الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)
.بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ: قَالَ: (وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِدُيُونٍ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ فِي صِحَّتِهِ وَدُيُونٌ لَزِمَتْهُ فِي مَرَضِهِ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ فَدَيْنُ الصِّحَّةِ وَالدَّيْنُ الْمَعْرُوفُ الْأَسْبَابِ مُقَدَّمٌ).وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: دَيْنُ الْمَرَضِ وَدَيْنُ الصِّحَّةِ يَسْتَوِيَانِ لِاسْتِوَاءِ سَبَبِهِمَا، وَهُوَ الْإِقْرَارُ الصَّادِرُ عَنْ عَقْلِ وَدَيْنٍ، وَمَحَلُّ الْوُجُوبِ الذِّمَّةُ الْقَابِلَةُ لِلْحُقُوقِ فَصَارَ كَإِنْشَاءِ التَّصَرُّفِ مُبَايَعَةً وَمُنَاكَحَةً، وَلَنَا أَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يُعْتَبَرُ دَلِيلًا إذَا كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْغَيْرِ، وَفِي إقْرَارِ الْمَرِيضِ ذَلِكَ، لِأَنَّ حَقَّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ تَعَلَّقَ بِهَذَا الْمَالِ اسْتِيفَاءً وَلِهَذَا مُنِعَ مِنْ التَّبَرُّعِ وَالْمُحَابَاةِ إلَّا بِقَدْرِ الثُّلُثِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ، وَهُوَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَبِخِلَافِ الْمُبَايَعَةِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ لَا بِالصُّورَةِ، وَفِي حَالِ الصِّحَّةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُمْ بِالْمَالِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِاكْتِسَابِ فَيَتَحَقَّقُ التَّثْمِيرُ وَهَذِهِ حَالَةُ الْعَجْزِ، وَحَالَتَا الْمَرِيضِ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّهُ حَالَةُ الْحَجْرِ بِخِلَافِ حَالَتَيْ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ، لِأَنَّ الْأُولَى حَالَةُ إطْلَاقٍ وَهَذِهِ حَالَةُ عَجْزٍ فَافْتَرَقَا وَإِنَّمَا تُقَدَّمُ الدُّيُونُ الْمَعْرُوفَةُ الْأَسْبَابِ، لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي ثُبُوتِهَا إذْ الْمُعَايِنُ لَا مَرَدَّ لَهُ وَذَلِكَ مِثْلُ بَدَلِ مَالِ مَلَكَهُ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ وَعَلِمَ وُجُوبَهُ بِغَيْرِ إقْرَارِهِ أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِمَهْرِ مِثْلِهَا، وَهَذَا الدَّيْنُ مِثْلُ دَيْنِ الصِّحَّةِ لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ لِآخَرَ لَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ دُونَ الْبَعْضِ لِأَنَّ فِي إيثَارِ الْبَعْضِ إبْطَالَ حَقِّ الْبَاقِينَ، وَغُرَمَاءُ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ إلَّا إذَا قَضَى مَا اسْتَقْرَضَ فِي مَرَضِهِ أَوْ نَقَدَ ثَمَنَ مَا اشْتَرَى فِي مَرَضِهِ وَقَدْ عُلِمَ بِالْبَيِّنَةِ.قَالَ: (فَإِذَا قُضِيَتْ) يَعْنِي الدُّيُونَ الْمُقَدَّمَةَ (وَفَضَلَ شَيْءٌ يُصْرَفُ إلَى مَا أَقَرَّ بِهِ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ فِي ذَاتِهِ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا رُدَّ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ حَقُّهُمْ ظَهَرَتْ صِحَّتُهُ.قَالَ: (فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ فِي صِحَّتِهِ جَازَ إقْرَارُهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَتَضَمَّنْ إبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ (وَكَانَ الْمُقَرُّ لَهُ أَوْلَى مِنْ الْوَرَثَةِ) لِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِدَيْنٍ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ تَرِكَتِهِ وَلِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ، وَحَقُّ الْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ بِشَرْطِ الْفَرَاغِ وَلِهَذَا تُقَدَّمُ حَاجَتُهُ فِي التَّكْفِينِ.الشرح:بَاب إقْرَار الْمَرِيضِ:قَوْلُهُ: عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِدَيْنٍ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ تَرِكَتِهِ.