكان الاستنابة ولا خوف الطريق ولا ضيق الوقت إن عين غير السنة الأولى وليس للأجير أن يستنيب في إجارة العين بحال 0 وأما إجارة الذمة ففي التهذيب وغيره: أنه إن قال: ألزمت ذمتك تحصيل حجة لي جاز أن يستنيب وإن قال: لتحج بنفسك لم يجز لأن الغرض يختلف باختلاف أعيان الأجراء 0 وهذا قد حكاه الامام عن الصيدلاني وخطّأه فيه وقال ببطلان الإجارة في الصورة الثانية لأن الدينية مع الربط بمعين تتناقضان كمن أسلم في فرع أعمال الحج أعمال الحج معروفة فان علمها المتعاقدان عند العقد فذاك وإن جهلها أحدهما لم يصح العقد وهل يشترط تعيين الميقات الذي يحرم منه الأجير فيه طرق أصحها: على قولين أظهرهما: لا يشترط ويحمل على ميقات تلك البلدة في العادة الغالبة والثاني: يشترط الطريق الثاني: إن كان للبلد طريقان مختلفا الميقات أو طريق يفضي إلى ميقاتين كالعقيق وذات عرق اشترط وإن لم يكن له إلا ميقات واحد لم يشترط والطريق الثالث: إن كان الاستئجار عن حي اشترط وإلا فلا. فإن شرطنا التعيين فسدت الإجارة بإهماله لكن يقع الحج عن المستأجر لوجود الإذن ويلزمه أجرة المثل وإن كانت الإجارة للحج والعمرة فلا بد من بيان أنه يفرد أو يقرن أو يتمتع لاختلاف الغرض بها. فرع نقل المزني عن نصه في المنثور أنه لو قال المعضوب من حج عني فله مائة درهم فحج عنه إنسان استحق المائة وللأصحاب فيه وجهان أصحهما وإليه ميل الأكثرين أن هذا النص على ظاهره وتصح الجعالة على كل عمل يضح الاستئجار عليه لأن الجعالة تجوز على العمل المجهول فعلى المعلوم أولى والثاني أن النص مخالف أو مؤول ولا تجوز الجعالة على ما تجوز الإجارة عليه إذ لا ضرورة إليها لإمكان الإجارة فعلى هذا لو حج عنه إنسان وقع الحج عن المعضوب للإذن وللعامل أجرة المثل لفساد العقد وفيه وجه أنه يفسد الإذن لأنه غير متوجه إلى إنسان بعينه فهو كما لو قال وكلت من أراد بيع داري فلا يصح التوكيل وهذا شاذ ضعيف. قلت: لو قال من حج عني أو أول من يحج عني فله ألف درهم فسمعه رجلان فأحرما عنه أحدهما بعد الآخر وقع الأول عن القائل وله الألف ووقع حج الثاني عن نفسه ولا شيء له وإن وقعا معا وشك في وقوعهما معا وقع حجهما عنهما ولا شيء لهما على القائل لأنه ليس أحدهما بأولى من الآخر صرح به القاضي حسين والأصحاب والله أعلم. فرع مقتضى كلام إمام الحرمين والغزالي تجويز تقديم الإجارة على خروج والذي ذكره جمهور الأصحاب على اختلاف طبقاتهم ينازع فيه ويقتضي اشتراط وقوع العقد في زمن خروج الناس من ذلك البلد حتى قال صاحب التهذيب لا تصح إجارة العين إلا في وقت خروج القافلة من ذلك البلد بحيث يشتغل عقيب العقد بالخروج أن بأسبابه من شراء الزاد ونحوه فإن كان قبله لم يصح وبنوا على ذلك أنه لو كان الاستئجار بمكة لم يجز إلا في أشهر الحج ليمكنه الاشتغال بالعمل عقيب العقد وعلى ما قاله الإمام والغزالي لو جرى العقد في وقت تراكم الأنداء والثلوج فوجهان. أحدهما يجوز وب قطع الغزالي في الوجيز وصححه في الوسيط لأن توقع زوالها مضبوط والثاني لا لتعذر الاشتغال بالعمل في الحال بخلاف انتظار خروج الرفقة فإن خروجها في الحال غير متعذر وهذا كله في إجارة العين أما إجارة الذمة فيجوز تقديمها على الخروج بلا شك. قلت: أنكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح على الإمام الرافعي هذا النقل عن جمهور الأصحاب قال وما ذكره عن صاحب التهذيب يمكن التوفيق بينه وبين كلام الإمام أو هو شذوذ من صاحب التهذيب لا ينبغي أن يضاف إلى جمهور الأصحاب فإن الذي رأيناه في التتمة و الشامل و البحر وغيرها مقتضاه أنه يصح العقد في وقت يمكن فيه الخروج والسير على العادة أو الاشتغال بأسباب الخروج قال صاحب البحر أما عقدها في أشهر الحج فيجوز في كل موضع لإمكان الإحرام في الحال هذا كلام الشيخ أبي عمرو والله أعلم. فرع إذا لم يشرع الأجير في الحج في السنة الأولى لعذر فإن كانت الإجارة على العين انفسخت وإن كانت على الذمة نظر إن لم يعينا سنة فقد سبق أنه كتعيين السنة الأولى وذكر في التهذيب أنه يجوز التأخير عن السنة الأولى والحالة هذه لكن يثبت للمستأجر الخيار وإن عينا الأولى أو غيرها فأخر عنها فطريقان أصحهما على قولين كما لو انقطع المسلم فيه في محله. أظهرهما: لا تنفسخ. والثاني: تنفسخ. والطريق الثاني: القطع بأنه لا تنفسخ. فإذا قلنا لا تنفسخ فإن كان المستأجر هو المعضب فله الخيار إن شاء فسخ وإن شاء أخر ليحج في السنة الأخرى وإن كان الاستئجار عن ميت من ماله قال أصحابنا العراقيون لا خيار للمستأجر وتوقف الإمام في هذا وذكر صاحب التهذيب وغيره أن على الولي أن يراعي النظر للميت فإن كانت المصلحة في فسخ العقد لخوف إفلاس الأجير أو هربه فلم يفعل ضمن وهذا هو الأصح ويجوز أن يحمل المنسوب إلى العراقيين على أحد أمرين رأيتهما للأئمة. أحدهما صور بعضهم المنع فيما إذا كان الميت أوصى بأن يحج عنه إنسان بمائة مثلا ووجهه بأن الوصية مستحقة الصرف إليه الثاني قال أبو إسحق في الشرح للمستأجر لميت أن يرفع الأمر إلى القاضي ليفسخ العقد إن كانت المصلحة تقتضيه وإن كان لا يستقل به فإذا نزل ما ذكروه على المعنى الأول ارتفع الخلاف وإن نزل على الثاني هان أمره ولو استأجر المعضوب لنفسه فمات وأخر الأجير الحج عن السنة فلم نر هذه المسألة مسطورة وظاهر كلام الغزالي أنه ليس للوارث فسخ الإجارة. والقياس ثبوت الخيار للوارث كالرد بالعيب ونحوه. قلت: الظاهر المختار أنه ليس له الفسخ إذ لا ميراث في هذه الأجرة بخلاف الرد بالعيب والله أعلم. فرع لو استأجر إنسان عن الميت من مال نفسه تبرعا فهو كاستئجار لنفسه فله الخيار فرع لو قدم الأجير الحج على السنة المعنية جاز وقد زاد خيرا. فرع انتهاء الأجير إلى الميقات المتعين إذا انتهى الأجير إلى الميقات المتعين إما بشرطهما إن اعتبرناه وإما بتعيين الشرع فلم يحرم عن المستاجر بل احرم عن نفسه بعمرة فلما فرغ منها أحرم عن المستأجر بالحج فله حالان أحدهما أن لا يعود إلى الميقات فيصح الحج عن المستأجر للأذن ويحط شيء من الأجرة المسماة لإخلاله بالإحرام من الميقات الملتزم وفي قدر المحطوط خلاف يتعلق بأصل وهو أنه إذا سار الأجير من بلد الإجارة وحج فالأجرة تقع في مقابلة أعمال الحج وحدها أم تتوزع على اليسير والأعمال وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى فإن خصصناها بالأعمال وزعت الأجرة المسماة على حجة من الميقات وحجة من مكة لأن المقابل بالأجرة على هذا هو الحج من الميقات فإذا كانت أجرة الحجة المنشأة من مكة دينارين والمنشأة من الميقات خمسة فالتفاوت ثلاثة أخماس فتحط ثلاثة أخماس المسمى. فإن وزعنا الأجرة على السير والأعمال وهو المذهب فقولان. أحدهما لا تحسب له المسافة هنا لأنه صرفها إلى غرض نفسه لإحرامه بالعمرة من الميقات فعلى هذا يوزع المسمى على حجة تنشأ من بلد الإجارة ويقع الإحرام بها من الميقات وعلى حجة تنشأ من مكة فيحط من المسمى بنسبته فإذا كانت أجرة المنشأة من البلد مائة والمنشأة من مكة عشرة حط تسعة أعشار المسمى. وأظهرهما يحتسب قطع المسافة إلى الميقات لجواز أن يكون قصد الحج منه إلا أنه عرض له العمرة فعلى هذا يوزع المسمى على منشأة من بلد الإجارة إحرامها من الميقات وعلى منشأة من البلد إحرامها من مكة فإذا كانت أجرة الأولى مائة والثانية تسعين حط عشر المسمى فحصل في الجملة ثلاثة أقوال المذهب منها هذا الأخير. ثم الأجير في مسألتنا يلزمه دم لإحرامه بالحج بعد تجاوزه الميقات وسنذكر إن شاء الله تعالى خلافا في غير صورة الاعتمار أن إساءة المجاوزة هل تنجبر بإخراج الدم حتى لا يحط شيء من الأجرة أم لا وذلك الخلاف يجيء هنا صرح به ابن عبدان وغيره فإذا الخلاف في قدر المحطوط. فرع للقول بإثبات أصل الحط ويجوز أن يفرق بين الصورتين ويقطع بعدم الانجبار هنا لأنه ارتفق بالمجاوزة حيث أحرم بالعمرة لنفسه. الحال الثاني أن يعود إلى الميقات بعد الفراغ من العمرة فيحرم بالحج منه فهل يحط شيء من الأجرة يبني على الخلاف المتقدم إن قلنا الأجرة موزعة على العمل والسير ولم يحسب السير لانصرافه إلى عمرته وزعت الأجرة المسماة على حجة منشأة من بلد الإجارة إحرامها من الميقات وعلى منشأة من الميقات بغير قطع مسافة ويحط بالنسبة من المسمى وإن قلنا الأجرة في مقابلة العمل فقط أو وزعناها عليه وعلى السير واحتسبنا المسافة فلا حط فتجب الأجرة كلها وهذا هو المذهب ولم يذكر كثيرون غيره. فرع تجاوز الأجير الميقات المتعين إذا جاوز الميقات المتعين بالشرط أو الشرع غير محرم ثم أحرم بالحج عن المستأجر نظر إن عاد إليه وأحرم منه فلا دم عليه ولا يحط من الأجرة شيء وإن أحرم من جوف مكة أو بين الميقات ومكة ولم يعد لزم دم الإساءة بالمجاوزة وهل ينجبر به الخلل حتى لا يحط شيء من الأجرة فيه طريقان أصحهما على قولين أحدهما ينجبر ويصير كأن لا مخالفة فتجب جميع الأجرة وأظهرهما وهو نصه في المختصر يحط. والطريق الثاني القطع بالحط. فإن قلنا بالانجبار فهل نعتبر قيمة الدم ونقابلها بالتفاوت وجهان أحدهما نعم فلا ينجبر ما زاد على قيمة الدم وأصحهما لا لأن المعول في هذا القول على جبر الخلل والشرع قد حكم به من غير نظر إلى القيمة وإذا قلنا بالمذهب وهو الحط ففي قدره الوجهان بناء على الأصل السابق وهو أن الأجرة في مقابلة ماذا فإن قلنا في مقابلة العمل فقط وزعنا المسمى على حجة من الميقات