الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **
صفة الأئمة ضربان مشروطة ومستحبة فأما المشروطة فصلاة الإمام تارة تكون باطلة في اعتقاد الإمام والمأموم وتارة تكون صحيحة فالأول كصلاة المحدث والجنب ومن على ثوبه نجاسة ونحو ذلك فلا يجوز لمن علم حاله الاقتداء به وكذلك الكافر لا يجوز الاقتداء به ولو صلى لم يصر بالصلاة مسلما على المشهور. والثاني إذا صلى في دار الحرب صار مسلما هذا إذا لم يسمع منه كلمتا الشهادتين فإن سمعتا حكم بإسلامه على الصحيح فأما إذا كانت صلاة الإمام صحيحة في اعتقاده دون اعتقاد المأموم أو بالعكس فله صورتان إحداهما أن يكون ذلك لاختلافهما في الفروع الاجتهادية بأن مس الحنفي فرجه وصلى ولم يتوضأ أو ترك الاعتدال أو الطمأنينة أو قرأ غير الفاتحة ففي وهذا هو الأصح عند الأكثرين وبه قطع الروياني في الحلية والغزالي في الفتاوى ولو صلى على وجه لا يصححه و الشافعي يصححه بأن احتجم وصلى فعند القفال لا يصح اقتداء الشافعي به. وعند أبي حامد يصح اعتبارا باعتقاد المأموم وقال الأودني والحليمي من أصحابنا إذا أم ولي الأمر أو نائبه فترك البسملة. والمأموم يرى وجوبها صحت صلاته خلفه عالما كان أو عاميا وليس له المفارقة لما فيه من الفتنة وهذا حسن أما إذا حافظ الحنفي على جميع ما يعتقد الشافعي وجوبه واشتراطه فيصح اقتداء الشافعي به على الصحيح الذي قطع به الجمهور وقال الأستاذ أبو إسحق الاسفراييني لا يصح. ولو شك هل أتى بالواجبات أم لا فالأصح أنه كما إذا علم إتيانه بها والثاني أنه كما إذا علم تركها فالحاصل في اقتداء الشافعي بالحنفي أربعة أوجه أحدها الصحة والثاني البطلان والأصح إن حافظ على الواجبات أو شككنا صح وإلا فلا والرابع إن حافظ صح وإلا فلا ولو اقتدى الحنفي بالشافعي فصلى الشافعي على وجه يصح عنده ولا يصح عند الحنفي بأن احتجم ففي صحة اقتدائه الخلاف وإذا صححنا اقتداء أحدهما بالآخر فصلى الشافعي الصبح خلف حنفي ومكث الحنفي بعد الركوع قليلا وأمكنه أن يقنت فيه فعل وإلا تابعه ويسجد للسهو إن اعتبرنا اعتقاد المأموم وإن اعتبرنا اعتقاد الإمام فلا ولو صلى الحنفي خلف الشافعي الصبح فترك الإمام القنوت ساهيا وسجد للسهو تابعه المأموم وإن ترك الإمام سجود السهو سجد المأموم إن اعتبرنا اعتقاد الإمام وإلا فلا الصورة الثانية أن لا يكون لاختلافهما في الفروع فلا يجوز لمن يعتقد بطلان صلاة غيره أن يقتدي به كرجلين اختلف اجتهادهما في القبلة أو في إناءين طاهر ونجس فلو كثرت الآنية والمجتهدون واختلفوا بأن كانت ثلاثة طاهران ونجس فظن كل رجل طهارة واحد فحسب وأم كل واحد في صلاة فثلاثة أوجه الصحيح قول ابن الحداد والأكثرين تصح لكل واحد ما أم فيه والاقتداء الأول يبطل الثاني. والثاني قول صاحب التلخيص لا يصح الاقتداء أصلا والثالث قول أبي إسحق المروزي يصح الاقتداء الأول إن اقتصر عليه فإن اقتدى ثانيا لزمه إعادتهما أما إذا ظن طهارة اثنين فيصح اقتداؤه مستعمل المظنون طهارته بلا خلاف ولا يصح بالثالث بلا خلاف ولو كانت الآنية خمسة والنجس منها واحد فظن كل واحد طهارة واحد ولم يظن شيئا من الأربعة وأم كل واحد في صلاة فعند صاحب التلخيص والمروزي يجب وعند ابن الحداد يجب إعادة الاقتداء الأخير فقط وقال بعض الأصحاب هذه الأوجه إنما هي فيما إذا سمع صوت من خمسة أنفس وتناكروه فأما الآنية فلا تبطل إلا الاقتداء الأخير بلا خلاف. ولو كان النجس من الآنية الخمسة اثنين صحت صلاة كل واحد منهم خلف اثنين وبطلت خلف اثنين ولو كان النجس ثلاثة صحت خلف واحد فحسب هذا قول ابن الحداد ولا يخفى قول الآخرين الحال الثاني أن تكون صلاة الإمام صحيحة في اعتقاد الإمام والمأموم فتارة يغني عن القضاء وتارة لا يغني فإن لم تغن كمن لم يجد ماء ولا ترابا لم يجز الاقتداء به للمتوضىء ولا للمتيمم الذي لا يقضي وهل يجوز لمن هو في مثل حاله وجهان الصحيح لا ومثله المقيم المتيمم لعدم الماء ومن أمكنه أن يتعلم الفاتحة فلم يتعلم ثم صلى لحرمة الوقت والعاري والمربوط على خشبة إذا أوجبنا عليهم الاعادة وإن أغنت عن القضاء فإن كان مأموما لم يصح الاقتداء به. ولو رأى رجلين يصليان جماعة وشك أيهما الإمام لم يجز الاقتداء بواحد منهما حتى يتبين الإمام ولو اعتقد كل واحد من المصلين أنه مأموم لم تصح صلاتهما وإن اعتقد أنه إمام صحت ولو شك كل واحد أنه إمام أم مأموم بطلت صلاتهما. وإن كان غير مأموم فتارة يخل بالقراءة وتارة لا يخل فإن أخل بأن كان أميا ففي صحة اقتداء القارىء به ثلاثة أقوال الجديد الأظهر لا تصح والقديم إن كانت سرية صح وإلا فلا والثالث مخرج أنه يصح مطلقا هكذا نقل الجمهور. وأنكر بعضهم الثالث وعكس الغزالي فجعل الثاني ثالثا والثالث ثانيا والصواب الأول. قلت هذه الأقوال جارية سواء علم المأموم كون الإمام أميا أم لا هكذا قاله الشيخ أبو حامد وغيره وهو مقتضى اطلاق الجمهور وقال صاحب الحاوي الأقوال إذا لم يعلم كونه أميا فإن علم لم يصح قطعا والصحيح أنه لا فرق والله أعلم. والمراد بالأمي من لا يحسن الفاتحة أو بعضها لخرس أو غيره فيدخل فيه الأرت وهو الذي يدغم حرفا بحرف في غير موضع الادغام وقال في التهذيب هو الذي يبدل الراء بالتاء والألثغ وهو الذي يبدل حرفا بحرف كالسين بالثاء والراء بالغين ومن في لسانه رخاوة تمنعه التشديد. واعلم أن الخلاف المذكور في اقتداء القارىء بالأمي هو فيمن لم يطاوعه لسانه أو طاوعه ولم يمض زمن يمكن التعلم فيه فأما إذا مضى زمن وقصر بترك التعلم فلا يصح الاقتداء به بلا خلاف لأن صلاته حينئذ مقضية كصلاة من لا يجد ماء ولا ترابا ويصح اقتداء أمي بأمي مثله ولو حضر رجلان كل واحد منهما يحسن بعض الفاتحة إن كان ما يحسنه ذا يحسنه ذاك جاز اقتداء كل واحد بصاحبه وإن أحسن كل واحد غير ما يحسنه الآخر فاقتداء أحدهما بالآخر كاقتداء القارىء بالأمي وعليه يخرج الأرت بالألثغ وعكسه لأن كل واحد قارىء ما لا يحسنه صاحبه. وتكره إمام التمتام والفأفاء والاقتداء يصح بهما. قلت التمتام من يكرر التاء والفأفاء من يكرر الفاء ويتردد فيها وهو بهمزتين بعد الفاءين بالمد في آخره والله أعلم. وتكره إمامة من يلحن في القراءة ثم ينظر إن كان لحنا لا يغير المعنى كرفع الهاء من الحمد لله صحت صلاته وصلاة من اقتدى به وإن كان يغير كضم تاء أنعمت عليهم أو كسرها تبطله كقوله الصراط المستقين فإن كان يطاوعه لسانه ويمكنه التعلم لزمه ذلك فإن قصر وضاق الوقت صلى وقضى ولا يجوز الاقتداء به. وإن لم يطاوعه لسانه أو لم يمض ما يمكن التعلم فيه فإن كان في الفاتحة فصلاة مثله خلفه صحيحة وصلاة صحيح اللسان خلفه صلاة قارىء خلف أمي وإن كان في غير الفاتحة صحت صلاته وصلاة من خلفه قال إمام الحرمين ولو قيل ليس لهذا اللاحن قراءة غير الفاتحة مما يلحن فيه لم يكن بعيدا لأنه يتكلم بما ليس بقرآن بلا ضرورة أما إذا لم يخل الإمام بالقراءة فإن كان رجلا صح اقتداء الرجال والنساء به وإن كانت امرأة صح اقتداء النساء بها ولم يصح اقتداء الرجال ولا الخنثى. وإن كان خنثى جاز اقتداء المرأة به ولا يجوز اقتداء الرجل ولا خنثى آخر به. فرع حيث حكمنا بصحة الاقتداء فلا بأس أن يكون الإمام متيمما أما ماسح خف والمأموم متوضئا غاسلا رجله ويجوز اقتداء السليم بسلس البول والطاهرة بالمستحاضة غير المتحيرة على الأصح كما يجوز قطعا بمن استنجى بالأحجار ومن على ثوبه أو بدنه نجاسة معفو عنها ويصح صلاة القائم خلف القاعد أو القائم والقاعد خلف المضطجع. فرع جميع ما تقدم فيما إذا عرف المأموم حال الإمام في الصفات وجودا وعدما فأما