الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأنباء في طبقات الأطباء (نسخة منقحة)
وشمس العرب هو أبو محمد عبد العزيز بن النفيس بن هبة اللّه بن وهبان السلمي، ولم يزل أبي مترددًا إلى الخدمة بقلعة دمشق وإلى البيمارستان الكبير النوري إلى أن توفي رحمه اللّه، وكانت وفاته في ليلة الخميس الثاني والعشرين من ربيع الآخر سنة تسع وأربعين وستمائة، ودفن ظاهر باب الفريدس في طريق جبل قاسيون، وذلك في أيام الملك الناصر يوسف بن محمد صاحب دمشق، ولما كان عمي عند الملك الأمجد، وأتى إلى بعلبك الملك المعظم لنجدة الملك الأمجد عند عداوته الإسبتار، واجتمعوا كان عمي يجتمع معهم، ولم يكن في زمانه من يعرف الموسيقا واللعب بالعود مثله، ولا أطيب صوتًا منه، حتى أنه شوهد من تأثر الأنفس عند سماعه مثل ما يحكى عن أبي نصر الفارابي، فكثر إعجاب الملك المعظم به جدًا وبعد ذلك أخذه إليه واستمر في خدمته من أول جمادى سنة عشر وستمائة، وأطلق له الجامكية والجراية، ولم يزل يواصله بالافتقاد والإنعام، ولا يفارقه في أكثر أوقاته، وكان يعتمد عليه في صناعة الطب، وكذلك كان الملك الكامل محمد والملك الأشرف يعتمدان عليه، وإذا حضر أحدهما عند أخيه الملك المعظم لا يزال عندهما، وكان له منهما الإنعام الكثير.وأعرف مرة قد حضر الملك الكامل عند أخيه الملك المعظم، وكان عمي معهما، وكانوا في مجلس الأنس فأعطى الملك الكامل له في تلك الليلة خلعة كاملة، وخمسمائة دينار مصرية، ولما كان الملك المعظم بدمشق ندبه أن يتولى كتابة الجيش، وأكد عليه في ذلك، فلم يسعه إلا امتثال أمره، وقعد في الديوان وحضر عنده الجماعة والنواب، وشرع في الكتابة أياماً، ثم رأى أن أوقاته تمر بأسرها في الكتابة والحساب، ولم يبق له وقت لنفسه، ولاشتغاله في العلوم العقلية وغيرها، فطلب من السلطان أن يعفيه من ذلك، وتشفع إليه بجماعة من خواصه حتى أقاله.ولما كان في سنة إحدى عشرة وستمائة حج الملك المعظم، وحج عمي معه، ولم يزل في خدمته إلى أن اتفقت نوبة عمنا في نصف شعبان سنة أربع عشرة وستمائة، وتقدمت الفرنج وتخالف الطريق بين السلطان الكبير الملك العادل وولده المعظم، فمضى عمي صحبة الملك العادل نحو دمشق، ومضى الملك المعظم نحو نابلس، ثم خرج عمي من دمشق صحبة الملك الناصر داود ابن الملك المعظم، ولما وصلوا عجلون أمر برجوع ولده فرجعوا، وبعد ذلك مرض عمي مرضًا وطال إلى آخر السنة المذكورة فرأى أن الحركة تضره، وهو بالطبع يميل إلى الانفراد والاشتغال بالكتب، استدعاه الملك العادل أبو بكر بن أيوب لما سمع بتحصيله وسيرته، وذلك في الخامس من المحرم سنة خمس عشرةوستمائة وولاه طب البيمارستانين بدمشق اللذين وقفهما الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي، فكان يتردد إليهما وإلى القلعة، وقرر له جامكية وجراية، وأطلقت له أيضًا ست الشام أخت الملك العادل جامكية في الطب، وكان يتردد إلى دارها.