وحجة من حيث أحرم. وإن وزعنا على العمل والسير وهو المذهب وزعنا المسمى على حجة من بلدة إحرامها من الميقات وعلى حجة من بلدة إحرامها من حيث أحرم وعلى هذا يقل المحطوط ثم حكى الشيخ أبو محمد وجهين في أن النظر إلى الفراسخ وحدها أم يعتبر مع ذلك السهولة والخشونة والأصح الثاني ولو عدل الأجير عن طريق الميقات المعتبر إلى طريق آخر ميقاته مثل المعتبر فالمذهب أنه لا شيء عليه هذا كله في الميقات الشرعي أما إذا عينا موضعا آخر فإن كان أقرب إلى مكة من الشرعي فالشرط فاسد مفسد الإجارة إذا لا يجوز لمريد النسك مجاوزة الميقات غير محرم وإن كان أبعد بأن عينا الكوفة فهل يلزم الأجير الدم لمجاوزتها غير محرم وجهان الأصح المنصوص نعم فإن قلنا لا يلزم السلام حط قسط الأجرة قطعا وإلا ففي حصول الانجبار به الطريقان وكذلك لو لزمه الدم لترك مأمور كالرمي والمبيت فإن لزمه بفعل مخطور كاللبس والقلم لم يحط شيء من الأجرة لأنه لم ينقص العمل ولو شرط الإحرام في أول شوال فأخره لزمه الدم وفي الانجبار الخلاف وكذا لو شرط أن يحج ماشيا فحج راكبا لأنه ترك مقصودا هكذا نقلت: المسألتان عن القاضي حسين ويشبه أن تكونا مفرعتين على أن الميقات المشروط كالشرعي وإلا فلا يلزم الدم كما في مسألة تعيين الكوفة. فرع إذا استأجره للقرآن فتارة يمتثل وتارة يعدل إلى جهة أخرى فإن امتثل فقرن وجب دم القرآن وعلى من يجب وجهان وقيل قولان أصحهما على المستأجر. والثاني على الأجير فعلى الأول لو شرط أن يكون على الأجير فسدت الإجارة لأنه جمع بين إجارة وبيع مجهول فإن الدم مجهول الصفة فلو كان المستأجر معسرا فالصوم على الأجير لأن بعض الصوم ينبغي أن يكون في الحج والذي منهما في الحج هو الأجير كذا ذكره في التهذيب وقال في التتمة هو كالعاجز عن الهدي والصوم جميعا وعلى الوجهين يستحق الأجرة بكمالها. فأما إذ عدل فينظر إن عدل إلى الأفراد فحج ثم اعتمر فإن كانت الإجارة على العين لزمه أن يرد من الأجرة حصة العمرة نص عليه في المناسك الكبير لأنه لا يجوز تأخير العمل في هذه الإجارة عن الوقت المعين وإن كانت في الذمة نظر إن عاد إلى الميقات للعمرة فلا شيء عليه لأنه زاد خيرا ولا شيء عليه ولا على المستأجر أيضا لأنه لم يقرن وإن لم يعد فعلى الأجير دم لمجاوزته الميقات للعمرة وهل يحط شيء من الأجرة أم تنجبر الإساءة بالدم فيه الخلاف السابق وإن عدل إلى التمتع فقد أشار صاحب التتمة إلى أنه إن كانت إجارة عين لم يقع الحج عن المستأجر لوقوعه في غير الوقت المعين وهذا هو قياس ما تقدم وإن كانت على الذمة نظر إن عاد إلى الميقات للحج فلا دم عليه ولا على المستأجر وإلا فوجهان. أحدهما لا يجعل مخالفا لتقارب الجهتين فيكون حكمه كما لو امتثل وفي كون الدم على الأجير أو المستأجر الوجهان وأصحهما يجعل مخالفا فيجب الدم على الأجير لإساءته وفي حط شيء من الأجرة الخلاف وذكر أصحاب الشيخ أبي حامد أنه يجب على الأجير دم لتركه الإحرام من الميقات وعلى المستأجر دم آخر لأن القران الذي أمر به يتضمنه واستبعده ابن الصباغ وغيره فرع إذا استأجره للتمتع فامتثل فهو كما لو أمره بالقران فامتثل وإن أفرد نظر إن قدم العمرة وعاد للحج إلى الميقات فقد زاد خيرا وإن أخر العمرة فإن كانت إجارة عين انفسخت في العمرة لفوات وقتها المعين فيرد حصتها من المسمى وإن كانت على الذمة وعاد إلى الميقات للعمرة لم يلزمه شيء وإلا فعليه دم لتركه الإحرام بالعمرة من الميقات وفي حط شيء من الأجرة الخلاف وإن قرن فقد زاد خيرا نص عليه لأنه قد أحرم بالنسكين من الميقات وكان مأمورا بأن يحرم بالحج من مكة ثم إن عدد الأفعال للنسكين فلا شيء عليه وإلا فهل يحط شيء من الأجرة لاختصاره في الأفعال وجهان وكذا الوجهان في أن الدم على المستأجر أم الأجير. فرع لو استأجره للأفراد فامتثل فذاك فلو قرن نظر إن كانت الإجارة على العين فالعمرة واقعة في غير وقتها فهو كما لو استأجره للحج وحده فقرن وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في الفصل الثاني من الفصلين الآتيين وإن كانت في الذمة وقعا عن المستأجر وعلى الأجير الدم وهل يحط شيء من الأجرة للخلل أم يتخير بالدم فيه الخلاف وإن تمتع فإن كانت الإجارة على العين وقد أمره بتأخير العمرة وفقد وقعت في غير وقتها فيرد ما يخصها من الأجرة وإن أمره بتقديمها أو كانت على الذمة وقعا عن المستأجر ولزم الأجير دم إن لم يعد الحج إلى الميقات وفي حط شيء من الأجرة الخلاف. فرع إذا جامع الأجير فسد حجه وانقلب له فيلزمه الكفارة والمضي فاسده والقضاء هذا هو المشهور والذي قطع به الأصحاب وحكي قول أنه لا ينقلب ولا قضاء لأن العبادة للمستأجر فلا يفسد بفعل غيره وحكي هذا عن المزني أيضا. فعلى المشهور إن كان إجارة عين انفسخت والقضاء الذي يأتي به الأجير يقع عنه وإن كانت على الذمة لم تنفسخ وعمن يقع القضاء وجهان وقيل قولان أحدهما عن المتسأجر لأنه قضاء الأول وأصحهما عن الأجير لأن الأداء وقع عنه فعلى هذا يلزمه سوى القضاء حجة أخرى للمستأجر فيقضي عنه نفسه ثم يحج عن المستأجر في سنة أخرى أو يستنيب من يحج عنه في وفرق أصحابنا العراقيون بين أن يستأجر المعضوب أو تكون الإجارة لميت في ثبوت الخيار وقد سبق نظيره. فرع إحرام الأجير عن المستأجر إذا أحرم الأجير عن المستأجر ثم صرف الإحرام إلى نفسه ظنا أنه ينصرف وأتم الحج على هذا الظن فالحج للمستأجر وفي استحقاق الأجير الأجرة قولان أحدهما لا لإعراضه عنها وأظهرهما يستحق لحصول الغرض فيستحق المسمى على الأصح وقيل أجرة المثل. فرع موت الحاج عن نفسه في أثنائه إذا مات الحاج عن نفسه في أثنائه فهل يجوز البناء الأظهر الجديد لا يجوز كالصوم والصلاة والقديم يجوز فعلى الجديد يبطل المأتي به إلا في الثواب ويجب الإحجاج عنه من تركته إن كان استقر في ذمته وعلى القديم تارة يموت وقد بقي وقت الإحرام وتارة لا يبقى فإن بقي أحرم النائب بالحج ويقف بعرفة إن لم يقف الميت ولا يقف إن كان وقف ويأتي بباقي الأعمال ولا بأس بوقوع إحرام النائب داخل الميقات فإنه يبني على إحرام أشىء منه وإن لم يبق وقت الإحرام ففيما يحرم به النائب وجهان. أحدهما بعمرة ثم يطوف ويسعى فيجزئانه عن طواف الحج وسعيه ولا يبيت ولا يرمي فإنهما ليسا من أعمال العمرة ولكن يجبران بالدم وأصحهما يحرم بالحج ويأتي ببقية الأعمال وإنما يمتنع إنشاء الإحرام بعد أشهر الحج إذا ابتدأه وهذا يبنى على ما سبق وعلى هذا لو مات بين التحللين أحرم النائب إحراما لا يحرم اللبس والقلم وإنما يحرم النساء كما لو بقي الميت هذا كله إذا مات قبل التحللين فإن مات بعدهما فلا خلاف أنه لا يجوز البناء لأنه يمكن جبر ما بقي بالدم وأوهم بعضهم إجراء الخلاف. فرع موت الأجير في أثناء الحج إذا مات الأجير في أثناء الحج فله أحوال أحدها أن يكون بعد الشروع في الأركان وقبل الفراغ منها فهل يستحق شيئا من الأجرة قولان أظهرهما يستحق وسواء مات بعد الوقوف بعرفة أو قبله هذا هو المذهب وقيل يستحق بعده قطعا وهو شاذ فإذا قلنا يستحق فهل يقسط الأجرة على الأعمال فقط أم عليها مع السير قولان أظهرهما الثاني وقال ابن سريج رحمه الله إن قال استأجرتك لتحج عني قسط على العمل فقط وإن قال لتحج من بلد كذا قسط عليهما وحمل القولين على الحالين ثم هل يبنى على ما فعله الأجير ينظر إن كانت الإجارة على العين انفسخت ولا بناء لورثة الأجير كما لم يكن له أن ينتسب وهل للمستأجر أن يستأجر من يبني فيه القولان في جواز البناء وإن كانت على الذمة فإن قلنا لا يجوز البناء فلورثة الأجير أن يستأجروا من يستأنف الحج عن المستأجر له فإن أمكنهم في تلك السنة لبقاء الوقت فذاك وإن تأخر إلى السنة الثانية ثبت الخيار كما سبق. وإن جوزنا البناء فلورثة الأجير أن يبنوا ثم القول فيما يحرم به النائب وفي حكم إحرامه بين التحللين على ما سبق. الحال الثاني أن يموت بعد الأخذ في السير وقبل الإحرام فالصحيح المنصوص في كتب الشافعي رضي الله عنه والذي قطع به الجماهير لا يستحق شيئا من الأجرة وقال الاصطخري والصيرفي يستحق بقسطه وقال ابن عبدان إن قال استأجرتك لتحج عني لم يستحق وإن قال لتحج من بلد كذا استحق بقسطه الحال الثالث أن يموت بعد فراغ الأركان وقبل فراغ باقي الأعمال فينظر إن فات وقتها أو لم يفت ولكن لم نجوز البناء جبر بالدم من مال الأجير وهل يرد شيئا من الأجرة فيه الخلاف السابق وإن جوزنا البناء فإن كانت الإجارة على العين انفسخت في الأعمال الباقية ووجب رد قسطها من الأجرة ويستأجر المستأجر من يرمي ويبيت ولا دم على الأجير وإن كانت على الذمة استأجر وارث الأجير من يرمي ويبيت ولا حاجة إلى الإحرام لأنهما عملان يؤتى بهما بعد التحللين ولا يلزم الدم ولا رد شيء من الأجرة ذكره في التتمة. فرع إذا أحصر الأجير فله التحلل فإن تحلل فعمن يقع ما أتى به وجهان أصحهما عن المستأجر كما لو مات إذ لا تقصير. والثاني عن الأجير كما لو أفسده فعلى هذا دم الإحصار على الأجير وعلى الأول هو على المستأجر وفي استحقاقه شيئا من الأجرة الخلاف المذكور في الموت وإن لم يتحلل وأقام على الإحرام حتى فاته الحج انقلب إليه كما في الإفساد ثم يتحلل بعمل عمرة وعليه دم الفوات ولو حصل الفوات بنوم أو تأخر عن القافلة أو غيرهما من غير إحصار انقلب المأتي به إلى الأجير أيضا كما في الإفساد ولا شيء للأجير على المذهب وقيل فيه الخلاف المذكور في الموت.