إذا ظن شيئا فبان خلافه فله صور. منها إذا اقتدى رجل بخنثى مشكل وجب القضاء فلو لم يقض حتى بان الخنثى رجلا لم يسقط ويجري القولان فيما إذا اقتدى خنثى بامرأة ولم يقض حتى بان امرأة وفيما إذا اقتدى خنثى بخنثى ولم يقض المأموم حتى بان امرأة والامام رجلا. ومنها لو اقتدى بمن ظنه متطهرا فبان بعد الصلاة محدثا أو جنبا فلا قضاء على المأموم ولنا قول إن كان الإمام عالما بحدثه لزم المأموم القضاء وإلا فلا والمشهور المعروف الذي قطع به الأصحاب أن لا قضاء مطلقا. قلت هذا القول الشاذ نقله صاحب التلخيص قال القفال في شرح التلخيص قال أصحابنا هذا النقل غلط ولا يختلف مذهب الشافعي أنه لا إعادة على المأموم مطلقا وإنما حكى الشافعي مذهب مالك أنه تجب الاعادة إن تعمد الإمام وليس مذهبا له والصواب إثبات القول كما نقله صاحب التلخيص وقد نص عليه الشافعي في البويطي والله أعلم. هذا إذا لم يعرف المأموم حدث الإمام أصلا فإن علم ولم يتفرقا ولم يتوضأ ثم اقتدى به ناسيا وجبت الاعادة قطعاً. وهذا كله في غير صلاة الجمعة فإن كان فيها ففيه كلام يأتي في بابها إن شاء الله تعالى ومنها لو اقتدى بمن ظنه قارئا فبان أميا وقلنا لا تصح صلاة القارىء خلف الأمي ففي الاعادة وجهان: أصحهما تجب قطع به في التهذيب وهو مقتضى كلام الأكثرين سواء كانت الصلاة سرية أو جهرية ولو اقتدى بمن لا يعرف حاله في جهرية فلم يجهر وجبت الاعادة نص عليه في الأم وقاله العراقيون لأن الظاهر أنه لو كان قارئا لجهر فلو سلم وقال أسررت ونسيت الجهر لم تجب الاعادة لكن تستحب ولو بان في أثناء الصلاة ذكورة الخنثى ففي بطلان صلاة المأموم الرجل القولان كما بعد الفراغ ولو بان في أثنائها كونه جنبا أو محدثا فلا قضاء ويجب أن ينوي المفارقة في الحال ويبني ولو بان أميا وقلنا لا تجب الاعادة فكالمحدث وإلا فكالخنثى ومنها لو اقتدى بمن ظنه رجلا فبان امرأة أو خنثى وجبت الاعادة وقيل لا تجب إذا بان خنثى وهو شاذ. ولو ظنه مسلما فبان كافرا يتظاهر بكفره كاليهودي وجب القضاء وإن كان يخفيه ويظهر الاسلام كالزنديق والمرتد لم يجب القضاء على الأصح. قلت هذا الذي صححه هو الأقوى دليلا لكن الذي صححه الجمهور وجوب القضاء وممن صححه الشيخ أبو حامد والمحاملي والقاضي أبو الطيب والشيخ نصر المقدسي وصاحبا الحاوي و العدة وغيرهم ونقله الشيخ أبو حامد عن نص الشافعي رضي الله عنه قال صاحب الحاوي وهو مذهب الشافعي وعامة أصحابه والله أعلم. ولو بان على بدن الإمام أو ثوبه نجاسة فإن كانت خفية فهو كمن بان محدثا وإن كانت ظاهرة فقال إمام الحرمين عندي فيه احتمال لأنه من جنس ما يخفى. قلت وقطع صاحب التتمة و التهذيب وغيرهما بأن النجاسة كالحدث ولم يفرقوا بين الخفية وغيرها وأشار إمام الحرمين إلى أنها إذا كانت ظاهرة فهي كمسألة الزنديق والله أعلم. وقال المزني لا يجب القضاء إذا بان كافرا أو امرأة. قلت ولو بان مجنونا وجبت الاعادة على المأموم فلو كان له حالة جنون وحالة إفاقة أو حال إسلام وحال ردة واقتدى به ولم يدر في أي حاليه كان فلا إعادة لكن يستحب ولو صلى خلف من يجهل إسلامه فلا إعادة لكن يستحب ولو صلى خلف من أسلم فقال بعد الفراغ لم أكن أسلمت حقيقة أو أسلمت ثم ارتددت فلا إعادة والله أعلم. فرع يصح الاقتداء بالصبي المميز في الفرض والنفل ولكن البالغ أولى ويصح بالعبد بلا كراهة لكن الحر أولى هذا إذا أما في غير الجمعة وإمامة الأعمى صحيحة وهو والبصير سواء على الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور والثاني البصير أولى واختاره أبو إسحق الشيرازي.
الاسباب التي يترجح بها الإمام ستة الفقه والقراءة والورع والسن والنسب والهجرة فأما الفقه والقراءة فظاهران وأما الورع فليس المراد منه مجرد العدالة بل ما يزيد عليه من حسن السيرة والعفة وأما السن فالمعتبر سن مضى في الاسلام فلا يقدم شيخ أسلم اليوم على شاب نشأ في الاسلام ولا على شاب أسلم أمس والصحيح أنه لا تعتبر الشيخوخة بل النظر إلى تفاوت السن وأشار بعضهم إلى اعتبارها وأما النسب فنسب قريش معتبر بلا خلاف وفي غيرهم وجهان: أصحهما يعتبر كل نسب يعتبر في الكفاءة كالعلماء والصلحاء فعلى هذا الهاشمي والمطلبي يقدمان على سائر قريش وسائر قريش يقدمون على سائر العرب وسائر العرب يقدمون على العجم والثاني لا يعتبر ما عدا قريشا وأما الهجرة فيقدم من هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على من لم يهاجر ومن تقدمت هجرته على من تأخرت وكذلك الهجرة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من دار الحرب إلى دار الإسلام معتبرة وأولاد من هاجر أو تقدمت هجرته مقدمون على أولاد غيرهم ويتفرع: على هذه المقدمة مسائل. فإذا اجتمع عدل وفاسق فالعدل أولى بالامامة وإن اختص الفاسق بزيادة الفقه والقراءة وسائر الخصال بل تكره الصلاة خلف الفاسق وتكره أيضاً خلف المبتدع الذي لا يكفر ببدعته وأما الذي يكفر ببدعته فلا يجوز الاقتداء به وحكمه ما تقدم في غيره من الكفار وعد صاحب الإفصاح من يقول بخلق القرآن أو ينفي شيئا من صفات الله تعالى كافرا وكذا جعل الشيخ أبو حامد ومتابعوه والمعتزلة ممن يكفر والخوارج لا يكفرون ويحكى القول بتكفير من يقول بخلق القرآن عن الشافعي. وأطلق القفال وكثيرون من الأصحاب القول بجواز الاقتداء بأهل البدع وأنهم لا يكفرون قال صاحب العدة وهو ظاهر مذهب الشافعي. قلت هذا الذي قاله القفال وصاحب العدة هو الصحيح أو الصواب فقد قال الشافعي رحمه الله أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم ولم يزل السلف والخلف على الصلاة خلف المعتزلة وغيرهم ومناكحتهم وموارثتهم وإجراء أحكام المسلمين عليهم. وقد تأول الإمام الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي وغيره من أصحابنا المحققين ما جاء عن الشافعي وغيره من العلماء من تكفير القائل بخلق القرآن على كفران النعم لا كفر الخروج من الملة وحملهم وفي الأورع مع الأفقه والأقرأ وجهان قال الجمهور هما مقدمان عليه وقال الشيخ أبو محمد وصاحب التتمة و التهذيب يقدم عليهما والأول أصح ولو اجتمع من لا يقرأ إلا ما يكفي الصلاة ولكنه صاحب فقه كثير وآخر يحسن القرآن كله وهو قليل الفقه فالصحيح المنصوص الذي قطع به الجماهير أن الأفقه أولى والثاني هما سواء. فأما من جمع الفقه والقراءة فهو مقدم على المنفرد بأحدهما قطعا والفقه والقراءة يقدم كل واحد منهما على النسب والسن والهجرة وعن بعض الأصحاب قول مخرج أن السن يقدم على الفقه وهو شاذ وإذا استويا في الفقه والقراءة ففيه طرق قال الشيخ أبو حامد وجماعة لا خلاف في تقديم السن والنسب على الهجرة فلو تعارض سن ونسب كشاب قرشي وشيخ غير قرشي فالجديد تقديم الشيخ والقديم الشاب. ورجح جماعة هذا القديم وعكس صاحبا التتمة و التهذيب فقالا الهجرة مقدمة على النسب والسن وفيهما القولان وقال آخرون منهم صاحب المهذب الجديد يقدم السن ثم النسب ثم الهجرة والقديم يقدم النسب ثم الهجرة ثم السن أما إذا تساويا في جميع الصفات المذكورات فيقدم بنظافة الثوب والبدن عن الأوساخ وبطيب الصنعة وحسن الصوت وما أشبهها من الفضائل. فقيل أحسنهم وجها وقيل أحسنهم ذكرا بين الناس قال في التتمة تقدم نظافة الثوب ثم حسن الصوت ثم حسن الصورة. فرع الوالي في محل ولايته أولى من غيره وإن اختص ذلك الغير الذي سبقت ويقدم الوالي على إمام المسجد ومالك الدار ونحوهما إذا أذن المالك في إقامة الجماعة في ملكه فلو أذن الوالي في تقدم غيره فلا بأس. ثم يراعى في الولاة تفاوت الدرجة فالامام الأعظم أولى من