ولما أقام بدمشق وجعل له مجلسًا عامًا لتدريس صناعة الطب، واشتغل عليه جماعة، وكلهم تميزوا في الطب، وكان يجتمع في ذلك الوقت مع علم الدين قيصر بن أبي القاسم بن عبد الغني، وهو علامة وقته في العلوم الرياضية فقرأ عليه علم الهيئة، وأتقنها في أسرع وقت، ولقد كان علم الدين يومًا عنده، وهو يريه أشكالًا في علم الهيئة وقال له وأنا أسمع واللّه يا رشيد الدين هذا الذي قد علمته في نحو شهر دأب غيرك في خمس سنين حتى يعلمه، واجتمع أيضًا عمي في دمشق بالسيد الإمام العالم شيخ الشيوخ صدر الدين بن حمويه، وألبسه خرقة التصوف، وذلك في العشرين من شهر رمضان سنة خمس عشرة وستمائة، وهذه نسخة ما كتبه له معها بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ما أنعم به المولى السيد الأجل، الإمام العالم، شيخ الشيوخ، صدر الدين، حجة الإسلام، علم الموحدين، أبو الحسن محمد ابن الإمام السيد الأجل العالم، شيخ الشيوخ عماد الدين أبي حفص عمر بن أبي الحسن بن محمد بن حموية، أدام اللّه تأييده، من إلباس خرقة التصوف على مريده علي بن خليفة بن يونس الخزرجي الدمشقي وفقه اللّه على الطاعات، ألبسه وأخبره أنه أخذها عن والده المذكور رحمه اللّه، وأن والده أخذها عن أبيه شيخ الإسلام معين الدين أبي عبد اللّه محمد بن حموية رحمه اللّه، وأنه أخذها عن الخضر عليه السلام، والخضر عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وأخذها جده أيضًا عن الشيخ أبي علي الفارندي الطوسي، وأخذها المذكور عن شيخ وقته أبي القاسم الكركاني وأخذها أبو القاسم عن الأستاذ الإمام أبي عثمان المغربي، وأخذها أبو عثمان عن شيخ الحرم أبي عمرو الزجاجي، وأخذها المذكور عن سيد الطائفة الجنيد بن محمد، وأخذها الجنيد عن خاله سري السقطي، عن معروف الكرخي، عن علي بن موسى الرضا عليه السلام، وصحيه وتأدب به، وخدمه، وأخذ علي عن أبيه موسى بن جعفر الكاظم، عن أبيه جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه محمد بن علي الباقر، عن أبيه علي بن الحسين زين العابدين، عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام، وأخذها علي كرم اللّه رجهه عن سيد المرسلين وإمام المتقين نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم، وأخذ معروف أيضًا عن داود الطائي، عن حبيب العجمي عن سيد التابعين الحسن البصري عن علي عليه السلام، عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وكان لباسه الخرقة أعاد اللّه عليه من بركاتها، وعلى جميع من تشرف بها في العشرين من شهر رمضان سنة خمس عشرة وستمائة بدمشق المحروسة.