إذا اجتمعت شرائط وجوب الحج وجب على التراخي وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد والمزني على الفور ثم عندنا يجوز لمن وجب عليه الحج بنفسه أو بغيره أن يؤخره بعد سنة الإمكان فلو وإذا تأخر بعد الوجوب فمات قبل حج الناس تبين عدم الوجوب لتبين عدم الإمكان وإن مات بعد حج الناس استقر الوجوب ولزم الإحجاج من تركته قال في التهذيب ورجوع القافلة ليس بشرط حتى لو مات بعد انتصاف ليلة النحر ومضي إمكان السير إلى منى والرمي بها وإلى مكة والطواف بها استقر الفرض عليه وإن مات أو جن قبل ذلك لم يستقر عليه وإن هلك ماله بعد رجوع الناس أو مضي إمكان الرجوع استقر الحج وإن هلك بعد حجهم وقبل الرجوع وإمكانه فوجهان أصحهما لا يستقر هذا حيث نشرط أن يملك نفقة الرجوع فإن لم نشرطها استقر قطعا. ولو أحصر الذين أمكنه الخروج معهم فتحللوا لم يستقر الحج عليه فلو سلكوا طريقا آخر فحجوا استقر وكذا لو حجوا في السنة التي بعدها إذا عاش وبقي ماله وإذا دامت الاستطاعة وتحقق الإمكان فلم يحج حتى مات فهل يموت عاصيا فيه أوجه أصحهما نعم والثاني لا والثالث يعصي الشيخ دون الشاب والخلاف جار فيما لو كان صحيح البدن فلم يحج حتى صار زمنا والأصح العصيان أيضا. فإذا زمن وقلنا بالعصيان فهل تجب عليه الاستنابة على الفور لخروجه بالتقصير عن استحقاق البر فيه أم له تأخير الاستنابة كما لو بلغ معضوبا فإن استنابته على التراخي فيه وجهان أصحهما الأول وعلى هذا لو امتنع وأخر فهل يجبزه القاضي على الاستنابة أو يستأجر عليه وجهان أحدهما نعم كزكاة الممتنع وأصحهما لا وإذا قلنا يموت عاصيا فمن أي وقت يعصي فيه أوجه أصحها من السنة الآخرة من سني الإمكان لجواز التأخير إليها والثاني من السنة الأولى لاستقرار الفرض فيها والثالث يموت عاصيا ولا يسند العصيان إلى سنة بعينها ومن فوائد موته عاصيا أنه لو شهد شهادة ولم يحكم بها حتى مات لم يحكم لبيان فسقه ولو قضي بشهادته بين السنة الأولى والأخيرة من سني الإمكان فإن عصيناه من الأخيرة لم ينقض ذلك الحكم بحال وإن عصيناه من الأول ففي نقضه القولان فيما إذا بان فسق الشهود.
حجة الإسلام في حق من يتأهل لها تقدم على حجة القضاء وصورة اجتماعهما أن يفسد العبد حجه ثم يعتق فعليه القضاء ولا تجزئه عن حجة الإسلام وتقدم أيضا حجة الإسلام على النذر فلو اجتمعت حجة الإسلام والقضاء والنذر قدمت حجة الإسلام ثم القضاء ثم النذر وأشار الإمام إلى تردد في تقديم القضاء على النذر والمذهب ما قدمناه ومن عليه حجة الإسلام أو قضاء أو نذر لا يجوز أن يحج عن غيره. فلو قدم ما يجب تأخيره لغت نيته ووقع على الترتيب المذكور والعمرة إذا أوجبناها كالحج في جميع ذلك ولو استأجر المعضوب من يحج عن نذره وعليه حجة الإسلام فنوى الأجير النذر وقع عن حجة الإسلام ولو استأجر أجيرا لم يحج عن نفسه فنوى الحج عن المستأجر لغت نيته ووقع الحج عن الأجير ولو نذر من لم يحج أن يحج في هذه السنة ففعل وقع عن حجة الإسلام وخرج عن نذره وليس في نذره إلا تعجيل ما كان له تأخيره ولو استؤجر من لم يحج للحج في الذمة جاز وطريقه أن يحج عن نفسه ثم عن المستأجر وإجارة العين باطلة لأنها تتعين للسنة الأولى فإذا بطلت نظر إن ظنه حج فبان أنه لم يحج لم يستحق أجره لتغريره وإن علم أنه لم يحج وقال يجوز في اعتقادي أن يحج عن غيره من لم يحج فحج الأجير وقع عن نفسه. وفي استحقاقه أجرة المثل قولان أو وجهان تقدمت نظائرهما أما إذا استأجر للحج من حج ولم يعتمر أو للعمرة من اعتمر ولم يحج فقرن الأجير وأحرم بالنسكين عن المستأجر أو أحرم بما استؤجر له عن المستأجر وبالآخر عن نفسه فقولان الجديد أنهما يقعان عن الأجير لأن نسكي القران لا يفترقان لاتحاد الإحرام ولا يمكن صرف ما لم يأمر به المستأجر إليه والثاني أن ما استؤجر له يقع عن المستأجر والآخر عن الأجير ولو استأجر رجلان شخصا أحدهما ليحج عنه والآخر ليعتمر عنه فقرن عنهما فعلى الجديد يقعان عن الأجير وعلى الثاني يقع عن كل واحد ما استأجر له ولو استأجر المعضوب رجلين ليحجا عنه في سنة واحدة أحدهما حجة الإسلام والآخر حجة قضاء أو نذر فوجهان أصحهما يجوز وهو المنصوص في الأم لأن غير حجة الإسلام لم تتقدم عليها والثاني لا يجوز فعلى الثاني إن أحرم الأجيران معا انصرف إحرامهما إلى أنفسهما. وإن سبق إحرام أحدهما وقع ذلك عن حجة الإسلام عن المستأجر وانصرف إحرام الآخر إلى نفسه. فرع لو أحرم الأجير عن المستأجر ثم نذر حجا نظر إن لم ينصرف حجه إليه بل يقع عن المستأجر وإن نذر قبله فوجهان أصحهما انصرافه إلى الأجير ولو أحرم الرجل بحج تطوع ثم نذر حجا بعد الوقوف لم ينصرف إليه وقبل الوقوف على الوجهين. فرع لو استأجر المعضوب من يحج عنه تلك السنة فأحرم الأجير عن تطوعا فوجهان قال الشيخ أبو محمد ينصرف إلى المستأجر وقال سائر الأصحاب يقع تطوعا للأجير. قلت: لو حج بمال مغضوب أو نحوه أجزأه الحج وإن كان عاصيا بالغصب ولو كان يجن ويفيق فإن كانت مدة إفاقته يتمكن فيها من الحج ووجدت الشرائط الباقية وجب عليه الحج وإلا فلا وإذا كان عليه دين حال لا يفضل عنه ما يحج به فقال صاحب الدين أمهلتك به إلى ما بعد الحج لم يلزمه الحج والله أعلم.
ميقات الحج والعمرة زماني ومكاني أما الزماني فوقت الإحرام بالحج شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة آخرها آخر ليلة النحر وفي وجه لا يجوز الإحرام في ليلة النحر وهو شاذ مردود وحكى المحاملي قولا عن الإملاء أنه يصح الإحرام به في جميع ذي الحجة وهذا أشذ وأبعد وأما العمرة فجميع السنة وقت للإحرام بها ولا تكره في وقت منها ويستحب الإكثار منها في العمر وفي السنة الواحدة وقد يمتنع الإحرام بالعمرة لا بسبب الوقت بل لعارض كالمحرم بالحج لا يصح إحرامه بالعمرة على الأظهر كما سيأتي إن شاء الله تعالى بيانه وإذا تحلل عن الحج التحللين وعكف بمنى للمبيت والرمي لم ينعقد إحرامه بالعمرة لعجزه عن التشاغل بعملها نص عليه فإن نفر النفر الأول فله الإحرام بها لسقوط بقية الرمي والمبيت عنه. فرع لو أحرم بالحج في غير أشهره لم ينعقد حجا وهل ينعقد عمرة فيه طرق المذهب أنه ينعقد ويجزئه عن عمرة الإسلام وعلى قول يتحلل بعمل عمرة ولا تحسب عمرة ومنهم من قطع بهذا القول وقيل ينعقد إحرامه مبهما فإن صرفه إلى عمرة كان عمرة صحيحة وإلا تحلل بعمل عمرة ولو أحرم قبل أشهر الحج إحراما مطلقا فالمذهب والذي قطع به الجمهور أنه لا ينعقد إحرامه بعمرة وقيل فيه وجهان أحدهما هذا. والثاني وهو محكي عن الخضري ينعقد مبهما فإذا دخلت أشهر الحج صرفه إلى ما شاء من حج أو عمرة أو قران.