قُلْت: غَرِيبٌ.قَالَ: (وَلَوْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِوَارِثِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ فِيهِ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ).وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: يَصِحُّ لِأَنَّهُ إظْهَارُ حَقٍّ ثَابِتٍ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الصِّدْقِ فِيهِ، وَصَارَ كَالْإِقْرَارِ لِأَجْنَبِيٍّ وَبِوَارِثٍ آخَرَ وَبِوَدِيعَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ لِلْوَارِثِ.وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَلَا إقْرَارَ لَهُ بِالدَّيْنِ» وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ حَقُّ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ فِي مَرَضِهِ وَلِهَذَا يُمْنَعُ مِنْ التَّبَرُّعِ عَلَى الْوَارِثِ أَصْلًا، فَفِي تَخْصِيصِ الْبَعْضِ بِهِ إبْطَالُ حَقِّ الْبَاقِينَ، وَلِأَنَّ حَالَةَ الْمَرَضِ حَالَةُ الِاسْتِغْنَاءِ، وَالْقَرَابَةُ سَبَبُ التَّعَلُّقِ إلَّا أَنَّ هَذَا التَّعَلُّقَ لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ لِحَاجَتِهِ إلَى الْمُعَامَلَةِ فِي الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ انْحَجَرَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْمَرَضِ يَمْتَنِعُ النَّاسُ عَنْ الْمُعَامَلَةِ مَعَهُ وَقَلَّمَا تَقَعُ الْمُعَامَلَةُ مَعَ الْوَارِثِ وَلَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْإِقْرَارِ بِوَارِثٍ آخَرَ لِحَاجَتِهِ أَيْضًا، ثُمَّ هَذَا التَّعَلُّقُ حَقُّ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فَإِذَا صَدَّقُوهُ فَقَدْ أَبْطَلُوهُ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ.الشرح:حَدِيثٌ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، وَلَا إقْرَارَ لَهُ بِدَيْنٍ». قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا عَنْ نُوحِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، وَلَا إقْرَارَ لَهُ بِدَيْنٍ»، انْتَهَى.وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَنُوحُ بْنُ دَرَّاجٍ ضَعِيفٌ، نُقِلَ عَنْ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ. انْتَهَى.وَأَسْنَدَهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ فِي تَارِيخِ أَصْبَهَانَ فِي تَرْجَمَةِ أَشْعَثَ بْنِ شَدَّادٍ الْخُرَاسَانِيِّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ثَنَا نُوحُ بْنُ دَرَّاجٍ بِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ رُوِيَ مُرْسَلًا أَيْضًا، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَهُوَ الصَّوَابُ. انْتَهَى.وَسَنَدُ أَبِي نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ حِبَّانَ ثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقَدَّمِيُّ ثَنَا أَشْعَثُ بْنُ شَدَّادٍ الْخُرَاسَانِيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ثَنَا نُوحُ بْنُ دَرَّاجٍ عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ إلَى آخَرِهِ، وَزَادَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: وَحَدَّثَنَا بِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَلَمْ يَذْكُرْ جَابِرًا. انْتَهَى.قَالَ: (فَإِنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ جَازَ وَإِنْ أَحَاطَ بِمَالِهِ) لِمَا بَيَّنَّا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا فِي الثُّلُثِ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَصَرَ تَصَرُّفَهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّا نَقُولُ لَمَّا صَحَّ إقْرَارُهُ فِي الثُّلُثِ كَانَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي ثُلُثِ الْبَاقِي لِأَنَّهُ الثُّلُثُ بَعْدَ الدَّيْنِ ثُمَّ وَثُمَّ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى الْكُلِّ.