وبين الأسطر بخط المولى صدر الدين شيخ الشيوخ ما هذا مثاله ألبست الخرقة للمذكور وفقه اللّه تعالى، وكتب ابن حمويه أبو الحسن بن عمر بن أبي الحسن بن محمد في شهر رمضان سنة خمس عشرة وستمائة، حامدًا لربه ومصليًّا على رسوله، ومستغفرًا من ذنوبه، ولما كان في سنة ست عشرة وستمائة، وصل إلى عمي كتاب من الملك الصالح إسماعيل ابن الملك العادل بخطه، وهو يطلب منه أن يتوجه إليه إلى مدينة بصرى ليعالج والدته، ومرضى أُخر عنده ويعود، وكان قد عرض في بصرى وباء عظيم فتوجه إليه وعالج والدته، فصلحت في مدة يسيرة، وأنعموا عليه بالذهب والخلع، وعرضت لعمي حمى حادة فعاد إلى دمشق، ولم يزل المرض يتزايد به، وأعيان الأطباء ومشايخهم يلازمونه إلى أن انقضت مدة حياته، وكانت وفاته رحمه اللّه في الساعة الثانية من يوم الاثنين سابع عشر شعبان سنةست عشرة وستمائة، وله من العمر ثمان وثلاثون سنة، ودفن عند أبيه وأخيه في ظاهر باب الفراديس، ومن كلامه في الحكمة، مما سمعته منه، رحمه اللّه، فمن ذلك وصية أول النهار قال قد أقبل هذا النهار وأنت فيه مهيأ لكل فعل، فاختر لنفسك أفضلها لتوصلك إلى أفضل الرتب، وعليك بالخير فإنه يقربك من اللّه ويحببك إلى الناس، وإياك والشر فإنه يبعدك عن اللّه ويبغضك إلى الناس، وافعل ما تحاسب نفسك عليه عند انقضاء هذا النهار، والحذر من أن يغلب شرك على خيرك، وليس الفاضل من بقي على حالة الطبيعية مع عدم المؤذيات بل الفاضل من بقي عليها مع وجود المؤذيات، والانقطاع عن الناس أكبر مانع للأذى، واقبل وصايا الأنبياء، واقتد بأفعال الحكماء، وعليك بالصدق فإن الكذب يصغر الإنسان عند نفسه فضلًا عن غيره، واحلم تشكر، وتفضل فإن الحقد يعجل الهم، ويوقع في العداوات والشرور، وكذلك الحسد، وتجنب الأشرار تكفَ الأذى، وابعد عن أرباب الدنبا تكفَ الأشرار، واقنع من دنياك بما تدفع به ضرورة بدنك، واعلم أن نهارك هذا قطعة تذهب من حياتك، فأنفقها فيما يعود عليك نفعه، وإذا اندفعت ضرورة بدنك اقض باقي نهارك في مصلحة نفسك، وافعل بالناس ما تشتهي أن يفعلوه بك، وإياك والغضب والمبادرة إلى الانتقام من المغضب أو الانفصال عنه، فإنه ربما أوقع في الندم، وعليك بالصبر فإنه رأس كل حكمة.وصية أول الليل قد انقضى نهارك بما فيه، وأقبل عليك هذا الليل، وليس لك فيه فعل بدني ضروري، فاعطف على مصلحة نفسك بالاشتغال في العلم، والفكر في الاطلاع على الحقائق، ومهما استطعت اليقظة في ذلك فافعل، فإذا أردت النوم فاجعل في نفسك ملازمة ما أنت فيه لتكون رؤياك من هذا الجنس، وافعل ما تحاسب نفسك عليه عند الصباح، واحرص أن تكون في غدك أفضل من يومك المنقضي، وإياك أن تجدبك الطباع إلى الفكر فيما عاينته في نهارك من أحوال أرباب الدنيا فتضيع وقتك، وتنفتح لك أبواب الخداع والحيل والمكر في تحصيل أمور الدنيا، وتظلم نفسك، وتفسد حالك، وتبعد عن الحقائق، وتكتسب الأخلاق المذمومة، ويعسر تخلصك منها، لكن اعلم أن هذه أعراض زائلة لا فائدة فيها، وإن ضرورات الإنسان قليلة جدًّا، وفكر فيما يعود على نفسك نفعه، وتهيأ للقاء اللّه فإن علمك بموتك متى يكون، مستورًا عنك، وما جاؤوك في أن يأتي يوم آخر عليك أقوى من وهمك أن تموت في هذه الليلة، فودع بالثبات على ما تنتفع به بعد المفارقة، والسلام.