أما المقيم بمكة مكيا كان أو غيره ففي للحج وجهان وقيل قولان أصحهما نفس مكة والثاني مكة وسائر الحرم فعلى الأول لو فارق بنيان مكة وأحرم في الحرم فهو مسيء يلزمه الدم وإن لم يعد كمجاوزة سائر المواقيت وعلى الثاني حيث أحرم في الحرم فلا إساءة أما إذا أحرم خارج الحرم فمسيء قطعا فيلزمه الدم إلا أن يعود قبل الوقوف بعرفة إلى مكة على الأصح أو الحرم على الثاني ثم من أي موضع أحرم من مكة جاز وفي الأفضل قولان أحدهما أن يتهيأ للإحرام وأظهرهما الأفضل أن يحرم من باب داره ويأتي المسجد محرما وأما غير المقيم بمكة فتارة يكون مسكنه فوق الميقات الشرعي ويسمى هذا الأفقي وتارة يكون بينه وبين مكة والمواقيت الشرعية خمسة أحدها ذو الحليفة وهو ميقات من توجه من المدينة وهو على نحو عشر مراحل من مكة. الثاني الجحفة ميقات المتوجهين من الشام ومصر والمغرب. الثالث يلملم وقيل ألملم ميقات المتوجهين من اليمن. الرابع قرن وهو ميقات المتوجهين من نجد اليمن ونجد الحجاز والخامس ذات عرق ميقات المتوجهين من العراق وخراسان والمراد بقولنا يلملم ميقات اليمن أي ميقات تهامته فإن اليمن يشمل نجدا وتهامة والأربعة الأولى نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم بلا خلاف وفي ذات عرق وجهان أحدهما وإليه مال الأكثرون أنه منصوص كالأربعة والثاني أنه باجتهاد عمر رضي الله عنه والأفضل في حق أهل العراق أن يحرموا من العقيق وهو واد وراء ذات عرق مما يلي المشرق. فرع إذا انتهى الأفقي إلى الميقات وهو يريد الحج و العمرة أو حرم عليه مجاوزته غير محرم فإن جاوزه فهو مسيء ويأتي حكمه إن شاء الله تعالى وسواء كان من أهل تلك الناحية أم من غيرها كالشامي يمر بميقات أهل المدينة. فرع مرور الأفقي بالميقات إذا مر الأفقي بالميقات غير مريد نسكا فإن لم يكن على إلى مكة ثم عن له قصد النسك بعد مجاوزة الميقات فميقاته حيث عن له وإن كان على قصد التوجه إلى مكة لحاجة فعن له النسك بعد المجاوزة فإن قلنا من أراد دخول الحرم لحاجة يلزمه الإحرام فهذا يأثم بمجاوزته غير محرم وهو كمن جاوزه غير محرم على قصد النسك وإن قلنا لا يلزمه فهذا كمن جاوز غير قاصد دخول مكة. فرع من مسكنه بين الميقات ومكة فميقاته القرية التي يسكنها أو التي ينزلها البدوي. فرع يستحب لمن يحرم من ميقات شرعي أو من قريته أو حلته من طرفه الأبعد من مكة فلو أحرم من الطرف الآخر جاز لوقوع الاسم عليه والاعتبار بالمواقيت الشرعية بتلك المواضع لا بالقرى والأبنية فلا يتغير الحكم لو خرب بعضها ونقلت: العمارة إلى موضع قريب منه وسمي بذلك فرع لو سلك البحر أو طريقا في البر لا ينتهي إلى شيء المعينة فميقاته محاذاة المعين فإن اشتبه تحرى وطريق الاحتياط لا يخفى ولو حاذى ميقاتين طريقه بينهما فإن تساويا في المسافة إلى مكة فميقاته ما يحاذيهما وإن تفاوتا فيها وتساويا في المسافة إلى طريقه فوجهان أحدهما يتخير إن شاء أحرم من المحاذي لأبعد الميقاتين وإن شاء لأقربهما وأصحهما يتعين محاذاة أبعدهما وقد يتصور في هذا القسم محاذاة ميقاتين دفعة واحدة وذلك بانحراف أحد الطريقين والتوائه أو لو عورة وغيرها فيحرم من المحاذاة وهل هو منسوب إلى أبعد الميقاتين أم إلى أقربهما وجهان حكاهما الإمام قال وفائدتهما أنه لو جاوز موضع المحاذاة بغير إحرام وانتهى إلى موضع يفضي إليه طريقا الميقاتين وأراد العود لرفع الإساءة ولم يعرف موضع المحاذاة هل يرجع إلى هذا الميقات أم إلى ذاك ولو تفاوت الميقاتان في المسافة إلى مكة وإلى طريقه فالاعتبار بالقرب إليه أم إلى مكة وجهان أصحهما الأول. فرع لو جاء من ناحية لا يحاذي في طريقها ميقاتا لزمه أن لم يبق بينه وبين مكة إلا مرحلتان إذا جاوز موضعا وجب الإحرام منه غير محرم أثم وعليه العود والإحرام منه إن لم يكن له عذر فإن كان له عذر كخوف الطريق أو الانقطاع عن الرفقة أو ضيق الوقت أحرم ومضى وعليه دم إذا لم يعد فإن عاد فله حالان أحدهما يعود قبل الإحرام فيحرم منه فالمذهب والذي قطع به الجمهور أنه لا دم عليه سواء كان دخل مكة أم لا وقال إمام الحرمين والغزالي إن عاد قبل أن يبعد عن الميقات بمسافة القصر سقط الدم وإن عاد بعد دخول مكة وجب الدم وإن عاد بعد مسافة القصر فوجهان أصحهما يسقط وهذا التفصيل شاذ الحال الثاني أن يحرم ثم يعود إلى الميقات محرما فمنهم من أطلق في سقوط الدم وجهين وقيل قولان والمذهب والذي قاله الجمهور أنه يفصل فإن عاد فبل التلبس بنسك سقط الدم وإلا فلا سواء كان النسك ركنا كالوقوف أو سنة كطواف القدوم وقيل لا أثر للتلبس بالسنة ولا فرق في لزوم الدم في كل هذا بين المجاوز عامدا عالما والجاهل والناسي لكن يفترقون في الإثم فلا إثم على الناس والجاهل.
أم من فوقه هل الإحرام من الميقات أفضل أم من فوقه نص في البويطي الكبير للمزني أنه من الميقات أفضل وقال في الإملاء الأفضل من دويرة أهله وللأصحاب طرق أصحهما على قولين أظهرهما الأفضل من دويرة أهله والثاني من الميقات بل أطلق جماعة الكراهة على تقديم الإحرام على الميقات والطريق الثاني القطع بدويرة أهله والثالث إن أمن على نفسه من ارتكاب محظورات الإحرام فدويرة أهله وإلا فالميقات. قلت: الأظهر عند أكثر أصحابنا وبه قطع كثيرون من محققيهم أنه من الميقات أفضل وهو المختار أو الصواب للأحاديث الصحيحة فيه ولم يثبت لها معارض والله أعلم.
إن كان المعتمر خارج الحرم فميقات عمرته ميقات حجه بلا فرق وإن كان في الحرم مكيا كان أو مقيما بمكة فله ميقا واجب وأفضل أما الواجب فأن يخرج إلى أدنى الحل ولو خطوة من أي جانب شاء فيحرم بها فإن خالف وأحرم بها في الحرم انعقد إحرامه ثم له حالان أحدهما أن لا يخرج إلى الحل بل يطوف ويسعى ويحلق بها فهل يجزئه ذلك عن عمرته قولان نص عليهما في الأم أظهرهما يجزئه ويلزمه دم لتركه الإحرام من الميقات. والثاني لا يجزئه ما أتى به بل يشترط أن يجمع في عمرته بين الحل والحرم كما في الحج فعلى الأول لو وطىء بعد الحلق فلا شيء عليه لوقوعه بعد التحلل وعلى الثاني الوطء واقع قبل التحلل لكنه يعتقد أنه تحلل فهو كوطء الناسي وفي كونه مفسدا قولان فإن جعلناه مفسدا فعليه المضي في فاسده بأن يخرج إلى الحل ويعود فيطوف ويسعى ويحلق ويلزمه القضاء وكفارة الإفساد ودم الحلق لوقوعه قبل التحلل. الحال الثاني أن يخرج إلى الحل ثم يعود فيطوف ويسعى ويحلق فيعتد بما أتى به قطعا وهل يسقط عنه دم الإساءة فيه طريقان المذهب وبه قطع الجماهير سقوطه والثاني على طريقين أصحهما القطع بسقوطه والثاني تخريجه على الخلاف في عود من جاوز الميقات غير محرم. فإذا قلنا بالمذهب فالواجب خروجه إلى الحل قبل الأعمال إما في ابتداء الإحرام وإما بعده وإن قلنا لا يسقط الدم فالواجب هو الخروج في ابتداء الإحرام. فرع أفضل البقاع من أطراف الحل لإحرام العمرة الجعرانة ثم التنعيم ثم الحديبية قلت: هذا هو الصواب وأما قول صاحب التنبيه والأفضل أن يحرم بها من التنعيم فغلط والله أعلم. اتفقوا على جواز إفراد الحج عن العمرة والتمتع والقران وأفضلها الإفراد ثم التمتع ثم القران هذا هو المذهب والمنصوص في عامة كتبه وفي قول التمتع أفضل ثم الإفراد وحكي قول أن الأفضل الإفراد ثم القران ثم التمتع وقال المزني وابن المنذر وأبو إسحاق المروزي أفضلها القران فأما الإفراد فمن صوره أن يحرم بالحج وحده ويفرغ منه ثم يحرم بالعمرة وسيأتي باقي صوره إن شاء الله تعالى في شروط التمتع ثم تفضيل الإفراد على التمتع والقران شرطه أن يعتمر تلك السنة فلو أخر العمرة عن سنته فكل واحد من التمتع والقران أفضل منه لأن تأخير العمرة عن سنة الحج مكروه. وأما القران فصورته الأصلية أن يحرم بالحج والعمرة معا فتندرج أفعال العمرة في أعمال الحج ويتحد الميقات والفعل ولو أحرم بالعمرة ثم أدخل عليها الحج نظر إن أدخله في غير أشهر الحج لغا إدخاله ولم يتغير إحرامه بالعمرة وإن أدخله في أشهره نظر إن كان أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج ففي صحة إدخاله وجهان. أحدهما وهو اختيار الشيخ أبي علي وحكاه عن عامة الأصحاب لا يصح الإدخال لأنه يؤدي إلى صحة الإحرام بالحج قبل أشهره والثاني يصح وهو اختيار القفال وبه قطع صاحب الشامل وغيره لأنه إنما يصير محرما بالحج وقت إدخاله وهو وقت صالح للحج. وإن أحرم بالعمرة في أشهر الحج ثم أدخله عليها في أشهره فإن لم يكن شرع في طوافها صح وصار قارنا وإلا لم يصح إدخاله وفي علة عدم الصحة أربعة معان أحدها لأنه اشتغل بعمل من أعمال العمرة والثاني لأنه أتى بفرض من فروضها والثالث لأنه أتى بمعظم أفعالها والرابع لأنه أخذ في التحلل وهذا هو الذي ذكره أبو بكر الفارسي في عيون المسائل وحيث جوزنا الإدخال عليها فذاك إذا كانت عمرة صحيحة فإن أفسدها ثم أدخل عليها الحج ففيه خلاف سيأتي إن شاء الله تعالى. أما لو أحرم بالحج في وقته ثم أدخل عليه لعمرة فقولان القديم أنه يصح ويصير قارنا والجديد لا يصح فإذا قلنا بالقديم فإلى متى يجوز الإدخال فيه أربعة أوجه مفرعة على المعاني السابقة أحدها يجوز ما لم يشرع في طواف القدوم وقال في التهذيب هذا أصحها والثاني يجوز بعد طواف القدوم ما لم يشرع في السعي أو غيره من فروض الحج قاله الخضري والثالث يجوز وإن اشتغل بفرض ما لم يقف بعرفة فعلى هذا لو كان سعى فعليه إعادة السعي ليقع عن النسكين جميعا كذا قاله الشيخ أبو علي والرابع يجوز وإن وقف ما لم يشتغل بشىء من أسباب التحلل من الرمي وغيره. وعلى هذا لو كان سعى فعلى قياس ما ذكره الشيخ أبو علي وجوب إعادته وحكى الإمام فيه فرع يجب على القارن دم كدم التمتع وحكى الحناطي قولا قديما أنه يجب بدنة.