قَالَ: (وَمَنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ ثُمَّ قَالَ هُوَ ابْنِي ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَبَطَلَ إقْرَارُهُ لَهُ فَإِنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَبْطُلْ إقْرَارُهُ لَهَا) وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ دَعْوَةَ النَّسَبِ تَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَقَرَّ لِابْنِهِ فَلَا يَصِحُّ، وَلَا كَذَلِكَ الزَّوْجِيَّةُ لِأَنَّهَا تَقْتَصِرُ عَلَى زَمَانِ التَّزَوُّجِ فَبَقِيَ إقْرَارُهُ لِأَجْنَبِيَّةٍ.قَالَ: (وَمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فِي مَرَضِهِ ثَلَاثًا ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ وَمَاتَ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الدَّيْنِ وَمِنْ مِيرَاثِهَا مِنْهُ) لِأَنَّهُمَا مُتَّهَمَانِ فِيهِ لِقِيَامِ الْعِدَّةِ، وَبَابُ الْإِقْرَارِ مَسْدُودٌ لِلْوَارِثِ فَلَعَلَّهُ أَقْدَمَ عَلَى هَذَا الطَّلَاقِ لِيَصِحَّ إقْرَارُهُ لَهَا زِيَادَةً عَلَى مِيرَاثِهَا، وَلَا تُهْمَةَ فِي أَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ فَيَثْبُتُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ..فصلٌ: (مَنْ أَقَرَّ بِغُلَامٍ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ وَلَيْسَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ أَنَّهُ ابْنُهُ وَصَدَّقَهُ الْغُلَامُ): قَالَ: (وَمَنْ أَقَرَّ بِغُلَامٍ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ وَلَيْسَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ أَنَّهُ ابْنُهُ وَصَدَّقَهُ الْغُلَامُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا) لِأَنَّ النَّسَبَ مِمَّا يَلْزَمُهُ خَاصَّةً فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِهِ، وَشَرَطَ أَنْ يُولَدَ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ كَيْ لَا يَكُونَ مُكَذَّبًا فِي الظَّاهِرِ، وَشَرَطَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ، لِأَنَّهُ يَمْنَعُ ثُبُوتَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا شَرَطَ تَصْدِيقَهُ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ، إذْ الْمَسْأَلَةُ فِي غُلَامٍ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ وَلَا يَمْتَنِعُ بِالْمَرَضِ لِأَنَّ النَّسَبَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ (وَيُشَارِكُ الْوَرَثَةَ فِي الْمِيرَاثِ) لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ صَارَ كَالْوَارِثِ الْمَعْرُوفِ فَيُشَارِكُ وَرَثَتَهُ.قَالَ: (وَيَجُوزُ إقْرَارُ الرَّجُلِ بِالْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ وَالْمَوْلَى) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يَلْزَمُهُ وَلَيْسَ فِيهِ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ (وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِالْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى) لِمَا بَيَّنَّا (وَلَا يُقْبَلُ بِالْوَلَدِ) لِأَنَّ فِيهِ تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ، وَهُوَ الزَّوْجُ لِأَنَّ النَّسَبَ مِنْهُ (إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهَا الزَّوْجُ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ (أَوْ تَشْهَدَ بِوِلَادَتِهِ قَابِلَةٌ) لِأَنَّ قَوْلَ الْقَابِلَةِ فِي هَذَا مَقْبُولٌ، وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي إقْرَارِ الْمَرْأَةِ تَفْصِيلًا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى، وَلَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِ هَؤُلَاءِ، وَيَصِحُّ التَّصْدِيقُ فِي النَّسَبِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ لِأَنَّ النَّسَبَ يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ، وَكَذَا يَصِحُّ تَصْدِيقُ الزَّوْجَةِ، لِأَنَّ حُكْمَ النِّكَاحِ بَاقٍ، وَكَذَا يَصِحُّ تَصْدِيقُ الزَّوْجِ بَعْدَ مَوْتِهَا لِأَنَّ الْإِرْثَ مِنْ أَحْكَامِهِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ النِّكَاحَ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ، وَلِهَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ غُسْلُهَا عِنْدَنَا، وَلَا يَصِحُّ التَّصْدِيقُ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِرْثِ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ حَالَةَ الْإِقْرَارِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالتَّصْدِيقُ يَسْتَنِدُ إلَى أَوَّلِ الْإِقْرَارِ.