وقال احترم المشايخ ولو سكتوا عن جواب سؤالك، فلعل ذلك لبعد العهد وكلال القوى، أو لأنك سألت عما لا يعنيك، أو معرفتهم بعجز فهمك عن الجواب، واعلم أن فوائدك منهم أكثر من ذلك.وقال اشتغل بكلام المشهورين الجامعة أولاً، فإذا حصلت الصناعة، فاشتغل بالكتب الجزئية من كلام كل قائل عاريًا عن محبة أو بغضة، ثم زنه بالقياس، وامتحنه إن أمكن بالتجربة، وحينئذ اقبل الصحيح، وإن أشكل فأشرك غيرك فيه، فإن لكل ذهن خاصية بمعان دون معان.وقال إذا أقدمك الأفاضل تقدم، وإلا تأخرت.وقال اطلب الحق دائمًا تحظ بالعلم لنفسك، وبالمحبة من الناس.وقال طابق أعمالك الجزئية ما في ذهنك من القانون الكلي يتيقن علمك، وتجود تجربتك، وتتأكد تقدمة معرفتك، وتكثر منافعك من الناس.وقال اشتغل من الكلام بما قصد قائله التعليم، فإذا حصلت الصناعة فأكدها بالاشتغال بكلام محبي الحق مبطلي الباطل، فإذا تبرهن علمك وتيقن بحيث لا تقدح فيه الشكوك، لا يضرك حينئذ في بعض أوقاتك مطالعة كتب المتشككين والجدليين، فإن قصدهم إظهار قوتهم فيما يدعونه، سواء كانوا يعلمونه علمًا يقينا أم لا، وسواء كان ما يدعونه حقًا أم باطلاً.وقال إذا تطببت فاتق اللّه، واجتهد أن تعمل بحسب ما تعلمه علمًا يقيناً، فإن لم تجد فاجتهد أن تقرب منه.وقال إذا وصلت إلى رتبة المعلمين فلا تمنع مستحقًا وهو العاقل الذكي الخير الحكيم النفس، وامنع من سواه.وقال إذا رأيت أدوية كثيرة لمرض واحد فاختر أوفقها في حال حال.وقال الأمراض لها أعمار، والعلاج يحتاج إلى مساعدة الأقدار، وأكثر صناعة الطب حدس وتخمين، وقلما يقع فيه اليقين، وجزآها القياس والتجربة، لا السفسطة وحب الغلبة، ونتيجتها حفظ الصحة إذا كانت موجودة، وردها إذا كانت مفقودة، وفيهما يتبين سلامة الفطر، ودقة الفكر، ويتميز الفاعل عن الجاهل، والمجد في الطلب عن المتكاسل، والعمّال بمقتضى القياس والتجربة، عن المحتال على اقتناء المال وعلو المرتبة.وقال إن بالعلم من الطول وعسر الحصول، ولو سلك فيه الإيجاز والبيان جهد الإمكان، مع طول الأعمار ودقة الأفكار، وتعاون البشر وسلامةالفطر، ما يعجز الناظر ويذبذب الخطر.وقال انظر إلى أفعال الطبيعة إذا لم يعقها عائق، واقتد بها في أفعالك.وقال ما أحسن الصبر لولا أن النفقة عليه من العمر.وقال كلما انتظر الشيء استبعد زمانه، واستقل مقداره.وقال الخير منتظر، فالظن فيه قليل.وقال الظلم في الطباع، وإنمايترك خوف معاد، أو خوف سيف.وقال لا تتم مصلحة إلا بمفاسد.وقال القاصدون مصالحهم أكثر من المشفقين على مخلوقات اللّه تعالى بأضعاف مضاعفة.وقال إن شئت المقام بين الناس مظلومًا فاحترز منهم، أو غير مظلوم فاظلمهم، وأما الحال الوسطى فلا تطمع بها.وقال الانقطاع أفضل أوقات الحياة وقال الانقطاع أفضل السير، وقال الانقطاع نتيجة الحكمة.وقال الأردياء يطلبون مع من يفنون نهارهم في الحديث واللهو والبطالة، وأنهم متى خلوا بأنفسهم تألموا مما يجدونه في أنفسهم من الرداءة، والأخيار على خلاف ذلك لأنهم يأنسون بأنفسهم.