أما المتمتع فهو الذي يحرم بالعمرة من ميقات بلده ويدخل مكة ويفرغ من أفعال العمرة ثم ينشىء الحج من مكة سمي متمتعا لاستمتاعه بمحظورات الإحرام بينهما فإنه يحل له جميع المحظورات إذا تحلل من العمرة سواء ساق هديا أم لا ويجب عليه دم ولوجوب الدم شروط أحدها أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام وهم من مسكنه دون مسافة القصر من الحرم وقيل من نفس مكة. فإن كان مسافة القصر فليس بحاضره فإن كان له مسكنان أحدهما في حد القرب والآخر بعيد فإن كان مقامه بأحدهما أكثر فالحكم له فإن استوى مقامه بهما وكان أهله وماله في أحدهما دائما أو أكثر فالحكم له فإن استويا في ذلك وكان عزمه الرجوع إلى أحدهما فالحكم له فإن لم يكن له عزم فالحكم للذي خرج منه ولو استوطن غريب مكة فهو حاضر وإن استوطن مكي العراق فغير حاضر ولو قصد الغريب مكة فدخلها متمتعا ناويا الإقامة بها بعد الفراغ من فرع ذكر الغزالي رحمه الله مسألة وهي من مواضع التوقف ولم لغيره بعد البحث قال والأفقي إذا جاوز الميقات غير مريد النسك فاعتمر عقب دخوله مكة ثم حج لم يكن متمتعا إذ صار من الحاضرين إذ ليس يشترط فيه قصد الإقامة وهذه المسألة تتعلق بالخلاف في أن من قصد مكة هل يلزمه الإحرام بحج أو عمرة أم لا ثم ما ذكره من اعتبار اشتراط الإقامة ينازعه فيه كلام الأصحاب ونقلهم عن نصه في الإملاء والقديم فإنه ظاهر في اعتبار الإقامة بل في اعتبار الاستيطان وفي النهاية و الوسيط حكاية وجهين في صورة تداني هذه وهي أنه لو جاوز الغريب الميقات وهو لا يريد نسكا ولا دخول الحرم ثم بدا له بقرب مكة أن يعتمر فاعتمر منه وحج بعدها على صورة التقتع هل يلزمه الدم أحد الوجهين لا يلزمه لأنه حين بدا له كان على مسافة الحاضر وأصحهما يلزمه لأنه وجدت صورة التمتع وهو غير معدود من الحاضرين. قلت: المختار في الصورة التي ذكرها الغزالي أولا أنه متمتع ليس بحاضر بل يلزمه الدم والله أعلم. فرع وحكى الحناطي وجها أنه يلزمه ويشبه أن يكون هذا الخلاف مبنيا على وجهين نقلهما صاحب العدة في أن دم القران دم جبر أم دم نسك المذهب المعروف أنه دم جبر. فرع هل يجب على المكي إذا قرن إنشاء الإحرام من أدنى أفرد العمرة أم يجوز أن يحرم من جوف مكة إدرجا للعمرة تحت الحج وجهان أصحهما الثاني ويجريان في الأفقي إذا كان بمكة وأراد القران. الشرط الثاني أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج فلو أحرم وفرغ منها قبل أشهره ثم حج لم يلزمه الدم فلو أحرم بها قبل أشهره وأتى بجميع أفعالها في أشهره ثم حج فقولان أظهرهما نصه في الأم لا دم والثاني نصه في القديم و الإملاء يجب الدم وقال ابن سريج ليست على قولين بل على حالين إن أقام بالميقات محرما بالعمرة حتى دخلت أشهر الحج أو عاد إليه في الأشهر محرما بها وجب الدم وإن جاوزه قبل الأشهر ولم يعد إليه فلا دم لو سبق الإحرام بها وبعض أعمالها في أشهره فالخلاف مرتب إن لم نوجب إذا لم يتقدم إلا الإحرام فهنا أولى وإلا فوجهان الأصح لا يجب وإذا لم نوجب دم المتمتع في هذه الصورة ففي وجوب دم الإساءة وجهان أحدهما يجب لأنه أحرم بالحج من مكة وأصحهما لا لأن المسيء من ينتهي إلى الميقات على قصد النسك ويجاوزه غير محرم وهذا جاوز محرما. الشرط الثالث أن تقع العمرة والحج في سنة واحدة فلو اعتمر ثم حج في السنة القابلة فلا دم سواء أقام بمكة إلى أن حج أو رجع وعاد. الشرط الرابع أن لا يعود إلى الميقات بأن أحرم بالحج من نفس مكة واستمر فلو عاد إلى الميقات الذي أحرم بالعمرة منه أو إلى مسافة مثله وأحرم بالحج فلا دم ولو أحرم به من مكة ثم ذهب إلى الميقات محرما ففي سقوطه الخلاف السابق فيمن جاوز الميقات غير محرم ثم عاد إليه محرما ولو عاد إلى ميقات أقرب منه إلى مكة من ميقات عمرته وأحرم منه بأن كان ميقات عمرته الجحفة فعاد إلى ذات عرق فهل هو كالعود إلى ميقات عمرته وجهان أحدهما لا وعليه دم. وأصحهما نعم لأنه أحرم من موضع ليس ساكنوه من حاضري المسجد الحرام وهذا اختيار القفال والمعتبرين. فرع دخول القارن مكة قبل يوم عرفة لو دخل القارن مكة قبل يوم عرفة ثم عاد إلى الميقات أنه لا دم نص عليه في الإملاء وصححه الحناطي وقال الإمام إن قلنا المتمتع إذا أحرم بالحج ثم عاد إليه لا يسقط عنه الدم فهنا أولى وإلا الشرط الخامس مختلف فيه وهو أنه هل يشترط وقوع النسكين عن شخص واحد وجهان قال الخضري يشترط وقال الجمهور لا يشترط ويتصور فوات هذا الشرط في صور إحداها أن يستأجره شخص لحج وآخر لعمرة. الثانية أن يكون أجيرا لعمرة فيفرغ ثم يحج لنفسه. الثالثة أن يكون أجيرا لحج فيعتمر عن نفسه ثم يحج للمستأجر فإن قلنا بقول الجمهور فقد ذكروا أن نصف دم التمتع على من يقع له الحج ونصفه على من تقع له العمرة وليس هذا الإطلاق على ظاهره بل هو محمول على تفصيل ذكره صاحب التهذيب أما في الصورة الأولى فقال إن أذنا في التمتع فالدم عليهما نصفان وإلا فعلى الأجير وعلى قياسه إن أذن أحدهما فقط فالنصف على الآذن والنصف على الأجير وأما في الصورتين الآخرتين فقال إن أذن له المستأجر في التمتع فالدم عليهما نصفان وإلا فالجميع على الأجير واعلم بعد هذا أمورا أحدها أن إيجاب الدم على المستأجرين أو أحدهما مفرع: على الأصح وهو أن دم التمتع والقران على المستأجر وإلا فهو على الأجير بكل حال. الثاني إذا لم يأذن المستأجران أو أحدهما في الصورة الأولى أو المستأجر في الثالثة وكان ميقات البلد معينا في الإجارة أو نزلنا المطلق عليه لزمه مع دم التمتع دم الإساءة لمجاوزة ميقات نسكه. الثالث إذا أوجبنا الدم على المستأجرين فكانا معسرين لزم كل واحد منهما خمسة أيام لكن صوم التمتع بعضه في الحج وبعضه في الرجوع وهما لم يباشرا حجا وقد قدمنا في فروع الإجارة فيمن استأجره ليقرن فقرن أو ليتمتع فتمتع وكان المستأجر معسرا وقلنا الدم عليه خلافا بين صاحبي التهذيب و التتمة. فعلى قياس قول صاحب التهذيب الصوم على الأجير وعلى قياس صاحب التتمة هو كما لو عجز المتمتع عن الهدي والصوم جميعا ويجوز أن يكون الحكم كما سيأتي في المتمتع إذا لم يصم في الحج كيف يقضي فإذا أوجبنا التفريق فتفريق الخمسة بنسبة الثلاثة والسبعة يبعض القسمين فيكملان ويصوم كل واحد منهما ستة أيام وقس على هذا. أما إذا أوجبنا الدم في الصورتين الآخرتين على الأجير والمستأجر وإذا فرعنا على قول الخضري فإذا اعتمر عن المستأجر ثم حج عن نفسه ففي كونه مسيئا الخلاف السابق فيمن اعتمر قبل أشهر الحج ثم حج من مكة لكن الأصح هنا أنه مسيء لإمكان الإحرام بالحج حين حضر الميقات. قال الإمام فإن لم يلزمه الدم ففوات هذا الشرط لا يؤثر إلا في فوات فضيلة التمتع على قولنا إنه أفضل من الإفراد وإن ألزمناه الدم فله أثران أحدهما هذا. والمسيء يلزمه العود وإذا عاد ففي سقوط الدم عنه خلاف وأيضا فالدمان يختلف بدلهما الشرط السادس مختلف فيه وهو نية التمتع والأصح أنها لا تشترط كما لا تشترط نية القران فإن شرطناها ففي وقتها أوجه أحدها حالة الإحرام بالعمرة والثاني ما لم يفرغ من العمرة والثالث ما لم يشرع في الحج. الشرط السابع أن يحرم بالعمرة من الميقات فلو جاوزه مريدا للنسك ثم أحرم بها فالمنصوص أنه ليس عليه دم التمتع لكن يلزمه دم الإساءة فأخذ بإطلاق هذا النص آخرون الأكثرون هذا إذا كان الباقي بينه وبين مكة دون مسافة القصر فإن بقيت مسافة القصر فعليه الدمان جميعا الشرط الثامن مختلف فيه حكي عن ابن خيران اشتراط وقوع النسكين في شهر واحد وخالفه عامة الأصحاب. فرع الشروط المذكورة معتبرة لوجوب الدم وفاقا وخلافا وهل يعتبر في نفس التمتع فيها وجهان أحدهما نعم فلو فات شرط كان مفردا وأشهرهما لا تعتبر ولهذا قال الأصحاب يصح التمتع والقران من المكي خلافا لأبي حنيفة رحمه الله. فرع إذا اعتمر ولم يرد العود إلى الميقات لزمه أن يحرم بالحج مكة وهي في حقه كهي في حق المكي والكلام في الموضع الذي هو أفضل لإحرامه وفيما لو خالف فأحرم خارج مكة في الحرم أو خارجه ولم يعد إلى الميقات ولا إلى مسافته على ما ذكرنا في المكي وإذا اقتضى الحال وجوب دم الإساءة وجب أيضا مع دم التمتع.