غيره ثم الأعلى فالأعلى من الولاة والحكام ولنا قول شاذ أن المالك أولى من الوالي والمشهور تقديم الوالي ولو اجتمع قوم في موضع مملوك ليس فيهم وال فساكن الموضع بحق أولى بالتقديم والتقدم من الأجانب فإن لم يكن أهلا للتقدم فهو أولى بالتقديم سواء كان الساكن عبدا أسكنه سيده أو حرا مالكا أو مستعيرا أو مستأجرا. ولو كانت الدار مشتركة بين شخصين وهما حاضران أو أحدهما والمستعير من الآخر فلا يتقدم غيرهما إلا بإذنهما ولا أحدهما إلا بإذن الآخر فإن لم يحضر إلا أحدهما فهو الأحق ولو اجتمع مالك الدار والمستأجر فالأصح أن المستأجر أولى والثاني المالك ولو اجتمع المعير والمستعير فالأصح أن المعير أولى والثاني المستعير. ولو حضر السيد وعبده الساكن فالسيد أولى قطعا سواء المأذون له في التجارة وغيره ولو حضر السيد والمكاتب في دار المكاتب فالمكاتب أولى ولو حضر قوم في مسجد له إمام راتب فهو أولى من غيره فإن لم يحضر إمامه استحب أن يبعث إليه ليحضر. فإن خيف فوات أول الوقت استحب أن يتقدم غيره. قلت تقدم غيره مستحب إن لم يخف فتنة فإن خيفت صلوا فرادى ويستحب لهم أن يعيدوا معه إن حضر بعد ذلك والله أعلم.
فأما الشروط فسبعة أحدها أن لا يتقدم المأموم على الإمام في جهة القبلة فإن تقدم لم تنعقد صلاته على الجديد الأظهر ولو تقدم في خلالها بطلت والقديم أنها تنعقد والمستحب للمأموم أن يتأخر عن موقف الإمام قليلا إن كان وحده فإن ائتم اثنان فصاعدا اصطفوا خلفه ولو تساوى الإمام والمأموم صحت صلاته والاعتبار في التقدم والمساواة بالعقب فلو استويا في العقب وإن تأخرت أصابع المأموم عن أصابع الإمام وتقدم عقبه فعلى القولين وقيل تصح قطعا وفي الوسيط أن الاعتبار بالكعب والصحيح الأول هذا فيمن بعد عن الكعبة فإن صلوا في المسجد الحرام فالمستحب أن يقف الإمام خلف المقام ويقف الناس مستديرين بالكعبة فإن كان بعضهم أقرب إليها نظر إن كان متوجها إلى الجهة التي توجه إليها الإمام ففيه القولان القديم والجديد وإن كان متوجها إلى غيرها فالمذهب صحة صلاة المأموم قطعاً. وقيل على القولين ولو وقف الإمام والمأموم داخل الكعبة فإن كان وجه المأموم إلى ظهر الإمام أو وجهه إلى وجهه أو ظهره إلى ظهره وليس المأموم أقرب إلى الجدار صح اقتداؤه وكذا إن كان أقرب إلى الجدار على المذهب وقيل على القولين. وإن كان ظهره إلى وجه الإمام فعلى القولين ولو وقف الإمام في الكعبة والمأموم خارجها جاز وله التوجه إلى أي جهة شاء ولو وقفا بالعكس جاز أيضاً لكن إن توجه إلى الجهة التي توجه إليها الإمام عاد القولان. فرع إذا لم يحضر مع الإمام إلا ذكر فليقف عن يمينه صبيا ولو وقف عن يساره أو خلفه لم تبطل صلاته فإن جاء مأموم آخر وقف عن يساره وأحرم ثم إن أمكن تقدم الإمام وتأخر المأمومين لسعة المكان من الجانبين تقدم أو تأخر أو أيهما أولى وجهان الصحيح الذي قطع به الأكثرون تأخرهما والثاني تقدمه قاله القفال لأنه يبصر ما بين يديه فإن لم يمكن إلا التقدم أو التأخر لضيق المكان من أحد الجانبين فعل الممكن وهذا في القيام. أما إذا لحق الثاني في التشهد أو السجود فلا تقدم ولا تأخر حتى يقوموا ولو حضر معه في الابتداء رجلان أو رجل وصبي اصطفا خلفه ولو لم يحضر معه إلا إناث صفهن خلفه سواء الواحدة وجماعتهن وإن حضر معه رجل وامرأة قام الرجل عن يمينه والمرأة خلف الرجل وإن حضر معه امرأة ورجلان أو رجل وصبي قام الرجلان أو الرجل والصبي خلف الإمام صفا وقامت هي خلفهما. وإن كان معه رجل وامرأة وخنثى وقف الرجل عن يمينه والخنثى خلفهما والمرأة خلف الخنثى وإن حضر رجال وصبيان وقف الرجال خلف الإمام في صف أو صفوف والصبيان خلفهم وفي وجه يقف بين كل رجلين صبي ليتعلموا أفعال الصلاة ولو حضر معهم نساء أخر صف النساء عن الصبيان. هذا كله إذا لم يكن الرجال عراة فإن كانوا وقف إمامهم وسطهم وصاروا صفا وأما النساء الخلص إذا أقمن جماعة فقد قدمنا في باب ستر العورةكيف يقفن وأن إمامتهن تقف وسطهن قلت ولو صلى خنثى بنساء تقدم عليهن والله أعلم. وكل هذا استحباب ومخالفته لا تبطل الصلاة. فرع إذا دخل رجل والجماعة في الصلاة كره أن يقف منفردا بل فرجة أو سعة في الصف دخلها وله أن يخرق الصف إذا لم يكن فيه فرجة وكانت في صف قدامه لتقصيرهم بتركها فلو لم يجد في الصف سعة فوجهان أحدهما يقف منفردا ولا يجذب إلى نفسه أحدا نص عليه في البويطي والثاني وهو قول أكثر الأصحاب يجر إلى نفسه واحدا ويستحب للمجرور أن يساعده. وإنما يجره بعد إحرامه ولو وقف منفردا صحت صلاته. الشرط الثاني العلم بالأفعال الظاهرة من صلاة الإمام وهذا لا بد منه نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب ثم العلم قد يكون بمشاهدة الإمام أو مشاهدة بعض الصفوف وقد يكون بسماع صوت الإمام أو صوت المترجم في حق الأعمى والبصير الذي لا يشاهد لظلمة أو غيرها وقد الشرط الثالث اجتماع الإمام والمأموم في الموقف ولهما ثلاثة أحوال الأول إذا كانا في مسجد صح الاقتداء قربت المسافة بينهما أم بعدت لكبر المسجد وسواء اتحد البناء أم اختلف كصحن المسجد وصفته أو منارته وسرداب فيه أو سطحه وساحته بشرط أن يكون السطح من المسجد فلو كان مملوكا فهو كملك متصل بالمسجد وقف أحدهما فيه والآخر في المسجد وسيأتي في القسم الثالث إن شاء الله تعالى. وشرط البناءين في المسجد أن يكون باب أحدهما نافذا إلى الآخر وإلا فلا يعدان مسجدا واحدا وإذا حصل هذا الشرط فلا فرق بين أن يكون الباب بينهما مفتوحا أو مردودا مغلقا أو غير مغلق وفي وجه ضعيف إن كان مغلقا لم يجز الاقتداء ووجه مثله فيما إذا كان أحدهما على السطح وباب المرقى مغلقا. ولو كانا في مسجدين يحول بينهما نهر أو طريق أو حائط المسجد من غير باب نافذ من أحدهما إلى الآخر فهو كما إذا وقف أحدهما في مسجد والآخر في ملك وسيأتي إن شاء الله تعالى. وإن كان في المسجد نهر فإن حفر النهر بعد المسجد فهو مسجد فلا يضر وإن حفر قبل مصيره مسجدا فهما مسجدان غير متصلين قال الشيخ أبو محمد لو كان في جوار المسجد مسجد آخر منفرد بإمام ومؤذن وجماعة فلكل واحد مع الآخر حكم الملك المتصل بالمسجد وهذا كالضابط الفارق بين المسجد والمسجدين فظاهره يقتضي تغاير الحكم اذا انفرد بالأمور المذكورة وإن كان باب أحدهما نافذا إلى الآخر. قلت الذي صرح به كثيرون منهم الشيخ أبو حامد وصاحب الشامل و التتمة وغيرهم أن المساجد التي يفتح بعضها إلى بعض لها حكم مسجد واحد وهو الصواب والله أعلم. وأما رحبة المسجد فعدها الأكثرون منه ولم يذكروا فرقا بين أن يكون بينها وبين المسجد طريق أم لا وقال ابن كج إن انفصلت فهي كمسجد آخر. الحال الثاني أن يكون في غير مسجد وهو ضربان أحدهما أن يكون في فضاء فيجوز الاقتداء بشرط أن لا يزيد ما بينهما على ثلاث مائة ذراع تقريبا على الأصح وعلى الثاني تحديد والتقريب مأخوذ من العرف على الصحيح وقول الجمهور وعلى الثاني مما بين الصفين في صلاة الخوف ولو وقف خلف الإمام صفان أو شخصان أحدهما وراء الآخر فالمسافة المذكورة تعتبر بين الصف الأخير أو الصف الأول أو الشخص الأخير والأول ولو كثرت الصفوف وبلغ ما بين الإمام والاخير فرسخا جاز. وفي وجه يعتبر بين الإمام والصف الأخير إذا لم تكن الصفوف القريبة من الإمام متصلة على العادة وهذا الوجه شاذ ولو حال بين الإمام والمأموم أو الصفين نهر يمكن العبور من أحد طرفيه إلى الآخر بلا سباحة بالوثوب أو الخوض أو العبور على جسر صح الاقتداء وإن كان يحتاج إلى سباحة أو كان بينهما شارع مطروق لم يضر على الصحيح وسواء في الحكم المذكور كان