وقال أصل كل بلية الرغبة في الدنيا، وقال طالما يلي الناس عن مصالحهم لتشبثهم بالدنيا ففاتتهم. وقال عجبي لمن لا يعلم متى يموت ويعتقد سعادة وشقاء على أي حال كانت كيف يركن إلى الدنيا ويهمل المهم من أمره، وقال ما أكثر الملتذين بالآمال من غير الشروعفي بلوغها.وقال الآمال أحلام اليقظان. وقال لكل وقت أشغال كثيرة فليفعل فيه أهمها. وقال كيف حال من يهمل مهماته في أوقاتها مؤملًا أن ستأتي أوقات أخرى لها مدافعًا من كل وقت إلى غيره، إلى أن يموت مؤملاً، وقال ما دمت في حال تقدر على تدبير جسدك ورياضة نفسك، بحسب استعدادهما، غير مقتر ولا مسرف فلا تنتقل إلى غيره، فإن لك محركًا لو رمت السكون لما أمكنك، وكم من متنقل إلى حال خالها أفضل ألفاها أخس، وقال لا تعاد السعيد فضد السعيد الشقي، وقال إن ألقى كلِّ من عدوين همته على الآخر أسعدهما جدًا يقهر عدوه، ولذلك أمر بإجماع الهمم عند طلب الأمور العظيمة لتقوم مقام الهمة الواحدة المعانة بالتأييد السماوي، وقال احرص على اتخاذ الناس إخواناً، وإياك وسهام الهمم فإنها صائبة، وقال احذروا أذية العلماء فإنهم آل اللّه، وقال ما ظلم ذو علم حقيقي إلا كشف اللّه ظلامته ونره، وخذل ظالمه قريباً، وقال إن للّه أحبابًا يحرسهم بعينه التي لا تنام هم العلماء، وقال العلماء هم السعداء على الحقيقة، وقال سعداء الدنيا على اصطلاح الجمهور، ما لم تصدر عنهم الخيرات فهم الأشرار، وقال قد ينطق إنسان في وقت ما بالحكمة، فإذا طلب من نفسه ذلك في وقت آخر لم يجده، وقال من صاحب الجهال على جهالتهم، وجذبه حب الدنيا إلى الحضور في مجالسهم فناله شرهم فليسلم نفسه، وقال أصلح الميزان ثم زن به، وقال إذا صرت ذا عقل هيولاني صرت إنسانًا بالفعل بقول مطلق، وقال ثق بعلمك إذا لم يقدح فيه الاعتراض، وقال نعم الرأي الواحد، وقال نعم الرأي المتناسب، وقال العمل في الرأي بحسب غاية تصدر به، لا بحسب المصلحة المطلقة، وقال نعم الرأي الحادث بين المستشير الصادق، والمستشار الأمين العاقل، وقال لا تثق إلا بمعتقد في شيء ما يرجوه، ويخافه متيقن أنه لا حق إلا اعتقاده، فأما الشاك فيما يعتقده، أو من لا يعتقد شيئًا البتة فلا تثق به، ولا تتخذه صاحباً، وذلك المعتقد المتيقن اعتقاده إن كان غير أهل ملتك فاحذره أيضًا لأنه يعتقد فيك الكفر بمعتقده فيتخذك عدوًا فيفعل بك فعل الأعداء، وقال ثق بالدين من أهل دينك، وقال تيقن أن صحة الاعتقاد سبب لملازمة الأعمال الدينية وملازمة الأعمال الدينية قد تكون دليلًا على تيقن صحة الاعتقاد؛ وقد يفعلها فاعلها تابعًا لغيره، غير عالم بشيء آخر؛ وقد يفعلها تقية، وعلامتها إذا كانت تابعة لتيقن صحة الاعتقاد ظهور الآثار الإلهية عليها، وعدل سائر سيرة فاعلها من نفسه مع جميع المخلوقات وقال الحرية نعم العيش، وقال القناعة باب الحرية، وقال من قدر على العيش الكفاف بحسب ضروراته، ثم ملك نفسه لغير رغبة في فضول العيش فهو أحمق الحمقاء، وقال