بصفة الأضحية ويقوم مقامها سبع بدنة أو سبع بقرة ووقت وجوبه الإحرام بالحج وإذا وجب جاز إراقته ولم يتوقت بوقت كسائر دماء الجبرانات لكن الأفضل إراقته يوم النحر وهل يجوز إراقته بعد التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج قولان وقيل وجهان أظهرهما الجواز فعلى هذا هل يجوز قبل التحلل من العمرة وجهان أصحهما لا وقيل لا يجوز قطعا ولا يجوز قبل الشروع في العمرة بلا خلاف. فرع إذا عدم المتمتع الدم في موضعه لزمه صوم عشرة أيام سواء له مال غائب في بلده أو غيره أم لم يكن بخلاف الكفارة فإنه يعتبر في الانتقال إلى الصوم فيها العدم مطلقا والفرق أن بدل الدم موقت بكونه في الحج ولا توقيت في الكفارة ثم إن الصوم يقسم ثلاثة أيام وسبعة فالثلاثة يصومها في الحج ولا يجوز تقديمها على الإحرام بالحج ولا يجوز صوم شيء منها في يوم النحر وفي أيام التشريق قولان تقدما في كتاب الصيام ويستحب أن يصوم جميع الثلاثة قبل يوم عرفة لأنه يستحب للحاج فطر يوم عرفة وإنما يمكنه هذا إذا تقدم إحرامه بالحج على اليوم السادس من ذي الحجة قال الأصحاب المستحب للمتمتع الذي هو من أهل الصوم أن يحرم بالحج قبل السادس وحكى الحناطي وجها أنه إذا لم يتوقع هديا وجب تقديم الإحرام بالحج على السابع ليمكنه صوم الثلاثة قبل يوم النحر وأما واجد الهدي فيستحب أن يحرم بالحج يوم التروية وهو الثامن من ذي الحجة ويتوجه بعد الزوال إلى منى وإذا فات صوم الثلاثة في الحج لزمه قضاؤها ولا دم عليه وعن ابن سريج وأبي إسحق تخريج قول أنه يسقط الصوم ويستقر الهدي في ذمته واعلم أن فواتها يحصل بفوات يوم عرفة إن قلنا إن أيام التشريق لا يجوز صومها وإلا حصل الفوات بخروج أيام التشريق ولا خلاف أنها تفوت بفوات أيام التشريق حتى لو تأخر طواف الزيارة عن أيام التشريق كان بعد في الحج وكان صوم الثلاثة بعد التشريق قضاء وإن بقي الطواف لأن تأخره بعيد في العادة فلا يقع مرادا من قول الله تعالى ثلاثة أيام في الحج هكذا حكاه الإمام وغيره وفي التهذيب حكاية وجه ضعيف ينازع فيه. وأما السبعة فوقتها إذا رجع وفي المراد بالرجوع قولان أظهرهما الرجوع إلى الأهل والوطن نص عليه في المختصر وحرملة والثاني أنه الفراغ من الحج فإن قلنا بالأول فإن توطن مكة بعد فراغه من الحج صام بها وإن لم يتوطنها لم يجز صومه بها وهل يجوز في الطريق إذا توجه إلى وطنه فيه طريقان المذهب لا يجوز وبه قطع العراقيون والثاني وجهان أصحهما لا يجوز وإذا قلنا إنه الفراغ فلو أخره حتى يرجع إلى وطنه جاز وهل هو أفضل أم التقديم قولان أظهرهما التأخير أفضل للخروج من الخلاف والثاني التقديم مبادرة إلى الواجب ولا يصح صوم شيء من السبعة في أيام التشريق بلا خلاف وإن قلنا إنها قابلة للصوم سواء قلنا المراد بالرجوع الفراغ أو الوطن لأنه بعد في الحج وإن حصل التحلل. وحكي قول إن المراد بالرجوع الرجوع إلى مكة من منى وجعل إمام الحرمين والغزالي هذا قولا سوى قول الفراغ من الحج ومقتضى كلام كثير من الأئمة أنهما شيء واحد وهو الأشبه وعلى تقدير كونه قولا آخر يتفرع: عليه أنه لو رجع من منى إلى مكة صح صومه وإن تأخر طواف الوداع. فرع صوم الثلاثة في الحج إذا لم يصم الثلاثة في الحج ورجع لزمه صوم العشرة وفي الثلاثة القول المخرج الذي سبق فعلى أصحهما عند الجمهور يجب والأصح عند الإمام لا يجب فعلى الأول هل يجب التفريق بقدر ما يقع تفريق الأداء قولان أحدهما لا بل يكفي التفريق بيوم نص عليه في الاملاء وأظهرهما يجب وفي قدره أربعة أقول تتولد من أصلين سبقا وهما صوم المتمتع أيام التشريق وأن الرجوع ماذا فإن قلنا ليس للمتمتع صوم التشريق وأن الرجوع إلى الوطن فالتفريق بأربعة أيام ومدة إمكان السير إلى أهله على العادة الغالبة وإن قلنا ليس له صومها وأن الرجوع الفراغ فالتفريق بأربعة فقط وإن قلنا له صومها وأن الرجوع إلى الوطن فالتفريق بمدة إمكان السير وإن قلنا له صومها والرجوع الفراغ فوجهان أصحهما يجب التفريق والثاني لا بد من التفريق بيوم فإن أردت حصر الأقوال التي تجيء فيمن لم يصم الثلاثة في الحج مختصرا حصلت ستة أحدها لا صوم بل ينتقل إلى الهدي والثاني عليه صوم عشرة متفرقة أو متتابعة والثالث عشرة ويفرقبيوم فصاعدا. والرابع يفرق بأربعة ومدة إمكان السير إلى الوطن. والخامس يفرق بأربعة فقط. والسادس بمدة إمكان السير فقط. قلت: المذهب منها هو الرابع والله أعلم. فإن شرطناه واكتفينا بيوم لم يعتد باليوم الرابع ويحسب ما بعده فيصوم يوماً آخر هذا هو الصحيح المعروف وفي وجه لا يعتد بشىء سوى الثلاثة وفي وجه للأصطخري لا يعتد بالثلاثة أيضا إذا نوى التتابع وهما شاذان وإن شرطنا التفريق بأكثر من يوم لم يعتد بذلك القدر. فرع كل واحد من صوم الثلاثة والسبعة لا يجب فيه التتابع لكن وحكي في وجوب التتابع قول مخرج من كفارة اليمين وهو شاذ ضعيف. فرع الشروع في صوم الثلاثة إذا شرع في صوم الثلاثة أو السبعة ثم وجد الهدي لم لكن يستحب وقال المزني يلزمه ولو أحرم بالحج ولا هدي ثم وجده قبل الشروع في الصوم بني على أن المعتبر في الكفارة حال الوجوب أم الأداء أم أغلظهما إن اعتبرنا حال الوجوب أجزأه الصوم وإلا لزم الهدي وهو نصه في هذه المسألة. فرع المتمتع الواجد للهدي إذا مات قبل فراغ الحج هل يسقط عنه قولان أظهرهما لا يسقط بل يخرج من تركته لوجود سبب الوجوب ولو مات بعد فراغ الحج أخرج من تركته بلا خلاف فأما الصوم فإن مات قبل والثاني يهدى عنه وهذا القول يتصور فيما إذا لم يجد الهدي في موضعه وله ببلده مال أو وجده بثمن غال وإن تمكن من الصوم فلم يصم حتى مات فهل هو كصوم رمضان فيه طريقان أصحهما نعم فيصوم عنه وليه على القديم وفي الجديد يطعم عنه من تركته لكل يوم مد فإن كان تمكن من الأيام العشرة فعشرة أمداد وإلا فبالقسط وهل يتعين صرفه إلى فقراء الحرم أم يجوز إلى غيرهم أيضا قولان أظهرهما الثاني. والطريق الثاني لا يكون كصوم رمضان فعلى هذا قولان أظهرهما الرجوع على الدم لأنه أقرب إلى هذا الصوم من الأمداد فيجب في ثلاثة أيام إلى العشرة شاة وفي يوم ثلث شاة وفي يومين ثلثاها وعن أبي إسحق إشارة إلى أن اليوم واليومين كإتلاف الشعرة والشعرتين من المحرم وفي الشعرة ثلاثة أقوال أحدها مد والثاني درهم والثالث ثلث شاة والقول الثاني لا يجب شيء أصلا وأما التمكن المذكور فصوم الثلاثة يتمكن منه بأن يحرم بالحج لزمن يسع صومها قبل الفراغ ولا يكون عارض من مرض وغيره وذكر الإمام أنه لا يجب شيء في تركته ما لم ينته إلى الوطن لأن دوام السفر كدوام المرض فلا يزيد تأكد الثلاثة على صوم رمضان وهذا الذي قاله غير واضح لأن صوم الثلاثة يتعين إيقاعه في الحج بالنص وإن كان مسافرا فلا يكون السفر عذرا فيه بخلاف رمضان وأما السبعة فإن قلنا الرجوع إلى الوطن فلا تمكن قبله وإن قلنا الفراغ من الحج فلا تمكن قبله ثم دوام السفر عذر على ما قاله الإمام وقال القاضي حسين إذا استحببنا التأخير إلى أن يصل الوطن تفريعا على قول الفراغ فهل يفدى عنه إذا مات وجهان.
ينبغي لمريد الإحرام أن ينوي ويلبي فإن لبى ولم ينو فنص في رواية الربيع أنه يلزمه ما لبى به وقال في المختصر وإن لم يرد حجا ولا عمرة فليس بشىء واختلف الأصحاب على طريقين المذهب القطع بأنه لا ينعقد إحرامه وتأويل نقل الربيع على ما إذا أحرم مطلقا ثم تلفظ بنسك معين ولم ينوه فيجعل لفظه تعيينا للإحرام المطلق والطريق الثاني على قولين أظهرهما لا ينعقد إحرامه لأن الأعمال بالنيات والثاني يلزمه ما سمى لأنه التزمه بقوله وعلى هذا لو أطلق التلبية انعقد الإحرام مطلقا يصرفه إلى ما شاء من كلا النسكين أو أحدهما. قلت: هذا القول ضعيف جدا والتأويل المذكور أضعف منه لأنا سنذكر قريبا إن شاء الله تعالى أن الإحرام المطلق لا يصح صرفه إلا بنية القلب والله أعلم. واعلم أن نصه في المختصر يحتاج إلى قيد آخر يعني لم يرد حجا ولا عمرة ولا أصل الإحرام هذا كله إذا لبى ولم ينو فلو نوى ولم يلب انعقد إحرامه على الصحيح الذي قاله الجمهور وقال أبو علي بن خيران وابن أبي هريرة وأبو عبد الله الزبيري لا ينعقد إلا بالتلبية وحكى الشيخ أبو محمد وغيره قولا للشافعي رحمة الله عليه أنه لا ينعقد إلا بالتلبية لكن يقوم مقامها سوق الهدي وتقليده والتوجه معه وحكى الحناطي هذا القول في الوجوب دون الاشتراط وذكر تفريعا عليه أنه لو ترك التلبية لزمه دم. قلت: صفة النية أن ينوي الدخول في الحج أو العمرة أو فيهما والتلبس به والواجب أن ينوي هذا بقلبه فإن ضم إلى نية القلب التلفظ كان أفضل والله أعلم. فرع إذا قلنا بالمذهب إن المتعبر هو النية فلو لبى بالعمرة ونوى الحج فهو حاج وبالعكس معتمر ولو تلفظ بأحدهما ونوى القران فقارن ولو تلفظ بالقران وونوى أحدهما فهو لما نوى فرع للإحرام حالان الإحرام حالان أحدهما ينعقد معينا بأن ينوي أحد النسكين بعينه أو كليهما فلو أحرم بحجتين أو عمرتين انعقدة واحدة فقط ولم يلزمه الأخرى الثاني ينعقد مطلقا بأن ينوي نفس الإحرام ولا يقصد القران ولا أحد النسكين وهذا جائز بلا خلاف ثم ينظر إن أحرم في أشهر الحج فله صرفه إلى ما شاء من حج أو عمرة أو قران ويكون التعيين بالنية لا باللفظ ولا يجزئه العمل قبل النية وإن أحرم قبل الأشهر فإن صرفه إلى العمرة صح وإن صرفه إلى الحج بعد دخول الأشهر فوجهان الصحيح لا يجوز بل انعقد إحرامه والثاني ينعقد مبهما وله صرفه بعد دخول الأشهر إلى حج أو قران فإن صرفه إلى الحج قبل الأشهر كان كمن أحرم بالحج قبل الأشهر وقد سبق بيانه. فرع هل الأفضل إطلاق الإحرام أم تعيينه قولان قال في الاملاء الإطلاق أفضل وفي الام التعيين أفضل وهو الأظهر فعلى هذا هل يستحب التلفظ في تلبيته بما عينه وجهان الصحيح المنصوص لا بل يقتصر على النية والثاني يستحب لأنه أبعد عن النسيان.