الفضاء مواتا أو وقفا أو ملكا أو بعضه مواتا وبعضه ملكا أو بعضه وقفا وفي وجه شاذ يشترط في الساحة المملوكة اتصال الصفوف وفي وجه يشترط ذلك إن كانت لشخصين والصحيح أنه لا يشترط مطلقا. وسواء في هذا كله كان الفضاء محوطا عليه أو مسقفا كالبيوت الواسعة أو غير محوط الضرب الثاني أن يكونا في غير فضاء فإذا وقف أحدهما في صحن دار أو صفتها والآخر في بيت فموقف المأموم قد يكون عن يمين الإمام أو يساره وقد يكون خلفه وفيه طريقتان إحداهما قالها القفال وأصحابه وابن كج وحكاها أبو علي في الافصاح عن بعض الأصحاب أنه يشترط فيما إذا وقف من أحد الجانبين أن يتصل الصف من البناء الذي فيه الإمام إلى البناء الذي فيه المأموم بحيث لا تبقى فرجة تسع واقفا فإن بقيت فرجة لا تسع واقفا لم يضر على الصحيح. ولو كان بينهما عتبة عريضة تسع واقفا اشترط وقوف مصل فيها وإن لم يمكن الوقوف عليها فعلى الوجهين في الفرجة اليسيرة وأما إذا وقف خلف الإمام ففي صحة الاقتداء وجهان أحدهما البطلان وأصحهما الجواز إذا اتصلت المصفوف وتلاحقت ومعنى اتصالها أن يقف رجل أو صف في آخر البناء الذي فيه الإمام ورجل أو صف في أول البناء الذي فيه المأموم بحيث لا يكون بينهما أكثر من ثلاثة أذرع والثلاث للتقريب فلو زاد ما لا يتبين في الحس بلا ذرع لم يضر وهذا القدر هو المشروع بين الصفين وإذا وجد هذا الشرط فلو كان في بناء المأموم بيت عن اليمين أو الشمال اعتبر الاتصال بتواصل المناكب هذه طريقة. الطريقة الثانية طريقة أصحاب أبي إسحق المروزي ومعظم العراقيين واختارها أبو علي الطبري أنه لا يشترط اتصال الصف في اليمين واليسار ولا اتصال الصفوف في المواقف خلفه بل المعتبر القرب والبعد على الضبط المذكور في الصحراء. قلت الطريقة الثانية أصح والله أعلم. هذا إذا كان بين البناءين باب نافذ فوقف بحذائه صف أو رجل أو لم يكن جدار أصلا كالصحن مع الصفة فلو حال حائل يمنع الاستطراق والمشاهدة لم يصح الاقتداء باتفاق الطريقتين وإن منع الاستطراق دون المشاهدة كالمشبك لم يصح على الأصح وإذا صح اقتداء الواقف في البناء الآخر إما بشرط وإما دونه صحت صلاة الصفوف مع خلفه تبعا له وإن كان بينهم وبين البناء الذي فيه الإمام جدار وتكون الصفوف مع هذا الواقف كالمأمومين مع الإمام حتى لا تصح صلاة من بين يديه إن تأخر عن سمت موقف الإمام إذا لم يجوز تقدم المأموم على الإمام قال القاضي حسين ولا يجوز أن يتقدم تكبيرهم على تكبيره. أما إذا وقف الإمام في صحن الدار والمأموم في مكان عال من سطح أو طرف صفة مرتفعة أو بالعكس فبماذا يحصل الاتصال وجهان. أحدهما قول الشيخ أبي محمد إن كان رأس الواقف في السفل يحاذي ركبة الواقف في العلو صح الاقتداء وإلا فلا. والثاني وهو الصحيح الذي قطع به الجماهير إن حاذى رأس الأسفل قدم الأعلى صح وإلا فلا قال إمام الحرمين الأول مزيف لا وجه له والاعتبار بمعتدل القامة حتى لو كان قصيرا أو قاعدا فلم يحاذ ولو قام فيه معتدل القامة لحصلت المحاذاة كفى وحيث لا يمنع الانخفاض القدوة وكان بعض الذين يحصل بهم الاتصال على سرير أو متاع وبعضهم على الأرض لم يضر. ولو كانا في البحر والامام في سفينة والمأموم في أخرى وهما مكشوفتان فالصحيح أنه يصح الاقتداء إذا لم يزد ما بينهما على ثلاث مائة ذراع كالصحراء وتكون السفينتان كدكتين في الصحراء يقف الإمام على إحداهما والمأموم على الأخرى وقال الاصطخري يشترط أن تكون سفينة الإمام مشدودة بسفينة المأموم والجمهور على أنه ليس بشرط وإن كانتا مسقفتين فهما كالدارين والسفينة التي فيها بيوت كالدار ذات البيوت. وحكم المدارس والرباطات والخانات حكم الدور والسرادقات في الصحراء كالسفينة المكشوفة والخيام كالبيوت. الحال الثالث أن يكون أحدهما في المسجد والآخر خارجه فمن ذلك أن يقف الإمام في مسجد والمأموم في موات متصل به فإن لم يكن بينهما حائل جاز إذا لم تزد المسافة على ثلاث مائة ذراع ويعتبر من آخر المسجد على الأصح وعلى الثاني من آخر صف في المسجد فإن لم يكن فيه إلا الإمام فمن موقفه وعلى الثالث من حريم المسجد بينه وبين الموات وحريمه الموضع المتصل به المهيأ لمصلحته كانصباب الماء إليه وطرح القمامات فيه ولو كان بينهما جدار المسجد لكن الباب النافذ بينهما مفتوح فوقف بحذائه جاز ولو اتصل صف بالواقف في المحاذاة وخرجوا عن المحاذاة جاز ولو لم يكن في الجدار باب أو كان ولم يقف بحذائه بل عدل عنه فالصحيح الذي عليه الجمهور أنه يمنع صحة الاقتداء وقال أبو إسحق المروزي لا يمنع وأما الحائل ولو كان بينهما باب مغلق فهو كالجدار لأنه يمنع الاستطراق والمشاهدة وإن كان مردودا غير مغلق فهو مانع من المشاهدة دون الاستطراق أو كان بينهما مشبك فهو مانع من الاستطراق دون المشاهدة ففي الصورتين وجهان. أصحهما عند الأكثرين أنه مانع هذا كله في الموات فلو وقف المأموم في شارع متصل بالمسجد فهو كالموات على الصحيح وعلى الثاني يشترط اتصال الصف من المسجد بالطريق ولو وقف في حريم المسجد فقد ذكر صاحب التهذيب فيه أنه كالموات وذكر أن الفضاء المتصل بالمسجد لو كان مملوكا فوقف المأموم فيه لم يصح اقتداؤه حتى يتصل الصف من المسجد بالفضاء. وكذلك يشترط اتصال الصف من سطح المسجد بالسطح المملوك وكذلك لو وقف في دار مملوكة متصلة بالمسجد يشترط الاتصال بأن يقف واحد في آخر المسجد متصل بعتبة الدار وآخر في الدار متصل بالعتبة بحيث لا يكون بينهما موقف رجل. وهذا الذي ذكره في الفضاء مشكل وينبغي أن يكون كالموات وأما ما ذكره في مسألة الدار فهو الصحيح. وقال أبو إسحق المروزي جدار المسجد لا يمنع كما قال في الموات وقال أبو علي الطبري لا الشرط الرابع نية الاقتداء فمن شروط الاقتداء أن ينوي المأموم الجماعة أو الاقتداء وإلا فلا تكون صلاته صلاة جماعة وينبغي أن يقرن هذه النية بالتكبير كسائر ما ينويه فإن ترك نية الاقتداء انعقدت صلاته على الأصح وعلى هذا لو شك في أثناء صلاته في نية الاقتداء نظر إن تذكر قبل أن يحدث فعلا على متابعة الإمام لم يضر وإن تذكر بعد أن أحدث فعلا على متابعته بطلت صلاته لأنه في حال الشك له حكم المنفرد وليس له المتابعة حتى لو عرض هذا الشك في التشهد الأخير لا يجوز أن يقف سلامه على سلام الإمام وهذا الذي ذكرنا من بطلان صلاته بالمتابعة هو إذا انتظر ركوعه وسجوده ليركع ويسجد معه فأما إذا اتفق انقضاء فعله مع انقضاء فعله فهذا لا يبطل قطعاً. لأنه لا يسمى متابعة والمراد الانتظار الكثير فأما اليسير فلا يضر وهل تجب نية الاقتداء في الجمعة وجهان الصحيح وجوبها. والثاني لا لأنها لا تصح إلا بجماعة فلم يحتج إليها. فرع لا يجب على المأموم أن يعين في نيته الإمام بل يكفي بالامام الحاضر فلو عين فأخطأ بأن نوى الاقتداء بزيد فبان عمرا لم تصح صلاته كما لو عين الميت في صلاة الجنازة وأخطأ لا تصح ولو نوى الاقتداء بالحاضر واعتقد زيدا فكان غيره ففي صحته وجهان. كما لو قال بعتك هذا الفرس فكان بغلا. قلت الأرجح صحة الاقتداء والله أعلم. فرع اختلاف نية الإمام والمأموم فيما يأتيان به من الصلاة لا يمنع صحة الاقتداء فيجوز أن يقتدي المؤدي بالقاضي وعكسه والمفترض بالمتنفل وعكسه. فرع لا يشترط لصحة الاقتداء أن ينوي الإمام الامامة سواء اقتدى به الرجال أو النساء وحكى أبو الحسن العبادي عن أبي حفص الباب شامي والقفال أنه تجب نية الامامة على الإمام وأشعر كلامه بأنهما يشترطانها في صحة الاقتداء وهذا شاذ منكر والصحيح المعروف الذي قطع به الجماهير أنها لا تجب لكن هل تكون صلاته صلاة جماعة ينال بها فضيلة الجماعة إذا لم