قَالَ: (وَمَنْ أَقَرَّ بِنَسَبٍ مِنْ غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ نَحْوُ الْأَخِ وَالْعَمِّ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي النَّسَبِ) لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ (فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ فَهُوَ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ لَا يُزَاحِمُ الْوَارِثَ الْمَعْرُوفَ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ اسْتَحَقَّ الْمُقَرُّ لَهُ مِيرَاثَهُ) لِأَنَّ لَهُ وَلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ نَفْسِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ، أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ فَيَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ حَمْلِ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ وَصِيَّةً حَقِيقِيَّةً حَتَّى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِأَخٍ ثُمَّ أَوْصَى لِآخَرَ بِجَمِيعِ مَالِهِ كَانَ لِلْمُوصِي لَهُ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ خَاصَّةً، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ وَصِيَّةً لَاشْتَرَكَا نِصْفَيْنِ لَكِنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِأَخٍ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ أَنْكَرَ الْمُقِرُّ وِرَاثَتَهُ ثُمَّ أَوْصَى بِمَالِهِ كُلِّهِ لِإِنْسَانٍ كَانَ الْمَالُ لِلْمُوصَى لَهُ، وَلَوْ لَمْ يُوصِ لِأَحَدٍ كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ رُجُوعَهُ صَحِيحٌ لِأَنَّ النَّسَبَ لَمْ يَثْبُتْ فَبَطَلَ إقْرَارُهُ.قَالَ: (وَمَنْ مَاتَ أَبُوهُ فَأَقَرَّ بِأَخٍ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ أَخِيهِ) لِمَا بَيَّنَّا (وَيُشَارِكُهُ فِي الْمِيرَاثِ) لِأَنَّ إقْرَارَهُ تَضَمَّنَ شَيْئَيْنِ: حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا وَلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَالِاشْتِرَاكَ فِي الْمَالِ وَلَهُ فِيهِ وَلَايَةٌ فَيَثْبُتُ كَالْمُشْتَرِي إذَا أَقَرَّ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعِتْقِ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ وَلَكِنَّهُ يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْعِتْقِ.قَالَ: (وَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَلَهُ عَلَى آخَرَ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَبَاهُ قَبَضَ مِنْهَا خَمْسِينَ لَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ وَلِلْآخَرِ خَمْسُونَ) لِأَنَّ هَذَا إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ إنَّمَا يَكُونُ بِقَبْضٍ مَضْمُونٍ فَإِذَا كَذَّبَهُ أَخُوهُ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ نَصِيبَهُ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى كَوْنِ الْمَقْبُوضِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لَكِنَّ الْمُقِرَّ لَوْ رَجَعَ عَلَى الْقَابِضِ بِشَيْءٍ أَرْجَعَ الْقَابِضُ عَلَى الْغَرِيمِ وَرَجَعَ الْغَرِيمُ عَلَى الْمُقِرِّ فَيُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ..كِتَابُ الصُّلْحِ: قَالَ: (الصُّلْحُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: صُلْحٌ مَعَ إقْرَارٍ، وَصُلْحٌ مَعَ سُكُوتٍ، وَهُوَ: أَنْ لَا يُقِرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا يُنْكِرَ، وَصُلْحٌ مَعَ إنْكَارٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ) لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «كُلُّ صُلْحٍ جَائِزٌ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا»، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَجُوزُ مَعَ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ لِمَا رَوَيْنَا، وَهَذَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ، لِأَنَّ الْبَدَلَ كَانَ حَلَالًا عَلَى الدَّافِعِ حَرَامًا عَلَى الْآخِذِ فَيَنْقَلِبُ الْأَمْرُ، وَلِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَدْفَعُ الْمَالَ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَهَذَا رِشْوَةٌ.