جاز ثم لزيد أحوال أحدها أن يكون محرما ويمكن معرفة ما أحرم به فينعقد لعمرو مثل إحرامه إن كان حجا فحج وإن كان عمرة فعمرة وإن كان قرانا فقران. وإن كان مطلقا انعقد إحرام عمرو مطلقا أيضا ويتخير كما يتخير زيد ولا يلزمه الصرف إلى ما يصرف إليه زيد وحكي وجه أنه يلزمه وهو شاذ ضعيف قال في التهذيب إلا إذا أراد إحراما كإحرام زيد بعد تعيينه وإن كان إحرام زيد فاسدا فهل ينعقد إحرام عمرو مطلقا أم لا ينعقد أصلا وجهان قلت: الأصح انعقاده قال القاضي أبو الطيب وهذان الوجهان كالوجهين فيمن نذر صلاة فاسدة هل ينعقد نذره بصلاة صحيحة أم لا ينعقد والأصح لا ينعقد والله أعلم. وإن كان زيد أحرم مطلقا ثم عينه قبل إحرام عمرو فوجهان أصحهما ينعقد إحرام عمرو مطلقا والثاني معينا ويجري الوجهان فيما لو أحرم زيد بعمرة ثم أدخل عليها الحج فعلى الأول يكون عمرو معتمرا وعلى الثاني قارنا والوجهان فيما إذا لم يخطر له التشبيه بإحرام زيد في الحال ولا في أوله فإن خطر التشبيه بأوله أو بالحال فالاعتبار بما خطر بلا خلاف ولو أخبره زيد بما أحرم به ووقع في نفسه خلافه فهل يعمل بخبره أو بما وقع في نفسه وجهان. قلت: أصحهما بخبره والله أعلم. ولو قال له أحرمت بالعمرة فعمل بقوله فبان أنه كان محرما بالحج فقد بان أن إحرام عمرو كان منعقدا بحج فإن فات الوقت تحلل وأراق دما وهل الدم في ماله أو مال زيد للتغرير وجهان الحال الثاني أن لا يكون زيد محرما أصلا فينظر إن كان عمرو جاهلا به انعقد إحرامه مطلقا لأنه جزم بالإحرام وإن كان عالما بأنه غير محرم بأن علم موته فطريقان المذهب الذي قطع به الجمهور أنه ينعقد إحرام عمرو مطلقا. والثاني على الوجهين أصحهما هذا والثاني لا ينعقد أصلا كما لو قال إن كان زيد محرما فقد أجرمت فلم يكن محرما والصواب الأول ويخالف قوله إن كان زيد محرما فإنه تعليق لأصل الإحرام فلهذا يقول إن كان زيد محرما فهذا المعلق محرم وإلا فلا وأما هنا فأصل الإحرام محزوم به واحتجوا للمذهب بصورتين نص عليهما في الأم أحدهما لو استأجره رجلان ليحج عنهما فأحرم عنهما لم ينعقد عن واحد منهما وانعقد عن الأجير لأن الجمع بينهما متعذر فلغت الإضافة وسواء كانت الإجارة في الذمة أم على العين لأنه وإن كانت إحدى إجارتي العين فاسدة إلا أن الإحرام عن غيره لا يتوقف على صحة الإجارة. الصورة الثانية لو استأجره رجل ليحج عنه فأحرم عن نفسه وعن المستأجر لغت الإضافتان وبقي الإحرام للأجير فلما لغت الإضافة في الصورتين وبقي أصل الإحرام جاز أن يلغو هنا التشبيه ويبقى أصل الإحرام. الحال الثالث أن يكون زيد محرما وتتعذر مراجعته لجنون أو غيبة أو موت ولهذه المسألة مقدمة وهي لو أحرم بأحد النسكين ثم نسيه قال في القديم أحب أن يقرن وإن تحرى رجوت أن يجزئه وقال في الجديد هو قارن وللأصحاب فيه طريقان أحدهما القطع بجواز التحري وتأويل الجديد على ما إذا شك هل أحرم بأحد النسكين أم قرن وأصحهما وبه قطع الجمهور أن المسألة على قولين القديم جواز التحري ويعمل بظنه والجديد لا يتحرى فإن قلنا بالقديم فتحرى مضى فيما ظنه من النسكين وأجزأه على الصحيح وقيل لا يجزئه الشك وفائدة التحري الخلاص من الإحرام وهذا شاذ ضعيف وإن قلنا بالجديد فللشك صورتان إحداهما أن يعرض قبل الإتيان بشىء من الأعمال فلفظ النص أنه قارن وقال الأصحاب معناه أن ينوي القران ويجعل نفسه قارنا وحكي قول أنه يصير قارنا بلا نية وهو شاذ ضعيف ثم إذا نوى القران وأتى بالأعمال تحلل وبرئت ذمته عن الحج بيقين وأجزأه عن حجة الإسلام لأنه إن كان محرما بالحج لم يضر تجديد العمرة بعده سواء قلنا يصح إدخالها عليه أم لا وإن كان محرما بالعمرة فإدخال الحج عليها قبل الشروع في أعمالها جائز وأما العمرة فإن جوزنا إدخالها على الحج أجزأته عن عمرة الإسلام وإلا فوجهان أصحهما لا تجزئه لاحتمال تأخر العمرة. والثاني تجزئه قاله أبو إسحق ويكون الاشتباه عذرا في جواز تأخيرها فإن قلنا تجزىء لزمه دم القران فإن لم يجد صام عشرة أيام جلاثة في الحج وسبعة إذا رجع وإن قلنا لا تجزئه العمرة لم يجب الدم على الأصح وقولنا يجعل نفسه قارنا ليس على سبيل الإلزام قال الإمام لم يذكر الشافعي رحمة الله عليه القران على معنى أنه لا بد منه بل ذكره على أنه ليستفيد منه الشاك التحلل مع براءة الذمة من النسكين. فلو اقتصر بعد النسيان على الإحرام بالحج وأتى بأعماله حصل التحلل قطعا وتبرأ ذمته عن الحج ولا تبرأ عن العمرة لاحتمال أنه أحرم ابتداء بعمرة بالحج وعلى هذا القياس لو اقتصر على الإحرام بالعمرة وأتى بأعمال القران حصل التحلل وبرئت ذمته من العمرة إن جوزنا إدخالها على الحج ولا تبرأ عن الحج لاحتمال أنه أحرم ابتداء ولم يغيرها ولو لم يجدد إحراما بعد النسيان واقتصر على الإتيان بعمل الحج حصل التحلل ولا تبرأ ذمته عن واحد من النسكين لشكه فيما أتى به ولو اقتصر على عمل العمرة لم يحصل التحلل لاحتمال أنه أحرم بالحج ولم يتم أعماله. الصورة الثانية أن يعرض الشك بعد الإتيان بشىء من الأعمال وله أحوال أحدها أن يعرض بعد الوقوف بعرفة وقبل الطواف فإذا نوى القران فيجزئه الحج لأنه إن كان محرما به فذاك وإن كان بالعمرة فقد أدخله عليها قبل الطواف وذلك جائز ولا تجزئه العمرة إذا قلنا بالمذهب إنه لا يجوز إدخالها على الحج بعد الوقوف وقبل الشروع في التحلل وهذا الحال مفروض فيما إذا كان وقت الوقوف باقيا عند مصيره قارنا ثم وقف ثانيا وإلا فيحتمل أنه كان محرما بالعمرة فلا يجزئه ذلك الوقوف عن الحج. الحال الثاني أن يعرض بعد الطواف وقبل الوقوف فإذا نوى القران وأتى بأفعال القارن لم يجزئه الحج لاحتمال أنه كان محرما بالعمرة فيمتنع إدخال الحج عليها بعد الطواف وأما العمرة فإن قلنا بجواز إدخالها على الحج بعد الطواف أجزأته وإلا فلا وهو المذهب وذكر ابن الحداد في هذه الحال أنه يتم أعمال العمرة بأن يصلي ركعتي الطواف ويسعى ويحلق أو يقصر ثم يحرم بالحج ويأتي بأعماله فإذا فعل هذا صح حجه لأنه إن كان محرما بالحج لم يضر تجديد إحرامه وإن كان بالعمرة فقد تمتع ولا تصح عمرته لاحتمال أنه كان محرما بالحج ولا تدخل العمرة عليه إذا لم ينو القران قال الشيخ أبو زيد وصاحب التقريب والأكثرون إن فعل هذا فالجواب ما ذكره لكن لو استفتانا لم نفته به لاحتمال أنه كان محرما بالحج وإن كان هذا الحلق يقع في غير أوانه وهذا كما لو ابتلعت دجاجة إنسان جوهرة لغيره لا يفتى صاحب الجوهرة بذبحها وأخذ الجوهرة فلو ذبح لم يلزمه إلا قدر التفاوت بين قيمتها حية ومذبوحة وكذا لو تقابلت دابتان لشخصين على شاهق وتعذر مرورهما لا يفتى أحدهما بإهلاك دابة الآخر لكن لو فعل خلص دابته ولزمه قيمة دابة صاحبه واختار الغزالي قول ابن الحداد ووجهه الشيخ أبو علي بأن الحلق في غير وقته يباح بالعذر كمن به أذى من رأسه فضرر الاشتباه لو لم يحلق أكثر فإنه يفوت الحج وسواء أفتيناه بما قاله ابن الحداد أم لم نفته ففعل لزمه دم لأنه إن كان محرما بحج فقد حلق في غير وقته وإن كان بعمرة فقد تمتع فيريق دما عن الواجب عليه ولا يعين الجهة كما في الكفارة فإن كان معسرا لا يجد دما ولا طعاما صام عشرة أيام كصوم المتمتع فإن كان الواجب دم المتمتع فذاك وإن كان دم الحلق أجزأه ثلاثة أيام الباقي تطوع ولا يعنى الجهة في صوم الثلاثة ويجوز تعيين التمتع في صوم السبعة ولو اقتصر على صوم ثلاثة هل تبرأ ذمته مقتضى كلام الشيخ أبي علي أنه لا تبرأ قال الإمام ويحتمل أن تبرأ وعبر الغزالي في الوسيط عن هذين بوجهين ويجزئه الصوم مع وجود الطعام لأنه لا مدخل للطعام في التمتع وفدية الحلق على التخيير ولو أطعم هل تبرأ ذمته فيه كلاما الشيخ والإمام هذا كله إذا استجمع الرجل شروط وجوب دم التمتع فإن لم يستجمعها كالمكي لم يجب الدم لأن دم التمتع مفقود والأصل عدم الحلق وإذا جوز أن يكون إحرامه أولا بالقران فهل يلزمه دم آخر مع الدم الذي وصفناه فيه الوجهان السابقان. الحال الثالث أن يعرض الشك بعد الطواف والوقوف فإن أتى ببقية أعمال الحج لم يحصل له حج ولا عمرة أما الحج فلجواز أنه كان محرما بعمرة فلا ينفعه الوقوف وأما العمرة فلجواز أنه كان محرما بحج ولم يدخل عليه العمرة فإن نوى القران ولبى وأتى بأعمال القران فإجزاء العمرة يبنى على أنها هل تدخل على الحج بعد الوقوف ثم قياس المذكور في الحال السابق ثم لو أتم أعمال العمرة وأحرم بالحج وأتى بأعماله مع الوقوف أجزأه الحج وعليه دم كما سبق ولو أتم أعمال الحج ثم أحرم بعمرة وأتى بأعمالها أجزأته العمرة. فرع التمتع بالعمرة إلى الحج لو تمتع بالعمرة إلى الحج فطاف للحج طواف الإفاضة ثم بان له أنه كان محدثا في طواف العمرة لم يصح طوافه ذلك ولا سعيه بعده وبان أن حلقه وقع في غير وقته ويصير بإحرامه بالحج مدخلا الحج على العمرة قبل الطواف فيصير قارنا ويجزئه طوافه وسعيه في الحج عن الحج وعليه دمان دم القران ودم الحلق وإن بان أنه كان محدثا في طواف الحج توضأ وأعاد الطواف والسعي وليس عليه إلا دم التمتع إذا استجمعت شروطه فلو شك في أي الطوافين كان حدثه فعليه إعادة الطواف والسعي فإذا أعادهما صح حجه وعمرته وعليه دم لأنه قارن أو متمتع وينوي بإراقته الواجب عليه ولا تعين الجهة وكذا لو لم يجد الدم فصام والاحتياط أن يريق دما آخر لاحتمال أنه حالق قبل الوقت. فلو لم يحلق في العمرة وقلنا الحلق استباحة محظور فلا حاجة إليه وكذا لا يلزمه عند تبين الحدث في طواف العمرة إلا دم واحد ولو كانت المسألة بحالها لكن جامع بعد العمرة ثم أحرم بالحج فهذه المسألة تفرع: على أصلين أحدهما جماع الناسي هل يفسد النسك ويجب الفدية كالعمد فيه قولان. الثاني إذا أفسد العمرة بجماع ثم أدخل الحج عليها هل يدخل ويصير محرما بالحج وجهان أصحهما عند الأكثرين يصير محرما بالحج وبه قال ابن سريج