ينوها وجهان. أصحهما لا ينالها لأنه لم ينوها وقال القاضي حسين فيمن صلى منفردا فاقتدى به جمع ولم يعلم بهم ينال فضيلة الجماعة لأنهم نالوها بسببه وهذا كالتوسط بين الوجهين ومن فوائد الوجهين أنه إذا لم ينو الامامة في صلاة الجمعة هل تصح جمعته الأصح أنها لا تصح ولو نوى الامامة وعين في نيته المقتدي فبان خلافه لم يضر لأن غلطه لا يزيد على تركها. الشرط الخامس توافق نظم الصلاتين في الأفعال والأركان فلو اختلفت صلاتا الإمام والمأموم في الأفعال الظاهرة بان اقتدى مفترض بمن يصلي جنازة أو كسوفا لم تصح على الصحيح وتصح على الثاني وهو قول القفال فعلى هذا إذا اقتدى بمصلي الجنازة لا يتابعه في التكبيرات والأذكار بينها بل إذا كبر الإمام الثانية يتخير بين إخراج نفسه من المتابعة وبين انتظار سلام الامام. وإذا اقتدى بمصلي الكسوف تابعه في الركوع الأول ثم إن شاء رفع رأسه معه وفارقه وإن شاء انتظره قال إمام الحرمين وإنما قلنا ينتظره في الركوع إلى أن يعود إليه الإمام ويعتدل معه عن ركوعه الثاني ولا ينتظره بعد الرفع لما فيه من تطويل الركن القصير. أما إذا اتفقت الصلاتان في الأفعال الظاهرة فينظر إن اتفق عددهما كالظهر خلف العصر أو العشاء جاز الاقتداء وإن كان عدد ركعات الإمام أقل كالظهر خلف الصبح جاز وإذا تمت صلاة الإمام قام المأموم وأتم صلاة نفسه كالمسبوق ويتابع الإمام في القنوت ولو أراد مفارقته عند اشتغاله بالقنوت جاز. وإذا اقتدى في الظهر بالمغرب وانتهى الإمام إلى الجلوس الأخير تخير المأموم في المتابعة والمفارقة كالقنوت وإن كان عدد ركعات المأموم أقل كالصبح خلف الظهر فالمذهب جوازه وقيل قولان أظهرهما جوازه والثاني بطلانه. فذا صححنا وقام الإمام إلى الثالثة تخير المأموم إن شاء فارقه وسلم وإن شاء انتظره ليسلم معه قلت انتظاره أفضل والله أعلم. وإن أمكنه أن يقنت في الثانية بأن وقف الإمام يسيرا قنت وإلا فلا شيء عليه وله أن يخرج عن متابعته ليقنت ولو صلى المغرب خلف الظهر فإذا قام الإمام إلى الرابعة لم يتابعه بل يفارقه ويتشهد ويسلم وهل له أن يترك التشهد وينتظره وجهان أحدهما له ذلك كما قلنا في المقتدي بالصبح خلف الظهر. والثاني وهو المذهب عند إمام الحرمين ليس له ذلك لأنه يحدث تشهدا لم يفعله الإمام ولو صلى العشاء خلف التراويح جاز. فإذا سلم الإمام قام إلى باقي صلاته والأولى أن يتمها منفردا فلو قام الإمام إلى ركعتين أخريين من التراويح فنوى الاقتداء به ثانيا ففي جوازه القولان فيمن أحرم منفردا ثم اقتدى في أثنائهما واختلف أصحابنا في المقتدي بمن يصلي العيد أو الاستسقاء هل هو كمن يصلي الصبح أم كمن يصلي الجنازة والكسوف. قلت الصحيح أنه كالصبح وبه قطع صاحب التتمة وإذا كبر الإمام التكبيرات الزائدة لا يتابعه المأموم فإن تابعه لم يضره لأن الأذكار لا تضر ولو صلى العيد خلف الصبح المقضية جاز ويكبر التكبيرات الزائدة والله أعلم. الشرط السادس الموافقة فإذا ترك الإمام شيئا من أفعال الصلاة نظر إن ترك فرضا فقام في موضع القعود أو بالعكس ولم يرجع لم يجز للمأموم متابعته لأنه إن تعمد فصلاته باطلة وإن سها ففعله غير معتد به وإن لم يبطلها ولو ترك سنة وكان في الاشتغال بها تخلف فاحش كسجود التلاوة والتشهد الأول لم يأت بها المأموم فإن فعلها بطلت صلاته ولو ترك الإمام سجود السهو أتى به المأموم لأنه يفعله بعد انقطاع القدوة ولذلك يسلم التسليمة الثانية إذا تركها الامام. فأما إذا كان التخلف لها يسيرا كجلسة الاستراحة فلا بأس كما لا بأس بزيادتها في غير موضعها وكذا لا بأس بتخلفه للقنوت إذا لحقه على قرب بأن لحقه في السجدة الأولى. الشرط السابع المتابعة فيجب على المأموم متابعته فلا يتقدم في الأفعال والمراد من المتابعة أن يجري على أثر الإمام بحيث يكون ابتداؤه بكل واحد منها متأخرا عن ابتداء الإمام به ومتقدما على فراغه منه فلو خالف فله أحوال الأول أن يقارنه فإن قارنه في تكبيرة الإحرام أو شك هل قارنه أو ظن أنه تأخر فبان مقارنته لم تنعقد. ويشترط تأخر جميع تكبيرة المأموم عن جميع تكبيرة الإمام ويستحب للامام أن لا يكبر حتى يسووا الصفوف ويأمرهم به ملتفتا يمينا وشمالا وإذا فرغ المؤذن من الاقامة قام الناس فاشتغلوا بتسوية الصفوف. وأما ما عدا التكبير فغير السلام تجوز المقارنة فيه ولكن تكره وتفوت بها فضيلة الجماعة وفي السلام وجهان أصحهما جوازها. الحال الثاني أن يتخلف عن الإمام فإن تخلف بغير عذر نظر إن تخلف بركن واحد لم تبطل صلاته على الأصح وإن تخلف بركنين بطلت قطعاً. ومن صور التخلف بغير عذر أن يركع الإمام وهو في قراءة السورة فيشتغل بإتمامها وكذا التخلف للاشتغال بتسبيحات الركوع والسجود وأما بيان صورة التخلف بركن فيحتاج إلى معرفة الركن الطويل والقصير فالقصير الاعتدال عن الركوع وكذا الجلوس بين السجدتين على الأصح أحدهما مقصود في نفسه وبه قال الأكثرون ومال الإمام إلى الجزم به. والثاني لا بل تابع لغيره وبه قطع في التهذيب فإذا ركع الإمام ثم ركع المأموم وأدركه في ركوعه فليس هذا تخلفا بركن فلا تبطل به الصلاة قطعاً. فلو اعتدل الإمام والمأموم بعد قائم ففي بطلان صلاته وجهان اختلفوا في مأخذهما فقيل مأخذهما التردد في أن الاعتدال ركن مقصود أم لا إن قلنا مقصود فقد فارق الإمام ركنا واشتغل بركن آخر مقصود فتبطل صلاة المتخلف. وإن قلنا غير مقصود فهو كما لو لم يفرغ من الركوع لأن الذي هو فيه تبع له فلا تبطل صلاته وقيل مأخذهما الوجهان في أن التخلف بركن يبطل أم لا إن قلنا يبطل فقد تخلف بركن الركوع تاما فتبطل صلاته وإن قلنا لا فما دام في الاعتدال لم يكمل الركن الثاني فلا تبطل. قلت الأصح لا تبطل والله أعلم. وإذا هوى إلى السجود ولم يبلغه والمأموم بعد قائم فعلى المأخذ الأول لا تبطل صلاته لأنه لم يشرع في ركن مقصود وعلى الثاني تبطل لأن ركن الاعتدال قد تم هكذا ذكره إمام الحرمين والغزالي وقياسه أن يقال إذا ارتفع عن حد الركوع والمأموم بعد في القيام فقد حصل التخلف بركن وإن لم يعتدل الإمام فتبطل الصلاة عند من يجعل التخلف بركن مبطلا أما إذا انتهى الإمام ثم إذا اكتفينا بابتداء الهوي عن الاعتدال وابتداء الارتفاع عن حد الركوع فالتخلف بركنين هو أن يتم للامام ركنان والمأموم بعد فيما قبلهما وبركن هو أن يتم للامام الركن الذي سبق والمأموم بعد فيما قبله وإن لم يكتف بذلك فللتخلف شرط آخر وهو أن لا يلابس مع تمامهما أو تمامه ركنا آخر. ومقتضى كلام صاحب التهذيب ترجيح البطلان فيما إذا تخلف بركن كامل مقصود كما إذا استمر في الركوع حتى اعتدل الإمام وسجد هذا كله في التخلف بغير عذر أما الاعذار فأنواع منها الخوف وسيأتي في بابه إن شاء الله تعالى. ومنها أن يكون المأموم بطيء القراءة والامام سريعها فيركع قبل أن يتم المأموم الفاتحة فوجهان أحدهما يتابعه ويسقط عن المأموم باقيها. فعلى هذا لو اشتغل بإتمامها كان متخلفا بلا عذر والصحيح الذي قطع به صاحب التهذيب وغيره أنه لا يسقط بل عليه أن يتمها ويسعى خلف الإمام على نظم صلاته ما لم يسبقه بأكثر من ثلاثة أركان مقصودة فإن زاد على الثلاثة فوجهان أحدهما يخرج نفسه عن المتابعة لتعذر الموافقة وأصحهما له أن يدوم على متابعته وعلى هذا وجهان: أحدهما يراعي نظم صلاته ويجري على أثره وبهذا أفتى القفال وأصحهما يوافقه فيما هو فيه ثم يقضي ما فاته بعد سلام الإمام وهذان الوجهان كالقولين في مسألة الزحام ومنها أخذ التقدير بثلاثة أركان مقصودة فإن القولين في مسألة الزحام إنما هما إذا ركع الإمام في الثانية وقبل ذلك لا يوافقه وإنما