وَلَنَا مَا تَلَوْنَا وَأَوَّلُ مَا رَوَيْنَا، وَتَأْوِيلُ آخِرِهِ أَحَلَّ حَرَامًا لِعَيْنِهِ كَالْخَمْرِ أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا لِعَيْنِهِ كَالصُّلْحِ عَلَى أَنْ لَا يَطَأَ الضَّرَّةَ، وَلِأَنَّ هَذَا صُلْحٌ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ فَيُقْضَى بِجَوَازِهِ، لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَأْخُذُهُ عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ فِي زَعْمِهِ وَهَذَا مَشْرُوعٌ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَدْفَعُهُ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَهَذَا مَشْرُوعٌ أَيْضًا، إذْ الْمَالُ وِقَايَةُ الْأَنْفُسِ وَدَفْعُ الرِّشْوَةِ لِدَفْعِ الظُّلْمِ أَمْرٌ جَائِزٌ.قَالَ: (فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ اُعْتُبِرَ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْبِيَاعَاتِ إنْ وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ) لِوُجُودِ مَعْنَى الْبَيْعِ، وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِتَرَاضِيهِمَا (فَتُجْرَى فِيهِ الشُّفْعَةُ إذَا كَانَ عَقَارًا وَيُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَيَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ وَيُفْسِدُ جَهَالَةَ الْبَدَلِ)، لِأَنَّهَا هِيَ الْمُفْضِيَةُ إلَى الْمُنَازَعَةِ دُونَ جَهَالَةِ الْمُصَالَحِ عَنْهُ، لِأَنَّهُ يَسْقُطُ، وَيُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِ الْبَدَلِ (وَإِنْ وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَنَافِعَ يُعْتَبَرُ بِالْإِجَارَاتِ) لِوُجُودِ مَعْنَى الْإِجَارَةِ، وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِمَالٍ وَالِاعْتِبَارُ فِي الْعُقُودِ لِمَعَانِيهَا فَيُشْتَرَطُ التَّوْقِيتُ فِيهَا وَيَبْطُلُ الصُّلْحُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا فِي الْمُدَّةِ، لِأَنَّهُ إجَارَةٌ.قَالَ: (وَالصُّلْحُ عَنْ السُّكُوتِ وَالْإِنْكَارِ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَفِي حَقِّ الْمُدَّعِي لِمَعْنَى الْمُعَارَضَةِ) لِمَا بَيَّنَّا.(وَيَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِفَ حُكْمُ الْعَقْدِ فِي حَقِّهِمَا كَمَا يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْإِقَالَةِ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا) وَهَذَا فِي الْإِنْكَارِ ظَاهِرٌ وَكَذَا فِي السُّكُوتِ، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَالْجُحُودَ فَلَا يَثْبُتُ كَوْنُهُ عِوَضًا فِي حَقِّهِ بِالشَّكِّ.الشرح:كِتَابُ الصُّلْحِ:حَدِيثٌ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا».قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ.فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْقَضَاءِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الصُّلْحُ جَائِزٌ»، إلَى آخِرِهِ سَوَاءً، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْبُيُوعِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ ضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ، وَمَشَّاهُ غَيْرُهُ، انْتَهَى.وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْأَحْكَامِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الصُّلْحُ جَائِزٌ» إلَى آخِرِهِ سَوَاءً، زَادَ التِّرْمِذِيُّ: «وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا، أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا»، انْتَهَى.وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. انْتَهَى.