والشيخ أبو زيد فعلى هذا هل يكون الحج صحيحا مجزءا وجهان أحدهما نعم لأن المفسد متقدم وأصحهما لا فعلى هذا هل ينعقد فاسدا أو صحيحا ثم يفسد وجهان أحدهما ينعقد صحيحا ثم يفسد كما لو أحرم مجامعا وأصحهما ينعقد فاسدا. ولو انعقد صحيحا لم يفسد إذ لم يوجد بعد انعقاده مفسد فإن قلنا ينعقد فاسدا أو صحيحا ثم يفسد مضى في النسكين وقضاهما وإن قلنا ينعقد صحيحا ولا يفسد قضى العمرة دون الحج وعلى الأوجه الثلاثة يلزمه دم القران ولا يجب للإفساد إلا بدنة واحدة كذا قاله الشيخ أبو علي وحكى الإمام وجهين آخرين إذا حكمنا بانعقاد حجه فاسدا أحدهما يلزمه بدنة أخرى لفساد الحج. والثاني يلزمه البدنة للعمرة وشاة للحج كما لو جامع ثم جامع إذا عرفت هذين الأصلين فانظر إن كان الحدث في طواف العمرة فالطواف والسعي فاسدان والجماع واقع قبل التحلل لكن لا يعلم كونه قبل التحلل فهل يكون كالناسي فيه طريقان أحدهما نعم وبه قطع الشيخ أبو علي والثاني لا فإن لم تفسد العمرة به صار قارنا وعليه دم للقران ودم للحلق قبل وقته إن كان حلق كما سبق. وإن أفسدنا العمرة فعليه للإفساد بدنة وللحلق شاة وإذا أحرم بالحج فقد أدخله على عمرة فاسدة فإن لم يدخل فهو في عمرته كما كان فيتحلل منها ويقضيها وإن دخل وقلنا بفساد الحج فعليه بدنة للإفساد ودم للحلق قبل وقته ودم للقران ويمضي في فاسدهما ثم يقضيهما وإن قال كان الحدث قبل طواف الحج فعليه إعادة الطواف والسعي وقد صح نسكاه وليس عليه إلا دم التمتع وإن قال لا أدري في أي الطوافين كان أخذ في كل حكم باليقين فلا يتحلل ما لم يعد الطواف والسعي لاحتمال أن حدثه كان في طواف الحج ولا يخرج عن عهدة الحج والعمرة إن كانا واجبين عليه لاحتمال كونه محدثا في طواف العمرة وتأثير الجماع في إفساد النسكين على المذهب فلا تبرأ ذمته بالشك. وإن كان متطوعا فلا قضاء لاحتمال أن لا فساد وعليه دم إما للتمتع إن كان الحدث في طواف الحج وإما للحلق إن كان في طواف العمرة ولا تلزمه البدنة لاحتمال أنه لم يفسد العمرة لكن الاحتياط ذبح بدنة وشاة إذا جوزنا إدخال الحج على العمرة الفاسدة لاحتمال أنه صار قارنا بذلك هذا آخر المقدمة فإذا تعذرت معرفة إحرام زيد فطريقان أحدهما يكون عمرو كمن نسي ما أحرم به وفيه القولان القديم والجديد. والطريق الثاني وهو المذهب وبه قال الأكثرون لا يتحرى بحال بل ينو القران وحكوه عن نصه في القديم والفرق أن الشك في مسألة النسيان وقع في فعله فله سبيل إلى التحري بخلاف إحرام زيد. فرع هذا الذي ذكرناه من الأحوال الثلاثة لزيد هو فيما إذا أحرم عمرو في الحال بإحرام كإحرام زيد أما لو علق إحرامه فقال إذا أحرم زيد فأنا محرم فلا يصح إحرامه كما لو قال إذا جاء رأس الشهر فأنا محرم هكذا نقله صاحب التهذيب وغيره ونقل في المعتمد في صحة الإحرام المعلق بطلوع الشمس ونحوه وجهين وقياس تجويز تعليق أصل الإحرام بإحرام الغير تجويز هذا لأن التعليق موجود في الحالين إلا أن هذا تعليق بمستقبل وذلك تعليق بحاضر وما يقبل التعليق من العقود يقبلهما جميعا قلت: قال الروياني لو قال أحرمت كإحرام زيد وعمرو فإن كانا محرمين بنسك متفق كان كأحدهما وإن كان أحدهما بعمرة والآخر بحج كان هذا المعلق قارنا وكذا إن كان أحدهما قارنا قال ولو قال كإحرام زيد الكافر وكان الكافر قد أتى بصورة إحرام فهل ينعقد له ما أحر به الكافر أم ينعقد مطلقا وجهان وهذا ضعيف أو غلط بل الصواب انعقاده مطلقا. قال الروياني قال أصحابنا لو قال أحرمت يوماً أو يومين انعقد مطلقا كالطلاق ولو قال أحرمت بنصف نسك انعقد بنسك كالطلاق وفيما نقله نظر والله أعلم.
من سننه الغسل إذا أراده يستوي في استحبابه الرجل والصبي والحائض والنفساء ولو أمكن الحائض المقام بالميقات حتى تطهر فالأفضل أن تؤخر الإحرام حتى تطهر فتغتسل ليقع إحرامها في أكمل أحوالها وحكي قول أن الحائض والنفساء لا يسن لهما الغسل وهو شاذ ضعيف وإذا اغتسلتا نوتا ولإمام الحرمين في نيتهما احتمال فإن عجز المحرم عن الماء تيمم نص عليه في الأم وذكرنا في غسل الجمعة احتمالا للإمام أنه لا تيمم وذاك عائد هنا وإذا وجد ماء لا يكفيه للغسل توضأ قاله في التهذيب. وإن أراد الاقتصار على الوضوء فليس بجيد لأن المطلوب هو الغسل فالتيمم يقوم مقامه دون الوضوء والله أعلم. ويسن الغسل للحاج في مواطن أحدها عند الإحرام والثاني لدخول مكة والثالث للوقوف بعرفة والرابع للوقوف بمزدلفة بعد الصبح يوم النحر والخامس والسادس والسابع ثلاثة أغسال لرمي جمار أيام التشريق وهذه الأغسال نص عليها الشافعي رحمة الله عليه قديما وجديدا ويستوي في استحبابها الرجل والمرأة وحكم الحائض ومن لم يجد ماء كما سبق في غسل الإحرام وزاد في القديم ثلاثة أغسال لطواف الإفاضة والوداع وللحلق ولم يستحبه لرمي جمرة العقبة اكتفاء بغسل العيد ولأن وقته متسع بخلاف رمي أيام التشريق. قلت: قال الشافعي رحمه الله في الأم أكره ترك الغسل للإحرام وهذا الذي ذكره في الغسل الرابع أنه للوقوف بمزدلفة هو الذي ذكره الجمهور وكذا نص عليه في الأم وجعل المحاملي في كتبه وسليم الرازي والشيخ نصر المقدسي الغسل الرابع للمبيت بالمزدلفة ولم يذكروا غسل الوقوف بها والله أعلم. فرع يستحب أن يتأهب للإحرام بحلق العانة ونتف الإبط وقص الشارب وقلم الأظفار وغسل الرأس فرع التطيب للإحرام يستحب أن يتطيب للإحرام وسواء الطيب الذي يبقى له أثر وجرم بعد الإحرام والذي لا يبقى وسواء الرجل والمرأة هذا هو المذهب وحكي وجه أن التطيب مباح ليس بمستحب وقول أنه لا يستحب للنساء بحال ووجه أنه يحرم عليهن التطيب بما تبقي عينه ثم إذا تطيب فله إستدامته بعد الإحرام بخلاف المرأة إذا تطيبت ثم لزمتها عدة تلزمها إزالة الطيب في وجه لأن العدة حق آدمي فالمضايقة فيه أكثر ولو أخذ الطيب من موضعه بعد الإحرام ورده إليه أو إلى موضع آخر لزمه الفدية على المذهب وقيل قولان ولو انتقل من موضع إلى موضع آخر بالعرق فالأصح أنه لا شيء عليه والثاني عليه الفدية إن تركه هذا كله في تطييب البدن وفي تطييب إزار الإحرام وردائه وجهان وقيل قولان أصحهما الجواز كالبدن والثاني التحريم لأنه يلبس مرة بعد أخرى ووجه ثالث إن بقي عينه بعد الإحرام لم يجز وإلا جاز وهذا الخلاف فيمن قصد تطييب الثوب أما من طيب بدنه فتعطر ثوبه تبعا فلا بأس بلا خلاف. فإن جوزنا تطييب الثوب للإحرام فلا بأس باستدامة ما عليه بعد الإحرام كالبدن فلو نزعه ثم لبسه لزمه الفدية على الأصح كما لو أخذ الطيب من بدنه ثم رده إليه أو ابتدأ لبس ثوب مطيب فرع المرأة تخضب يديها بالحناء يستحب للمرأة أن تخضب يديها إلى الكوعين بالحناء قبل الإحرام وتمسح ولا فرق في استحباب الخضاب للمحرمة بين المزوجة وغيرها وأما في غير الإحرام فيستحب للمزوجة الخضاب ويكره لغيرها وحيث استحببناه فإنما يستحب تعميم اليد دون النقش والتسويد والتطريف وهو خضب أطراف الأصابع ويكره لها الخضاب بعد الإحرام قلت: سواء في استحباب الخضاب العجوز والشابة ولا تختضب الخنثى كما لا يختضب الرجل والله أعلم. فرع فإذا أراد الإحرام نزع المخيط ولبس إزارا ورداء ونعلين ويستحب أن يكون الإزار والرداء أبيضين جديدين وإلا فمغسولين ويكره المصبوغ. فرع يستحب أن يصلي قبل الإحرام ركعتين فإن أحرم في وقت فريضة فصلاها أغنته عن ركعتي قلت: والمستحب أن يقرأ فيهما قل يا أيها الكافرون و قل هو الله أحد قال أصحابنا فإن كان في الميقات مسجد استحب أن يصليهما فيه والله أعلم. فرع فإذا صلى نوى ولبى وفي الأفضل قولان أظهرهما أن ينوي ويلبي حين تنبعث به دابته إلى صوب مكة إن كان راكبا أو حين يجوجه إلى الطريق إن كان ماشيا والثاني أن ينوي ويلبي ذقب الصلاة وهو قاعد ثم يسير قلت: وعلى القولين يستحب أن يستقبل القبلة عند الإحرام والله أعلم. فرع الإكثار من التلبية في الإحرام السنة أن يكثر من التلبية في دوام الإحرام وتستحب قائما وقاعدا وراكبا وماشيا وجنبا وحائضا ويتأكد استحبابها في كل صعود وهبوط وحدوث أمر من ركوب أو نزول أو اجتماع رفاق أو فراغ من صلاة وعند إقبال الليل والنهار ووقت السحر وتستحب التلبية في المسجد الحرام ومسجد الخيف بمنى ومسجد إبراهيم صلى الله عليه وسلم بعرفة فإنها مواضع نسك وفي سائر المساجد قولان الجديد يلبي والقديم لا يلبي لئلا يشوش على المصلين والمتعبدين وجعلهما إمام الحرمين في استحباب رفع الصوت ثم قال إن لم تستحب رفعه في سائر المساجد ففي الرفع في المساجد الثلاثة وجهان. وهل تستحب التلبية في طواف القدوم والسعي بعده قولان الجديد لا لأن لهما أذكارا والقديم يستحب ولا يجهر بها ولا يلبي في طوافي الإفاضة والوداع بلا خلاف لخروج وقت التلبية ويستحب للرجل رفع صوته بالتلبية بحيث لا يضر بنفسه ولا تجهر بها المرأة بل تقتصر على إسماع نفسها. قال الروياني فإن رفعت صوتها لم يحرم لأنه ليس بعورة على الصحيح. قلت: لكن يكره نص عليه الدارمي ويستحب أن يكون صوت الرجل في صلاته على النبي صلى الله عليه وسلم عقب التلبية دون صوته بها والله أعلم. ويستحب للملبي أن لا يزيد على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يكررها وهي لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لك لا شريك لك ويجوز كسر همزة إن وفتحها. قلت: الكسر أصح وأشهر والله أعلم. فإن زاد على هذه التلبية لم يكره ويستحب إذا رأى شيئا يعجبه أن يقل لبيك إن العيش عيش الآخرة ويستحب إذا فرغ من التلبية أن يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يسأل الله تعالى رضوانه والجنة ويستعيذ به من النار ثم يدعو بما أحب ولا يتكلم في أثناء تلبيته بأمر أو نهي أو غيرهما لكن لو سلم عليه رد نص عليه. قلت: ويكره التسليم عليه في حال التلبية والله أعلم. ومن لا يحسن التلبية بالعربية يلبي بلسانه.
|