يكون التخلف قبله بالسجدتين والقيام. ولم يعتبر الجلوس بين السجدتين على مذهب من يقول هو غير مقصود ولا يجعل التخلف بغير المقصود مؤثرا وأما من لا يفرق بين المقصود وغيره أو يفرق ويجعل الجلوس مقصودا أو ركنا طويلا فالقياس على أصله التقدير بأربعة أركان أخذا من مسألة الزحام ولو اشتغل المأموم بدعاء الاستفتاح فلم يتم الفاتحة لذلك فركع الإمام فيتم الفاتحة كبطيء القراءة وكان هذا في المأموم الموافق. أما المسبوق إذا أدرك الإمام قائما وخاف ركوعه فينبغي أن لا يقرأ الاستفتاح بل يبادر إلى الفاتحة فإن ركع الإمام في أثناء الفاتحة فأوجه أحدها يركع معه وتسقط باقي الفاتحة والثاني يتمها وأصحها أنه إن لم يقرأ شيئا من الاستفتاح قطع الفاتحة وركع ويكون مدركا للركعة وإن قرأ شيئا منه لزمه بقدره من الفاتحة لتقصيره. وهذا هو الأصح عند القفال والمعتبرين وبه قال أبو زيد فإن قلنا عليه إتمام الفاتحة فتخلف ليقرأ كان تخلفا بعذر فإن لم يتمها وركع مع الإمام بطلت صلاته وإن قلنا يركع فاشتغل بإتمامها كان وإن سبقه الإمام بالركوع وقرأ هذا المسبوق الفاتحة ثم لحقه في الاعتدال لم يكن مدركا للركعة والأصح أنه لا تبطل صلاته إذا قلنا التخلف بركن لا يبطل كما في غير المسبوق والثاني يبطل لأنه ترك متابعة الإمام فيما فاتت به ركعة فكان كالتخلف بركعة ومنها الزحام وسيأتي في الجمعة إن شاء الله تعالى ومنها النسيان فلو ركع مع الإمام ثم تذكر أنه نسي الفاتحة أو شك في قراءتها لم يجز أن يعود لأنه فات محل القراءة فإذا سلم الإمام قام وتدارك ما فاته ولو تذكر أو شك بعد أن ركع الإمام ولم يركع هو لم تسقط القراءة بالنسيان وماذا يفعل وجهان: أحدهما يركع معه فإذا سلم الإمام قام فقضى ركعة وأصحهما يتمها وبه أفتى القفال وعلى هذا تخلفه تخلف معذور على الأصح وعلى الثاني تخلف غير معذور لتقصيره بالنسيان الحال الثالث أن يتقدم على الإمام بالركوع أو غيره من الأفعال الظاهرة فينظر إن لم يسبق بركن كامل بأن ركع قبل الإمام فلم يرفع حتى ركع الإمام لم تبطل صلاته عمدا كان أو سهوا وفي وجه شاذ تبطل إن تعمد فإذا قلنا لا تبطل فهل يعود وجهان المنصوص وبه قال العراقيون يستحب أن يعود إلى القيام ويركع معه والثاني وبه قطع صاحبا النهاية و التهذيب لا يجوز العود فإن عاد بطلت صلاته وإن فعله سهوا فالأصح أنه مخير بين العود والدوام والثاني يجب العود فإن لم يعد بطلت صلاته وإن سبق بركنين فصاعدا بطلت صلاته إن كان عامدا عالما بتحريمه وإن كان ساهيا أو جاهلا لم تبطل لكن لا يعتد بتلك الركعة فيأتي بها بعد سلام الإمام ولا يخفى بيان التقدم بركنين من قياس ما ذكرناه في التخلف ومثل أئمتنا العراقيون ذلك بما إذا ركع قبل الإمام فلما أراد الإمام أن يركع رفع فلما أراد أن يرفع سجد فلم يجتمعا في الركوع ولا في الاعتدال وهذا يخالف ذلك القياس فيجوز أن يقدر مثله في التخلف ويجوز أن يخص ذلك بالتقدم لأن المخالفة فيه أفحش. وإن سبق بركن مقصود بأن ركع قبل الإمام ورفع والامام في القيام ثم وقف حتى رفع الإمام واجتمعا في الاعتدال فقال الصيدلاني وجماعة تبطل صلاته قالوا فإن سبق بركن غير مقصود كالاعتدال بأن اعتدل وسجد والامام بعد في الركوع أو سبق بالجلوس بين السجدتين بأن رفع رأسه من السجدة الأولى وجلس وسجد الثانية والامام بعد في الأولى فوجهان: وقال العراقيون وآخرون التقدم بركن لا يبطل كالتخلف به وهذا أصح وأشهر وحكي عن نص الشافعي رضي الله عنه هذا في الأفعال الظاهرة فأما تكبيرة الإحرام فالسبق بها مبطل كما تقدم وأما الفاتحة والتشهد ففي السبق بهما أوجه الصحيح لا يضر بل يجزئان والثاني تبطل الصلاة والثالث لا تبطل ويجب إعادتهما مع قراءة الإمام أو بعدها. المسبوق إذا أدرك الإمام راكعا يكبر للافتتاح وليس له أن بالفاتحة بل يهوي للركوع ويكبر له تكبيرة أخرى وكذا لو أدركه قائما فكبر فركع الإمام بمجرد تكبيره فلو اقتصر في الحالين على تكبيرة فله أحوال أحدها أن ينوي بها تكبيرة الافتتاح فتصح صلاته بشرط أن يوقعها في حال القيام. الثاني ينوي تكبيرة الركوع فلا تنعقد صلاته. الثالث ينويهما فلا تنعقد فرضا ولا نفلا أيضاً على الصحيح. الرابع لا ينوي واحدا منهما بل يطلق التكبيرة فالصحيح المنصوص في الأم وقطع به الجمهور لا تنعقد والثاني تنعقد لقرينة الافتتاح ومال إليه إمام الحرمين. فرع إذا أخرج المأموم نفسه عن متابعة الإمام فالمذهب أنه لا تبطل صلاته سواء فارق بعذر أو بغيره هذا جملته وتفصيله أن في بطلان الصلاة بالمفارقة طريقين أحدهما لا تبطل والثاني على قولين أصحهما لا تبطل واختلفوا في موضع القولين على طرق أصحها هما فيمن فارق بغير عذر فأما المعذور فيجوز قطعاً. وقال إمام الحرمين والأعذار كثيرة وأقرب معتبرا أن يقال كل ما جوز ترك الجماعة ابتداء جوز المفارقة وألحقوا به ما إذا ترك الإمام سنة مقصودة كالتشهد الأول والقنوت وأما إذا لم يصبر على طول القراءة لضعف أو شغل فالأصح أنه عذر. هذا كله إذا قطع المأموم القدوة والامام بعد في الصلاة أما إذا انقطعت بحدث الإمام ونحوه فلا تبطل صلاة المأموم قطعا بكل حال. فرع إذا أقيمت الجماعة وهو في الصلاة منفردا نظر إن كان في الوقت فقد قال الشافعي رضي الله عنه أحببت أن يكمل ركعتين ويسلم فتكون له نافلة ويبتدىء الصلاة مع الإمام ومعناه أن يقطع الفريضة ويقلبها نفلا وفيه وفي نظائره خلاف قدمناه في مسائل النية في صفة الصلاة ثم هذا فيما إذا كانت الصلاة ثلاثية أو رباعية ولم يصل بعد ركعتين فإن كانت ذات ركعتين أو ذات ثلاث أو أربع وقد قام إلى الثالثة فإنه يتمها ثم يدخل في الجماعة وإن كان في فائتة لم يستحب أن يقتصر على ركعتين ليصلي تلك الفائتة جماعة لأن الفائتة لا يشرع لها الجماعة بخلاف ما لو شرع في فائتة في يوم غيم فانكشف الغيم وخاف فوت الحاضرة فإنه يسلم عن قلت قوله لا يشرع لها الجماعة يحمل على التفصيل الذي ذكرته في أول كتاب صلاة الجماعة والله أعلم. وإن كان في نافلة وأقيمت الجماعة فإن لم يخش فوتها أتمها وإن خشيه قطعها ودخل في الجماعة فأما إذا لم يسلم من صلاته التي أحرم بها منفردا بل اقتدى في خلالها فالمذهب جوازه وهذا جملته فأما تفصيله ففي صحة هذا الاقتداء طريقان أحدهما القطع ببطلانه وتبطل به الصلاة وأصحهما وأشهرهما فيه قولان أظهرهما جوازه ثم اختلفوا في موضع القولين على طرق فقيل هما فيما إذا لم يركع المنفرد في انفراده. فإن ركع لم يجز قطعا وقيل هما بعد ركوعه فأما قبله فيجوز قطعا وقيل هما إذا اتفقا في الركعة فإن اختلفا فكان الإمام في ركعة والمأموم في أخرى متقدما أو متأخرا لم يجز قطعا والطريق الرابع الصحيح أن القولين في جميع الأحوال وإذا صححنا الاقتداء على الاطلاق فاختلفا في الركعة قعد المأموم في موضع قعود الإمام وقام في موضع قيامه فإن تمت صلاته أولا لم يتابع الإمام في الزيادة بل إن شاء فارقه وإن شاء انتظره في التشهد وطول الدعاء وسلم معه. فإن تمت صلاة الإمام أولا قام المأموم وأتم صلاته كما يفعل المسبوق وإذا سها المأموم قبل الاقتداء لم يتحمل عنه الإمام بل إذا سلم الإمام سجد هو لسهوه وإن سها بعد الاقتداء حمل عنه وإن سها الإمام قبل الاقتداء أو بعده لحق المأموم ويسجد معه ويعيد في آخر صلاته على الأظهر كالمسبوق. فرع من أدرك الإمام في الركوع كان مدركا للركعة وقال محمد بن إسحق بن خزيمة وأبو بكر الصبغي بكسر الصاد المهملة وإسكان الباء الموحدة وبالغين المعجمة كلاهما من أصحابنا لا يدرك الركعة بادراك الركوع وهذا شاذ منكر والصحيح الذي عليه الناس وأطبق