ما أقل ضرورات الإنسان لو أنصف نفسه، وقال: اجتنب الإلف بأهل الدنيا فإنهم يشغلونك إن وجدتهم، ويحزنونك إن فقدتهم، وقال اصحب عند ضجرك من تبعدك صحبته مما كنت فيه، وقال فقد الخليل مؤذن بالرحيل، وقال الحكيم إن أسأت إليه أو توهم أنك أسأت إليه وإن لم تسيء، فقد تنتفع عنده بالتنصل إن كنت بريئًا وبالاعتذار إن كنت مسيئاً، فأما الحقود فمتى أشعرت بأنه توهم منك إساءة، عدم نفع أو مخالفة أمر، فاحذره فإنه لا يزال في خاطره التدبير في أذيتك، وقال الأصدقاء كنفس واحدة في أجساد متفرقة، وقال الطبيب مدبر لبدن الإنسان من حيث هو مقارن لنفسه، ولا من حيث هو بدن إنسان بالقول المطلق، وهذا التركيب من أشرف التراكيب فينبغي أن يكون معانيه من أشرف الناس، وقال المال مغناطيس أنفس الجهلاء، والعلم مغناطيس أنفس العقلاء، وقال رأيت الجهلاء يعظمون أرباب الأموال، مع تيقنهم أنهم لا ينيلونهم منه شيئًا إلا ثمن متاع، أو أجرة صناعة، كما ينالونه من الفقراء، وقال خير العلماء من ناسب علمه عقله، وقال إذا أمكن الانقطاع من الناس بأقل المقنعات فهو أفضل الأحوال، وقال إذا كنت تشفق على مالك فلا تنفق شيئًا منه إلا في المهم، فأحرى أن تفعل ذلك في عمرك، وقال الحكمة الاقتداء باللَّه تعالى، وقال إنما يطلع الإنسان على عيوب نفسه من اطلاعه على عيوب الناس، وقال إذا لزمت نفسك الخلق الجميل فكأنك أكرمتها غاية الكرامة، وذلك أنك إذا لم تغضب مثلًا والناس كلهم يغضبون فأنت أفضل الناس من هذا الوجه، وقال بقدر ما لكل ذات من الكمال لها من اللذة؛ بقدر ما في كل ذات من النقص فيها من الألم، وقال أكثر من مطالعة سير الحكماء واقتد منها بما يمكن الاقتداء به في زمانك، وقال قو نفسك على جسدك، وقال أصلح كيفية الغذاء واقتصد في كميته، وقال اكتف من غذاء الجسم بما يحفظ قواه، وإياك والزيادة فيها واستكثر من غذاء النفس، وقال غذاء النفس بالعلوم على التدريج فابتدئ بالسهل القليل وتدرج، فإنها تشتاق حين تقوى، وتعتاد إلى الصعب الكثير، فإذا صار لها ملكة سهل عليها كل شيء، قال المعدة القوية تهضم جميع ما يرد إليها من أنواع الأغذية؛ والنفس الفاضلة تقبل جميع ما يرد عليها من العلوم، وقال ما لم تطق التوحد فأنت مضطر إلى مصاحبة الناس، وقال صاحب الناس بما يرضيهم، ولا تطرح جانب اللَّه تعالى، وقال كتب بعضهم إلى شيخه يشكو تعذر أموره فكتب إليه إنك لن تنجو مما تكره حتى تصبر عن كثير مما تحب؛ ولن تنال ما تحب حتى تصبر على كثير مما تكره، والسلام، وقال اشكر المحسن ومن لا يسيء، واعذر الناس فيما يظهر منهم ولا تلمهم، فلكل من الموجودات طبع خاص، وقال، استحسن للناس ما تستحسنه لنفسك، واستقبح لنفسك ما تستقبحه لهم، وقال لا تخل فعلًا من أفعالك من تقوى اللَّه تعالى، وقال أطع اللَّه محقًا يطعك الناس، وقال لا شيء أنجع في الأمور من الهمة الصادقة، وقال خذ من كل شيء ما يوصلك إلى الغاية التي وضع من أجلها، وقال كل مايحصل بالعرض فلا تثق به.