وَرَوَاهُ بِتَمَامِهِ الْحَاكِمُ أَيْضًا فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ وَاهٍ.قَالَ: (وَإِذَا صَالَحَ عَنْ دَارِ لَمْ يَجِبْ فِيهَا الشُّفْعَةُ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ عَنْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ، لِأَنَّهُ يَأْخُذُهَا عَلَى أَصْلِ حَقِّهِ وَيَدْفَعُ الْمَالَ دَفْعًا لِخُصُومَةِ الْمُدَّعِي وَزَعْمُ الْمُدَّعِي لَا يَلْزَمُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَلَى دَارٍ حَيْثُ يَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ، لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَأْخُذُهَا عِوَضًا عَنْ الْمَالِ فَكَانَ مُعَاوَضَةً فِي حَقِّهِ فَتَلْزَمُهُ الشُّفْعَةُ بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُكَذِّبُهُ.قَالَ: (وَإِذَا كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ وَاسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ رَجَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِحِصَّةِ ذَلِكَ مِنْ الْعِوَضِ)، لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ مُطْلَقَةٌ كَالْبَيْعِ وَحُكْمِ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْبَيْعِ، هَذَا (وَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ سُكُوتٍ أَوْ إنْكَارٍ فَاسْتُحِقَّ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ رَجَعَ الْمُدَّعِي بِالْخُصُومَةِ وَرَدَّ الْعِوَضَ)، لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا بَذَلَ الْعِوَضَ إلَّا لِيَدْفَعَ الْخُصُومَةَ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِذَا ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ تَبَيَّنَ أَنْ لَا خُصُومَةَ لَهُ فَيَبْقَى الْعِوَضُ فِي يَدِهِ غَيْرَ مُشْتَمِلٍ عَلَى غَرَضِهِ فَيَسْتَرِدُّهُ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ ذَلِكَ رَدَّ حِصَّتَهُ وَرَجَعَ بِالْخُصُومَةِ فِيهِ، لِأَنَّهُ خَلَا الْعِوَضُ فِي هَذَا الْقَدْرِ عَنْ الْغَرَضِ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ عَنْ إقْرَارٍ رَجَعَ بِكُلِّ الْمُصَالَحِ عَنْهُ، لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ رَجَعَ إلَى الدَّعْوَى فِي كُلِّهِ، أَوْ بِقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ، لِأَنَّ الْمُبْدَلَ فِيهِ هُوَ الدَّعْوَى، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مِنْهُ عَلَى الْإِنْكَارِ شَيْئًا حَيْثُ يَرْجِعُ بِالْمُدَّعَى، لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْبَيْعِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْحَقِّ لَهُ وَلَا كَذَلِكَ الصُّلْحُ، لِأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ.وَلَوْ هَلَكَ بَدَلُ الصُّلْحِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْفَصْلَيْنِ.قَالَ: (وَإِنْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارِ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ فَصُولِحَ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الدَّارِ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنْ الْعِوَضِ، لِأَنَّ دَعْوَاهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا بَقِيَ) بِخِلَافِ مَا إذَا اُسْتُحِقَّ كُلُّهُ، لِأَنَّهُ يُعَرَّى الْعِوَضُ عِنْدَ ذَلِكَ عَنْ شَيْءٍ يُقَابِلُهُ فَيَرْجِعُ بِكُلِّهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْبُيُوعِ، وَلَوْ ادَّعَى دَارًا فَصَالَحَهُ عَلَى قِطْعَةٍ مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ، لِأَنَّ مَا قَبَضَهُ مِنْ عَيْنِ حَقِّهِ وَهُوَ عَلَى دَعْوَاهُ فِي الْبَاقِي، وَالْوَجْهُ فِيهِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَزِيدَ دِرْهَمًا فِي بَدَلِ الصُّلْحِ فَيَصِيرَ ذَلِكَ عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ فِيمَا بَقِيَ أَوْ يَلْحَقَ بِهِ ذِكْرُ الْبَرَاءَةِ عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي.
|