عليه الأئمة إدراكها لكن يشترط أن يكون ذلك الركوع محسوبا للامام فإن لم يكن ففيه تفصيل نذكره في الجمعة إن شاء الله تعالى. ثم المراد بإدراك الركوع أن يلتقي هو وإمامه في حد أقل الركوع حتى لو كان هو في الهوي والامام في الارتفاع وقد بلغ هويه حد الأقل قبل أن يرتفع الإمام عنه كان مدركا وإن لم يلتقيا فيه فلا هكذا قاله جميع الأصحاب ويشترط أن يطمئن قبل ارتفاع الإمام عن الحد المعتبر هكذا صرح به في البيان وبه أشعر كلام كثير من النقلة وهو الوجه وإن كان الأكثرون لم يتعرضوا له ولو كبر وانحنى وشك هل بلغ الحد المعتبر قبل ارتفاع الإمام عنه فوجهان وقيل قولان أصحهما لا يكون مدركا والثاني يكون فأما إذا أدركه فيما بعد الركوع فلا يكون مدركا للركعة قطعا وعليه أن يتابعه في الركن الذي أدركه فيه وإن لم يحسب له. قلت وإذا أدركه في التشهد الأخير لزمه متابعته في الجلوس ولا يلزمه أن يتشهد معه قطعا وليس له ذلك على الصحيح المنصوص والله أعلم. فرع المسبوق إذا أدرك الإمام في الركوع فقد ذكرنا أنه يكبر للركوع بعد تكبيرة الافتتاح فلو أدركه في السجدة الأولى أو الثانية أو التشهد فهل يكبر للانتقال إليه وجهان أصحهما لا لأن هذا غير محسوب له بخلاف الركوع ويخالف ما لو أدركه في الاعتدال فما بعده فإنه ينتقل معه من ركن إلى ركن مكبرا وإن لم يكن محسوبا لأنه لموافقة الإمام ولذلك نقول يوافقه في قراءة التشهد وفي التسبيحات على الأصح وإذا قام المسبوق بعد سلام الإمام فإن كان الجلوس الذي قام منه موضع جلوس المسبوق بأن أدركه في الثالثة من رباعية أو ثانية المغرب قام مكبرا. فإن لم يكن موضع جلوسه بأن أدركه في الأخيرة أو الثانية من الرباعية قام بلا تكبير على الأصح ثم إذا لم يكن موضع جلوسه لم يجز المكث بعد سلام الإمام فإن مكث بطلت صلاته والسنة للمسبوق أن يقوم عقب تسليمتي الإمام فإن الثانية من الصلاة ويجوز أن يقوم عقب الأولى وإن قام قبل تمامها بطلت صلاته إن تعمد القيام. وما يدركه المسبوق أول صلاته وما يفعله بعد سلام الإمام آخرها حتى لو أدرك ركعة من المغرب فإذا قام لإتمام الباقي يجهر في الثانية ويتشهد ويسر في الثالثة. ولو أدرك ركعة من الصبح وقنت مع الإمام أعاد القنوت في الركعة التي يأتي بها ونص الشافعي رحمه الله أنه لو أدرك ركعتين من رباعية ثم قام للتدارك يقرأ السورة في الركعتين فقيل هذا تفريع على قوله يستحب قراءة السورة في جميع الركعات وقيل هو تفريع على القولين جميعا لئلا تخلو صلاته عن السورة. قلت الثاني أصح وحكي قول غريب أنه يجهر والجماعة في الصبح أفضل من غيرها ثم العشاء ثم العصر للأحاديث الصحيحة ولو كان للمسجد إمام راتب كره لغيره إقامة الجماعة فيه قبله أو بعده إلا بإذنه فإن كان المسجد مطروقا فلا بأس وقد سبقت المسألة في باب الأذان ويكره أن يؤم الرجل قوما وأكثرهم له كارهون فإن كرهه الأقل أو النصف لم تكره إمامته والمراد أن يكرهوه لمعنى مذموم في الشرع فإن لم يكن كذلك فالعتب عليهم ولا كراهة وقال القفال إنما يكره إذا لم ينصبه الإمام فإن نصبه فلا يبالي بكراهة أكثرهم والصحيح الذي وأما إذا كان بعض المأمومين يكره أهل المسجد حضوره فلا يكره له الحضور لأن غيره لا يرتبط به نص عليه الشافعي والأصحاب رحمة الله عليهم ويكره أن يكون موقف الإمام أعلى من موقف المأموم وكذا عكسه فإن احتاج الإمام إلى الاستعلاء ليعلمهم صفة الصلاة أو المأموم ليبلغ القوم تكبير الإمام استحب. وأفضل صفوف الرجال أولها ثم ما قرب منه وكذلك النساء الخلص فإن كان النساء مع الرجال فأفضل صفوفهن آخرها والله أعلم.
صلاة المسافر كغيره إلا أن له الترخص بالقصر والجمع فالقصر جائز بالاجماع والسبب المجوز له السفر الطويل المباح فأما السفر القصير فلا بد فيه من ربط القصد بمقصد معلوم فلا رخصة لهائم لا يدري أين يتوجه وإن طال سفره ولنا وجه أن الهائم إذا بلغ مسافة القصر له القصر وهو شاذ منكر أما ابتداء السفر فيعرف بتفصيل الموضع الذي منه الارتحال فإن ارتحل من بلدة لها سور مختص بها فلا بد من مجاوزته وإن كان داخل السور مزارع أو مواضع خربة لأن جميع داخل السور معدود من نفس البلد محسوب من موضع الاقامة فإذا فارق السور ترخص إن لم يكن خارجه دور متلاصقة أو مقابر فإن كانت فوجهان الأصح أنه يترخص بمفارقة السور ولا يشترط مفارقة الدور والمقابر وبهذا قطع الغزالي وكثيرون والثاني يشترط مفارقتها وهو موافق لظاهر نص الشافعي. وأما إذا لم يكن للبلد سور أو كان في غير صوب مقصده فابتداء سفره بمفارقة العمران حتى لا يبقى بيت متصل ولا منفصل والخراب الذي يتخلل العمارات معدود من البلد كالنهر الحائل بين جانبي البلد فلا يترخص بالعبور من جانب إلى جانب. فإن كانت أطراف البلدة خربة ولا عمارة وراءها فقال العراقيون والشيخ أبو محمد لا بد من مجاوزتها وقال الغزالي وصاحب التهذيب لا يشترط مجاوزتها لأنه ليس موضع إقامة وهذا الخلاف فيما إذا كانت بقايا الحيطان قائمة ولم يتخذوا الخراب مزارع العمران ولا هجروه بالتحويط على العامر والخراب فإن لم يكن كذلك لم يشترط مجاوزتها بلا خلاف ولا يشترط مجاوزة البساتين والمزارع المتصلة بالبلد وإن كانت محوطة إلا إذا كان فيها قصور أو دور يسكنها ملاكها بعض فصول السنة فلا بد من مجاوزتها حينئذ. ولنا وجه في التتمة أنه يشترط مجاوزة البساتين والمزارع المضافة إلى البلدة مطلقا وهو شاذ ضعيف هذا حكم البلدة وأما القرية فلها حكم البلدة في جميع ما ذكرناه. وشذ الغزالي عن الأصحاب فقال إن كانت المزارع أو البساتين محوطة اشترط مجاوزتها وقال إمام الحرمين لا يشترط مجاوزة المزارع المحوطة ولا البساتين غير المحوطة ويشترط مجاوزة البساتين المحوطة. ولو كان قريتان ليس بينهما انفصال فهما كمحلتين فيجب مجاوزتهما جميعا قال الإمام وفيه احتمال فلو كان بينهما انفصال فجاوز قريته كفى وإن كانتا في غاية التقارب على الصحيح وقال ابن سريج إذا تقاربتا اشترط مفارقتهما ولو جمع سور قرى متفاصلة لم يشترط مجاوزة السور. وكذا لو قدر ذلك في بلدتين متقاربتين ولهذا قلنا أولا إن ارتحل من بلدة لها سور مختص بها وأما المقيم في الصحارى فلا بد له من مفارقة البقعة التي فيها رحله وينسب إليه فإن سكن واديا وسافر في عرضه فلا بد من مجاوزة عرض الوادي نص عليه الشافعي رحمه الله. قال الأصحاب وهذا على الغالب في اتساع الوادي فإن أفرطت السعة لم يشترط إلا مجاوزة القدر الذي يعد موضع نزوله أو موضع الحلة التي هو فيها كما لو سافر في طول الوادي وقال القاضي أبو الطيب كلام الشافعي مجرى على إطلاقه وجانبا الوادي كسور البلد ولو كان نازلا في ربوة فلا بد أن يهبط وإن كان في وهدة فلا بد أن يصعد وهذا عند الاعتدال كما ذكرنا في الوادي. ولا فرق في اعتبار مجاوزة عرض الوادي والصعود والهبوط بين المنفرد في خيمة ومن في أهل خيام على التفصيل المذكور. أما إذا كان في أهل خيام كالاعراب والأكراد فإنما يترخص إذا فارق الخيام مجتمعة كانت أو متفرقة إذا كانت حلة واحدة وهي بمنزلة أبنية البلد. ولا يشترط مفارقته لحلة أخرى بل الحلتان كالقريتين المتقاربتين وضبط الصيدلاني التفرق الذي لا يؤثر بأن يكونوا بحيث يجتمعون للسمر في ناد واحد ويستعين بعضهم من بعض فإن كانوا بهذه الحالة فهي حلة واحدة ويعتبر مع مجاوزة الخيام مجاوزة مرافقها كمطرح الرماد وملعب الصبيان والنادي ومعاطن الابل فإنه جملة مواضع إقامتهم ولنا وجه شاذ أنه لا يعتبر مفارقه الخيام بل يكفي مفارقة خيمته. فرع إذا فارق المسافر بنيان البلدة ثم رجع إليها لحاجة فله أحوال أحجها أن لا يكون له بتلك البلدة إقامة أصلا فلا يصير مقيما بالرجوع ولا بالحصول فيها الثاني أن تكون وطنه فليس له الترخص في رجوعه وإنما يترخص إذا فارقها ثانيا ولنا وجه أنه يترخص ذاهبا وهو شاذ منكر الثالث أن لا تكون وطنه لكنه أقام بها مدة فهل له الترخص في رجوعه وجهان أصحهما نعم صححه إمام الحرمين والغزالي وقطع به في التتمة والثاني لا وقطع به في التهذيب وحيث حكمنا بأنه لا يترخص إذا عاد فلو نوى العود ولم يعد بعد لم يترخص وصار بالنية مقيما ولا فرق بين حالتي الرجوع والحصول في البلدة في الترخص وعدمه هذا كله إذا لم يكن من موضع الرجوع إلى الوطن مسافة القصر. فإن كانت فهو مسافر مستأنف فيترخص.