وقال اخضع للناس وخاصة العلماء والمشايخ، ولا تزدر أحداً، فطالما كتم العالم علمه ليتخير له من يودعه إياه كما يتخير الفلاح الأرض، وقال اشتغل من كل علم بكلام أربابه الأول، وقال استكثر من العناية بالكتب الإلهية المنزلة ففيها كل حكمة، وقال أكثر من صحبة المشايخ فإما أن تستفيد من علمهم وإما من سيرتهم، وقال إذا تأملت حركات الفضلاء وسكناتهم وجدت فيها حكمًا جمة، وقال رأيت المهم عند أكثر الناس ما يجتلبون به المال، وقال ما أكثر ما يسمع الناس الوصايا النبوية والحكمية، ولا يستعملون منها إلا ما يجتلبون به المال، وقال ما أشد ركون الناس إلى اللذات الجسمانية، وقال لا تخل وقتك الحاضر من الفكر في الآتي، وقال من لم يفكر في الآتي أتى قبل أن يستعد له، وقال القناعة سبب كل خير وفضيلة، وقال وبالقناعة يتوصل إلى كل مطلوب، وقال القانع مساعد على بلوغ مآربه، وقال اقصد من الكمال الإنساني الغاية القصوى، فإن لم يكن في قوتك الوصول إليها فإنك تصل إلى ما في قوتك أن تصل إليه، وإذا قصدت الكمال التالي لكمالك آملًا إذا وصلته أن تقصد ما يليه، فربما ركنت إلى الراحة وقنعت بدون ما تستحقه، وقال احرص على أن لا تخل بشيء من العبادات البدنية فإنها نعم المعين الموصل إلى العبادات النفسانية، وقال كفى بالوحدة شرفًا أن اللَّه تعالى واحد، وقال كلما تمحضت الوحدة كانت أشرف، لأن وحدة اللَّه تعالى لا يشوبها كثرة من وجه أصلاً، وقال اعتصم باللّه تعالى، وتوكل عليه، وثق به محقاً، يحرسك ويكفيك كل مؤونة، ولا يخيب لك ظناً، وقال اجعل الملة عضدك، وأهلها إخوانك، ولا تركن إلى الدول، فإن الملل هي الباقية، وقال عود نفسك الخير علمًا وعملًا تلق الخير من اللَّه تعالى، ومن الناس عاجلًا وآجلاً، وقال لا تطمع بالانقطاع ما دام لك أدنى طمع، وقال لو وقف الضعيف عند قدره لأمن كثيرًا من الأخطار، وقال ليت شعري بما أعتذر إذا علمت ولم أعمل، أرجو عفو اللَّه تعالى، ومن شعره وهو مما سمعته من لفظه رحمه اللّه فمن ذلك قال: وقال في صفة مجلس: وقال أيضًا: وقال أيضًا: وقال لغزًا في أبو الكرام: وقال لغزًا في أتش: وقال: وقال أيضًا: وقال أيضًا: ولعمي رشيد الدين علي بن خليفة من الكتب كتاب الموجز المفيد في علم الحساب، أربع مقالات، ألفه للملك الأمجد صاحب بعلبك، وذلك في شهر صفر سنة ثمان وستمائة، وهم في المخيم بالطور، كتاب في الطب، ألفه للملك المؤيد نجم الدين مسعود بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، وقد استقصى فيه ذكر الأمور الكلية من صناعة الطب، ومعرفة الأمراض وأسبابها ومداواتها، كتاب طب السوق، ألفه لبعض تلامذته وهو يشتمل على ذكر الأمراض التي تحدث كثيرًا ومداواتها بالأشياء السهلة الوجود التي قد اشتهر التداوي بها، مقالة في نسب النبض وموازنته إلى الحركات الموسيقارية، مقالة في السبب الذي له خلقت الجبال، ألفها للملك الأمجد، كتاب الأسطقسات، تعاليق ومجربات في الطب.
|