الذي يقطع الترخص ويحصل بأمور الأول العود إنشاء السفر منه وفي معنى الوطن الوصول إلى الموضع الذي يسافر إليه إذآ عزم على الاقامة فيه القدر المانع من الترخص فلو لم ينو الاقامة به ذلك القدر لم ينته سفره بالوصول إليه على الأظهر ولو حصل في طريقه في قرية أو بلدة له بها أهل وعشيرة فهل ينتهي سفره بدخولها قولان أظهرهما لا ولو مر في طريق سفره بوطنه بأن خرج من مكة إلى مسافة القصر ونوى أنه إذا رجع إلى مكة خرج إلى موضع آخر من غير إقامة فالمذهب الذي قطع به الجمهور أنه يصير مقيما بدخولها وقال الصيدلاني وغيره فيه القولان كبلد أهله. فعلى أحدهما العود إلى الوطن لا يوجب انتهاء السفر إلا إذا كان عازما على الاقامة الأمر الثاني نية الاقامة فإذا نوى في طريقه الاقامة مطلقا انقطع سفره فلا يقصر فلو أنشأ السير بعد ذلك فهو سفر جديد فلا يقصر إلا إذا توجه إلى مرحلتين هذا إذا نوى الاقامة في موضع يصلح لها من بلدة أو قرية أو واد يمك البدوي النزول فيه للاقامة فأما المفازة ونحوها ففي انقطاع السفر بنية الاقامة فيها قولان أظهرهما عند الجمهور انقطاعه. ولو نوى إقامة ثلاثة أيام فأقل لم يصر مقيما قطعا وإن نوى أكثر من ثلاثة قال الشافعي وجمهور الأصحاب إن نوى إقامة أربعة أيام صار مقيما وذلك يقتضي أن نية دون الأربعة لا تقطع السفر وإن زاد على ثلاثة وقد صرح به كثيرون واختلفوا في أن الأربعة كيف تحسب على وجهين في التهذيب وغيره أحدهما يحسب منها يوما الدخول والخروج كما يحسب يوم الحدث ويوم نزع الخف من مدة المسح. وأصحهما لا يحسبان فعلى الأول لو دخل يوم السبت وقت الزوال بنية الخروج يوم الأربعاء وقت الزوال صار مقيما وعلى الثاني لا يصير مقيما وإن دخل ضحوة السبت وخرج عشية وهذا الذي قالاه موافق لما قاله الجمهور لأنه لا يمكن زيادة على الثلاثة غير يومي الدخول والخروج بحيث لا يبلغ الأربعة ثم الأيام المحتملة معدودة مع لياليها. وإذا نوى ما لا يحتمل صار مقيما في الحال ولو دخل ليلا لم يحسب بقية الليلة ويحسب الغد وجميع ما ذكرناه في غير المحارب أما المحارب إذا نوى إقامة قدر يصير غيره به مقيما ففيه قولان أظهرهما أنه كغيره. والثاني يقصر أبدا. قلت ولو نوى العبد إقامة أربعة أيام أو الزوجة أو الجيش ولم ينو السيد ولا الزوج ولا الأمير ففي لزوم الاتمام في حقهم وجهان الأقوى أن لهم القصر لأنهم لا يستقلون فنيتهم كالعدم والله أعلم. الأمر الثالث صورة الاقامة فإذا عرض له شغل في بلدة أو قرية فأقام له فله حالان أحدهما أن يرجو فراغ شغله ساعة فساعة وهو على نية الارتحال عند فراغه. والثاني يعلم أن شغله لا ينقضي في ثلاثة أيام غير يومي الدخول والخروج كالتفقه والتجارة الكثيرة ونحوهما فالأول له القصر إلى أربعة أيام على ما سبق تفصيله وفيما بعد ذلك طريقان الصحيح منهما فيه ثلاثة أقوال أحدها يجوز القصر أبدا سواء فيه المقيم على القتال أو الخوف من القتال والمقيم لتجارة وغيرهما والثاني لا يجوز القصر أصلا. والثالث وهو الأظهر يجوز ثمانية عشر يوما فقط وقيل سبعة عشر وقيل تسعة عشر وقيل عشرين والطريق الثاني أن هذه الأقوال في المحارب ويقطع بالمنع في غيره وأما الحال الثاني فإن كان محاربا وقلنا في الحال الأول لا يقصر فهنا أولى وإلا فقولان أحدهما يترخص أبدا والثاني ثمانية عشر. وإن كان غير محارب كالمتفقه والتاجر فالمذهب أنه لا يترخص أصلا وقيل هو كالمحارب وهو غلط. فرع وأما كون السفر طويلا فلا بد منه والطويل ثمانية وأربعون ميلا بالهاشمي وهي ستة عشر فرسخا وهي أربعة برد وهي مسيرة يومين معتدلين فالميل أربعة آلاف خطوة والخطوة ثلاثة أقدام وهل هذا الضبط تحديد أم تقريب وجهان الأصح تحديد وحكي قول شاذ أن القصر يجوز في السفر القصير بشرط الخوف والمعروف الأول واستحب الشافعي رحمه الله أن لا يقصر إلا في ثلاثة أيام للخروج من خلاف أبي حنيفة في ضبطه به والمسافة في البحر مثل المسافة في البر وإن قطعها في لحظة فإن شك فيها اجتهد. واعلم أن مسافة الرجوع لا تحسب فلو قصد موضعا على مرحلة بنية أن لا يقيم فيه فليس له القصر لا ذاهبا ولا راجعا وإن كان يناله مشقة مرحلتين متواليتين لأنه لا يسمى سفرا طويلا وحكى الحناطي وجها أنه يقصر إذا كان الذهاب والرجوع مرحلتين وهو شاذ منكر ويشترط عزمه في الابتداء على قطع مسافة القصر فلو خرج لطلب آبق أو غريم وينصرف متى لقيه ولا يعرف موضعه لم يترخص وإن طال سفره كما قلنا في الهائم فإذا وجده وعزم على الرجوع إلى بلده وبينهما مسافة القصر يرخص إذا ارتحل عن ذلك الموضع فلو كان في ابتداء السفر يعلم موضعه وأنه لا يلقاه قبل مرحلتين ترخص فلو نوى مسافة القصر ثم نوى أنه إن وجد الغريم رجع نظر إن نوى ذلك قبل مفارقة عمران البلد لم يترخص وبعد مفارقة العمران فوجهان. أصحهما يترخص ما لم يجده فإذا وجده صار مقيما وكذا لو نوى قصد موضع في مسافة القصر ثم نوى الاقامة في بلد وسط الطريق فإن كان من مخرجه إلى المقصد الثاني مسافة القصر يترخص وإن كان أقل ترخص أيضاً على الأصح ما لم يدخله. قلت هذا إذا نوى الإقامة أربعة أيام فإن نوى دونها فهو سفر واحد فله القصر في جميع طريقه وفي البلد الذي في الوسط والله أعلم. إذا سافر العبد بسير المولى والمرأة بسير الزوج والجندي بسير الأمير ولا يعرفون مقصدهم لم يجز لهم التلرخص. فلو نووا مسافة القصر فلا عبرة بنية العبد والمرأة وتعتبر نية الجندي لأنه ليس تحت يد الأمير وقهره فإن عرفوا مقصدهم فنووا فلهم القصر قلت: وإذا أسر الكفار رجلاً فساروا به ولم يعلم أين يذهبون به لم يقصر. وإن سار معهم يومين قصر بعد ذلك. نص عليه الشافعي رحمه الله. فلو علم البلد الذي يذهبون به إليه فان كان نيته أنه إن تمكن من الهرب هرب لم يقصر قبل مرحلتين. وإن نوى قصد ذلك البلد أو غيره - ولا معصية في قصده - قصر في الحال إن كان بينهما مرحلتان. والله أعلم. فرع لو كان لمقصده طريقان يبلغ أحدهما مسافة القصر دون الآخر فسلك الأبعد نظر إن كان لغرض كالأمن أو السهولة أو زيارة أو عيادة ترخص. وكذا لو قصد التنزه على المذهب. وتردد الشيخ أبو محمد في اعتباره. وإن لم يكن غرض سوى الترخص فطريقان. أصحهما: على قولين. أظهرهما: لا يترخص. والطريق الثاني: لا يترخص قطعاً. ولو بلغ بكل واحد المسافة فسلك الأبعد لغير غرض ترخص في جميعه قطعاً. إذا خرج إلى بلد والمسافة طويلة ثم بدا له في أثناء يرجع انقطع سفره فلا يجوز القصر ما دام في ذلك الموضع فإذا فارقه فهو سفر جديد. فإنما يقصر إذا توجه منه إلى مرحلتين سواء رجع إلى وطنه أو استمر إلى مقصده الأول أو غيرهما ولو خرج إلى بلد لا يقصر إليه الصلاة ثم نوى مجاوزته إلى ما يقصر إليه الصلاة فابتداء سفره من حين غير النية فإنما يترخص إذا كان من ذلك الموضع إلى المقصد الثاني مرحلتان ولو خرج إلى سفر طويل بنية الاقامة في كل مرحلة أربعة أيام لم يترخص.
|